لنتأمل مع بندكتس 18 , 19 من يناير

الثامن عشر من يناير

 روما، 18 يناير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثامن عشر من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

  الحوار الصادق

 ما الذي تعنيه كلمة "حوار" حقيقةً؟ ففي النهاية، لا يكون الحوار لمجرد أن ثمة أشخاص يتكلمون. فالكلام للكلام هو انعدام للحوار يحصل عندما يكون فشل في بلوغه. فالحوار يقوم أول ما يقوم حيث لا يكون فقط كلام بل أيضاً إصغاء. وعلى هذا الإصغاء أن يكون وسيلةً لتحقيق اللقاء، واللقاء هذا هو شرط لتواصل داخلي يؤدي إلى تفاهم متبادل. والتفاهم المتبادل يسمح، في نهاية الأمر، بتعميق كيان المتحاورين وتحويله… فالإصغاء يعني معرفة الآخر والإعتراف به والسماح له بأن يدخل عالمي الخاص. وعليه، وبعد فعل الإصغاء، تراني إنساناً آخر، سيما وأن شخصي قد اغتنى واكتسب عمقاً لاتحاده بشخص الآخر، ومن خلال الآخر، بكيان العالم بأسره… فعندما نتحدث عن الحوار بالمعنى الحقيقي، إنما نعني بذلك فعلاً كلامياً يؤول فيه شيء من الذات، قُل الشخص ذاته، خطاباً، ما يلمس ذات الإنسان فينقّي ويعزز قدرته على أن يكون من هو… والبشر قادرون على التفاهم المتبادل لأنهم، وبعيداً من أن تكون ذواتهم جزراً منفصلة مستقلة، تراهم يتواصلون في الحقيقة ذاتها. وكلما توطد اتصالهم الداخلي بالواقع الواحد الأحد الذي يوحّدهم، أعني الحقيقة، كلما كانوا أقدر على التلاقي على أسس مشتركة. فحسب الحوار من دون هكذا إصغاء داخلي يمتثل إلى صوت الحقيقة أن يبقى مجرّد حوار طرشان…  

 

التاسع عشر من يناير

 روما، 19 يناير 2008 (zenit.org).

الإيمان لقاء بيسوع

 ليس الإيمان صيغةً سحرية، ولكنه يقدم لنا مفتاحاً للتعلم بأنفسنا، بحيث نحصل على أجوبة ونكتشف بأنفسنا هويتنا. فبالعادة، يجد الإنسان نفسه في الآخرين ومن خلال الآخرين. فأحد لا يمكنه أن يعرف ذاته بمجرد النظر إلى داخله وبمحاولة بناء شخصيته انطلاقاً مما اكتشفه في هذا الداخل. فالإنسان كائن مجبول بالعلاقات بحيث لا يسعه أن ينمو إلا بالتواصل مع الآخرين. فمعنى وجوده ورسالته في الحياة وتقدمه في الحياة وطاقاته كلها أمور تنفك ألغازها من خلال لقائه بالآخر. وانطلاقاً من هذه التركيبة الأساسية للوجود البشري نفهم الإيمان ولقاءنا بيسوع. فالإيمان لا يقتصر على كونه مجرد نظام معرفي، كما اعتدنا السماع. ففي قلب الإيمان يقع اللقاء بيسوع. وهذا اللقاء بالذات، من بين كل اللقاءات الأخرى التي نحتاجها، هو اللقاء المصيري الحاسم بحق. فاللقاءات الأخرى التي تطرأ في وجودنا لا تكفي لجلاء الهدف النهائي في حياتنا أو المكان الذي منه نأتي وإليه نحن ذاهبون. أما في لقائنا به، فيشرق النور الأساسي الذي به نفهم الله والإنسان والعالم ورسالتنا ومعنى الوجود – وبه تعود كل اللقاءات الأخرى إلى حجمها الحقيقي.