العوامل المؤدية إلى الإدمان

 
 
المقال هو فصل من مشروع بحث لنيل "إجازة دبلوم في الإرشاد الاجتماعي"، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة دمشق- قسم علم الإجتماع، (2006/2007)، تحت عنوان "المخدرات في المجتمع.. وإعادة تأهيل المدمنين على المخدرات"، إعداد: ياسمين سليم كردي، وإشراف الأستاذ الدكتور أديب عقيل.
 
 
يمكن إدراج العوامل المؤدية إلى الإدمان كما يلي:
أولا: العوامل الاقتصادية
        ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة، مما يلقي أعباء كثيرة على كاهل الفرد، تجعله عاجزا تجاهها، مما يدفعه إلى التعاطي محاولة منه للهروب من واقعه الاجتماعي.
        البطالة، وذلك نتيجة لما تتركه من ضغوط كبيرة في مواجهة الحياة، وتوفر وقت الفراغ لديهم.
        ازدياد متطلبات الحياة بصورة عامة، حيث لم يعد هناك ما يسمى بالحاجات الكمالية كما كانت, بل أصبحت ضرورية، يأتي ذلك مقارنة بعدم ارتفاع دخل الأفراد بصورة متوازية مع التحول في هذه الحاجات أي مع ارتفاع الأسعار.
        النزعة الاستهلاكية التي بدأت تسود العالم الغربي, فهل نقلت لنا تأثيراتها، أم أن هذه النزعة متأصلة فينا نتيجة لبعض قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تلقي بأعبائها على الأفراد، ويقف عاجزا أمامها فيتحول إلى الفعل الإنحرافي / تعاطي المخدرات /.
        تأثير وسائل الإعلام: وذلك لما تطرحه من إعلانات ودعايات تجعل اللعاب يسيل لها بالنسبة للكثيرين وخاصة ضعاف النفوس الذين لا يقدرون قابليتهم وحدود إمكانياتهم المادية والاجتماعية فيقعون تحت تأثير تلك النزعة لنيل معظم ما يطرح.
 
ثانيا: العوامل النفسية
هناك مجموعة عوامل نفسية تمارس تأثيرا كبيرا على الشخص فيضطر معظم من يتعرض لها إلى الاستسلام، فتكون نتيجة ذلك ممارسته للهروب من الواقع فيقع فريسة لتعاطي المخدرات أو الخمور أو كليهما. ومن هذه العوامل :
        الضغوط النفسية الكبيرة نتيجة للإحباط في عمل أو مسعى معين أو تلبية حاجة معينة.
        الشعور بمركب النقص نتيجة عاهة معينة أو عوق أو عدم مجاراة الآخرين في مستويات معينة طبقية أو ثقافية أو غيرها.
        الشعور بالفشل وعدم القدرة والكفاءة.
        رغبة شخصية في التجريب أو حب الاستطلاع والمجازفة، أو توهم بان التعاطي يدل على الاستقلالية وقوة الشخصية. (1)
        عدم الرضا الحياتي بصورة عامة.
        الاغتراب واللامعيارية أو بصورة عامة التقاطع مع قيم المجتمع السائدة، لعدم مسايرتها للتطور الحياتي أو ما قد يراه هو (الشخص المتعاطي) كذلك.
 
