الكنيسة والطلاق: هذا السر عظيم

عقدة حريرة

فى عهد البابا سيمون الثانى والاربعون حدثت مشكلة غريبة على الكنيسة المصرية وجديدة فى نفس الوقت فقد ترك بعض اراخنة الاقباط زوجاتهم واتخذوا زوجات جديدات تأثرا بالعرب الوافدين الذى يبيح دينهم الطلاق والزواج بأكثر من واحدة ..

 وقتها قامت الدنيا ولم تقعد ورفضت الكنيسة ذلك رفضا باتا احتراما لامر الانجيل المقدس فاشتكى البعض للوالى الذى بالطبع تعاطف معهم لانه لا يعرف شريعة الزوجة الواحدة ولا يدرى أنه لا طلاق فى المسيحية الا لعلة الزنا

فاستدعى الوالى البطريرك ومعه ستة واربعين من اساقفة مصر الى الاسكندرية وناقش معهم الامر ولما وقف على حقيقته ..وافقهم الرأى على التزام شريعتهم وانجيلهم ..

 

 

كان الطلاق غريبا على الاقباط فى مصر ولم يثر اية مشكلة والى الآن يردد المسلمين عن بعض عائلاتهم التى ترفض الطلاق ان زواجهم مثل النصارى عقدة حريرة .. فهل انفكت العقدة وما عاد هناك حرير ..؟

دأبت الصحف المصرية منذ سنوات على تصوير مشكلة طلاق الاقباط وكأنها مشكلة المشاكل وعجيبة الدنيا الثامنة وان القبطى واحد من اثنين اما واقف على بابا المحكمة او واقف على باب الكاتدرائية .. وفى المحمكة قضاة رحماء وفى الكنيسة اباء شداد .. وقد كانت المحكمة رحيمة فى حكمها الاخير الذى اباح الطلاق والزواج فى المسيحية بجرة قلم ..واستند الى لائحة 1938 والتى صدرت بعد تسعة عشر قرنا على الانجيل واباحت الطلاق وصارت اللائحة انجيلا فى عرف البعض ..

لائحة 1938 :

 فى فترة من فترات ضعف الكنيسة صدرت هذه اللائحة من المجلس الملى العام والذى كان يحوى باشاوات الاقباط والذى كان يعطى لعضوه وجاهة اجتماعية بغض النظر عن تدينه .. وكان الصراع وقتها على اشده بين الطرابيش والعمائم وكان الجو العام مهيأ لتغلب الطرابيش فى ذلك العصر وفى غفلة من رعاة الكنيسة وقتها صدرت هذه اللائحة اعتمادا على هوى الاعضاء واستنادا لمواد ضعيفة من قوانين قبطية صدرت فى القرن الثالث عشر فى كتب اولاد العسال الذين اعتمدوا فى مجموعهم الصفوى على قوانين الملوك والشرائع الاخرى وبعض قوانين المجامع السابقة وصنعوا من ذلك كتاب للقوانين عوض غياب وجود تشريعات محددة للاقباط ..

وكان حريا بالمجلس الملى وقتها اى عام 1938 ان يرجع الى نصوص الانجيل الصريحة والتى لا تحمل اى شبهة فى وجوب الطلاق فى حالة واحدة فقط وهى الزنا .. ولكن يبدو ان الجاه والمال والعز كان مؤثرا فى وقت صدور هذه اللائحة خاصة ان بابوات الاسكندرية كانوا مدققين جدا فى هذا الموضوع وفى غيره ولم نقرأ ان واحد منهم اباح الطلاق او تهاون فيه ونتذكر بالخير البابا كيرلس الرابع الذى رفض طلاق ابنة ارخن كبير فى عهده لعدم التكافؤ بين الزوجين ماديا .. وسميه البابا كيرلس الخامس الذى نشأ المجلس الملى فى عهده ولاقى منه الكثير لدرجة النفى الى ديره ومع ذلك لم يصرح بالطلاق لواحد من اكبر عائلة قبطية فى ذلك العهد اى اوائل القرن العشرين ..

