روما، الجمعة 8 فبراير 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثامن من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
التجربة الأصلية
لا تبدأ التجربة بنكران الله والسقوط في الإلحاد التام. فالحية لا تنكر الله بل تراها تبدأ بتقصّي للمعلومات يبدو منطقياً تماماً، ولكنه في الواقع يتضمّن تلميحاً يستثير الإنسان وينقله رجلاً وامرأة تحت أثر الإغواء من موقف الثقة إلى موقف من عدم الثقة: "أيقيناً قال الله: لا تأكلا من جميع أشجار الجنّة؟" (تك 3: 1). فالأمر لا يبدأ بنكران الله بل بالشك في عهده، وفي شركة الإيمان، والصلاة والوصايا –وكلها تشكل الإطار المطلوب لعيش عهد الله. فهناك بالفعل الكثير من التنوير عندما يشكك أحد بالعهد، ويعيش حالة من اللاثقة، ويطالب بالحرية، ويرفض الطاعة للعهد معتبراً إياه قيداً مكبّلاً يحول دون تمتعه بوعود الحياة وآمالها الحقيقية. فمن السهل للغاية أن تقنع الناس بأن هذا العهد ليس هدية أو عطية بل أنه تعبير عن حسد تجاه الجنس البشري وبأنه يحرم البشر من حريتهم ومن أغلى ما في الحياة. فبهذا الشك، يكون الناس يسيرون على طريق بناء عالمهم الخاص. أي بكلمات أخرى، يقررون في تلك اللحظة بالذات بألا يقبلوا قيود وجودهم، ويقررون في تلك اللحظة بالذات بألا يسمحوا لقيود الخير والشر أو الأخلاقيات عموماً بأن تقيّدهم، مؤثرين بكل بساطة تحرير أنفسهم بتجاهل هذه القيود.
التاسع من فبراير
المعيار الداخلي للكائن البشري
علينا أن نفهم أنه لا يمكن البشر أن ينعزلوا ويتقوقعوا في عالم ما هم قادرون على تحقيقه، لأنهم يكوّنون أنفسهم في كل عمل يقومون به. لذلك، فَهُم أنفسهم والخليقة بما فيها من خير وشرّ يشكلون على الدوام معياراً لهم، متى أعرضوا عنه ضللوا أنفسهم. فهم بذلك لا يحررون أنفسهم بل يقفون في مواجهة الحقيقة، ما يعني أنهم يدمّرون أنفسهم والعالم معهم. إذاً هذا هو الأمر الأول والأساسي الذي يطالعنا في رواية آدم، وهو أمر يرتبط بطبيعة الذنب البشري وبالتالي بكامل وجودنا. فنظام العهد –وما فيه من قرب لإله العهد، والقيود التي يفرضها الخير والشر، والمعيار الداخلي للكائن البشري، والمخلوقية، كلها أمور توضع موضع الشك. وهنا يمكننا أن نسارع إلى القول إن في أساس الخطيئة يقع نكران الإنسان لحدوده ومخلوقيته، طالما أنه يرفض قبول المعيار والحدود الكامنة فيه. فهو يأبى أن يكون مخلوقاً، ويأبى أن يخضع لمعيار، ويأبى أن يكون في حالة اتكال. فهو يعتبر اتكاله على حب الله الخالق أمراً مفروضاً من خارج ذاته… فالأشخاص الذين يعتبرون التوكل على الحب الأسمى كمظهر من مظاهر العبودية ويحاولون إنكار الحقيقة بشأنهم، أي حدودهم ومخلوقيتهم، لا يحررون أنفسهم؛ بل يدمّرون الحقيقة والمحبة. ولا يصنعون من أنفسهم آلهة-والواقع أنهم عاجزون عن مثل ذلك- بل مجرد أضحوكة، قُل أشباه آلهة وعبيداً لقدراتهم الخاصة، تجرّهم إلى قعر الهاوية.