رسالة بندكتس السادس عشر إلى الكاثوليك في الصين

حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء  11 مارس 2008 (Zenit.org).

بدأت يوم أمس أعمال اللجنة التي أرادها بندكتس السادس عشر لدراسة المسائل البالغة الأهمية المتعلقة بحياة الكنيسة في الصين، وتنتهي الأعمال يوم غد. تتألف هذه اللجنة من مسؤولين مكاتب الكوريا الرومانية المعنية بدراسة هذه الحالات، ومن ممثلين عن اساقفة الصين والرهبنات. وحسب ما جاء في بيان لدار الصحافى التابعة للكرسي الرسولي، ستتم مناقشة ردات الفعل على الرسالة التي أرسلها الأب الأقدس للكاثوليك الصينيين في السابع والعشرين من مايو 2007. كما وسيتم التعمق بالوثيقة الحبرية والنواحي الاساسية في حياة الكنيسة في الصين.  ولهذه المناسبة نعيد ننشر في ما يلي نشر رسالة البابا بندكتس السادس عشر إلى الكاثوليك في الصين، موقّعة من البابا بتاريخ السابع والعشرين من مايو 2007، يوم أحد العنصرة. وقد أصدرت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي الرسالة يوم السبت 30 يونيو 2007.

رسالة قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى الأساقفة،

والكهنة،

والأشخاص المكرّسين

والمؤمنين العلمانيين

في الكنيسة الكاثوليكية

في جمهورية الصين الشعبية

 
التحيات

 1. إخوتي الأساقفة، حضرة الكهنة والمكرسين والمؤمنين الأعزاء في الكنيسة الكاثوليكية في الصين: "نشكر الله أبا ربّنا يسوع المسيح دائماً، ونحن نصلي من أجلكم، بعد أن سمعنا بإيمانكم في المسيح يسوع وبمحبتكم لجميع القديسين من أجل الرجاء المحفوظ لكم في السموات… لذلك نحن أيضاً، منذ اليوم الذي سمعنا فيه ذلك، لا نكفّ عن الصلاة من أجلكم ونسأله تعالى أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل شيء من الحكمة والإدراك الروحي لتسيروا سيرةً جديرة بالرب ترضيه كل الرضا وتثمروا كل عمل صالح وتنموا في معرفة الله، متقوّين كل قوة بقدرته العزيزة، على الثبات التام والصبر الجميل" (قول 1: 3-5، 9-11).

 إن كلمات الرسول بولس هذه تعبّر بأفضل ما يمكن عن المشاعر التي أحملها تجاهكم بصفتي خليفة لبطرس وراعي الكنيسة الكونية. أنتم تدركون تماماً كم أنكم حاضرون في قلبي وفي صلاتي اليومية وكم هي عميقة علاقة الشراكة الروحية التي تجمعنا.

 
غاية الرسالة

 2. لذلك، أودّ أن أعبّر لكل شخص منكم عن قربي الأخوي. إنني ألمس بفرح عارم أمانتكم للمسيح الرب وللكنيسة، وهي شهادة أظهرتموها "أحياناً متحمّلين آلاماً مبرحة"، "لأنه أُنعم عليكم، بالنظر إلى المسيح، أن تتألموا من أجله، لا أن تؤمنوا به فحسب" (فل 1: 29). إلا أن بعض الأوجه المهمة للحياة الكنسية في بلادكم تشكل أيضاً مصدراً للقلق.

 من دون أن أدّعي التوقف عند دقائق المسائل المعقدة المعروفة جيداً منكم، أودّ من خلال هذه الرسالة أن أقدّم بعض الإرشادات المتعلقة بحياة الكنيسة وعمل البشارة في الصين، بهدف مساعدتكم على اكتشاف ما ينتظره منكم الرب والمعلم يسوع المسيح "بداية تاريخ كل إنسان ونقطة ارتكازه ونهايته".

 
الجزء الأول

 

وضع الكنيسة

النواحي اللاهوتية

 
العولمة والحداثة والإلحاد

3. إذ ألتفت باهتمام إلى شعبكم الذي ميّز نفسه عن بقية شعوب آسيا بعظمة حضارته العريقة بتاريخها الحافل بالحكمة والفلسفة والفنون والعلوم، يسرّني أن ألاحظ، خصوصاً في الأزمنة الأخيرة، كيف أن هذا الشعب مضى قدماً لتحقيق أهداف التقدم الإجتماعي والإقتصادي، فلفت انتباه العالم أجمع إليه.

 
وكما لفت سلفي الموقر البابا يوحنا بولس الثاني في إحدى المرات، فإن "الكنيسة الكاثوليكية، من جهتها، تتطلع  باحترام إلى هذا الدفع المفاجئ والمشاريع البعيدة النظر وتقدّم بصمت مساهمتها في تعزيز وحماية الشخص البشري وقيمه وروحانيته ورسالته السامية. وتهتمّ الكنيسة بشكل خاص بالقيم والأهداف التي تقع ضمن الإهتمامات الأساسية بالنسبة إلى الصين المعاصرة وهي: التضامن والسلام والعدالة الإجتماعية والإدارة الحكيمة لظاهرة العولمة".

إن النزعة إلى التنمية الإقتصادية والإجتماعية المرغوبة والضرورية والسعي إلى الحداثة ترافقهما ظاهرتان مختلفتان ومتناقضتان يجب التسلح بالحذر وبروح رسولية إيجابية في آن معاً لتقويمهما. فمن جهة، نلاحظ، خصوصاً وسط الشباب، إهتماماً متزايداً حيال البعد الروحي والسامي للشخص البشري، مع ما ينتج عن ذلك من اهتمام بالدين، ولاسيما الديانة المسيحية. ومن جهة أخرى، ثمة بوادر، في الصين أيضاً، للنزعة إلى المادية والهيدونية التي تنطلق من المدن الكبرى وتنتشر في كافة أنحاء البلاد.

وفي هذا الإطار الذي أنتم مدعوون للعيش والعمل فيه، أودّ أن أذكّركم بما شدّد عليه البابا يوحنا بولس الثاني بقوة حين قال إن: التبشير الجديد يفترض إعلان الإنجيل للإنسان العصري، مع الحرص على أنه، وكما الألفية المسيحية الأولى تميّزت بزرع الصليب في أوروبا والألفية الثانية في أميركا وأفريقيا، كذلك في الألفية الثالثة، سيتمّ جمع حصاد إيمان كبير في القارة الآسيوية المترامية الأطراف والحية.

"سر في العرض" (لو 5: 4). إن هذه الكلمات تدوّي من أجلنا اليوم وتدعونا إلى تذكّر الماضي بامتنان وإلى عيش الحاضر بحماسة والتطلع إلى المستقبل بثقة: "إن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وللأبد" (عب 13: 8). وفي الصين أيضاً، الكنيسة مدعوة إلى أن تشهد للمسيح وتتطلع إلى المستقبل بأمل وإلى أن تكون – في إعلانها الإنجيل – على مستوى التحديات الجديدة التي تواجه الشعب الصيني.

 
إن كلمة الله تساعدنا، مرة جديدة، على اكتشاف معنى درب الكنيسة بأبعاده السرية والعميقة في العالم. فـي الواقع، "إن موضوع إحدى أهمّ الرؤى في سفر الرؤيا هو الحَمَل في عملية فتح كتاب كان قد أُغلق بسبعة أختام لم يستطع أحد من قبل فضّها. حتى إن يوحنا يُصوَّر باكياً لأنه لا يجد أحداً أهلاً لأن يفتح الكتاب أوينظر ما فيه" (رؤ 5: 4).

 يبقى التاريخ مغلق الأختام لا يمكن سبر أغواره. ويعجز كل إنسان عن قراءته. ولعلّ بكاء يوحنا حيال تاريخ يكتنفه الغموض يعبّر عن اضطراب الكنائس الآسيوية لصمت الله رغم الإضطهادات التي كانت تتعرض لها إذذاك. وهذا الإضطراب يعكس بوضوح خوفنا إزاء الصعوبات الجدية وكل أنواع سوء التفاهم والأحقاد التي تعانيها الكنيسة اليوم في مختلف أرجاء العالم، وكلها محن لا تستحقها الكنيسة بالطبع، تماماً كما أن المسيح يسوع نفسه لم يستحق العذاب الذي ذاقه. إلا أنها تبيّن مدى أذى الإنسان عندما يستسلم للشر، والطريقة السامية التي يوجه فيها الله مسار الأحداث". 

واليوم كما في الأمس، إن إعلان الإنجيل يعني التبشير بيسوع المسيح المصلوب والقائم من الموت، الرجل الجديد، الذي انتصر على الخطيئة والموت والشهادة له. فهو يسمح للأشخاص الدخول في بعد جديد حيث الرحمة والمحبة حتى تجاه الأعداء يمكن أن تشهد على انتصار الصليب على كل ضعف وعلى كل بؤس بشري. وفي بلادكم أيضاً، سيكون إعلان المسيح المصلوب والقائم من الموت ممكناً بقدر ما تعرفون كيف تعبّرون عن الحب والوحدة، في أمانة للإنجيل وشراكة مع خليفة الرسول بطرس ومع الكنيسة الجامعة ("كما أحببتكم، أحبوا أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. إذا أحبّ بعضكم بعضاً عرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي… كما أنك فيّ يا أبتِ وأنا فيك، فليكونوا هم أيضاً فينا ليؤمن العالم بأنك أنت أرسلتني" (يو 13: 34-35؛ 17: 21)).

العزم على الإلتزام بحوار متّسم بالإحترام وبنّاء

 4  كراع للكنيسة الجامعة، أرغب في أن أظهر كل امتناني للرب لشهادة الأمانة الصادقة التي تقدّمها الجماعة الكاثوليكية الصينية في ظروف صعبة للغاية. وفي الوقت عينه، أشعر بأنه من الضرورة الملحة، من حيث واجبي العميق والأكيد وكتعبير عن محبتي الأبوية، أن أثبّت إيمان الكاثوليك الصينيين وأعزز وحدتهم بالوسائل المتاحة للكنيسة.    

