الـمـزمور الثالث: يا ربّ ما أكثر خصومي

من مزامير الاستغاثة، يعرض النبي داوود شكواه أمام الرب سيده وملجأه الوحيد، إنه قلعته ودرعه ومنقذه، فقد يتخلى عنه أغلب حلفاءه وانضموا لمعسكر ابنه المنتصر، وكأن الناس جميعاً قاموا يريدون القضاء عليه والانتهاء منه إلى الأبد. ومن اروع الملاحظات في هذا المزمور أنه برغم مما نرى ونسمع ونعيش مع المرتّل من شكوى  وضيق، ورغم حلاكة الظلام حوله فإنه لا يشك ويشكو وينتحب، بل  نراه  يعبّر عن ثقه عميقة ويقين قوي بالله وبصدق وعوده وبان كل ما يطلبه منه في صلاته العميقة سيتممه له في حينه إن لم يكن قد تمّ بالفعل.

يمكن تقسيم المزمور حسب الآيات على النحو التالي:

1- 3: أعداء الصدّيق كثيرون يقومون عليه ويقولون: لا خلاص له بإلهه.

4- 5: ترجّى الصدّيق لله في ضيقه، واستجابة الربّ القريبة من جبله المقدّس، من صهيون.

6- 7: تحقق رجاء الصدّيق حيث يجد في الرب سنده فينبذ عنه الخوف، لأن الرب معه في صحوه ونومه.

8- 9: صلاة  حارة ودعاء ملحّ: قم أيها الرب على الأعداء وخلّصني مع كل شعبك وأتقياءك.

1 – مزمور لداوود عند فراره من وجه ابشالوم ابنه:

الآية الأولى إشارة  تاريخية للثورة الداخلية او الانقلاب العائلي الذي قام به أبشالوم إبن داوود الحبيب ضد والده،، هنا نرى داوود الملك الذي واجه في حياته الكثير من المتاعب والصعاب وتغلب عليها وقهرها، نراه اليوم يقف عاجزاً أمام هذا الخصم الجديد، لا لقوته بل لأنه إبنه لذلك فهو منقسم القلب يهرب من المواجهة ويفر أمامه، فيشعر ذاك أن النصر بات وشيكا مؤكداً، فيمعن في مطاردة أبيه ويشدد عليه الحصار ليقطع عنه كل مدد أرضي… 

ووصل الحال إلى تقسيم المملكة إلى حزبين واحد كبير تبع ابشالوم الشاب الجميل ذو الشعر الطويل والعيون الملونة " ولم يكن في جميع اسرائيل رجل جميل كثير المدحة كأبشالوم من  إخمص قدمه إلى قمة راسه  لم يكن فيه عيب" (2 ملوك 14 : 25) ويبدو أن العالم لم يتغير إلى يومنا هذا نحن نجري وراء نجوم الفن والسينما والمسرح والكرة والرياضة ونعجب بالمودة ونتبع تقاليعهم مهما كانت غرابتها…

وهكذا وجد الفتى الوسيم الفرصة سانحة لينقض هو ومعجبوه على العرش  ليكون لا ملك القلوب فقط بل ملك اسرائيل أيضاً، وهو لا يدري أن هناك عوامل خفية  قد لا ترى لكنها حاضرة وفاعلة فملك اسرائيل هو مسيح الرب وهو الذي دعاه ومسحه ملكاً وأقامه راعيا وأباً لشعبه وقطع معه عهداً، فأين مقاصدك يا أبشالوم من مقاصد الرب وطرقه؟ لك الجمال والقوة والشباب وعندك الأتباع والعسكر والقواد فهل هذا كاف لتطرد اباك وتجلس على عرشه  هل هذه العوامل ترجح كفة حزبك العملاق على أبيك ومن بقي حوله من نفر قليل… أم أن للرب رأي آخر؟

 2– يا رب ما أكثر الذين يضايقونني كثيرون قاموا علىّ:

