لنتأمل مع بندكتس 29 فبراير و1 مارس

التاسع والعشرون من فبراير

 روما، الجمعة 29 فبراير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثامن والعشرين من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 الفرح والرحمة والإيمان والسلام والحضور

 إن كان الحبيب، قُل الحبّ وأعظم عطيّة في حياتي قريباً منّي، وإن أنا اقتنعتُ بأن من يحبّني هو قريبٌ منّي حتى في أحلك أوقات المحن والعذاب، فإن الفرح الذي يستقرّ في عمق قلبي أعظم من كل العذابات… إن التأديب الأخوي هو عمل رحمة. فأحد منّا لا يمكنه أن ينظر إلى نفسه نظرة ثاقبة ويتيقّن ما فيها من نواقص وعيوب تمام اليقين. إنه لفعل محبة إذاً أن يكمّل بعضنا البعض الآخر ويساعد بعضنا البعض الآخر ويحسن النظر إلى بعضنا البعض ويقوّم بعضنا البعض. ولا شك في أن فعل الرحمة الذي يكمن في مساعدتنا لبعضنا البعض بحيث يستطيع كل منّا أن يصل إلى ملء كماله وفعاليته كأداة لله يتطلّب تواضعاً وحباً عظيمين. فقط عندما ينبع ذلك من قلب متواضع ومن شخص لا يضع نفسه فوق الآخرين ولا يعتبر نفسه أفضل من الآخرين، بل أداة متواضعة لتبادل المساعدة، فقط عندما يشعر الإنسان بهذا التواضع العميق والحقيقي، ويشعر بأن هذه الكلمات مصدرها الحبّ المتبادل، والعاطفة الجامعة التي نرغب في أن نخدم من خلالها الله معاً، فقط عندذاك يمكننا أن نساعد بعضنا البعض الآخر بفعل حبّ عظيم… ويمكن أن يكون لنا إيمان الكنيسة جمعاء، لأننا بهذا الإيمان نغوص في فكر الرب وأحاسيسه… فرُبَّ سلام داخلي يستقرّ فينا، لأنه أن نكون في فكر المسيح يوحّد كياننا الحقيقي… بيد أن ذلك يكون صحيحاً بقدر ما ندخل بحق في الحضور الذي أعطاناه، إلى هذه العطيّة الحاضرة في كياننا منذ البدء.

الأول من مارس

 الإيمان والأنا

 إن فعل الإيمان هو فعل شخصي بامتياز، متجذّر في عمق أعماق الـ"أنا" البشرية. ولأنه شخصي إلى هذه الدرجة بالتحديد، فهو أيضاً فعل تواصل. فالـ"أنا" في عمق كيانها على ارتباط دائم بالـ"أنتَ" والعكس بالعكس، ولا تولد هذه العلاقة الحقيقية التي تصبح شركةً إلا في أعماق الـ"أنا" البشرية الخفية. وفعل الإيمان مشاركة في معاينة يسوع واتّكال على يسوع. ويوحنا الذي انحنى متّكئاً قرب يسوع في العشاء الأخير هو رمز الإيمان بكل ما للكلمة من معنى. والإيمان تواصل مع يسوع وبالتالي تحرير الـ"أنا" الذاتية من قيود انشغالها بحالها، وتحرّر يجعلني قادراً على الإستجابة للآب، وأن أقول نعم للمحبة، ونعم للوجود، وتلك الـ"نعم" التي هي خلاصنا وتتجاوز العالم أجمع. وعليه، فالإيمان هو في أساس جوهره "أن أكون مع الآخر" وأن أكسر قيود العزلة التي هي العلّة التي تتخبّط فيها الـ"أنا". وفعل الإيمان انفتاح للذات على العالم برمّته، وفتح باب ذاتيّتي على مصراعيه… فتجد الـ"أنا" المفتداة ذاتها مجدداً في "أنا" جديدة وأعظم. وفي هذه الـ"أنا" الجديدة التي حرّرني الإيمان من أجلها، أجد نفسي في اتحاد لا مع يسوع وحده بل أيضاً مع كل الذين يمشون الطريق نفسه.