إنني أتابع باهتمام كبير ما يعيشه الشعب الصيني برمّته، هذا الشعب الذي أكنّ له مشاعر تقدير عميقة وصداقة إلى حدّ يحدوني إلى أن أعبّر عن أملي بـ "أن أرى سبلاً ملموسة من التواصل والتعاون تتبلور بشكل سريع بين الكرسي الرسولي وجمهورية الصين الشعبية"، سيّما وأن "الصداقة تتغذى بالتواصل وبتشارك الأفراح والأحزان وبالتضامن وتبادل المساعدة". وانطلاقاً من هذا المنطق عينه، كان سلفي الموقر يقول: "إنه ليس سراً أن الكرسي الرسولي، وباسم الكنيسة الكاثوليكية جمعاء، ولمصلحة الأسرة البشرية الجامعة على ما أعتقد، تأمل بافتتاح نوع من الحوار مع سلطات جمهورية الصين الشعبية. وما إن يتمّ تجاوز خلافات الماضي، حتى يسمح حوار كهذا لنا أن نعمل معاً لما فيه خير الشعب الصيني والسلام في العالم".

 إنني أدرك أن تطبيع العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية يتطلب وقتاً ويفترض توافر النية الحسنة عند الطرفين. ومن جهته، فإن الكرسي الرسولي يبقي باب المفاوضات مفتوحاً، باعتبار أنها ضرورية إذا ما أردنا تجاوز الصعوبات الراهنة.

فواقع الخلافات وغياب الفهم يضغطان بكل ثقلهما ولا يخدمان لا مصالح السلطات الصينية ولا الكنيسة الكاثوليكية في الصين. وعلى حدّ ما قال البابا يوحنا بولس الثاني، مستذكراً ما كتبه الأب مانيو ريشي في بيكين، فـ"اليوم أيضاً الكنيسة الكاثوليكية لا تطلب أي امتياز من الصين ومن سلطاتها السياسية، ولكن جلّ ما تطلبه هو استئناف الحوار بهدف التوصل إلى بناء علاقة قوامها الإحترام المتبادل وتفاهم أعمق. فلتطمئن الصين إلى أن الكنيسة الكاثوليكية توّاقة إلى أن تقدّم، مرة جديدة، خدمة متواضعة ومتجردة من كل مصلحة خاصة في مجالات اختصاصها، لما فيه خير الكاثوليك الصينيين وسائر سكان البلاد.

وفي ما يتعلق أيضاً بالعلاقات بين الطبقة السياسية والكنيسة في الصين، لا بدّ من أن نتذكّر التعليم المنير للمجمع الفاتيكاني الثاني الذي ينصّ على أنه: "نظراً إلى مهمة الكنيسة وصلاحيتها فهي لا تختلط بحال من الأحوال بالجماعة السياسية ولا ترتبط بأي نظام سياسي. إنها العلامة والضمانة لما يمتاز به الشخص البشري من تسامٍ". ويكمل المجمع: "فالجماعة السياسية والكنيسة مستقلتان، لا ترتبط الواحدة بالأخرى في الحقل الخاص بكل منهما. غير أنهما تقومان، وإن بأدوار مختلفة، بخدمة الدعوة الفردية والإجتماعية للناس ذاتهم. وإنهما لتقومان بهذه الخدمة لخير الجميع وبمزيد من الفاعلية، بقدر ما تحاولان دائماً أن تتعاونا تعاوناً صحيحاً نسبةً إلى ظروف الزمان والمكان أيضاً".

وبالتالي، فإن مهمة الكنيسة الكاثوليكية الحاضرة في الصين بدورها لا تقضي بتغيير تركيبة الدولة أو إدارتها بل بالأحرى بإعلان المسيح إلى الناس رجالاً ونساءً كمخلص العالم، مستندةً – في أداء رسالتها—على قوة الله. وكما ذكرتُ في إرشادي الرسولي "الله محبة" فإن "الكنيسة لا يمكنها ولا يجوز أن تأخذ على عاتقها المعركة السياسية لإرساء مجتمع أكثر عدالة. لا يمكنها ولا يجوز أن تقوم مقام الدولة. ولكن في الوقت عينه، لا يمكنها ولا يجوز أن تبقى على الهامش في الكفاح من أجل العدالة. بل عليها أن تؤدي دورها من خلال النقاش المنطقي وأن توقظ القوى الروحية التي لا يمكن للعدالة التي تفترض دوماً التضحيات أن تسود وتزدهر في غيابها. على المجتمع العادل ألا يكون نتاج الكنيسة وإنما إنجازاً سياسياً. ولكن تعزيز العدالة من خلال الجهود الآيلة إلى تأمين عقلية منفتحة وإرادة لفعل الخير أمر يعني الكنيسة إلى أبعد الحدود".   

على ضوء هذه المبادئ التي لا يمكن أن نتخلى عنها، يتبيّن أنه لا يمكن البحث عن الحل للمشاكل القائمة عبر صراع مستمر مع السلطات المدنية الشرعية؛ إلا أنه، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القبول بالخضوع لتلك السلطات عندما نراها تتدخل عن غير حق في مسائل متعلقة بإيمان الكنيسة وعقيدتها. إن السلطات المدنية تعي بشكل واضح أن الكنيسة في تعاليمها إنما تدعو المؤمنين إلى أن يكونوا مواطنين صالحين ومساهمين فاعلين ومحترمين لما فيه الخير العام في بلادهم، ولكنه من الواضح أيضاً أنها تطلب من الدولة أن تضمن لهؤلاء المواطنين الكاثوليك الحق الكامل بممارسة إيمانهم، واحترام الحرية الدينية الحقيقية.

الشركة بين الكنائس الخاصة في الكنيسة الجامعة

 5. أيتها الكنيسة الكاثوليكية العزيزة في الصين، أنتِ قطيع صغير حاضر وناشط وسط شعب هائل يخوض غمار التاريخ. فكم هي محفّزة ومشجعة كلمات يسوع هذه لك: "لا تخف أيها القطيع الصغير، فقد حسن لدى أبيكم أن ينعم عليكم بالملكوت" (لو 12: 32)! "أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم": إذاً، "هكذا فليضئ نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 5: 13، 14، 16).

في الكنيسة الكاثوليكية المتواجدة في الصين، تحضر الكنيسة الجامعة، كنيسة المسيح التي نقرّ بها في فعل الإيمان واحدة، ومقدسة، وجامعة، ورسولية، أي الجماعة الكونية لتلاميذ الرب.

وكما تعلمون، فإن الوحدة الراسخة التي تجمع الكنائس الخاصة الحاضرة في الصين والتي تربطها برابط شركة حميمة بالكنائس الخاصة الأخرى المنتشرة في العالم لهي وحدة متجذرة ليس في وحدة الإيمان وفي العماد المشترك فحسب بل وفوق كل شيء في الإفخارستيا والأسقفية. وتتواصل وحدة الأسقفية ومن ضمنها "الحبر الروماني، بوصفه خليفة بطرس هو المبدأ والأساس الدائم والمنظور" عبر العصور بفضل الخلافة الرسولية وهي تشكل أساس هوية الكنيسة في كل عصر من العصور التي بناها المسيح على بطرس وعلى الرسل الآخرين.

 تعلّمنا العقيدة الكاثوليكية أن الأسقف هو مبدأ الوحدة وأساسها المنظور في الكنيسة الخاصة الموكَلة إلى سلطته الراعوية. ولكن في كل كنيسة خاصة، ولكي تكون كنيسة بكل ما للكلمة من معنى، لا بدّ من وجود السلطة الكنسية العليا، أعني حلقة الأساقفة ورأسها أي الحبر الأعظم وفي شركة دائمة معه. وعليه، فإن سلطة خليفة بطرس ينتمي إلى جوهر كل كنيسة خاصة "من الداخل". إلى ذلك، فإن شركة مختلف الكنائس الخاصة في الكنيسة الكاثوليكية الواحدة وبالتالي الشركة التسلسلية لكافة الأساقفة، خلفاء الرسل، مع خليفة بطرس هما ضمانة لوحدة كل الكاثوليك في الإيمان والعيش. لذا لا بدّ، من أجل صون وحدة الكنيسة في كافة الدول، من أن يكون كل أسقف في شركة مع بقية الأساقفة وأن يكونوا جميعهم في شركة واضحة وملموسة مع البابا.

 لا أحد غريب في الكنيسة، بل الكل هم أبناء الشعب نفسه، وأعضاء في جسد المسيح السري ذاته. وتشكل الإفخارستيا رابط الشراكة السرية بضمانة سلطة الأساقفة والكهنة.

 إن الكنيسة جمعاء الحاضرة في الصين مدعوة إلى أن تعيش هذه الوحدة وتظهرها في روحانية شركة أغنى تأخذ بعين الإعتبار الأوضاع الملموسة المعقدة التي تعيش في ظلها الجماعة الكاثوليكية فتنمو بدورها في شركة تسلسلية متسقة. لهذا السبب، إن الرعاة والمؤمنين مدعوون إلى الدفاع عما يتّصل بالعقيدة وبتقليد الكنيسة وإلى الحفاظ عليه.