 وصف لما يعيشه البار الذي يحيط به أعداؤه ويضطهدونه، يصوّر المرتّل حالته ويذكر كثرة أعدائه المنظورين وغير المنظورين. لقد انتهى أمره، كثيرون تبعوا أبشالوم وساروا وراء مشورة أحيتوفل التي كادت أن تقضي على داوود وأتباعه القليلين لولا تدخل الله نفسه ليبدد هذه المشورة ، فقد كانت مشورة أحيتوفل كمشورة من يسأل الله (2 ملوك 16: 20) "فقال ابشالوم لأحتوفل أشيروا علىّ ماذا نصنع فقال أحيتوفل أدخل على سراري أبيك…فتشتد أيدي الرجال الذين معك …ثم دعني أنتخب إثنى عشر ألف رجل فأقوم وأسعى في هذه الليلة في طلب داوود وأهجم عليه وهو مرهق ومسترخي اليدين فأرعبه  ويهرب الذين معه وأضرب الملك على انفراد وأرد جميع الشعب إليك. وكان الرب قد امر أن تبطل مشورة احيثوفل  الصائبة لينزل الشر بأبشالوم…" من خلال هذه الرواية نتفهم أجواء  الألم التي كان يعيشها داوود الملك الذي صار طريداً أمام ابنه منبوذاً من أهل بيته مهجوراً من أتباعه بينما يبدو الله ذاته بعيداً نائياً متحجباً بالصمت الجليل وكأنه لا يريدأن يفعل شيئًا من أجل مختاريه برغم انه يرى كثرة مضايقيهم.

3- كثيرون يقولون لنفسي لا خلاص له بإلهه:

بالرغم أننا عندما نقرأ مزامير التوسّل، لا نجد تصويرًا دقيقًا لحالة المرتّل، ولا تفصيلاً عن مرضه أو سجنه أو أيّة حالة من حالات ضيقه. فالمرتّل لم ير حاجة في أن يصوّر حالته والرب يعرفها. ويمكن أن يكون جامعُ المزامير قد حذف منها كلّ ما له علاقة شخصيّة بالمرتّل، ليتكيّف النص مع الحالات المتعدّدة فلا يعود صلاةَ  فرد من الأفراد فحسب، بل صلاة الجماعة كلها.فهذه التفاصيل لا تهمّنا بقدر ما تهمّنا الحالة النفسيّة التي تساعد المؤمن ليرفع قلبه إلى ربّه طالبًا منه المعونة راجيًا منه السلام والطمأنينة. هل سينتصر المؤمن على كافة الظروف الداخلية والخارجية؟ها هو يقف وحده أمام الكثيرين القائمين عليه فكيف يتصرف…كثيرا ما تبدو الأمور في نظر أغلب الناس محسومة ولا فكاك من نتائجها المحتومة " الموضوع خرج من أيدينا" "الباقي على ربنا"… هكذا حال داوود اليوم الظروف كلها ضده فهو: – داخلياً: يشعر بالهجر والخزلان والهوان والمرارة والحزن الشديد.

– خارجياً: موقفه العسكري والاستراتيجي ضعيف جداً وهذا هو أيضاً شعور أكثر الناس حوله، حيث يرون استحالة خروجه من هذه المعركه سالماً.

وهنا أيضاً نجد أن الأمر مازال إلى يومنا هذا حياً ومعاشاً، فكثيراً ما نقابل في حياتنا أو حياة من حولنا، نقرأ ونسمع ونشاهد ونتابع مواقف وأحداث تبدو محسومة النتائج، فكل ما فيها وحولها من ظروف يؤدي إلى هزيمة نكراء تقع وكأنها أقدار محتومة، فلا فرصة للأمل ولا فكاك من الموت أوالمرض أو الحزن… ولسان حال الجميع وحالنا أيضاً يقول باستسلام : لا أحد يستطيع أن يخلص ولا حتى الله نفسه…هذا في معسكرنا، معسكر داوود فما بالك في "معسكر الشر" في نظر الأعداء الذين بات النصر بين أيديهم هذه المرة أكيد؟. فهل سيستسلم داوود كباقي البشر، أم أن لهذا النبي الطيب القلب  من الثقة والإيمان ما يجعله يقاوم الظروف ويتمسك بالرجاء حيث لا رجاء للعالم ولا يفقدالأمل حيث فقده الجميع؟

4- أنت يارب مجن دوني. مجدي ورافع رأسي:

v    أنت يارب مجن دوني (ترس لي)