ثالثا: العوامل الاجتماعية
تؤثر أنماط الحياة والعوامل والقيم الاجتماعية والارتباط الدقيق بالدين تأثيرا فعالا في احتمالات إدمان المخدرات والخمور.
وهناك جملة عوامل اجتماعية لا يمكن لأي باحث أو مهتم أن يجهلها أو يتجاهلها وهي:
        دور رفقاء السوء: حيث أظهرت الكثير من الدراسات التي اهتمت بموضوع تعاطي المخدرات. أن من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك هي تأثير رفقاء السوء سواء في الترغيب أو الحث أو التوريط أو التقليد أو تيسير فرص ذلك.
وتكشف احد هذه الدراسات انه ومن خلال الإحصاءات عن الأسباب الحقيقية لتعاطي المخدرات تبين أن أغلب الأسباب يعود بالتسلسل إلى رفقاء السوء, التفكك الأسري والإهمال, ضعف الوازع الديني, ضعف الرقابة الأسرية, ضعف التوعية الإعلامية بأخطار المخدرات, أوقات الفراغ, و آخرا حب التجريب وتقليد الآخرين إضافة للعديد من الأسباب الأخرى". (2)
        التفكك الأسري: ونعني به النزاعات والصراعات التي تنشب داخل الأسرة أو أجواء التوتر والاختلافات الدائمة بين أطراف الأسرة وخاصة الوالد والوالدة والتي تلقي بظلالها سلبيا على الأبناء الذين يفتقدون في ظل مثل هذه الظروف للاهتمام والحنان والعطف الأسري وبالتالي يبحثون عن ما يعتقدونه ملجأ لحل المشاكل.
أو أن الضحية من هذه الصراعات داخل الأسرة هو احد أطرافها (الأم أو الأب)، حيث يلجأ إلى تعاطي المخدرات أو الخمور هربا من واقعه كما يتصور.
        التنشئة الأسرية الفاسدة: حيث لا يمارس الأب أو الأم أو كلاهما دوره في تنشئة وتربية وتوجيه الأبناء التوجيه الصحيح. وحيث تكون هناك تفرقة ما بين الأبناء في المعاملة. مثلا تفضيل الولد على البنت أو الكبير على الصغير أو عكس ذلك. أو عدم مساعدتهم ومكاشفتهم فيما يمس أمورهم الشخصية والبيتية. وتجاهل نجاحاتهم وما يهمهم أحيانا. أو استخدام القسوة في المعاملة، أو أن يكون العكس حيث يتم تدليل أو إهمال الأبناء بصورة تامة وعدم مساعدتهم في معظم أمورهم أو ما يبدو فعلا إنحرافيا. أو قد يكون احد الأبوين أو كلاهما منحرفا فينعكس سلوكه على الأبناء.
        المحاكاة: وهي تقليد شخص معين من قبل الشخص المنحرف الأمر الذي أوصله لهذه الحالة، حيث يكون غياب التوجيه وغياب القدوة الحسنة وتأثير النموذج السيئ من خلال تهيئة الفرص لطرح نموذجه أمر يقود إلى انحراف من هذا النوع، حيث يميل الفتيان عادة إلى تقليد آبائهم وكذلك الفتيات في غالب الأحيان إلى تقليد أمهاتهن، أو لتقليد نموذج آخر كأن يكون صديقا أو أخا اكبر أو ممثلا أو مطربا أو رياضيا، وإتباع سلوكه قدر المستطاع خصوصا إذا ما كانت هناك أدوارا مارسها من هذا القبيل أو أنها توحي بذلك.
        تأثير الحي السكني: ما من شك أن للحي السكني دور كبير، فقد دلت دراسات كثيرة على أن طبيعة المنطقة السكنية لها تأثير سلبي كبير إذا ما كانت المنطقة موبوءة، ويكثر مثل هذا في المناطق الهامشية أو الفقيرة أو أحياء الصفيح أو المناطق العشوائية نتيجة لما تعانيه من أمراض صحية ونفسية واجتماعية، وأزمات اقتصادية. كما أن لشروط المسكن السيئ أيضا اثر كبير في إقامة فرص الانحراف الذي نراه هنا في تعاطي المخدرات. ويجب عدم تجاهل أن فرص الانحراف في الريف اقل منها في المدن.
        تأثير وسائل الإعلام: ولذلك دور كبير بسبب ما يعرض من نماذج سيئة من أفلام أو برامج يغيب فيها الوعي والصورة الصحيحة التي يجب أن تظهر بها هذه البرامج كي تؤدي رسالتها.
        ضعف الوازع الديني: حيث أن من يتمسك بدينه لا شك يكون بعيدا عن مواطن الزلل والخطأ. ولما نعلم أن جميع الأديان تدعوا إلى السلوك الحسن ونبذ الانحرافات. والدين الإسلامي مثلا قد حث على السلوك المستقيم وتجنب الكبائر التي تؤدي إلى انهيار حياة الفرد والأسرة وقيمها السامية.
        الجو المهني: والمقصود به هنا مكان العمل وفي هذا تأثير أيضا في تهيئة فرص الانحراف أو تجنبه. فمثلا صعوبات العمل وأعباءه وسلبياته قد تدفع الشخص إلى تعاطي المخدرات أو توفر النموذج السيئ في العمل قد يدفع وخاصة صغار السن من المراهقين إلى مجاراتهم.
        سوء استغلال وقت الفراغ: هو عامل مهم في البحث عن فرص لشغله وتكون النتيجة إلى حد كبير هي فرصا إنحرافية من نماذجها تعاطي المخدرات والخمور.
        الجهل عامة وضعف التوعية بخطر المخدرات وما ينجم عنها: وهو أيضا سبب يجب ذكره واللوم هنا يقع على عاتق الجهات المسؤولة سواء كانت حكومية أو صحية أو إعلامية أو أسرية أو مدرسية أو منظمات أهلية ونقابية ومنظمات المجتمع المدني عامة.
 
الهوامش:
(1)     فؤاد بسيوني، الحقيقة والخيال في ظاهرة انتشار وإدمان المخدرات، الإسكندرية: المعرفة الجامعية.

(2)     هاني عرموش، إمبراطورية الشيطان، بيروت: دار النفائس، 1993. الطبعة الأولى.

عن موقع القديسة تريزا