التشنجات والإنقسامات داخل الكنيسة: الغفران والمصالحة

 6. أشار سلفي الموقر البابا يوحنا بولس في الرسالة الرسولية " Novo Millennio Ineunte" التي وجهها إلى الكنيسة جمعاء إلى أن "مجالاً مهماً لا بدّ من أن يتمّ الإلتزام فيه والتخطيط له من قبل الكنيسة الجامعة والكنائس الخاصة هو نطاق الشراكة الذي يجسّد جوهر سر الكنيسة الحقيقي ويعكسه. فالشراكة هي ثمرة وإثبات لهذا الحب الذي ينبع من قلب الآب الأزلي ويفيض علينا بالروح القدس الذي الذي يهبه لنا يسوع (راجع روم 5: 5) لنكون قلباً واحداً ونفساً واحدة (رسل 4: 32). فمن خلال بناء شراكة المحبة هذه تصبح الكنيسة "سراً" و"رمزاً وأداة للإتحاد الحميم بالله ولوحدة الجنس البشري". إن كلمات الله حول هذه النقطة واضحة كل الوضوح لكي نقلل نحن من قيمتها. أمور كثيرة هي مهمة لمسيرة الكنيسة في التاريخ، أقله في هذا القرن الجدي؛ ولكن من دون المحبة سيذهب كل ذلك سدىً. ومرة جديدة يذكّرنا الرسول بولس في نشيد المحبة بأنه: "لو تكلمتُ بلغات الناس والملائكة ولو كان لي الإيمان الكامل فأنقل الجبال، ولم تكن لي المحبة، فما أنا بشيء" (راجع 1 قو 13: 2). فالمحبة هي حقاً "قلب" الكنيسة".

 وتكتسب هذه المسائل التي تعني طبيعة الكنيسة الجامعة في صميمها معنىً خاصاً بالنسبة إلى الكنيسة في الصين. فأنتم تعون المشاكل التي تدأب على تخطيها – في داخلها وفي علاقاتها مع المجتمع المدني الصيني – من تشنجات وانقسامات واتهامات متبادلة.

وفي هذا الصدد، وفي حديثي عن الكنيسة الناشئة في السنة الماضية، تسنى لي أن أذكر أنه "منذ البدء لم تعرف جماعة الرسل فرح الروح القدس وعطية الحقيقة والمحبة بل أيضاً محناً تتكوّن في المقام الأول من الخلافات حول حقائق الإيمان، مع ما يتبع ذلك من أضرار تصيب الشراكة. وتماماً كما أن الشراكة في المحبة وُجدت منذ البدء وستبقى حتى منتهى الدهور (راجع 1 يو 1:1)، كذلك نشأت الإنشقاقات منذ البدء. ويجب ألا نفاجأ بأنها لا تزال قائمة حتى في أيامنا… وبالتالي، ففي مجريات العالم ولكن أيضاً في مواطن ضعف الكنيسة، هناك دائماً خطر فقدان الإيمان، وتالياً المحبة وحسّ الأخوة. وعليه، فمن واجب من يؤمنون بكنيسة المحبة ويريدون العيش فيها بالتحديد أن يعترفوا بوجود هذا الخطر أيضاً".

إذاً يعلّمنا تاريخ الكنيسة أنه ما من شراكة حقيقية من دون جهود حثيثة للمصالحة. فتطهير الذاكرة والغفران لمن أساء إلينا ونسيان الأعمال الجائرة بحقنا واستعادة الصفاء بمحبة في القلوب المضطربة، بإسم يسوع المصلوب والقائم من الموت، كلها أمور يمكن أن تفترض تجاوز المواقف والآراء الخاصة التي هي وليدة الخبرات المؤلمة والصعبة. إنها خطوات طارئة يجب أن نخطوها إذا ما أردنا أن تنمو روابط الشراكة بين المؤمنين ورعاة الكنيسة في الصين وتظهر للعيان.  

لهذا السبب قام سلفي الموقر مراراً وتكراراً بتوجيه دعوة ملحة إليكم للغفران والمصالحة. وفي هذا الصدد، يسرّني أن أذكّر بفقرة من الرسالة التي وجهها إليكم مع اقتراب السنة المقدسة في العام 2000، حين قال: "خلال استعدادكم للإحتفال باليوبيل الكبير، تذكروا أن لحظة كهذه لطالما انطوت، بحسب التقليد البيبلي، على ضرورة إإلغاء ديون الآخرين وإصلاح المظالم المقترفة والمصالحة مع القريب. لكم أيضاً أُعلنَ "الفرح العظيم المعدّ لكل الشعوب": محبة الآب ورحمته والفداء الذي أتمّه المسيح. بقدر ما تكونون مستعدّين لقبول هذه البشرى السارة تكونون قادرين على نقلها، من خلال حياتكم، إلى كل الرجال والنساء من حولكم. إن أكثر ما أتمناه هو أن أراكم تستسلمون للإلهامات الداخلية للروح القدس، فتصفحوا عن بعضكم بعضاً أخطاءكم وتتقربوا من بعضكم بعضاً وتتقبلوا بعضكم بعضاً وتتجاوزوا العوائق للتغلب على كل أسباب الإنقسام. ولا تنسوا كلمات يسوع في العشاء السري: "إذا أحبّ بعضكم بعضاً عرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي" (يو 13، 35). لقد أفرحني أن أعلم أنكم ترغبون في أن يكون تكريس الوحدة بينكم وبين خليفة بطرس هو الهدية الأثمن للإحتفال باليوبيل الكبير. إن قراراً كهذا لا يمكن إلا أن يكون ثمرة من الروح القدس الذي يقود الكنيسة على دروب المصالحة والوحدة الوعرة".

كلنا نعي أنه لا يمكن إتمام هذا الدرب بين ليلة وضحاها ولكن كونوا على ثقة بأن الكنيسة جمعاء سترفع صلوات ملحّة من أجلكم وعلى هذه النية.

وتذكّروا دائماً أن درب المصالحة الذي تسلكونه مدعّم بمثال وصلاة الكثيرين من "شهود الإيمان" الذين تألموا وسامحوا، باذلين حياتهم على مذبح مستقبل الكنيسة الكاثوليكية في الصين. ويمثل وجودهم بحدّ ذاته بركة مستمرة لكم من لدن الآب السماوي وستبقى ذكراهم تنتج ثماراً وافرة.

الجماعات الكنسية والهيئات الحكومية: من أجل أن يسود العلاقات جوّ من الحقيقة والمحبة

7.  إن تحليلاً دقيقاً للوضع المؤلم من الإختلافات المحتدمة الذي أتينا على ذكره (راجع القسم 6) والذي يطال المؤمنين العلمانيين ورعاتهم يلقي الضوء من بين الأسباب المختلفة على الدور الملحوظ للهيئات التي تمّ فرضها كأطراف رئيسيين مسؤولين عن حياة الجماعة الكاثوليكية. واليوم أيضاً لا يزال اعتراف هذه الهيئات في الواقع يشكل المعيار الأساسي لإطلاق صفة القانونية وبالتالي "الرسمية" على جماعة أو شخص أو مقام ديني، ما أدّى إلى انقسامات كبيرة سواء في سلك الكهنوت أو في صفوف المؤمنين. إن هذه الحالة تعتمد في الأساس على عوامل خارجة عن نطاق الكنيسة، إلا أنها قوّدت من دون شك تقدمها، وأثارت الكثير من الشكوك والإتهامات المتبادلة وموجة من التنديد وهي لا تزال تشكل موطن ضعف مقلق في قلب الكنيسة. 

وفي المسألة الحساسة المتعلقة بالمحافظة على العلاقات مع الهيئات الحكومية، فيمكن لدعوة المجمع الفاتيكاني الثاني إلى اتباع كلمات يسوع المسيح وسلوكه أن تشكل مصدر إلهام مميز. فهو بالفعل " لم يشأ أن يكون مسيحاً سياسياً يسود بالقوة، فآثر أن يدعو ذاته بابن الإنسان الذي أتى "ليخدم ويبذل نفسه فداء عن الكثيرين" (مرقس 10/45). فبدا كعبد الله الكامل الذي "لا يكسر قصبة مرضوضة ولا يطفئ سراجاً مدخناً" (متى 12/2). لقد اعترف بالسلطة المدنية وحقوقها فأمر بأن تدفع الجزية لقيصر منبهاً بوضوح إلى واجب احترام حقوق الله السامية: "أدوا لقيصر ما لقيصر وما لله لله" (متى 22/21). ولقد تمم وحيه لنا عندما كمّل على الصليب عمل الفداء الذي حصل به للناس الخلاص والحرية الحقة. لقد شهد للحق، غير أنه رفض أن يفرضه بالقوة على مقاوميه. فمملكته لا يُدافع عنها بالسيف بل توطد على سماع الحقيقة والشهادة لها وتنتشر بالحب، حب المسيح المرفوع على الصليب الذي يجذب الناس إليه (يوحنا 12: 32)".

 إن الحقيقة والمحبة هما حجرا الزاوية في حياة الجماعة المسيحية. لهذا السبب، فقد ذكّرتُ بأن "كنيسة المحبة هي أيضاً كنيسة الحقيقة، التي تُفهم أولاً على أنها أمانة للإنجيل الذي ائتمن ربنا يسوع أتباعه عليه… بيد أن عائلة أبناء الله تحتاج إلى من يحفظها في الحق ويوجهها بحكمة التمييز الحاسم، لكي تتمكن من العيش في الوحدة والسلام: وهذه هي المهمة المتوخاة من خدمة الرسل. ونصل هنا إلى نقطة أساسية. فالكنيسة هي بكاملها من الروح، ولكنها تملك بنية معينة تتمثل في الخلافة الرسولية التي تقضي مسؤوليتها بأن تضمن بقاء الكنيسة في الحقيقة التي أعطاها المسيح والتي منها تأتي القدرة على الحب… وبالتالي فإن الرسل وخلفاؤهم هم المؤتمنون والشهود الحقيقيون على وديعة الحقيقة التي أوكلت للكنيسة كما أنهم خَدَمة المحبة، وهما ناحيتان متلازمتان… فالحقيقة والمحبة هما وجها العطية ذاتها التي تأتي من الله والمصانة في الكنيسة وصولاً إلينا اليوم، بفضل الخدمة الرسولية!".