اذا صدرت لائحة 38 فى ظروف خاصة واستثنائية .. وغريب ان يصبح الاستثناء قاعدة والقاعدة استثناء ..ان لائحة 38 ليست انجيلا ولا دستورا .. انها وليدة القرن العشرين كما ان قوانين ابن العسال ليست قانون الاقباط ولا شريعتهم .. ان الانجيل واضح وصريح فى امر الطلاق انه لا طلاق الا لعلة الزنا وفى وجود النص لا حاجة لابتكار قوانين بشرية .. ان الاجتهاد يكون فى فهم النص لا فى تغييره واهماله .. وانكاره وتحمييله اوجه بشرية

كمال زاخر

مثل اخونا كمال زاخر الذى يرى ان الكنيسة متعنتة وان القضاء حنين ومعذور .. ومن المعروف ان كمال زاخر يؤيد الزواج المدنى ويشجعه وفى ذلك انكار لسر الزواج وقدسيته وعدم فهم لاهداف الزواج فى المسيحية ولا سموها وانكار الجسد الواحد .. ويقول كمال ان الامر بالطلاق للزان لابد ان يؤخذ برمزية !! وهذه جدل غريب لانه بالتالى يقودنا الى انكار كل اسرار الكنيسة .. واعتقد ان كمال زاخر يعرف ان الكنيسة تعرف الفرق بين الرمز والحرف ولسنا فى حاجة ان يذكرنا بذلك ..ولكننا بحاجة ان نذكره بذلك وان طريقته فى فهم نصوص الكاتب المقدس قد تقوده لانكار بقية الاسرار ..

فما اجابته عن سر التناول هل فعلا نتناول جسد المسيح ام انه رمز .. ؟؟

 يقول كمال زاخر ايضا ان الاباء لا يحسون بالناس لانهم رهبان لم يجربوا الحياة الاسرية .. هل احتاج الى رد ؟؟ طيب ما طول عمر البطاركة والاساقفة رهبان والكهنة متزوجين .. وهل لكى اعرف ان النار تحرق لابد ان اضع فيها يدى ؟؟ ولكن هذا عادى فكمال زاخر يحمل فكرا مشوشا يناسب المناخ العام المتحامل ضد الاقباط .. ويعطى انطباعا ان جرابه زاخر بحلول لكل مشاكل الاقباط التى اعتقد انها ستقل كثيرا لو صمت ..

 قانون 1955

ونعود مرة اخرى للتاريخ لبحث جذور المشكلة ففى عام 1955 صدر القرار462بالغاءالمحاكم الملية وبالتالى فقدت الكنيسة اشرافها على مشاكل الاحوال الشخصية لابنائها واصبح التقاضى يتم امام المحاكم المدنية ..وكان ذلك بداية مشاكل لاحصر لها وحتى الان ولم يعد هناك مرجعا معينا تستوثق به المحاكم .. فبعضها يرجع للانجيل ويرفض احكام الطلاق واغلبها يرجع للائحة 38 ويعطى حكما بالطلاق وبالطبع هذا الحكم لا يلزم الكنيسة بتصريح زواج ثان ..

وفى عام 1962 شكل البابا كيرلس السادس لجنة لترفع تقريرا لوزير العدل المصرى وقتها للاخذ فى الاعتبار انه لا طللاق فى المسيحة الا لعلة الزنا .. وهذا ايضا لتذكير الجهلة بالتاريخ الذين يروجون ان البابا شنودة فقط هو من يرفض الطلاق ولا يعرفوا ان كنيستنا عمرها عشرون قرن من الزمن ومرجعها الوحيد الانجيل المقدس ..

قرار 7 لعام 1971

وكانت اولى قرارت قداسة البابا شنودة الثالث عند جلوسه على كرسى مارمرقس القرار رقم 7 والذى صدر فى نوفمبر 1971 بعدم جواز الطلاق الا لعلة الزنا ..فى عودة الى تعاليم الاجيل وتقاليد الكنيسة وقوانين ابائها .. ثلاثون عاما على القانون الموحد للاحوال الشخصية للطوائف المسيحية والعزاء امام دار القضاء العالى او مجلس الشعب ..

