إنجيل التجارب: التجربة وحياتنا

إعداد لجنة الكتاب المقدس بالإسماعيلية

 

أن نزول الروح القدس على يسوع الذي يختتم مشهد العماد، يشكل نوعا من بدء مهمة يسوع الرسمية. تخبرنا  الأناجيل الايزائية الثلاثة، أن أول عمل قام به الروح ،  كان الذهاب بيسوع إلى الصحراء "لكي يجربه الشيطان". وسبقت هذا العمل فترة خشوع، كانت حتما في الوقت عينه، صراعا داخليا في سبيل الرسالة، وصراعا ضد التجارب التي تهدد الإنسان، لأن الإنسان الذي سقط بإمكانه هكذا فقط أن ينهض. أن يسوع، المقيم في قلب رسالته الأصلية، عليه أن يدخل في مأساة الوجود الإنساني، وأن يجتازها في أعماقها، لكي يعثر على "الخروف الضال"، وان يحمله على كتفيه، ويعود به إلى الحظيرة.

 

 أن يسوع "بعد أن صام أربعين يوما وأربعين ليلة، أخيرا جاع". وفي زمن يسوع كان الرقم أربعين له معنى رمزي فيه غنى لإسرائيل. فهو يذكرنا أولا بالأربعين سنة التي أمضاها إسرائيل في الصحراء، والتي كانت سني تجربته، وفي الوقت عينه سني اقترابه الخاص من الله. وعلينا أيضا أن نفكر بالأربعين يوما التي أمضاها موسى على جبل سيناء، قبل ان يتمكن من قبول كلام الله، وألواح العهد المقدسة. . ويسوع يجتاز مجددا نوعا ما خروج إسرائيل. والأربعون يوما التي صام فيها يسوع تشمل مأساة التاريخ التي أخذها يسوع على عاتقه، وتحملها حتى النهاية.

" وقاده  الروح القدس يسوع  إلى البرية ليجربه إبليس . فصام أربعين يوما وأربعين  ليلة حتى جاع ، فدنا منه المجرب  …. + "

تجارب يسوع وحياتنا

بدأت الحرب مع بدء الصوم الأربعيني كقول الإنجيلي لوقا:

"كان يُقتاد بالروح في البرّيّة أربعين يومًا يُجَرَّب من إبليس"

 (لو 4: 1-2).

وقد اشتدّت عندما جاع، فكان الجوع بمثابة استدراج الشيطان لمنازلته، ان الشيطان يجربنا في أشياء نحن نحتاج اليها ، جاع يسوع وهنا عليه أن يأكل ، انه يجربنا في نقاط ضعفنا وبدون أن ندري . ان  الصوم هو السلاح الذي يقدّمه السيّد لمؤمنيه لكي يتذرّعوا به أثناء الحرب الروحيّة ممتزجًا بالصلاة. لم يكن السيّد محتاجًا للصوم، إذ لم يكن يوجد فيه موضع للخطيّة، إنّما صام ليقدّس أصوامنا بصومه، مشجعًا إيّانا عليه.  عندما يوجد صراع متزايد من المجرّب يلزمنا أن نصوم، حتى يقوم الجسد بالواجب المسيحي في حربه ضدّ (شهوات) العالم، بالتوبة وحث النفس على النصرة في تواضع!هذا وصوم السيّد المسيح أربعين يومًا يُشير إلى التزامنا بالزهد كل أيام غربتنا، لكي نحيا في حياة مطوّبة كاملة، وتكون لنا معرفة صادقة من نحو الله وخليقته.

        أن تجارب يسوع الثلاثة تظهر حرية يسوع تجاه 3 غرائز إنسانية ، متأصلة في الإنسان هي :  " الأكل ويرمز إلي كل  ما  هو مادي " مال ،  شهوة ،  جنس  " ، والثانية  حب السلطة ، والثالثة في الغني وحب الامتلاك

الغريزة الاولي: 

" قل  لهذا الحجر أن يصير خبزًا "

 وهذه تجربة ارتباطنا بالعالم والرغبة في الامتلاك فالخبز يرمز الي كل ما هو مادي ، مرتبط بالجسد  " مال ، أكل ، جنس " .  هذه التجربة تهددنا بأستمرار ، ففي زمن الصوم هذا علينا أن نفكر بجدية في مدي علاقتنا بالمادة ، وكل ما يبعدنا  ويشتت حياتنا الروحية ، فهناك أشياء كثيرة  في حياتنا تأخذ مكان الله عن الله    وهي  متنوعة وخاصة بكل فرد  ….  ما هي  ؟ يقول يسوع " عليَ أن أكون فيما لأبي"  فهو عاش بحرية تجاه ما هو مادي ، تجاه أهله وأصدقائه ومن تعامل معهم .. في سبيل أن يكون لأبيه . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل أنا حر بالقدر الكافي تجاه كل ما هو مادي ويشدني بعيدا عن الله ؟ هل أعطي الله في حياتي المكانة الأولي ؟ أم أعطي الأولوية لأشياء آخري  لتأخذ مكان الله في حياتي؟ .

الغريزة الثانية:

" إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك"

 [5-7].

 وهي غريزة الشهرة  والمظاهر ، وان كان يسوع رمي نفسه من فوق الهيكل وحملته الملائكة لأصبح له سمعة عظيمة ونجاح باهر. والسؤال هنا ايا كان ما أقوم به ، أين أنا من هذه الغريزة ؟  هل فكرة الشهرة لها أهمية في حياتي لدرجة إنها تبعدني عن  عمل إرادة الله ؟  هل أنا حر تجاه  التجارب الثلاثة ؟  عزيزي القارئ : يلزمنا جميعا أن نجاهد لنصل إلي هذه الحرية فالتحرر عملية مستمرة . فلنصلي للروح القدس كي يرشدنا  ويقودنا كل يوم إلي الطريق المؤدي إلي الله ، نحتاج أن تكون آذاننا صاغية ومنتبهة لصوت الله بداخلنا

الغريزة الثالثة :

أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي " [8-10].

هذه الغريزة  هي تجربة السلطة ، التسلط علي الآخرين ، أنت سيد العالم ، وغريزة التسلط حاضرة فينا ، وهي غريزة حقيقية تجرب فيها يسوع . فعلي كل منا أن يتساءل : كيف التعامل مع الآخرين  في داخل السلطة ، سوا في الأسرة ، في العمل ، في الكنيسة ، هل هناك تسلط أو كبرياء أم أنا في خدمة الآخرين ؟

         ختم الإنجيلي حديثه عن التجارب بقوله: "ثم تركه إبليس، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه" [11]. يقول لوقا الإنجيلي أن إبليس "فارقه إلى حين" (لو 4: 13). فالحرب لا تهدأ قط،  فهذه التجارب الثلاثة ملخص لما عاشه يسوع من صراع مع قوي الشر طوال حياته ، فقد لازمته التجربة حتى الصليب

" أن كنت ابن الله ، خلص نفسك وخلصنا "

فالتجارب تلازمنا طوال حياتنا ،  لكن علينا أن نتسلح بالصوم والصلاة وان نكون دائما منتبهين لما يحدث بداخلنا ، نتساءل باستمرار من أين يأتي هذا الصوت : هل هو من إبليس أم انه صوت الله ؟  لنصل بعضنا لأجل بعض والرب معكم.

مع تحيات لجنة الكتاب المقدس

23 مارس 2008