لذلك فإن المجمع الفاتيكاني الثاني يشدد على أنه "يجب أن يمتد احترامنا وحبنا إلى كل الذين يفكرون ويعملون بطريقة مغايرة لنا، إن في القضايا الإجتماعية وإن في القضايا السياسية أو الدينية. وبقدر ما نجتهد في تفهم نظرياتهم تفهماً داخلياً مطبوعاً بالحب والتودد، يسهل حينئذ الحوار معهم". ولكن المجمع ذاته يذكّرنا بأن "هذا الحب وهذا التودد يجب ألا يقودانا أبداً إلى اللامبالاة في ما يتعلق بالحق والخير".

وبالنظر إلى "مشروع يسوع الأصلي"، يبدو جلياً أن محاولات بعض الهيئات التي أوجدتها الدولة والبعيدة كل البعد عن بنية الكنيسة لكي تنصّب نفسها فوق الأساقفة وتوجه حياة الجماعة الكنسية لا تتناسب والعقيدة الكاثوليكية التي تقول بـ"رسولية" الكنيسة، وهذا ما ذكّر به أيضاً المجمع الفاتيكاني الثاني. فالكنيسة رسولية "منذ نشأتها، لأنها ” بُنيَت على أساس الرسل“ (أف 2، 20)؛ إنها رسولية في تعليمها الذي هو تعليم الرسل، ورسولية من حيث بنيتها إذ إن الرسل يتولّون تعليمها وتقديسها وتوجيهها إلى أن يحلّ زمن مجيء المسيح الثاني من خلال خلفائهم الأساقفة بالشراكة مع خليفة بطرس". وبالتالي، ففي كل كنيسة خاصة، "يرعى أسقف الأبرشية ]وهو وحده[ باسم الرب القطيع الموكَل إليه بصفته راعيه الخاص والمألوف والمباشر"؛ وعلى الصعيد الوطني، وحده مجلس الأساقفة الشرعي مخوّل صياغة التوجيهات الراعوية الصحيحة لمجمل الجماعة الكاثوليكية للدولة المعنية.

كذلك، فإن الهدف المعلَن للهيئات المذكورة أعلاه بوضع "مبادئ الإستقلالية والإستقلال الذاتي والإدارة الذاتية والإدارة الديمقراطية للكنيسة" موضع التنفيذ يتنافى والعقيدة الكاثوليكية التي تقرّ منذ أفعال الإيمان القديمة أن الكنيسة "واحدة، ومقدسة، وكاثوليكية ورسولية".

وعلى ضوء المبادئ المبيّنة أعلاه، سيتذكّر الرعاة وجماعة المؤمنين أن التبشير بالإنجيل والكرازة والأعمال الخيرية والطقسية والثقافية، كما الخيارات الراعوية، هي حصراً من صلاحية الأساقفة والكهنة الذين يعاونونهم، في استمرارية الإيمان الدائمة التي نقلها الرسل في الكتاب المقدس وفي التقليد، وأنه لا يجوز أن تخضع لأي تدخل خارجي.

وحيال هذا الوضع  الصعب، يتساءل العديد من أبناء الجماعة الكاثوليكية عمّا إذا كان اعتراف السلطات المدنية بهم — الضروري لهم كيما يتمكنوا من العمل على العلن — لا تهدد نوعاً ما الشركة مع الكنيسة الجامعة. وأنا أعي تماماً أن مسألة كهذه تولّد قلقاً مؤلماً في قلوب الرعاة والمؤمنين. وفي هذا الصدد، أعتبر، في المقام الأول، أن المحافظة الضرورية والشجاعة على وديعة الإيمان والشركة السرية والتسلسلية لا تتناقض بحدّ ذاتها مع الحوار مع السلطات حول المسائل المتعلقة بحياة الجماعة الكنسية التي لها وقعها على النطاق المدني.

لن يكون هناك أي صعوبات تُذكر لجهة القبول بالإعتراف الصادر عن السلطات المدنية، شرط ألا يستلزم ذلك إنكار مبدأي الإيمان والشركة الكنسية اللذين يستحيل أن نتنازل عنهما. ولكن، في الكثير من الحالات، حتى لا نقول دائماً، وفي عملية الإعتراف، يرغم تدخل بعض الهيئات الناس المعنيين على اعتماد مواقف والقيام بأفعال وتعهدات والتزامات منافية لما يمليه عليهم ضميرهم الكاثوليكي. أنا أفهم بالتالي كم يكون من الصعب في هذه الحالات والظروف المتنوعة أن يستقرّ المرء على الخيار الصائب. 

لهذا السبب، فإن الكرسي الرسولي، وبعد إعلانه المبادئ مرة جديدة، يترك القرار لكل أسقف باعتبار أنه، وبعد التشاور مع مجمع كهنته، سيكون في موقع أفضل يخوّله معرفة الوضع المحلي، لكي يقوّم إحتمالات الخيارات الملموسة وعواقبها المحتملة ضمن جماعة الأبرشية. وقد يحصل أن القرار النهائي لا يحصد إجماع الكهنة والمؤمنين جميعاً. غبر أنني آمل أن يتمّ الترحيب به، ولو في الألم، وأن تُصان وحدة جماعة الأبرشية مع راعيها.

أخيراً، سيكون من الجيّد أن يبذل الأساقفة والكهنة، بقلب الرعاة الحقيقين، كل ما في وسعهم لتفادي إثارة الفضائح، مقتنصين الفرصة المتاحة لهم لتوعية المؤمنين، مع إيلاء اهتمام خاص للأكثر ضعفاً: وكل ذلك في جوّ من الشركة ومن التفاهم الأخوي، مع تلافي إطلاق الأحكام والإدانات المتبادلة. وفي هذه الحالة أيضاً، علينا أن نتذكّر، خصوصاً عندما لا يكون من متّسع كافٍ للحرية، أنه لا بدّ من الحرص على التعرف بدقة شديدة على النوايا الحقيقية للشخص المعني قبل أن نتمكن من تقويم أخلاقية فعل ما، وعدم الإكتفاء بالثغرات والشوائب الموضوعية. ما يعني أنه يجب تقويم كل حالة بحالتها مع مراعاة الظروف التي تحوطها. 

الأسقفية الصينية

 8. في الكنيسة، شعب الله، يحق للخَدمَة المكرسين الذين رُسموا بشكل صحيح وحدهم، وبعد تلقيهم التعليم والتدريب  المناسبين أن يقوموا بوظائف "التعليم والتقديس والتدبير". ويحق لجماعة المؤمنين، وبأمر شرعي من الأسقف، أن يقوم بخدمة كنسية مفيدة لجهة نقل الإيمان.

 لقد واجهتم يا إخوتي الأساقفة، في السنوات الأخيرة، ولأسباب عديدة، صعوبات جمّة، لأن أشخاصاً غير "مرسومين" لا بل في بعض الأحيان غير معمّدين حتى يتحكمون ويأخذون القرارات المتعلقة بالمسائل الكنسية الهامة، بما فيه مسألة تعيين الأساقفة، بإسم الهيئات الحكومية المتعددة. وبالتالي، فقد شهدنا تدهوراً للخدمات البطرسية والأسقفية إنطلاقاً من نظرة إلى الكنيسة تنطوي على خطر تحويل الحبر الأعظم والأساقفة والكهنة بحكم الأمر الواقع أشخاصاً من دون وظيفة ولا سلطة.

إلا أن الخدمات البطرسية والأسقفية، وكما أشرنا سابقاً، تشكل عناصر أساسية ومتأصلة في العقيدة الكاثوليكية حول بنية أسرار الكنيسة. وطبيعة الكنيسة هي عطية من الرب يسوع لأنه "هو الذي أعطى بعضهم أن يكونوا رسلاً وبعضهم أنبياء وبعضهم مبشرين وبعضهم رعاةً ومعلمين، ليجعل القديسين أهلاً للقيام بالخدمة لبناء جسد المسيح، فنصل بأجمعنا إلى وحدة الإيمان بابن الله ومعرفته ونصير الإنسان الراشد ونبلغ القامة التي توافق كمال المسيح" (أف 4، 11-13).

واسمحوا لي أن أكرر (راجع القسم 5) أن الشركة والوحدة هما عنصران أساسيان وجزء لا يتجزأ من الكنيسة الكاثوليكية: لذلك، فإن مخطط قيام كنيسة "مستقلة" عن الكرسي الرسولي في الإطار الديني يتنافى والعقيدة الكاثوليكية.

إنني أعي الصعوبات الجسيمة التي عليكم أن تواجهوها في هذا الوضع كيما تبقوا أمناء للمسيح ولكنيسته ولخليفة بطرس. وإنني إذ أذكركم – كما قال القديس بولس (راجع روم 8، 35-39) – أن ما من صعوبة تستطيع أن تفصلنا عن محبة المسيح، أنا على ثقة بأنكم ستبذلون كل ما بوسعكم، متوكلين على نعمة الرب، لكي تصونوا الوحدة والشركة الكنسية ولو على حساب التضحيات الجسام.

 فالعديد من أعضاء الأسقفية الصينية الذين قادوا الكنيسة في العقود الأخيرة قد قدّموا وما زالوا يقدّمون شهادة ساطعة إلى جماعاتهم وإلى الكنيسة الجامعة. مرةً جديدة، فليرتفع من القلب نشيد تبجيل وشكران إلى "راعي الرعاة" (1 بط 5: 4): ففي الواقع، يجب ألا يغيب عن بالنا أن العديد من الأساقفة قد تحمّلوا الإضطهاد وتعرضوا للعرقلة والتضييق عليهم في ممارستهم مهامهم، كما أن البعض منهم قد جعل الكنيسة تثمر من خلال إزهاق دمائه على مذبحها. وتلقي الأزمان الحديثة مع ما يصحبها من تحديات للتبشير الجديد بالإنجيل الضوء على دور الخدمة الأسقفية.

 وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني إلى الرعاة الذين تقاطروا من كافة أنحاء العالم للإحتفال باليوبيل، إن "الراعي هو المسؤول الأول عن الجماعة الكنسية والمشجع الأول لها، سواء في ما يتعلق بضرورة الشركة وفي المشروع الإرسالي. وحيال ظاهرتي النسبية والذاتية اللتين تشوّهان الثقافة المعاصرة إلى أبعد حدود، فإن الأساقفة مدعوون إلى الدفاع عن وحدة عقيدة المؤمنين الموكلين إليهم وتعزيزها. واهتماماً منهم بكل حالة يضيع فيها الإيمان أو يُغيَّب، فإنهم لا يدّخرون جهداً للعمل على إعلان الإنجيل، فيعدّون لهذه الغاية الكهنة والرهبان والعلمانيين ويحشدون الموارد اللازمة".

 وفي المناسبة عينها، ذكّر سلفي الموقر بأن "الأسقف، أحد خلفاء الرسل، هو شخص يكون المسيح كل شيء بالنسبة إليه فينشد مع الرسول بولس: \’فالحياة عندي هي المسيح… \'(فل 1: 21). عليه أن يشهد على ذلك في كل تصرفاته. فنقرأ في المجمع الفاتيكاني الثاني: \’فليجتهدنّ الأساقفة في أداء رسالتهم الرسولية كشهود للمسيح أمام الناس كلهم\’ (قرار المسيح الرب، الفقرة 11).

وفي موضوع الخدمة الأسقفية، أنتهز الفرصة لأذكّر بما أعلنتُ مؤخراً: "إن المهمة الأساسية للأساقفة هي بناء الكنيسة عائلةً لله ومكاناً لتبادل المساعدة والجهوزية. وقد أُنيطت بكم، لإتمام هذه المهمة، مع الرسامة الأسقفية وظائف ثلاث: وظيفة التعليم ووظيفة التقديس ووظيفة التدبير وهي تشكل جميعها الوظيفة الرعائية.

 وبشكل خاص، فإن هدف وظيفة التدبير هو النموّ في الشركة الكنسية، أي بناء جماعة موحّدة في الإصغاء إلى تعليم الرسل، وكسر الخبز، والصلاة والوحدة الأخوية. وتشكل مهمة الرعاية — وبالتحديد وظيفة التدبير – المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوظيفتي التعليم والتقديس بالنسبة إلى الأسقف فعل محبة حقيقي تجاه الله والقريب يجد تعبيره في المحبة الراعوية".

 وكما هي الحال في بقية دول العالم، فالكنيسة في الصين أيضاً يرعاها أساقفة أُوكلت إليهم، بموجب الرسامة الأسقفية المعطاة لهم بوضع يد أساقفة آخرين رُسموا بشكل صحيح وشرعي، مع وظيفة التقديس، وظيفتا تعليم الشعب الموكل إلى رعايتهم في مختلف الكنائس الخاصة وتدبيره، بسلطة تولى من الله، بنعمة سر الرسامة. على أن وظيفتي التعليم والتدبير "من طبيعتهـ(مـ)ا لا يمكن أن تمارسـ(ا) إلا في الشركة التسلسلية بين رأس الحلقة وأعضائها". وبالفعل، فإن المجمع الفاتيكاني الثاني ينصّ على أنه "بقوة الرسامة الأسقفية والشركة النظامية مع رأس الحلقة وأعضائها يصبح الفرد عضواً في الحلقة".

وحالياً، يُعتبَر أساقفة الكنيسة الكاثوليكية كافة في الصين أبناءً للشعب الصيني. وبالرغم من الكثير من الصعوبات الجسيمة، فالكنيسة الكاثوليكية في الصين وبنعمة خاصة من الروح القدس لم تُحرَم يوماً من خدمة الرعاة الشرعيين الذين عرفوا كيف يصونون الخلافة الرسولية. علينا أن نشكر الرب على هذا الحضور الدائم، والمغموس بالألم، لأساقفة حصلوا على الرسامة الأسقفية تبعاً للتقليد الكاثوليكي، أي بالشركة مع أسقف روما، خليفة بطرس، وبوضع يد أساقفة مرسومين بشكل صحيح وشرعي وفقاً لرتبة الكنيسة الكاثوليكية. 

 وقد اضطرّ بعضهم ممّن لم يرضوا الرضوخ لرقابة جائرة تُمارس على حياة الكنيسة وحرصاً منهم على البقاء أمناء بالكامل لخليفة بطرس وللعقيدة الكاثوليكية، إلى أن يرتسموا بشكل سري. والسرية ليست وجهاً طبيعياً في حياة الكنيسة، فالتاريخ يبيّن أن الرعاة والمؤمنين لا يلجأون إليها إلا في الظروف الأليمة، بهدف المحافظة على سلامة إيمانهم ومقاومة تدخل الهيئات الحكومية في المسائل التي تخص حياة الكنيسة. ولهذا السبب، فإن الكرسي الرسولي يأمل بأن تعترف السلطات الحكومية بهؤلاء الرعاة الشرعيين، مع كل المفاعيل المدنية – بقدر ما تكون ضرورية — وأن يتمكن كل المؤمنين من إعلان إيمانهم بحرية في النطاق الإجتماعي الذي يعيشون فيه. 

 بيد أن أساقفة آخرين، وتحت وطأة ظروف خاصة، قد وافقوا على الحصول على الرسامة الأسقفية من دون أمر بابوي ولكنهم طلبوا فيما بعد أن يُقبلوا في الشركة مع خليفة بطرس ومع بقية إخوتهم في الحلقة الأسقفية. وقد عمَدَ البابا، بالنظر إلى مشاعرهم الصادقة وإلى الوضع المعقّد الذي يعيشونه، واستناداً إلى رأي الأساقفة المقرّبين منه، وبموجب مسؤوليته كراعٍ للكنيسة الجامعة، إلى منحهم كامل الصلاحية الشرعية لممارسة الولاية الأسقفية.

 وقد ولدت مبادرة البابا هذه من معرفته بالظروف الخاصة التي أحاطت برسامتهم ومن اهتمامه الراعوي الكبير بهدف تفعيل إرساء شركة كاملة. ولكن في معظم الحالات، لم يتمّ إبلاغ الكهنة والمؤمنين كما يجب بأن أسقفهم قد أصبح له صفة شرعية، ما أدى إلى العديد من المشاكل الإيمانية الخطيرة. علاوةً على ذلك، فإن بعض الأساقفة الذين أُعطيت لهم صفة شرعية لم ينجحوا في إعطاء أي إشارة واضحة تفيد شرعيتهم. لذلك، فمن الضروري من أجل خير الجماعات الأبرشية المعنية الروحي أن يتمّ الإعلان عن عملية إعطاء الصفة الشرعية سرعان ما تحصل وأن يقدّم الأساقفة الذين اكتسبوا الصفة الشرعية إشارات واضحة ومتزايدة عن الشركة الكاملة التي تجمعهم بخليفة بطرس.

 أخيراً، ثمة أساقفة – وعددهم محدود جداً—قد رُسموا من دون أمر بابوي ولمّا يطلبوا أو يحصلوا على الصفة الشرعية اللازمة. وبحسب عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، فهم يُعَدّون غير شرعيين، ولكن رسامتهم تُعتبر صحيحة، طالما أنه من المؤكد أنهم رُسموا على يد أساقفة تُعتبر رسامتهم صحيحة ووفقاً للرتب الكاثوليكية المعتمدة في الرسامة الأسقفية. لهذا السبب، وبالرغم من أنهم ليسوا في شركة مع البابا، فإنهم يمارسون خدمتهم بشكل صحيح في منح الأسرار، وإن بصورة غير شرعية.

فكم سيكون عظيماً الغنى الروحي الذي سيفيض من الكنيسة في الصين في حال توافرت الشروط اللازمة ودخل أولئك الرعاة بدورهم في شركة مع خليفة بطرس ومع الحلقة الأسقفية الكاثوليكية الجامعة! إذذاك، لن تكتسب خدمتهم الأسقفية الصفة الشرعية فحسب، بل سيكون ذلك مصدر غنىً للشركة التي تجمعهم بالكهنة والمؤمنين الذين يعتبرون الكنيسة في الصين جزءاً من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة وفي اتحاد مع أسقف روما وكافة الكنائس الخاصة المنتشرة في العالم.

وينضوي كل الأساقفة الشرعيين في مختلف الدول ضمن مجلس للأساقفة ترعاه قوانينه الخاصة التي، وبموجب أحكام القانون الكنسي، يجب أن يقرّها الكرسي الرسولي. وهذه المجالس الأسقفية إنما هي تعبير عن الشركة الأخوية لكافة أساقفة البلد وتعالج المسائل العقائدية والراعوية التي تهمّ الجماعة الكاثوليكية بأجمعها في ذلك البلد، ولكن من دون التدخل في ممارسة السلطة المألوفة والمباشرة لكل أسقف من الأساقفة في نطاق أبرشيته الخاصة.

 إلى ذلك، فإن كل مجلس أسقفي يحافظ على علاقات مناسبة ومفيدة مع السلطات المدنية للبلاد، بهدف تعزيز التعاون بين الكنيسة والدولة، ولكن من البديهي أنه لا يجوز أن يكون المجلس الأسقفي خاضعاً لأي سلطة مدنية في القضايا الإيمانية وفي عيش الإيمان (الإيمان والأخلاق، حياة الأسرار) التي تقع ضمن صلاحية الكنيسة الحصرية.

 وعلى ضوء المبادئ المبيّتة أعلاه، فإنه لا يمكن للكرسي الرسولي الإعتراف بمجمع أساقفة الكاثوليك في الصين حالياً كمجلس للأساقفة: فالأساقفة "السريين" الذين لا تعترف بهم الحكومة في حين أنهم في شركة مع البابا ليسوا جزءاً من هذا المجمع؛ بالإضافة إلى أنه يضمّ أحباراً ما زالوا غير شرعيين، وترعاه قوانين تنطوي على عناصر تتعارض والعقيدة الكاثوليكية.

