كلمة البابا بندكتس السادس عشر لمجلس الأساقفة اللاتين في البلدان العربية

روما، 30 يناير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي نص الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر أمام مجلس الأساقفة اللاتين في البلدان العربية، لدى زيارتهم الى الفاتيكان في الثامن عشر من الجاري.

 

الجمعة 18/1/2008  

أخوتي في الأسقفية والكهنوت ،

 ترحيب:

يسعدني أن استقبلكم وأنتم تنهون زيارتكم القانونية "إلى الأعتاب الرسولية"، فتقوّون شركتكم وشركة الكنائس المحلية التي تمثلونها ، مع خليفة القديس بطرس . وأشكر بحرارة صاحب الغبطة البطريرك ميشيل صباح ، بطريرك القدس للاتين ، ورئيس مجلسكم الأسقفي ، على تقديمه للملامح العامّة لحياة الكنيسة في بلدانكم. وليكن حجكم المقدس إلى أضرحة الرسل مناسبة لتجديد روحي في جماعاتكم مبني على شخص السيد المسيح. يضم مجلس الأساقفة في البلدان العربية أوضاعا متنوّعة. ويكوّن المؤمنون المنحدرون من بلدان عدّة جماعات كنسية صغيرة ، في مجتمعات غالبية سكانها من ديانات أخرى . أخبروا مؤمنيكم عن قرب البابا الروحي منهم، وأنّه يشاطرهم المخاوف والآمال . أمنياتي الحارة لهم جميعا ، ليعيشوا في الدّعة والسلام.

 شهادة الكنيسة المحلية:

أود بداية أن أؤكد لكم الأهمية البالغة التي أعوّلها على شهادة كنائسكم المحلية ، وأذكّركم بالرسالة التي بعثتها إلى الكاثوليك في الشرق الأوسط بتاريخ 21 كانون أول عام 2006 ، تعبيرا عن  تضامن الكنيسة الجامعة. ففي منطقتكم، سلسلة لا تنتهي من العنف وانعدام الأمن والكراهية ، اللذين من شأنهما تعقيد سبل التعايش بين الجميع ، فيخلق ذلك خوفا على وجود جماعاتكم. وهو تحدٍّ كبير ملقىً على عاتق خدمتكم الرعوية ، يحثكم على تقوية إيمان المؤمنين وحسّهم الأخوي ، لكي يعيش الجميع برجاء مؤسَّس على يقين ثابت بأنّ "الرب لا يتخلى عن الذين يتوجهون نحوه ، فهو رجاؤنا الحقيقي ، وهو الذي يساعدنا على مواجهة الحاضر" ( بالرجاء مخلّصون، رقم 1). واني أحثكم على أن تبقوا قريبين من الأشخاص الذين تخدمونهم ، وأن تساندوهم في محنهم، وأن توجهوهم دائما إلى درب الأمانة الأصيلة للإنجيل في تتميم واجباتهم كتلاميذ للمسيح. وليتحلّ الجميع، أمام الأوضاع الصعبة التي يواجهونها، بالقوّة والشجاعة للعيش شهودا أشدّاء على محبّة المسيح.

 الهجرة:

من المفهوم أنَ الأوضاع الصعبة تجبر المسيحيين على ترك بلدانهم بحثا عن أرض تستقبلهم وتتيح لهم المجال للعيش بسهولة ويسر. ولكن ، يجب توجيه الدعم والتشجيع لأولئك الذين اختاروا البقاء أمناء لأرضهم ؛ لكي لا تؤول مواقع أثرية مجرّدة من الحياة الكنسية. وبخلق أجواء أخوية صلبة، سيجدون سندا لهم في محنهم. وإني أقدم كل الدعم للمبادرات التي تأخذون بها إسهاما بخلق ظروف اجتماعية واقتصادية تساعد المسيحيين الباقين في بلدانهم. وأدعو الكنيسة جمعاء إلى تقديم الدعم الجدي لهذه الجهود.

