لنتأمل مع بندكتس 16- 17 مارس

السادس عشر من مارس

 روما، الاثنين 17 مارس 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم السادس عشر من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 الحرية وكياننا الجوهري

 تنتمي الحرية إلى البنية الأساسية للخلق، إلى الوجود الروحي للإنسان. فنحن لم نُصنَع ونُصَغ وفق قالب محدد. الحرية أوجدَت لكي يصقل كل واحد منّا حياته، وفي موازاة ذاته الروحي، يتمكن في النهاية من اتّباع الدرب الذي يتناسب على أفضل وجه مع كيانه الجوهري. الحرية عطية متأصلة في الخلق… الحرية تعني أنني وبإرادتي الحرة آخذ على عاتقي تنمية الطاقة الكامنة في ذاتي. والمسألة بالتالي ليست بتاتاً مسألة "نعم" أو "لا". فحتى وراء الـ"لا"، تتفتح مجموعة واسعة لامتناهية من الفرص الخلاقة للصلاح والخير. إذاً في الحقيقة، إن الفكرة الراسخة عندنا بأنه ما لم نقل "لا" للشرّ، أكون مسلوب الحرية هو بحدّ ذاته إفساد وتحريف للحرية. والحرية تجد فعلياً مساحتها الخلاقة في لدن ما هو خيّر. والمحبة خلاقة؛ والحقيقة خلاقة –ففي هذه الظروف، تنفتح عيناي فعلياً، فأرى الأمور على حقيقتها. وحين نغوص في حياة عظام القوم والقديسين، نرى كيف أنهم كشفوا بطريقة مبدعة وخلاقة عبر التاريخ عن إمكانيات بشرية كامنة جديدة عجز الأشخاص العميان البصيرة أو المتحجرون حتى الآن عن إدراكها. بكلمات أخرى، تجد الحرية سبيلها وتتحقق في إعلانها وتطويرها لتلك الأمور التي في لدن الخير لا زالت تنتظر من يكشف النقاب عنها، وتالياً في توسيع  الإمكانيات الكامنة في النظام المخلوق. أما الحرية فتُفقَد عندما تدّعي بأنها لا تفرض إرادتها الخاصة إلا بقول "لا". ففي هذه الحالة، أكون قد مارستُ حريّتي ولكنني في الوقت عينه عمدتُ إلى تشويهها.      


السابع عشر من مارس

  رؤية الآب

 من يرى المسيح يرى الآب؛ فيرى في من هو منظور من هو غير منظور، غير المنظور في شخصه… ومن ينظر إلى شكل المسيح يلفت انتباهه خروج المسيح الذي يربطه آباء الكنيسة بشكل بيّن وصريح بأحداث جبل طابور. ويوجَه على درب الفصح القائم على الذهاب إلى ما هو أبعد ويتعلّم أن يرى في المنظور أكثر مما يتراءى له… وفي خروج محبة المسيح إلى العلن- أي في الإنتقال من التعارض إلى الشراكة التي تحدث في صليب الطاعة- يحصل الفداء بحق، والفداء تحرّرٌ. وينقلنا هذا الخروج من عبودية حبّ الذات، عبودية التبجج والإكتفاء بالذات إلى لدن محبة الله… من يرى المسيح، المصلوب، يرى الآبوبالفعل، سرّ الثالوث بكلّيته… وبالتالي، فإن الشخص البشري قد أصبح حقيقةً صديقاً وأُدخِل إلى كنه سرّ الله. فلم يعد عبداً في عالم تلفّه الظلمة، بل صار يعرف قلب الحقيقة. ولكنّ هذه الحقيقة سبيل؛ إنها مغامرة خطيرة مُهلكة ولكن مع ذلك مغامرة معطاءة للحياة من خلال خسارة الذات التي وحدها مرادف للحرية… فإذا بالحقيقة ذاتها، الحقيقة الحقة، تصبح مقبولة الوطأة على البشر – قُل السبيل لهم- إذ تجلّت ولا تنفك تتجلى في فقر ذاك الضعيف الذي لا طائل له… في فقر المسيح تجلّت العلامة الأصلية، "قوّة" الحقيقة الجوهرية… بعيشه في الفقر الحقيقي وحده، ولا سوى ذلك، فتح الطريق أمامه إلى قلوب الناس. فتواضع الله هو باب الحقيقة إلى العالم؛ ولا غير ذلك. بهذه الطريقة وحدها تصبح الحقيقة سبيلاً.