تعيين الأساقفة

9. كما تعلمون جميعاً، إن إحدى أدقّ المسائل في العلاقات بين الكرسي الرسولي وسلطات بلادكم تتجلى في مسألة التعيينات الأسقفية. فمن جهة، يمكن أن نفهم اهتمام السلطات الحكومية بمسألة اختيار من سَيُناط بهم الدور المهم المتمثل بقيادة الجماعات الكاثوليكية المحلية ورعايتها، نظراً للإعتبارات الإجتماعية التي تحملها هذه الوظيفة – في الصين كما في باقي دول العالم—في الوسط المدني والروحي على السواء.

ومن جهة أخرى، فإن الكرسي الرسولي يتابع باهتمام كبير عملية تعيين الأساقفة، نظراً لأنها تطال صلب حياة الكنيسة، وباعتبار أن تعيين الأساقفة من البابا هو ضمانة لوحدة الكنيسة وللشركة التسلسلية. ولهذا السبب، فإن القانون الكنسي (المادة 1382) يفرض عقوبات شديدة على كل من الأسقف الذي يمنح من تلقاء نفسه الرسامة الأسقفية من دون أمر رسولي وعلى من ينالها منه: فهذه الرسامة تشكل في الواقع جرحاً أليماً في خاصرة الشركة الكنسية وانتهاكاً خطيراً للحق القانوني.

فعند إصداره أمراً رسولياً لرسامة أسقف ما، يمارس البابا سلطته الروحية الأسمى: وتبقى هذه السلطة وهذا التدخل ضمن النطاق الروحي البحت، أي إن المسألة ليست مسألة سلطة سياسية تتدخل عن غير وجه حق في الشؤون الداخلية لدولة ما وتنتهك سيادتها.

كذلك يُفهم تعيين الأساقفة لخدمة جماعة دينية معينة، في الصكوك الدولية، كأحد مقومات الممارسة الكاملة لحق الحرية الدينية. ويتمنى الكرسي الرسولي أن يتمتع بالحرية التامة في تعيين الأساقفة؛ لذا، وبالنظر إلى الإنجازات الخاصة التي حققتها الكنيسة مؤخراً في الصين، فإنني أثق بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الحكومة من أجل حلّ بعض المسائل المتعلقة باختيار المرشحين إلى الأسقفية وإعلان تسميات الأساقفة والإعتراف – في ما يتعلق بالمفاعيل المدنية حيث تقتضي الحاجة—بالأساقفة الجدد من جانب السلطات المدنية.

أخيراً، وفي ما يتعلق باختيار المرشحين إلى الأسقفية، ومعرفةً مني بالصعاب التي تواجهكم في هذا المجال، أودّ أن أذكّركم بضرورة أن يكونوا كهنة على قدر المسؤولية، يحظون باحترام المؤمنين ومودّتهم، ونماذج لعيش الإيمان، يملكون خبرة معينة في الخدمة الراعوية، بحيث يكونون مجهزين لتأدية المسؤولية الثقيلة التي تترتب على راعي الكنيسة. ومتى تعذّر إيجاد مرشحين ملائمين ليشغلوا المنصب الأسقفي في إحدى الأبرشيات، فإن تعاون الأساقفة من الأبرشيات المجاورة من شأنه أن يساعد على تحديد المرشحين المناسبين.

الجزء الثاني

 توجيهات للحياة الراعوية

 الأسرار، إدارة الأبرشيات والرعايا

 10. نشأت في الأزمنة الأخيرة صعوبات مرتبطة بالمبادرات الفردية المتخذة من الرعاة والكهنة والعلمانيين الذين استسلموا لغيرة راعوية كبيرة فلم يحترموا دائماً مهام ومسؤوليات بعضهم البعض.

 علاوةً على ذلك، وبالنظر إلى بعض المشاكل التي نشأت في جماعات أبرشية مختلفة في السنوات الأخيرة، أشعر بأنه من واجبي أن أذكّركم بالقاعدة القانونية الكنسية التي تنص على أنه يجب تعيين كل كاهن في كنيسة خاصة أو في معهد للحياة المكرسة وأنه عليه أن يمارس خدمته الخاصة في شركة مع أسقف الأبرشية. وحدها الأسباب الموجبة تخوّل الكاهن ممارسة خدمته في أبرشية أخرى، ولكن دائماً بموافقة أسقفي الأبرشيتين المسبَق، أي أسقف الكنيسة الخاصة التي عُيّن فيها وأسقف الكنيسة الخاصة التي سيقوم بخدمتها. 

إذاً، لقد واجهتم في حالات ليست بقليلة مشكلة التشارك في الإحتفال بالإقخارستيا. وفي هذا الصدد، أذكّركم بأن ذلك يفترض، من بين الشروط المسبقة، التبشير بالإيمان عينه والشركة التسلسلية مع البابا ومع الكنيسة الجامعة. لذا، فإنه من المباح المشاركة في التقديس مع أساقفة وكهنة يكونون في شركة مع البابا، حتى وإن كانوا يحظون باعتراف السلطات المدنية ويقيمون علاقات مع كيانات تحظى بدعم الدولة وخارجة عن بنية الكنيسة، وشريطة – كما ذكرنا سابقاً (راجع القسم 7 أعلاه، الفقرة 8) – ألا يعني هذا الإعتراف وهذه العلاقات ضرورة إنكار مبدأي الإيمان والشركة الكنسية الذي لا يمكن التخلي عنهما.

 كذلك على العلمانيين الذين يحركهم حب صادق للمسيح والكنيسة ألا يترددوا في المشاركة في الإحتفال بالإفخارستيا الذي يحتفل به أساقفة وكهنة هم في شركة تامة مع خليفة بطرس ولهم اعتراف السلطات المدنية. وينسحب الأمر هذا على الأسرار الأخرى كافة.

أما في ما خص المشاكل الناجمة عن حالة الأساقفة الذين رُسموا من دون أمر بابوي وإنما وفقاً لأصول الرتبة الكاثوليكية للرسامة الأسقفية، فإنه يتعيّن حلّها دائماً على ضوء مبادئ العقيدة الكاثوليكية. وكما أسلفتُ (في الفقرة 12 من القسم 8 أعلاه)، فإن رسامتهم تُعدّ غير شرعية ولكن صحيحة، تماماً كما أن السيامات الكهنوتية التي يمنحونها تُعتبر صحيحة وكما أن الأسرار التي يمنحها هؤلاء الأساقفة والكهنة هي صحيحة. وبالتالي، يتعيّن على المؤمنين، وبعد أخذ هذه المسائل بعين الإعتبار، وفي ما خص الإحتفال بالذبيحة الإلهية وبغيرها من الأسرار، أن يبحثوا، قدر المستطاع، عن أساقفة وكهنة يكونون في شركة مع البابا: أما في الحالات التي يتعذّر فيها ذلك من دون عواقب وخيمة، فيجوز أن يتوجهوا إلى من ليسوا في شركة مع البابا، لما فيه خيرهم الروحي.

 أخيراً، أرى أنه من المناسب أن ألفت انتباهكم إلى ما تنص عليه القوانين الكنسية لمساعدة أساقفة الأبرشيات على إتمام مهامهم الراعوية. فكل أسقف أبرشي مدعو إلى الإفادة من وسائل الشركة والتعاون المتاحة في الجماعة الكاثوليكية في أبرشيته ومنها: الكوريا الأبرشية ومجلس الكهنة وجماعة المستشارين ومجلس الأبرشية الراعوي مجلس أوقاف الأبرشية. وتشكل هذه الهيئات تعبيراً عن الشركة القائمة وتشجع تقاسم المسؤولية المشتركة وهي مصدر عون كبير للرعاة الذين يمكنهم عندئذٍ الإعتداد بالتعاون الأخوي بين الكهنة والمكرسين والمؤمنين العلمانيين.   

وينسحب ذلك على مختلف المجالس التي ينص القانون الكنسي على وجودها في الرعايا أي مجلس الرعية الراعوي ومجلس أوقاف الرعية.

وفي كل من الأبرشيات والرعايا، لا بدّ من أن تُخص خيرات الكنيسة الزمنية من منقولة وغير منقولة باهتمام خاص، فتسجَّل قانوناً في الدوائر المدنية بإسم الأبرشية أو الرعية ولا في أية حال بإسم الأفراد (أي الأسقف أو كاهن الرعية أو مجموعة من المؤمنين). وحتى ذلك الحين، فإن التوجيهات الراعوية والإرسالية التقليدية التي يمكن أن تُلخّص على أفضل وجه بمبدأ: "Nihil sine Episcopo" (لا شيء من دون الأسقف) تبقى صحيحة.

 وانطلاقاً من تحليل الإشكاليات الملحوظة أعلاه، يتجلى بشكل واضح أن أي حلّ فعلي يجد جذوره في تعزيز الشركة التي تنهل قوتها وزخمها من المسيح، أيقونة محبة الآب. فالمحبة التي هي على الدوام فوق كل شيء (راجع 1كو 13: 1-12) ستكون مصدر القوة والمعيار في العمل الراعوي من أجل بناء جماعة كنسية قادرة على أن تجعل المسيح القائم من الموت حاضراً في حياة الإنسان المعاصر.

 

الأقاليم الكنسية

 11. لقد شهد الإطار المدني تغيرات إدارية جمّة في السنوات الخمسين الأخيرة. وقد طال هذا التغيير الدوائر الكنسية المختلفة التي جرى إزالتها أو إعادة تجميعها أو تعديل تنظيمها الإقليمي وفقاً للدوائر الإدارية المدنية. وفي هذا الصدد، أودّ أن أؤكد على أن الكرسي الرسولي مستعدّ للتداول في مسألة الدوائر والأقاليم الكنسية برمتها في حوار منفتح وبنّاء مع الأسقفية الصينية ومع السلطات الحكومية – عندما يكون ذلك مناسباً ومفيداً.