 ينتقل من وصف الظروف إلى وصف الأحاسيس، فهو يعي بدقة كل عناصرها المؤلمة الفظيعة، لكنه متأكّد من وجود الله بالرغم من كل الظروف وأن الله سوف يتدخل ليحميه بإنقاذه من يد أعداءه، ولذلك فهو لا يطلب من الله أن يخلصه، بل أن يظهر هذه الحماية على عيون الجميع. وتذكرنا حالة المرنم بحالة الكثير من الأبرار والشهداء والقديسبن ومنهم على سبيل المثال إرميا النبي (إرميا 20: 10-13) عندما سمع تهامس أعدائه: سنشتكي عليه ونهلكه، لكن النبيّ لا يخاف لأن الربّ معه وهو كفيل بأن يسقط جميع أعداءه ، الرب ترس يحمي أحبّاءه ويمجّدهم حين يعطيهم النور ويرفع رأسهم ، كعلامة الغلبة، على أعدائهم. وبسبب حماية الرب له لا يخاف الصدّيق من الليل الذي يحمل التهديد المخيف (إر 13: 16)، فإن سرت في الظلمة ووادي ظلال الموت لا أخاف وإن إصطف علىّ عسكر ففي هذا أنا مطمئن.

v    مجدي ورافع رأسي:

يبدو الحديث عن المجد في هذه اللحظة نوع من أحلام اليقظة، فأين المجد من رجل مهزوم هارب، فر من قصره بعد أن خذله جميع أتباعه وثار عليه خاصته وأهل بيته وقاموا يطلبون نفسه ليهلكوه؟ أم لعله يتذوق بالروح مجد الصليب؟  لهذا يعتبر كثير من المفسرين هذه الآية نبوة مسيانية، تتنبأ بما سيحدث في حياة المسيح نفسه، فالله الحاضر دوماً يحمي تقيه وصفيه ويرفعه من قمة الألم والذل والهوان …ويخرج به منتصراً من ابواب الموت ويخلصه من قوات الجحيم ومعسكر الظلام ويقيمه ممجداً.رافع الراس، ويرفع معه كل أبناء النور، ابناء الملكوت، ليقول أن الكلمة النهائية لن تكون أبدا لأبناء الظلام بل لبني النور حتى لو سيطر الظلام لفترة يدعوها الأنجيل " ساعة الظلمة" فسيسطع  فجر القيامة

5 – بصوتي إلى الرب أصرخ فيجيبني من جبله المقدس:

النبي المتألم ، الهارب من وجه أعداءه لا يعرف إلى أين المفر، لا ملجأ له وليس له موضع آمن يسند إليه رأسه، لكنه يعرف إلى من يتوجه… لذا نراه يصرخ إلى الله، لا بصوت الجسد فحسب بل بصوت القلب الذي هو صمت في نظر البشر، ولكنه يجلجل مدوياً في أذن الله.كثيرون في الكتاب المقدس استخدموا هذا النوع من الصراخ الصامت: دانيال في جب الأسود- الفتية في النار- يونان في بطن الحوت…لكن تحضرني هنا أعلى الصلوات صمتا وضجيجاً صلاة طفل يحتضر ولم يفتح فاه لكن الله سمعها صرخة مدوية هزت أعماق الكون فأرسل ملاكه  لهاجر ( تكوين 21: 15- 20) عندما نفذ الماء من القربة التي أعطاها إياها ابراهيم  ورأت ابنها يموت فرفعت صوتها بالبكاء، فنادى ملاك الرب هاجر التي قد يكون قد خرج من بكاءها صوت، لكن الله سمع صوتاً آخر " ما بالك يا هاجر تبكين، لا تخافي " سمع الله صوت الصبي حيث هو" ما أجمل إصغاءك للصامتي الأفواه الصارخين إليك بكل قلوبهم يا الله.