شركة الكنائس:

تكتسي دعوة المسيحيين في بلدانكم العربية أهمية قصوى . فهم صانعو سلام وعدالة ، ولذلك يمثلون حضورا حيا للمسيح الآتي لكي يصالح العالم مع الآب ولكي يجمع شمل أبناء الله المشتتين. وقد بات من الضروري تنمية وتعزيز الشراكة الحيوية والتعاون المثمر بين الكاثوليك من مختلف الطقوس . وهي علامات بليغة للمسيحيين الآخرين ولكل المجتمع. وأيضا، إنّ صلاة السيد المسيح في العلية " ليكونوا أجمعهم واحدا" لتمثل دعوة ملحة للتوجّه الحثيث نحو وحدة جميع تلاميذ المسيح . وكم يسرّني معرفة أنكم تفرزون مكانة خاصة لتعميق العلاقات الأخوية مع غيركم من الكنائس والجماعات الكنسية . وهي علاقات تشكل عنصرا أساسيا على درب الوحدة ، وشهادة للمسيح   " لكي يؤمن العالم " ( يو 17 :21) . أمّا العقبات على درب الوحدة، فيجب ألاّ تخمد الحماس لتشكيل ظروف للحوار اليومي الذي يمهد للوحدة الكاملة.

 حوار الأديان:

في واقعكم اليومي ، تلتقون بأتباع الديانات الأخرى ، مسلمين ويهود. وتأخذ نوعية العلاقات بين المؤمنين في بلدانكم، مكانة خاصة ، إذ هي شهادة أمام الله الواحد من جهة ، وإسهام بإيجاد علاقات أكثر أخوّة بين الأشخاص ومكوّنات مجتمعاتكم ، من جهة أخرى . لذا، فانّ المعرفة المتبادلة بشكل أفضل هي ضرورة حيوية لتعظيم الاحترام الكامل لكرامة الإنسان ، ولتحقيق المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة،  ولتوجيه الأنظار من جديد لحاجات كل فرد ، وبخاصة تجاه الفقراء. واني أتطلع بشدّة لان تصبح الحريّة الدينية الحقيقية واقعا في كل مكان، وانّ حق أي شخص في ممارسة دينه بحرية أو حتى تغييره ينبغي عدم عرقلته. وهذا حق أساسي لكل إنسان.

 العائلة:

إخوتي الأعزاء، من أولويات رسالتكم مدّ يد العون للعائلات المسيحية  التي تواجه تحديات جمّة، مثل النسبية الدينية والروح المادية وكافة التهديدات للقيم الأخلاقية العائلية والاجتماعية. وأحثكم بشكل خاص على مواصلة جهودكم في تعزيز تنشئة صلبة للشباب والبالغين، فتساعدوهم على تعميق هويتهم المسيحية بشجاعة ويسر، وعلى مواجهة الأوضاع التي تطرأ أمامهم ، باحترام كامل للأشخاص الذين لا يشاطرونهم ذات القناعات .

 شهادة في المجتمع:

أعلم مقدار انخراط جماعاتكم في مجالات التربية ، والخدمات الصحية والاجتماعية ، وهي تحظى بتقدير السلطات والشعوب في بلدانكم. وفي ظروف مثل ظروف حياتكم،  إنّ تنمية قيم التضامن والأخوّة والمحبة المتبادلة، تساعدكم على أداء الشهادة لمحبّة الله داخل مجتمعاتكم، وبخاصّة تجاه الفقراء والمهمّشين. حقا، " إنّ المحبة في صفائها ومجانيتها، تشكل شهادة لله الذي نؤمن به والذي منه تعالى نستمد القوة لنحب" ( الله محبة، 31). واني أحيّي الالتزام الشجاع للكهنة والرهبان والراهبات في مرافقة جماعاتكم في حياتها اليومية وفي شهادتها. وعليكم أنتم الرعاة، واجب الاهتمام بهم وتوجيه الدعم لهم إنسانيا وروحيا.

 نعمة السلام:

في النهاية ، أعرب لكم من جديد، عن قربي من كل الأشخاص الذين يتألمون من أشكال العنف كافة في منطقتكم. ثقوا بتضامن الكنيسة الجامعة معكم . وهنا أستدعي حكمة الأشخاص ذوي الإرادة الحسنة وبخاصة حَملَة المسؤوليات في الحياة العامة، ليعزّزوا  الحوار بين الأطراف كافة ، فيتوقف العنف ويتأسّس السلام الحقيقي والدائم وتنشأ علاقات من التضامن والتعاون.

 بركة:

وفيما أوكل كل بلد من بلدانكم وكل جماعة من جماعاتكم إلى شفاعة أمّنا مريم البتول ، فإني أدعو الله تعالى أن يمنح الجميع نعمة السلام . وبقلب محب ، أمنح بركتي الرسولية ، لكم ولكل الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين في أبرشياتكم.

(ترجمة الأب رفعت بدر)