  الجماعات الكاثوليكية

 
12. إنني أدرك تماماً أن الجماعات الأبرشية والرعوية المنتشرة في رحاب الأراضي الصينية تقدم مثالاً على حيوية خاصة في الحياة المسيحية وشهادة للإيمان والمبادرة الراعوية. وإنه ليعزّيني أن ألحظ أنه وبالرغم من الصعوبات القديمة والحاضرة، عرف الكهنة والمكرسون والمؤمنون أن يحافظوا على وعي عميق لكونهم أعضاء أحياء في الكنيسة الجامعة، في شركة إيمان وحياة مع كل الجماعات الكاثوليكية عبر العالم. إنهم يعرفون في قلوبهم معنى أن يكونوا من الكاثوليك. وبالتحديد من هذا القلب الكاثوليكي يجب أن ينبثق الإلتزام لكي يظهر بشكل واضح وفعلي ضمن الجماعات المختلفة وفي العلاقات بين الجماعات روح الشركة والتفاهم والمسامحة الذي هو – كما أشرنا سابقاً (راجع الفقرة 4 من القسم 5 أعلاه والقسم 6)—الختم المنظور لحياة مسيحية حقيقية. أنا على ثقة بأن روح المسيح سيساعد الكاثوليك أجمعين على النمو في الوحدة، كما ساعد من قبل الجماعات على إبقاء الإيمان حياً في أزمنة الإضطهاد.

 وكما لفتُّ قبلاً (راجع الفقرة الأولى من القسم 2 والفقرة الأولى من القسم 4)، فإنه لسوء الحظ لم يُسمَح حتى الآن لأعضاء الجماعات الكاثوليكية في بلادكم – وبخاصة الأساقفة والكهنة والأشخاص المكرسين – أن يعيشوا وأن يعبّروا بشكل كامل وعلني عن بعض أوجه انتمائهم إلى الكنيسة وعن شركتهم التسلسلية مع البابا، بما أن حرية التواصل مع الكرسي الرسولي والجماعات الكاثوليكية الأخرى في العالم مقيّدة عادةً. صحيح أن الكنيسة تمتّعت في السنوات الأخيرة بحرية دينية أكبر من السابق،

 بيد أنه لا يمكن أن ننكر أن هناك الكثير من القيود الخطيرة التي تطال الإيمان في صميمه وتخنق النشاط الراعوي إلى حدّ ما. وهنا أودّ أن أجدّد أمنياتي الصادقة (راجع الفقرات 2، 3، 4 من القسم 4 أعلاه) بأن نتمكن، من خلال حوار يتّسم بالإحترام والإنفتاح بين الكرسي الرسولي والأساقفة الصينية من جهة، والسلطات الحكومية من جهة أخرى، من تجاوز الصعوبات المذكورة والتوصل إلى تفاهم مثمر يأتي بالإفادة على الجماعة الكاثوليكية والتماسك الإجتماعي.

13. والآن أودّ أن أتوجه بتحية خاصة وبدعوة إلى الكهنة – خصوصاً أولئك الذين سيموا في السنوات الأخيرة – الذين سلكوا طريق الخدمة الراعوية بسخاء كبير. يبدو لي أن الوضع الكنسي والإجتماعي-الإقتصادي القائم حالياً يجعل الحاجة أكثر إلحاحاً إلى استمداد النور والقوة من منابع الروحنية الكهنوتية التي تتمثل بحب الله واتّباع المسيح اتباعاً مطلقاً وشغف إعلان الإنجيل والأمانة للكنيسة وخدمة القريب السخية.

وكيف لي، في هذا الصدد، ألا أذكر كتشجيع للجميع، الأساقفة والكهنة البارزين الذين كانوا، في السنوات الصعبة التي طبعت الماضي القريب، شهوداً للمحبة التي لا تكلً ولا تنضب للكنيسة، ولو على حساب حياتهم من أجل الكنيسة والمسيح؟ أيها الكهنة الأعزاء! يا من تحتملون "ثقل النهار وحرّه الشديد" (متى 20: 12)، يا من تضعون يدكم على المحراث ولا تلتفتون إلى الوراء (لو 9: 62)، فكروا في الأماكن التي ينتظر فيها المؤمنون بحرقة الشوق حضور كاهن وحيث، على مدى سنوات طويلة، إفتقدوا إلى كاهن ولم يكفوا يرفعون الصلوات على هذه النية.

أعلم أنه من بينكم أشقاء عرفوا أوقاتاً وظروفاً عصيبة، واضطروا إلى اتخاذ مواقف لا تلتقي دائماً مع وجهة نظر الكنيسة، وأنهم يريدون، بالرغم من كل ذلك، العودة إلى ملء الشركة مع الكنيسة. وفي روح هذه المصالحة العميقة التي لم ينفك سلفي الموقر يدعو الكنيسة في الصين إليها، أتوجه الآن إلى الأساقفة الذين هم في شركة مع خليفة بطرس، كيما يقوموا بتقويم هذه المسائل كلاً على حدة بروح أبوية ويعطوا جواباً شافياً تلبيةً لهذا التطلع، ملتجئين – عند الضرورة—إلى الكرسي الرسولي لحصول على المساعدة. وكعلامة لهذه المصالحة المرجوة، أعتقد أن الخطوة الأبرز تكون في أن تقوم الجماعة — لمناسبة يوم الدعوات الكهنوتية الذي يصادف يوم خميس الأسرار، على غرار ما يجري في الكنيسة الجامعة، أو في مناسبة أخرى قد تعتبرها ملائمة أكثر — بإعلان إيمانها، شهادةً على الشركة الكاملة التي تمّ بلوغها، من أجل بناء شعب الله المقدس الموكل إلى رعايتكم الرعائية ولتمجيد الثالث الأقدس.

 إضافةً إلى ذلك، إنني أعي أنه في الصين أيضاً، كما في الكنيسة جمعاء، تبرز حاجة إلى إعداد مستمر وملائم لسلك الكهنوت، ما يبرّر الدعوة الموجهة إليكم، أنتم الأساقفة، بوصفكم قادة للجماعات الكنسية، للتفكير خصوصاً في الكهنة الشباب الذين يواجهون تحديات راعوية جديدة متزايدة، مرتبطة بمستلزمات مهمة إعلان الإنجيل لمجتمع معقّد شأن المجتمع الصيني المعاصر. لقد ذكّرنا البابا يوحنا بولس الثاني بأن الإعداد المستمر للكهنة هو "من الشروط الأساسية لعطية الرسامة وخدمة الأسرار الممنوحتين؛ وهو ضروري في كل الأزمنة، وخصوصاً اليوم، لا لاعتبارات التغيرات السريعة التي تطال البيئة الإجتماعية والثقافية للأفراد والشعوب التي تُمارَس ضمنها الخدمة الكهنوتية فحسب، إنما أيضاً نظراً لمهمة "التبشير الجديد بالإنجيل" التي تشكل مهمة الكنيسة الجوهرية والملحة في نهاية الألفية الثانية".

الدعوات والتنشئة الدينية

14. خلال السنوات الخمسين الماضية، لم تشهد الكنيسة في الصين أي نقص في دعوات الكهنوت والحياة المكرسة التي عرفت ازدهاراً كبيراً. وعلينا أن نشكر الله، لأن في ذلك علامة للحيوية ومدعاةً للأمل. إضافةً إلى ذلك، وعلى مرّ السنين، نشأت جماعات دينية محلية عديدة: والأساقفة والكهنة يدركون من خبرتهم مدى أهمية مساهمة الراهبات في مجال الكرازة وحياة الرعية في كل أشكالها؛ كما أن تقديم العناية إلى الأشخاص الأكثر حرماناً، بالتعاون مع السلطات المدنية المحلية، لهو تعبير عن المحبة وخدمة القريب اللتين تشكلان أصدق شهادة على قوة إنجيل يسوع وحيويته.

غير أنني أعي أن هذا الإزدهار يترافق اليوم بالكثير من الصعوبات، فتبرز الحاجة إلى تمييز أدق للدعوات من جهة المسؤولين في الكنيسة وإلى تنشئة وتعليم أعمق لطلاب الكهنوت والحياة المكرسة. وبالرغم من هشاشة الوسائل المتاحة، إلا أن مستقبل الكنيسة في الصين يتطلّب اتخاذ تدابير تضمن، من جهة، إيلاء اهتمام خاص للدعوات وتنشئة أمتن في ما يتعلق بالنواحي الإنسانية والروحية والفلسفية واللاهوتية والراعوية، من جهة أخرى، في المدارس الإكليركية والمعاهد الدينية.

وفي هذا الصدد، لا شك في أن التنشئة على عفّة المدعوين للكهنوت تستحق ذكراً خاصاً. فمن المهم أن يتعلموا أن يعيشوا ويعتبروا العفة عطية ثمينة من الله وعلامة إسكاتولوجية بامتياز تكون شهادةً لمحبة غير متجزئة لله ولشعبه ومن خلالها يتماهى الكاهن مع يسوع المسيح، رأـس الكنيسة وعريسها. وهذه العطية لهي في الواقع "تعبير عن خدمة الكاهن للكنيسة في الرب ومعه" بطريقة مميزة وتحمل قيمة نبوية لعالم اليوم.

أما بالنسبة إلى الدعوة الدينية، ففي الإطار الحالي للكنيسة في الصين، من الضروري أن يبرز البعدان اللذان تحملهما بطريقة أوضح: أعني، من جهة، شهادة لعطية التكرس الكلي للمسيح من خلال نذورالمحبة والفقر والطاعة، ومن جهة أخرى، تلبية الدعوة إلى إعلان الإنجيل في ظلّ الظروف الإجتماعية والتاريخية التي تعيشها البلاد في هذه الأيام. 