– والربّ يسوع  نفسه يدعونا حين نصلّى ألا نكثر الكلام كالمرائين بل أن ندخل  مخدعنا حيث لا يرانا أحد بل أن نغلق حتى أبوابنا، ونصلي بدون ضجّة وفي صمت قلبنا.هكذا نرى داوود بقلبه يصرخ إلى الله الساكن في وسط صهيون وهو واثق انه هناك يسمع ويرى ويستجيب. وكأنه يتوجه بالحديث إلى شخص حي موجود وحاضر، يعلم سكناه ويحفظ العنوان فهو  ليس أبداً ببعيد، إنه في صهيون على جبله المقدس على مرمى السمع والبصر،

– إلى رب العهد ورب العرش، 

– واضح الملامح والقسمات والطباع،

– جيد الحواس ومتيقظ يسمع ويرى،

– حاضر البديهة يدرك ويلبي نداء من يصرخون إليه بل ويجيبهم متى يطلبونه بكل قلوبهم.فهو حين يتجلى لموسى في العليقة ( خروج 3 : 7-8 ) يؤكد" إني قد رأيت مذلة شعبي الذين بمصر وسمعت صراخ من قبل مسخريهم وعلمت بكربهم فنزلت لأخلصهم…"

هكذا هو حاضر حتى لو لم نشعر، وهكذا يبادر حتى لو لم يطلب منه، مابالكم حين نصرخ بالقلوب  كما يفعل داوود الآن أو كما تفعل نفوس الصديقين المضطهدين على مر الأجيال؟

 

6- انا إضجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب ناصري:

يا لقلبك الجريء أيها النبي المرنم من يسمعك تصف حالك في الآيات الأولى  يتصور أنك مدمر ومقضي عليك وغير قادر على التفكير ولا يعرف النوم إلى جفونك سبيلا من الخوف والقلق… فكيف إذن ومن أين لك  هذا السلام العجيب الذي يجعلك تستلقي وتنام وكأنك ترقد في قصرك على فراشك الوثير؟ وما مصدر سلامك إذا كانت كل الظروف حولك تنذر بوقوع شر مستطير؟

v    الرب ناصري:

هنيئاً لك إذن نومك  وسلامك ما دمت على العلي قد توكلت.فهو قادر أن يحميك يا صفيه ونبيه ومسيحه وينصرك على جميع أعداءك ويخرج بك ممجداً مرفوع الرأس.لأنك في ستر القدير تبيت.

7 -لا أخاف من ربوات الجموع القائمين علىّ المحيطين بي:

لا تخف  كلمة تتكرر في الكتاب المقدس 365 مرة بعدد أيام السنة،  لعلك سمعته بالروح القدس الذي حل فيك يو مسحك ناثان النبي؟  أم مع أشعيا "لا تخف لأني معك، عرفتك باسمك ، أنت لي"، أم مع غرميا لا تخف يا دودة إسرائيل أم…بالتأكيد أنت تسمعها تردد في داخلك تبثك سلاما لا يستطيع العالم أن يعطيه ولا قوة في العالم أن تنتزعه منك… ومع انك قد خالفت الوصية "لا تقتل، لا تزن" (خر 20: 13- 14) ونقضت العهد حين خطئت وتعدّيت على شرائع الزواج المقدّسة وأدخلت إلى بيتك نعجة رجل آخر وقتلت راعيهابالمكر والشر.. أشعلت نار  الحرب ودمرت عائلة شخص آخر، فقويت الحرب عليك داخل عائلتك. حين قتلت أوريا وأخذت زوجته؟ إسمع ما يقول الربّ بفم النبيّ ناتان: "أنا أخذتك من المرعى ومسحتك لي ملكًا على اسرائيل… فلماذا احتقرت كلامي وارتكبت القبيح في عينيّ؟ قتلت أوريا الحثّي بالسيف، وأخذت امرأته زوجة لك. لهذا لن يخرج السيف من بيتك" (2 صم 12: 14- 17).لكني أراك اليوم تتذكر جيداً وتعيش الثقة  الرائعة التي تجعلك تتجاهل كل وقائع الحياة المريرة وتنسى ربوات الجموع المحيطين بك يحاصرونك أحاطة السوار بالمعصم ولا تخشى بطش الذين خرجوا يفتشون عنك بغية القضاء عليك وانت بين أيديهم تحت رحمتهم كالطير في فخ الصياد فماذا بقى لك يا داوود كي لا تخاف هل ينكسر الفخ " الفخ انكسر وخرجت كالعصفور" تغرد وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيك… فهنيئاً لك إيمانك وطوبي لك ثقتك في منقذك وحامي نفسك الذي لا ينسى ولا ينام، فليكن لك حسب قلبك

8 . قم يا رب ، خلصني يا إلهي:

