الحريّة تؤخذ ولا تعطى

  بقلم: توماس سنكرا

 

\"انقر
 
"(…) من الضروري والملحّ أن يتعلّم كوادرنا وأهل القلم لدينا أنّه ما من كتابةٍ بريئة. ففي زمن العواصف هذا، لا يمكننا ترك المجال لأعداء الأمس واليوم كي يحتكروا الفكر والخيال والابتكار.
ويجب قبل فوات الأوان – لأن الوقت قد تأخّر – أن تعود هذه النخب، رجال إفريقيا والعالم الثالث، إلى أنفسهم – أي إلى مجتمعهم والبؤس الذي ورثناه – لكي يدركوا أن المعركة من أجل فكرٍ في خدمة الجماهير المحرومة ليست من دون طائل، بل إنهم لن يكتسبوا مصداقية على الصعيد الدولي إلاّ إذا ابتكروا فعلاً صورةً – أي إذا أعطوا الشعوب صورةً أمينة – تسمح لهم بإنجاز تغييرات عميقة في الوضع الاجتماعي والسياسي من شأنها تحريرنا من الهيمنة والاستغلال الأجنبيين، اللذين لا يتركان أمام دولنا سوى احتمال الانهيار.
هذا ما رأيناه، نحن شعب بوركينا فاسو(…)؛ وكان علينا إعطاء المعنى للثورات الهادرة التي قامت بها الجماهير المدينية العاطلة عن العمل، المحرومة والمتعبة من رؤية سيارات الليموزين الخاصة بالنخب المتغرّبة، التي كانت تتوالى على رأس الدولة والتي لم تكن تقدّم لهذه الجماهير سوى الحلول الخاطئة الصادرة عن أدمغة الآخرين. كان علينا نفخ الروح الإيديولوجية في النضالات المحقّة لجماهيرنا الشعبية الناهضة ضد الإمبريالية الوحشية.(…)
نريد لكلامنا أن يتوسّع ليطول كل من يعانون في أجسادهم. كل من مُرّغت كرامتهم من قبل أقليّة من الناس أو من قبل نظامٍ يسحقهم (…). لا أتكلم فقط باسم بلدي بوركينا فاسو المحبوب، بل أيضاً باسم كل من يطولهم الوجع في مكانٍ ما.
أتكلم باسم الملايين المقيمين في الغيتوهات لأن جلودهم سوداء، أو لأنّهم من ثقافات مختلفة، وهم في وضعٍ لا يكاد يتفوّق على الحيوان (…). أهتف باسم العاطلين عن العمل في نظامٍ ظالمٍ بنيوياً ومنحرفٍ ظرفياً، وهم لا يحصلون من الحياة سوى على صدى ما يتمتّع به أصحاب الامتيازات.
أتكلّم باسم نساء العالم أجمع اللاّتي تعانين من نظام استغلال يفرضه الذكور. في ما يخصّنا، نحن مستعدّون لتلقّي الاقتراحات من العالم أجمع، التي تسمح بالتحرّر الكامل للمرأة البوركينية. وفي المقابل، نحن مستعدّون للتقاسم مع البلدان كافة التجربة الإيجابية التي نقودها مع النساء اللواتي بتن موجودات في جميع مستويات جهاز الدولة والحياة الاجتماعية في بوركينا فاسو(…). وحده النضال يحرّر، وننادي جميع أخواتنا من مختلف الأعراق كي تتقدّمن من أجل انتزاع حقوقهنّ.
أتكلّم باسم أمهات بلداننا المحرومة اللواتي يشاهدن أبناءهن يموتون من الملاريا أو الإسهال، وهن يجهلن وجود وسائل شفاء بسيطة لا يوفّرها لهم علم الشركات المتعددة الجنسية، التي تفضِّل الاستثمار في مختبرات أدوات التجميل والجراحة التجميلية إرضاءً لنزوات بعض النساء والرجال المهدّدين في صحتهم بسبب الإفراط في السعرات الحرارية الناتجة عن وجباتهم الغذائية الغنيّة (…).
أتكلّم أيضاً باسم الطفل. ابن الفقير الجائع، والمتطلّع خلسةً إلى الوفرة المتراكمة في مخازن الأغنياء.(…)
أتكلّم باسم الفنانين – الشعراء والرسامين والنحّاتين والموسيقيين والممثّلين – رجال الخير الذين يرون كيف يتعهّر فنّهم بسبب سيمياء الخزعبلات الاستعراضية. أصرخ باسم الصحافيين المرغمين على الصمت أو على الكذب كي لا يقاسوا أحوال البطالة القاسية. أعترض باسم رياضيي العالم أجمع الذين تُستغلّ عضلاتهم من قبل الأنظمة السياسية أو تجّار العبودية الحديثة. (…)
أفكّر في كل من طالهم دمار الطبيعة، وهؤلاء الملايين الثلاثين الذين سيلقون حتفهم سنوياً بسبب سلاح الجوع الرهيب. وأنا العسكري، لا يمكنني أن أنسى الجندي الذي يطيع الأوامر وإصبعه على الزناد وهو يعرف أن الرصاصة التي ستنطلق لا تحمل سوى رسالة الموت. (…)
ثورتنا في بوركينا فاسو منفتحة على مآسي الشعوب جميعها. وهي تستلهِم أيضاً تجارب البشر منذ النفَس الأول للإنسانية. نريد أن نكون ورثة جميع ثورات العالم، وجميع النضالات لتحرير شعوب العالم الثالث. (…)
نحن منفتحون على رياح إرادات الشعوب وثوراتها، كما نتعلّم أيضاً من إخفاقاتها الرهيبة التي أدّت إلى تجاوزات مأساوية لحقوق الإنسان، ولا نريد أن نحتفظ من أي ثورة إلاّ بالنواة النقيّة التي تمنعنا من التبعية لواقع الآخرين، ولو أنّنا نتشارك معهم فكرياً في المصالح. (…)
لا خداع ممكناً بعد الآن. فالنظام الاقتصادي الجديد الذي نناضل من أجله ونستمر في النضال لن يتحقق إلاّ إذا نجحنا في القضاء على النظام القديم الذي يتجاهلنا، واحتللنا عنوةً المكان الذي يعود لنا في التنظيم السياسي للعالم، وإلاّ إذا أدركنا أهميّتنا في العالم فنحصل على حقّ النظر والقرار في الآليات التي تدير التجارة والاقتصاد والنقد على مستوى الكرة الأرضية.
يندرج النظام الاقتصادي الدولي الجديد بكل بساطة إلى جانب سائر حقوق الشعوب – الحقّ في الاستقلال والخيار الحرّ لأشكال الحكم وبنيته – وكذلك الحقّ في التنمية. وعلى غرار حقوق الشعوب، فإنّه يُنتزع عن طريق النضال، نضال الشعوب. ولن يكون يوماً نتيجة سخاءٍ من قوّةٍ ما. (…)
اجتزت آلاف الكيلومترات وجئت إلى هنا لأدعو كلٍّ منكم إلى توحيد جهودنا لوضع حدّ لعجرفة من لا عقل لهم، وكي نمحو مشهد الأطفال الذين يموتون جوعاً، وكي يزول الجهل وينتصر التمرّد المشروع للشعوب، وبكي تسكت قوقعة السلاح (…). "
 خطاب توماس سنكرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1984. مقتطف من كتاب: Thomas Sankara parle. La révolution au Burkina Faso, 1983-1987, Pathfinder, Paris, 2007
نقلاً عن "لوموند ديبلوماتيك"، تشرين الأوّل/أكتوبر > 2007