لنتأمل مع بندكتس 28 الثامن والعشرون من يناير

روما، 28 يناير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل الثامن والعشرين من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

التغير الداخلي الجذري في الإرتداد

 لا يدرِك السرّ سوى من يعيش هذا السرّ ولحظة التبصر الروحي تتزامن بالضرورة مع لحظة الإرتداد… إنّا قد وقعنا في أشراك همجية تجتاح رويداً رويداً بصيرتنا الروحية. فحتى من وجهة نظرية إنسانية بحتة، ثمة براهين وافية تؤكد الفكرة القائلة بأنه من دون ارتداد، ومن دون إجراء تغيير داخلي جذري في تفكيرنا وعيشنا، لن نقدر على التقرب من بعضنا البعض الآخر. إذ على أبسط العقول أن تدرك أن الهمجية لا يُعقَل أن تكون السبيل إلى الإنسانية. ولكن حيثما يُحرَم الإنسان من كل سبيل يحمله إلى الدخول إلى ذاته، ومن كل وسيلة ممكنة لتنقية ذاته، وحيثما يجري تأجيج الحسد والطمع ولا سواهما، هناك تستقر الهمجية منهجية. وهنا نصطدم بما لا نتوقع: فيتأكد أن لا تضارب بين السبيل الذي يقود الإنسان إلى ذاته والسبيل الذي يحمله إلى الآخر، بل العكس تماماً، حيث يحتاج كل منهما إلى الآخر ويدعّمه. فمتى كان البشر موحدين من الداخل نجحوا حقاً في التوحد من الخارج. أما إن بقوا غرباء عن بعضهم في داخلهم، فحسب لقائهم الخارجي إلهاب نزعتهم إلى العدوانية. وهذا المشهد يصوّره لنا الكتاب المقدس في رواية برج بابل، فنرى كيف أن أعلى مستويات الوحدة المتوخاة على صعيد المهارات التقنية تمسي فجأة مشهداً من العجز الكامل في التواصل البشري… وهذه النتيجة المنطقية للأمور: فحين يطمع الإنسان بأن يكون إلهاً، أي راشداً ومستقلاً لدرجة ألا يقدم حسابات لأحد بل يكون وحده المسؤول عن تقرير مصيره بمعزل عن الآخرين، يضحي الآخر إلهاً نقيضاً له، ويمسي التواصل بينهما تناقضاً محتوماً.