دعاء جميل ورجاء أكيد إنه يدعو إلههه للنتظر هل يأتي ليخلصه، إنه واثق الرجاء متأكد أنه يكفي ان يقوم الله ليتم الخلاص ففي قيامته هلاك للأشرار وخلاص للأبرار، لن يتوانى الرب عن تلبية نداء قلبك  التائب مهما كانت خطاياك أمامه في كل حين حتى لو بالأثام حبلت بك أمك لن أتركك طلبت مني الخلاص لا ترى في غيري مخلص: لا مال لك لا أحباب حولك، لا سلطان لديك، لا جيش ولا قوات ولا سلاح، لا قوة ولا مجد، لا قصور ولاأتباع بقيت وحدك وبقيت لك وحدي فهانذا آت لأنقذك، أنا سأقوم وأفتديك لا تخف…بل استمر في الصلاة…ماذا تريد أن اصنع لك أيضاً ؟

v    إضرب أعدائي على الفك:

هكذا يسحق العدو… عضلة الفك هي أقوى عضلة في جسم الإنسان لذلك توجه إليها الضربة الأولى فيقضى على العدو من ضربة واحدة

v    هشم أسنان الخطأة:

يبدو الحديث عن الأسنان غريباً لكنه ليس كذلك فالنبي يعتبر نفسه فريسة تطاردها الضواري والحيونات المتوحشة وهو تعبير يستخدمه كثيراً لوصف الأشرار" عنددما قاموا علىّ ليأكلوا لحمي "

        الأنياب هي التي تنغرس اولاً في جسد الفريسة المسكينة لتتيح للأسنان أن تقطعها

        الأسنان هي القواطع التي تمزق الفريسة وتنهش لحمها

        الأضراس هي التي تطحن وتمضغ

كل أنواع السلاح الفتاك ستتهشم ويبطل مفعولها بضربة واحدة عندما يقوم الرب

9 – من عندك يا رب الخلاص:

ومن غيرك يستطيع أن ينجي من هذا الشر والهول المحدقين بالأبرار؟ ليس بأحد غيره الخلاص فملعون من اتكل على زراع بشر.

v    وعلى شعبك بركتك:

دعاء ختامي يردده شعب الأبرار عندما يتمم الله لهم خلاصه فمهما كانت خبرة داوود شخصية وخاصة فهي في النهاية تعبيير عن خبرة شعب بأجمعه ذاق هوان العبوجية في أرض غريبة لكن الله:

        رأى مذلتهم

 – سمع صراخهم 

– ونزل لينقذهم

هكذا كان كلام الله لموسى في العليقة وهونفس تعبيره لداوود وكل النبياء والصديقين على مدى الدهور وهذه هي بركته علينا شعبه وغنم رعيته.

كيف عاش الرب يسوع  المسيح هذا المزمور؟

نستطيع القول أن المزمور ينطبق على حياة الرب يسوع فمنذ البدء اعتبره التقليد اليهودي المسيحي مزموراً ذا مغزى مشيحي على غرار المزمور 110 وكثير من المزامير الأخرى. فسّر آباء الكنيسة هذا المزمور بطريقة مسيحانيّة فجعلوا كلماته تطابق حياة المسيح وكلامه.

   اضطُهد ولم يكن خاطئًا ولم يوجد في فمه غش،  وأحاط به أعداءه ليقضوا عليه، وتخلى عنه تلاميذه ومريدوه، لكن الله نجاه من كل شرّ وهو أعزل متروك من أصحابه وأهله وظاهرياً حتى من أبيه السماوي. حاصره أعداؤه، ولكنّ حماية الله له ظهرت بطريقة عجيبة وساطعة ليلة موته وقيامته.

   بإلهك لا خلاص: هكذا قالوا عن يسوع  عندما صرخ على الصليب "إلهي، إلهي لماذا تركتني"  "إنه ينادي إلههه فلننتظر ونري هل سيأتي إلهه ويخلصه".