وفى عام 1978 اجتمع قادة الطوائف المسيحة الثلاثة بدعوة من قداسة البابا شنودة الثالث وتم تشكيل لجنة منهم ومن عدد من المستشارين لوضع قانون موحد للاحوال الشخصية للاقباط عملا بمبدأ ان يحكم بينهم طبقا لشريعتهم ..ولاقت مواد القانون المزمع موافقة جميع الكنائس ولكنه ظل ينتقل من درج الى مكتب الى دولاب حتى اكمل ثلاثين عاما بالتمام والكمال .. و لااحد يريد ان ينظر اليه بعين الرحمة .. رغم ان القانون هذا الذى اباح الطلاق لعلة الزنا فقط اباح ايضا بطلان عقد الزواج لعدة اسباب منطقية قد تمنح الحياة لكثيرين ..والبطلان معناه ان الزواج لم يحدث اساسا ..وهو غير الطلاق ..فلماذا لا يقدم هذا القانون الى مجلس الشعب ونرتاح خاصة ان لائحة 38 غير معتمدة من مجلس الشعب او من غيره .. لائحة لقيطة .. ولكنها على قلب البعض زى العسل هل تودوا ان تعرفوا السبب ؟؟ شريعة العقد ربما لانها لا تحتكم الى نصوص الانجيل ولانها قريبة الى فكر الشريعة الاسلامية فى الطلاق ولكن السبب الاهم ان لائحة 38 لم تنص على تطبيق شريعة العقد والتى جاءت فى المادة 143 من القانون الجديد والتى تنص ان: ( تظل الزوجية وما ينشأ عنها من آثار خاضعة للاحكام المبينة بهذا القانون والخاصة بالشريعة التى تمت المراسيم الدينية وفقا لها ولا يعتد بتغيير احد الزوجين طائفت او ملته لو ديانته اثناء قيام الزوجية .. الخ ) وبالتالى اذا راد احد الزوجين الهروب من زواجه باعتناق دين اخر باطلا .. اى ان الزوجة التى تترك دينها وتتزوج اخر على اعتبار انها تركت المسيحة تصبح هكذا متزوجة اثنين ..على اعتبار ان العقد شريعة المتعاقدين ولا ينحل الا بالموت او توفر اسباب انحلاله .. ولو طبقت هذه المادة فسوف تحل مشاكل كثيرة .. وستمنع تهدم اسر و مشاكل حضانة الاولاد والاهم مشاكل تغيير الديانة خاصة ان القانون الموضوع فى الدرج يعطى حق بطلان الزواج لتسعة اسباب اعتقد انها مع الزنا تشمل جميع اسباب استحالة استمرار الحياة الزوجية ..

وهناك مادة اخرى فى القانون المهمل وهو احالة قضايا الطلاق او البطلان الى مكتب المصالحات الكنسية وكم من اسر كانت بحاجة فقط لصوت عاقل او ركب منحنية او وقت لتستعيد رابطة الزواج .. ولكن من يريد ان يضع حلولا ناجحة وسريعة لاقباط مصر ..

ان الصحافة والاعلام من امامنا وتتناول الموضوع بكثير من الجهل والتضخيم والحكومة من خلفنا لا تسمح بوجود تشريع موحد للطوائف المسيحية بدلا من الاجتهاد والارتكان الى قوانين بعيدة جدا عن روح انجيلنا وايماننا وهو ما لا يرضاه قبطى واحد ..

ان فى مصر تقريبا حالة طلاق تحدث كل نصف دقيقة وهناك عشرات الالوف من اولاد السفاح ولكن لا احد يعير لذلك اى اهتمام ويجرى وراء خبر عن قبطى يريد الطلاق او فنانة يسمح لها بالزواج ولا احد يفهم ان لنا قوانينا وايماننا وشريعتنا ..

 كلمة الى قداسة البابا شنودة الثالث :

 الطبيب الذى وهبه الله لارض مصر .. عهدناك قويا فى الحق وقويا بالحق .. ومستندا الى الانجيل فى كل قراراتك .. وكنا ننتظر رد فعل قداستكم تجاه هذا الامر ولم تخيب امل الملايين من اولادك عندما قلت انه لا طلاق الا لعلة الزنا واننا لا نخضع الا لانجيلنا المقدس .. قداسة البابا شنودة الثالث ..اسد مارمرقس والساكن بالحق فى قلوب اولادك ..حفظك الله للكنيسة وللحق ازمنة طويلة فى سلامة وسكينة

 د: ياسر يوسف غبريال