لنتأمل مع بندكتس 11-12 الحادي عشر و الثاني عشر من مارس

 روما، الأربعاء 12 مارس 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم الحادي عشر من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 المرأة عند البئر

 تنفتح رواية لقاء يسوع مع المرأة السامرية عند بئر يعقوب (يو 4) بلقاء يحصل بين يسوع والمرأة السامرية في إطارٍ خبرة إنسانية يومية وعادية – خبرة العطش… وسرعان ما ينتقل الموضوع إلى عطش من نوع آخر وهو العطش إلى الحياة، وتجري الإشارة إلى أن على الإنسان أن يستسقي مراراً وتكراراً وأن يأتي مرةً بعد مرة إلى النبع. وبهذا، يجري لفت نظر المرأة إلى ما لطالما علمته في الواقع من دون أن تتنبّه له دائماً وهو أنها عطشى للحياة بحدّ ذاتها وأن كل مصادر الإرتواء الأخرى التي قد تبحث عنها وتجدها عاجزة عن إشباع هذا الظمأ الحيويّ والجوهري… وهنا تنقشع المعضلة الحقيقية، والمعاكسة الراسخة في وجودها: فإذا بها توضَع وجهاً لوجه مع ذاتها. وبشكل عام، يمكننا أن نلخص ما يحصل بالصيغة التالية: على المرء أن يعرف نفسه كما هي على حقيقتها إن أراد معرفة الله. فأمّ الخبرات هي أن الإنسان نفسه هو المكان الذي فيه ومن خلاله يختبر الله… تقف المرأة وجهاً إلى وجه مع ذاتها. فلا تعود المسألة مسألة "أمر ما" بل مسألة تتعلق بأعماق الـ"أنا" بذاتها، وتالياً بالضعف الأصليّ الذي يجسّده الـ"أنا" عند الإنسان… فيُطرَح السؤال الأساسي دوماً وبالضرورة، ويصبح السؤال حول الذات سؤالاً عن الله… وعند هذا الحدّ فقط تصبح تقدمة عطية يسوع الحقيقية ممكنة… وتصبح المرأة واعيةً للعطش الحقيقي الذي يحرّكها. وعليه، تصبح أخيراً قادرةً على معرفة ما تتوق إلى استقائه حقاً. وغاية كل تعليم ديني وغرضه هو أن يوصلنا إلى هذا اانوع من العطش.

 في مواجهة الفراغ مع المسيح

 جَرَت العادة أن يُحتفَل بالفصح داخل البيت. وهذا ما فعله يسوع. ولكن بعد العشاء، نهض يسوع وخرج، متجاوزاً قيود القانون بمضيّه خارج وادي قدرون الذي كان يومذاك يرسم حدود أورشليم. خرج في الليل. لم يرهبه الفراغ ولم يختبئ منه، بل خاض فيه إلى أعمق الأعماق، إلى لجّة الموت، وهذا ما نقوله في فعل الإيمان بقولنا إنه "تألّم ومات وقُُبر". الإيمان يعني دائماً الخروج مع يسوع، وليس الخوف من الفراغ، لأن يسوع هو الأقوى. فيسوع قد "خرج" ونحن نخرج معه إن قمنا بالمثل. الإيمان يعني الخروج من الجدران التي تقمعنا للإنطلاق في بناء فسحات إيمان ومحبة وسط عالم الفوضى والفراغ بقوّة يسوع المسيح. لقد "خرج" الربّ، وهذه علامة على قوّته. خرج في ليل جتسمانيّة، ليل الصليب والموت. إنه "الرجل الأقوى" الذي يقف في مواجهة "الرجل القوي" –الموت- (لو 11: 21- 23). فمحبة الله –سلطان الله- أقوى من قوى الدمار. وهذا "الخروج" بالتحديد، هذا الشروع في السير على درب الصليب عندما يخرج يسوع من أسوار الجدران الحامية للمدينة، هو علامة نصر. وسرّ جتسمانيّة يحمل منذ البدء فيه سرّ فرح الفصح. فيسوع هو "الأقوى". ولا سلطان يقوى عليه بعد اليوم؛ ولا من مكان لا نجده فيه. وهو يحثّنا على أن نجرؤ على السير معه على دربه؛ فحيث يكون الإيمان والمحبة، هناك يكون، وهناك أيضاً قوة السلام التي تتغلّب على العدم والموت.