   أنت مجدي ورافع رأسي: يبدو الحديث عن المجد في هذه اللحظة نوع من أحلام اليقظة، فأين المجد من رجل مهزوم، فار من قصره، خذله جميع أتباعه وثار عليه خاصته وأهل بيته وقاموا يطلبون نفسه ليهلكوه؟ أم لعله يتذوق بالروح مجد الصليب؟ هذه قصة أخرى ففي قمة الألم وقاع الضياع " الصليب"  تولد القيامة … كان الصليب لليهود لعنة وللشعوب حماقة، ظنوا أن الصليب نهاية للمسيح ونصر لهم ، نهاية مريحة لمشكلة طالما أرقتهم  وأخيراً توصلوا بالحيلة وشهادة الزور أن يتخلصوا منه " حسن أن يموت واحد عن الجميع ولا تهلك الأمة بأسرها" لكن الله الحاضر دوماً يحمي تقيه وصفيه ويرفعه من قمة الألم والذل والهوان … من ابواب الموت ويخلصه من قوات الجحيم ومعسكر الظلام ويقيمه ممجداً وتعتبر هذه الآية نبوة مسيانيةوهو الذي يعيش الوحدة الكاملة مع الله بل هو انعكاس لوجه الله.

   انا إضجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب ناصري: وتعتبر هذه الآية نبوة مسيانية ايضا تعبر عن رقدة الرب يسوع في القبر واستيقاظه "كالثمل من الخمر" وهو الذي حفظه الله وأقامه ناقضاً اوجاع الموت منتصراً على شر ومكائد المنافقين.

كيف نعيش هذا المزمور في حياتنا كمسيحيين:

تقيم الشعوب أنصاب الظفر لقاتدها المنتصرين، ويرفعون التماثيل تخلّد نصرهم وتعلن انتصاراتهم. وتمجد كتب التاريخ القادة المنتصرين ويسعون في مديحهم إلى إعلان موهبة ترفعهم فوق الذين ينشدون أمجادهم إعجابًا بالذين حازوا على النصر. ولكن لم يوجد انسان رسم ملامح شخص هرب دون قتال، كما فعل الملك داود. فهذا هو عنوان المزمور: "مزمور داود حين هرب من أمام أبشالوم ابنه". ومتى صار الهارب أهلاً للمديح؟ ومتى استحق الفارّ من أمام العدو أن يرى اسمه خالدًا؟ تُعلن أسماء الفارّين، ولكننا لا نخلّدها بالمدوّنات. واليوم وقد مات المسيح مرّة واحدة، لم يعد للألم عليه من سلطان. ولكن شعبه يتألّم وكنيسته تتألّم. وعندما نصلّي هذا المزمور، نشارك الكنيسة ألَمها وثقتها بالمسيح رئيسها الذي لن يترك أبواب الجحيم تقوى عليها.

إذن، إعرف يا أخي سبب هذا العنوان، ولا تضطرب نفسك من بعد. وليكن هذا الواقع التاريخيّ تعليمًا خلاصيًا لحياتك. وليصبح اضطهاد البار سندًا قويًا لنفسك. إفهم لماذا اضطُهد داود من قبل أبشالوم. وحين تجد السبب الأساسي تجد بناءك في مخافة الله. فالبيت بدون أساس لا يكون متينًا. والكتاب المقدّس لا فائدة منه إن لم نكتشف بوضوح مرمى كلامه. فهدف الملك داود في المزمور الذي نتحدّث عنه، هو أن يعلّمنا ويثقّفنا من أجل ممارسة الحكمة الحقيقيّة. وهكذا يجنّبنا الشرّ واحتقار شرائع الله، وبالتالي العقوبات التي كانت القصاص العادل لخطيئته. لا يختلف إثنان على أن هذا المزمور هو أيضا تجسيد للطوبى التي يحياها المسيحي الحقيقي

         لا يقل أحد إننا لا نصلّي بحرارة حين لا تخرج كلمة من فمنا. من الأكيد أننا في صلاتنا الصامتة في قلبنا، حين تأتي أفكار غريبة فتبعد المصلّي عن خشوعه، لا نستطيع أن نقول بعد: "بصوتي إلى الربّ صرخت". لا تكون هذه الكلمة صحيحة إلاّ حين تتكلّم النفس وحدها إلى الربّ، ووحده يسمعها، فلا يمتزج في صلاتها أي شيء بشريّ، أية نيّة دنيويّة (أوغسطينس).

                                             

       فليحفظنا الرب في وليسمع صلاتنا ويبارك علينا وينجنامن جميع المضايق آمــــــــــين