 

المؤمنون العلمانيون والعائلة

15. لقد أظهر المؤمنون العلمانيون، بوصفهم أفراداً وعائلات وأعضاء في حركات روحية ورسولية، في أحلك حقبات التاريخ المعاصر للكنيسة الكاثوليكية في الصين، أمانة مطلقة للإنجيل، وصولاً إلى دفع الغالي والنفيس ثمناً لأمانتهم للمسيح. فيا أيها العلمانيون الأعزاء خاصتي، أنتم مدعوون اليوم أيضاً إلى أن تجسّدوا الإنجيل في حياتكم وإلى أن تشهدوا له من خلال الخدمة السخية والفعلية لما فيه خير الشعب وتطور البلاد: وستتمّمون هذه الرسالة من خلال عيشكم عيشة المواطنين الصالحين ومن خلال عملكم كمعاونين ناشطين ومسؤولين في نشر كلمة الله لمن يحوطون بكم سواء في القرية أو في المدينة. فأنتم الذين عرفتم كيف تكونون شهوداً بسلاء للإيمان في الأزمنة الأخيرة يجب أن تبقوا رجاء الكنيسة في المستقبل! وهذا يفترض منكم مشاركة والتزاماً أكبر في كافة مجالات الحياة الكنسية، في شركة مع رعاتكم.

لمّا كان مستقبل الإنسانية يعتمد على العائلة، أجد أنه من الضروري والملحّ أن يقوم العلمانيون بتعزبز قيم العائلة وضمان حاجات العائلة. فللعلمانيين الذين يخوّلهم إيمانهم التعرّف على مشروع الله الرائع للعائلة، سبب إضافي لإتمام هذه المهمة العملية والصعبة: فالعائلة هي في الواقع "المكان الطبيعي الذي ينمو فيه الشباب لبلوغ نضج شخصي وإجتماعي. وهي كذلك تحمل إرث الإنسانية بذاتها، لأنه من خلال العائلة، تنتقل الحياة من جيل إلى جيل. وتحتلّ العائلة مكانةً مهمة للغاية في الثقافات في آسيا؛ وكما لحظ آباء السينودس، فإن القيم العائلية شأن الإحترام البنوي والمحبة والرعاية تجاه المتقدمين في السن والمرضى، ومحبة الأولاد والوئام لهي كلها من القيم التي تكنّ لها الثقافات والتقاليد الدينية الآسيوية كل احترام وتقدير.

وتشكل القيم المذكورة أعلاه جزءاً من السياق الثقافي الصيني الحالي، كما أن بلادكم لا تفتقر إلى العوامل التي تؤثّر بالعائلة تأثيراً سلبياً بشتى الطرق. لذلك، فإن الكنيسة في الصين، وإذ تعي أن خير المجتمع وخيرها بالذات مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بخير العائلة، يجب أن تتحلّى بحسّ حماسي وملزم أكثر حيال مهمتها التي تقضي بأن تعلن للجميع خطة الله للزواج والعائلة، مع الحرص على قدرة كل منهما على الإزدهار.

التنشئة المسيحية للراشدين

16. لقد شهد التاريخ الحديث للكنيسة الكاثوليكية في الصين أعداداً وافرة من البالغين الذين اعتنقوا الإيمان، وذلك جزئياً بفضل شهادة الجماعة المسيحية المحلية. وأنتم، أيا أيها الأساقفة، مدعوون إلى إيلاء عناية خاصة لتنشئتهم المسيحية من خلال تخصيص فترة مناسبة وجدية لإعداد الموعوظين تهدف إلى مساعدتهم وإعدادهم لعيش حياة تلاميذ يسوع.

وفي هذا الصدد، أودّ أن أشير إلى أن إعلان الإنجيل ليس تواصلاً فكرياً بحتاً، بل خبرة حياة وتطهير الوجود برمّته وتحويله، ومسيرة شركة. بهذه الطريقة فقط تقوم علاقة صحيحة بين الفكر والحياة.

وبالعودة إلى الماضي، نرى أن العديد من البالغين لم يحصلوا لسوء الحظ على التنشئة الكافية بالنسبة إلى الحقيقة الكاملة للحياة المسيحية ولم يعرفوا حتى غنى التجدد الذي جاء به المجمع الفاتيكاني الثاني. لذا يبدو من الضروري والملحّ أن نقدّم لهم تنشئة مسيحية متينة وشاملة، بشكل إعداد للموعوظين في فترة ما بعد العماد.

الدعوة الإرسالية

17. إن الكنيسة، الإرسالية على الدوام وفي كل مكان، مدعوة إلى إعلان الشهادة للإنجيل وإلى حملها. وعلى كنيسة الصين أن تشعر أيضاً في قلبها بالغيرة الإرسالية التي حرّكت مؤسسها ومعلّمها.

لقد توجّه البابا يوحنا بولس الثاني إلى الحجّاج الشباب على جبل التطويبات في يوبيل العام 2000 المقدس بهذه الكلمات، قال: "لمّا حان وقت صعوده إلى السماء، أعطى يسوع تلاميذه رسالة وهذا التأكيد: \’ إني أُوليتُ كل سلطان في السماء والأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم… وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم\’ (متى 28: 18-20). وقد حمل أتباع المسيح طوال ألفي سنة هذه المهمة واليوم، وفي فجر الألفية الثالثة، قد حان دوركم لتحملوها.

لقد حان دوركم لكي تذهبوا إلى العالم لتعلنوا رسالة الوصايا العشر والتطويبات. فعندما يتكلّم الله إنما ينطق بأمور تكون ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى كل شخص، وتعني شعوب القرن الواحد والعشرين تماماً كما كانت تعني شعوب القرن الأول. فالوصايا العشر والتطويبات تتكلم عن الحقيقة والخير، والنعمة والحرية: عن كل ما هو ضروري لدخول ملكوت المسيح.

لقد حان دوركم الآن، أيا تلاميذ الرب في الصين، لكي تكونوا رسلاً شجعان لهذا الملكوت. وأناعلى ثقة بأنكم ستلبّون الدعوة بسخاء.

خلاصة

في إبطال الصلاحيات وفي التوجيهات الراعوية

18. بالنظر إلى بعض التطورات الإيجابية التي طرأت على وضع الكنيسة في الصين في المقام الأول، وبالنظر بعد ذلك إلى الفرص المتزايدة المتاحة وإلى السهولة الأوسع في التواصل، وبالنظر أخيراً إلى الطلبات التي وردت إلى روما من العديد من الأساقفة والكهنة، إنني أعلن بموجب هذه الوثيقة إبطال كافة الصلاحيات الممنوحة سابقاً بهدف معالجة حالات راعوية خاصة نشأت في أوقات الشدة.

ولينسحب الأمر نفسه على التوجيهات الماضية والحديثة كافة ذات الطبيعة الراعوية. فالمبادئ العقائدية التي تؤسس لها أصبحت اليوم تجد تطبيقها الجديد في التوجيهات المذكورة في هذه الوثيقة.

إعلان يوم صلاة من أجل الكنيسة في الصين

19. أيها الأساقفة والمؤمنون الأعزاء، عسى أن يصبح تاريخ الرابع والعشرين من مايو في المستقبل مناسبة يتّحد فيها كاثوليك العالم في الصلاة مع الكنيسة القائمة في الصين. وسيُخصّص هذا اليوم للمقام الليتورجي الذي يحمل اسم السيدة معونة النصارى، التي تّكرَّم بإيمان كبير في معبد شيشان المريمي في شانغهاي.

وأدعوكم إلى أن تحفظوا هذا التاريخ كيوم صلاة من أجل الكنيسة في الصين. وأشجعكم على الإحتفال به من خلال تجديد شركة إيمانكم بربنا يسوع وأمانتكم للبابا، ومن خلال الصلاة على نية الوحدة بينكم كيما تترسخ وتتجلى بصورة أوضح. كما أذكركم بالوصية التي أعطاها إياها يسوع، بأن نحبّ أعداءنا ونبارك مضطهدينا، ناهيك عن دعوة الرسول بولس لنا: "فأسأل قبل كل شيء أن يُقام الدعاء والصلاة والإبتهال والشكر من أجل جميع الناس ومن أجل الملوك وسائر ذوي السلطة، لنحيا حياةً سالمة مطمئنة بكل تقوى ورصانة. فهذا أمر حسن ومرضيٌّ عند الله مخلّصنا، فإنه يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحق" (1 طيم 2: 1-4).

وفي ذلك اليوم أيضاً، سيظهر كاثوليك العالم أجمع – لا سيما من هم من أصل صيني– تضامنهم الأخوي واهتمامهم بكم، طالبين من رب العالمين نعمة المواظبة على الشهادة، متأكدين من أنكم ستُكافأون على الآلام التي احتملتموها ماضياً وحاضراً من أجل إسم يسوع المقدس وعلى وفائكم الشجاع لنائبه على الأرض، ولو أنه في بعض الأحيان قد يدلّ كل شيء على الهزيمة.

الوداع

20. في ختام هذه الرسالة، أرفع صلواتي على نية كل منكم، أنتم أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في الصين وكهنتها والأشخاص المكرّسين والمؤمنين العلمانيين فيها، كيما "تهتزوا له فرحاً، مع أنه لا بدّ لكم من الإغتمام حيناً بما يصيبكم من مختلف المحن، فيُمتَحَن بها إيمانكم وهو أثمن من الذهب الفاني الذي مع ذلك يُمتحَن بالنار، فيؤول إلى الحمد والمجد والتكرمة عند ظهور يسوع المسيح" (1 بط 1: 6-7).

فلترافقكم مريم الكلية القداسة، أم الكنيسة وملكة الصين، التي في ساعة الصليب انتظرت بصبر فجر القيامة في صمت الرجاء، بعنايتها الأمومية ولتتشفّع لكم جميعاً، مع القديس يوسف وقوافل الشهداء الأبرار في الصين.

وإذ أؤكّد لكم رفع الصلوات المستمرة على نيتكم، ومع ذكر خاص للكبار في السن والمرضى والأطفال والشباب في أمّتكم العريقة، أمنحكم بركتي القلبية.

أُعطي في روما، في بازيليك القديس بطرس، بتاريخ 27 مايو، يوم عيد العنصرة من عام ، 2007، السنة الثالثة من حبريّتي.