لنتأمل مع بندكتس 23-24 من فبراير

الثالث والعشرون من فبراير

روما، الأحد 24 فبراير 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثالث والعشرين من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

مسيرة الإنسان ليصبح مسيحياً

أحداً لا يصبح مسيحياً بقدرته الخاصة التي لا طائل لها. وأحداً لا يمكنه أن يجعل من نفسه مسيحياً. فليس بقدرة الإنسان أن يصقل نفسه، إن جاز التعبير، إنساناً كريم النفس عظيماً ثم مسيحياً. على العكس، إن المسيرة التي تؤدي بالإنسان إلى أن يصبح مسيحياً تبدأ فقط عندما يطرح الإنسان عنه أوهام الإستقلالية والإكتفاء الذاتي ويعترف بأن ليس البشر من يخلقون أنفسهم وأنهم عاجزون عن تحقيقهم ذاتهم، وإنما عليهم أن يكونوا منفتحين ويسمحوا بأن يوجَهوا، إن صحّ التعبير، إلى كنه ذاتهم الحقيقية. فأن أكون مسيحياً إذاً تعني في المقام الأول أن أعترف بعجزي بالإكتفاء بذاتي وأن أسمح له – ذاك الآخر الذي هو الله- أن يعمل فيّ… لقد خُيِّل لآدم أنه سيصبح إلهاً إن استطاع الإستمرار لوحده وبقدرته الخاصة وإن أمكنه الإتكال على ذاته في إعطاء الحياة لنفسه كما يراه مناسباً. ولكن هذا المسعى المخطئ إلى تأله من نسج الخيال لا يؤدي في الواقع إلا إلى تدمير الذات، ذلك أن الله نفسه… لا يكون في الإنكفاء على الذات ولكنه يكتسب ملء ألوهيته من حاجته وتلقّيه اللامتناهيين في حوار المحبة
ومن بذل ذاته بحريّة لا حدود لها. فالبشر يصبحون على مثال الله فقط عندما يدخلون في هذا المنطق، وعندما يقلعون عن محاولة خلق ذاتهم، تاركين لله المجال ليخلقهم.

الرابع والعشرون من فبراير

إنكار وجود الخطيئة

يعجز الإنسان المعاصر عن أخذ فكرة وجود الخطيئة بالتحديد على محمل الجدّ. وبفعل هذا الرفض لمفهوم الخطيئة، فأحداً لا يشعر اليوم بأنه معنيّ بما يورده الإنجيل من أن البيّنة الحقيقية على طبيعة يسوع الإلهية تكمن في قدرته على غفران الخطايا. فمعظم الناس لا ينكرون وجود الله صراحةً، بيد أنهم لا يؤمنون بأن له أهمية تُذكَر في جوهر حياة الإنسان. فبالكاد نلفي أحداً يعتقد اليوم بأن مآثم البشر قد تهمّ الله إلى حدّ أن يعتبرها مخطئةً ومسيئةً بحقّه، فيستنتج أنه هو وحده من يجب أن يغفرها. وقد ذهب اللاهوتيون أنفسهم إلى طرح إمكانية استبدال فعل الإعتراف بالخطايا بأحاديث مع علماء النفس والإجتماع ورجال القانون. فلا وجود للخطيئة حقيقةً بنظرهم. بل هناك فقط مشاكل يمكن معالجتها بمساعدة الخبراء والأخصائيين. لقد اختفى مفهوم الخطيئة، ومعه فعل المسامحة، وما هذا الإختفاء إلا اختفاء للإله الذي لا ينفك يلتفت إلى البشر. إزاء هذا الواقع، جلّ ما يستطيعه المسيحيون هو اللجوء إلى الإنجيل، وهو قادر على منحنا الشجاعة للنفاذ إلى الحقيقة. فوحده الحق يحرّرنا. ولكن الحقيقة تشير إلى وجود الإثم وإلى أننا نحن ذاتنا آثمون. والحقيقة الجديدة التي حملها المسيح هي أن مقابل الخطيئة هناك أيضاً غفران يأتينا ممن له القدرة على الغفران. والإنجيل يحضّنا إلى قبول هذه الحقيقة. فالله موجود. والخطيئة موجودة شأنها شأن الغفران. ونحن بحاجة إلى هذا الغفران إن لم نرد أن نلتجئ إلى رياء الأعذار ونقضي على ذاتنا… فحيث يكون الغفران، هناك أيضاً يكون الشفاء.