لنتأمل مع بندكتس 14 – 15 من مارس

 

 روما، السبت 15 مارس 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم الرابع عشر من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 تعلّم المحبة

 لسنا بمنأى عن الليالي المظلمة. فمن الواضح أنها ضرورية كيما نتعلّم من خلال العذاب ونتمكّن من كسب الحرية والنضج وقبل ذلك كلّه قدرةً على التعاطف مع الآخرين… إن جزءً من كل حبّ بشري هو أنه يكون عظيماً بحقّ ومصدر غنى حقيقي فقط حين أكون مستعداً لنكران ذاتي من أجل هذا الشخص الآخر الذي أحبّ، وأخرج من ذاتي وأعطي من ذاتي. وهذا يصحّ بالتأكيد في علاقتنا مع الله التي منها يجب أن تنبثق كل علاقاتنا الأخرى وتتفتّق. يجب أن أبدأ بالكفّ عن النظر إلى ذاتي لكي أتساءل عمّا يريد هو. يجب أن أبدأ بتعلّم الحبّ. ويكمن ذلك بالتحديد في أن أشيح بنظري عن نفسي لأحوّله إليه. وبهذا التصرف لا أعود أسأل عمّا يمكنني أن أحصل عليه لنفسي، بل أترك نفسي بين يديه ليوجّهني هو، وأخسر نفسي في المسيح؛ وعندما أتخلّى عن ذاتي، وأتفلّت من ذاتي، حينئذٍ أرى، نعم أرى، أن الحياة صائبة في نهاية المطاف، لأنه في خلاف ذلك أكون متقوقعاً إلى أبعد الحدود على ذاتي. وعندما أخرج إلى الملأ، إذا صحّ التعبير، عندئذٍ تبدأ الحياة وتبلغ قمّة عظمتها. طبعاً هذه ليست رحلة يمكنك القيام بها بين ليلة وضحاها. فإن كنتَ تطمح إلى السعادة السريعة فالإيمان لا يفلح في هذه الحالة. ولعلّ هذه إحدى الأسباب وراء أزمة الإيمان التي نشهدها في أيامنا هذه، أننا نريد متعتنا وسعادتنا في الحال، من دون أن نخاطر في خوض مغامرة على مدى العمر –مغامرة نقوم بها مع الثقة بأن هذه الخطوة لن تنتهي إلى عدم، بل إنها بطبيعتها فعل المحبة الذي من أجله خُلقنا والذي وحده يعطيني ما أصبو إليه: أن أحِبَّ وأُحَبَّ فأجد إذذاك السعادة الحقيقية.

 

 

 

الخامس عشر من مارس

 

 خُلقنا لنحِبّ

 يعتبر الإيمان المسيحي أن الخليقة قد أُفسدَت. فالوجود البشري لم يعد على صورة ما صنعته يدا الخالق. بل صار يثقلها عنصر آخر يولّد، إضافةً إلى النزعة الفطرية إلى الله، نزعة أخرى معاكسة تبعده عن الله. وهكذا، فالإنسان تتنازعه حركة الخلق الأصلية وإرثه التاريخي الخاص. وهذه الإمكانية قائمة منذ البدء في طبيعة المخلوقات المحدودة ولكنها تطوّرت عبر التاريخ. فمن جهة، الإنسان مخلوق ليحِبّ. لقد أُوجد ليبذل نفسه، ليعطي نفسه. ولكن من السهولة بمكان بالنسبة إليه أن يكبح نفسه وأن يرغب في أن يكون ذاته وحسب. وتتطور هذه النزعة لدرجة أنه يمكنه من جهة أن يحبّ الله، وأن يغضب منه من جهة أخرى ويقول: أريد أن أكون مستقلاً، أريد أن أكون ذاتي وحسب. إن قمنا بمراقبة دقيقة لأنفسنا رأينا هذه المفارقة، وهذا التوتر الداخلي في وجودنا. فنعترف من جهة بأن فحوى الوصايا العشر صحيح وحسن وهذا ما نريد وما نحبّ القيام به. أي أن نكون طيّبين مع الآخرين، وممتنّين شاكرين، محترمين لمقتنيات وأملاك الآخرين، وإيجاد الحبّ الكبير في العلاقة الجنسية بحيث تصبح مسؤولية متبادلة ورابطاً على مدى العمر، وقول الحقيقة وعدم الكذب. بمعنى ما، هذا النمط  بالفعل ليس نمطاً مخالفاً لطبيعتنا ونيراً يثقل أكتافنا.

الرابع عشر من مارس