لنتأمل مع بندكتس 18 – 19 من مارس

 روما، الثاثاء 18 مارس 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثامن عشر من مارس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 حين نقول "أبانا"

 إن كلمة "أبانا" تجعلني على يقين من أمر واحد وهو أنّي لم آتِ من ذاتي بل أنا طفلٌ وابنٌ. وقد أشعر بدايةً برغبة تحملني على الإحتجاج على هذا المذكِّر، على غرار الإبن الضال. فأنا أريد أن أكون "بالغاً"، "متحرراً"، سيّد ذاتي. ولكن بعد ذلك أتساءل: ما هو البديل عندي – أو عند أي شخص- إن لم يعد لي أب، وتركتُ حقيقتي كابنٍ إلى الأبد خلفي؟ ماذا أكون قد كسبتُ؟ هل أكون حراً بحق؟ لا، فأنا حرٌّ فقط عندما يكون ثمة مبدأ حرية، ويكون ثمة من يحبّ ويحبّ حباً قوياً. إذاً وفي نهاية الأمر، لا خيار آخر عندي سوى العودة مجدداً، لأقول "أبانا" فأكسب مجدداً منفذاً إلى الحرية من خلال الإعتراف بالحقيقة حول ذاتي. ثمّ يقع نظري عليه، هو من اتّخذ طبيعة الطفل، والإبن، طوال حياته، وكطفل وإبنٍ تحديداً اتّحد في طبيعة مشتركة مع الله نفسه: هو يسوع المسيح. حين أقول "أبانا"، أوّل ما يبادر إلى ذهني هو صيغة الجمع "نحن". فحين أتكلم مع الله، لا يسعني أن أتوجه إليه كـ"أب" فقط. فحين أقول "أبانا"، لا بدّ لي من أن أفكّر بالـ"نحن" التي يكوّنها جميع أبنائه. ولكن العكس صحيح أيضاً: فحين أقول "أبانا" أعرف أنّي أدخلُ في شركة مع جميع أبناء الله وأنهم بجانبي. وبالتالي، فالكلام مع الله لا يصرفني عن مسؤوليتي تجاه الأرض والإنسانية جمعاء؛ بل ينيط بي هذه المسؤولية مجدداً. وعلى ضوء الصلاة، أستطيع أن أغامر بأن أقبل تحمّل هذه المسؤولية.

التاسع عشر من مارس

 
 إكتشاف الله في عذابنا

 من الملفت للنظر فعلاً كيف أن الإدّعاء بأن لا مجال لوجود الله بعد اليوم، والإدّعاء بأن الله قد اختفى كليّاً هو الإستنتاج السريع والمستعجل الذي خَلُص إليه مشاهدو الرعب وأولئك القوم الذين ينظرون الفظائع التي تحصل من رخائهم الحريري لثرائهم وازدهارهم فيحاولون التنويه والتعبير عن إعجابهم بها ويدفعونها عنهم بالقول: "إن أمكن حدوث هكذا أمور، فليس من إله!". ولكن من بين هؤلاء الغائصين أنفسهم في الواقع الرهيب المخيف، غالباً ما تكون النتيجة مناقضة تماماً: فهناك بالتحديد يكتشفون الله. ففي عالم العذاب هذا، استمرّت العبادة تطلع من وسط نيران أتون المحارق الملتهبة وليس من الناظرين إلى أعمال الرعب. وليس عرضياً أن الأشخاص الذين في تاريخ حياتهم كانوا الأكثر عرضةً للعذاب ولم يضطرّوا لانتظار الحقبة الممتدة بين العامين 1940 و1945 ليكونوا في معتقل "أوشفيتز"، ليس عرضياً أن هؤلاء أصبحوا أيضاً شعب الوحي، والشعب الذي عرف الله وجعله منظوراً للعالم. وليس عرضياً أن يكون الإنسان الذي تعرّض لأقبح أنواع العذابات وأفظعها –يسوع الناصريّ- كان ولا زال الوحي بذاته. ليس عرضياً أن يتدفق الإيمان بالله من "جبين متقرّح بالجروح"، من رجل مصلوب، وأن يكون أبيقورس هو أب الإلحاد الذي نشأ في عالم المشاهد الذي يعيش في عالمه المخمليّ… كذلك علينا أن نعرف أنه إلى الحضور الحقيقي ليسوع في الكنيسة وفي السرّ، هناك حضور آخر ليسوع في أصغر إخوتنا، في المضطهَدين في هذا العالم؛ وهو يريدنا أن نجده في كل واحد من هؤلاء.