أحـد الابــن الضــال

مطرانية الأقباط الكاثوليك

       بالإسماعيلية

    لجنة الكتاب المقدس

 

 

  من إنجيل القديس لوقا (  لو 15 : 11 )

  أن مثل الابن الضال يوضح لنا بعض الأمور الأساسية في خلاصنا :

" رجل كان له ابنان " تشير هذه القصة إلي أن هذا الولد الضال كان عائشا مع أبيه ، وتعلمنا بالتالي أن الحياة إنما هي شركة مع الله الذي يرمز إليه هذا الوالد .

 

" أعطني النصيب الذي يعود إلى من المال "

فالخاطئ هو إنسان لا يريد البقاء ضمن هذه الشركة ، يريد أن ينفصل لأنه قد تمرد ، لان سلطة أبيه أصبحت ثقيلة عليه ، فهو يريد أن يبتعد عنه ، ليقرر حياته بنفسه ، حياة يتسلط عليها هو ، وليس أن يتخذ أوامر من شخص آخر حتى ولو كان هذا الشخص أباه.

        وهذه هي قصتنا مع الخطيئة ، فنحن لا نريد إلها فوقنا ، نريد أن نصبح آلهة لأنفسنا ، أسيادا علي ذواتنا ، نأخذ الخطيئة بأيدينا ونتمتع بالوجود ، وكأننا أصحاب هذا الوجود .

" وكان يشتهي أن يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد "

الخرنوب هنا يرمز إلي أصناف الخطيئة ، فعندما يختبر الإنسان الخطيئة ، يشعر بالصدمة وخيبة الأمل ، فالحرية التي يبحث عنها ، يجدها وهما وفراغا ، وهذه الصدمة تذكره أن له والدا، وانه كان سعيدا في بيت أبيه ، لم يكن ينقصه شئ، كان يأكل ويشرب وله خدم …… الخ.

فبالرغم من رفض الابن البقاء في بيت أبيه ، وقضاء بعضا من حياته في الخطيئة ، يظهره لنا الإنجيل مكرما ، عائدا لأبيه ، يذهب هذا الولد خارج البيت يعيش هناك كما يريد ، التجربة كانت جذابة ولامعة ، الشيطان دائما يتجمل ، يتراءى للناس جذابا ، ولكن الخطيئة دائما بعد هذا اللمعان تتحول إلي لا شئ ، إلى فراغ . ولهذا يتذكر بيت أبيه ، كيف يتمتع بكل شئ هناك ، كيف كان يتذوق عطف أبيه ، فكان سيدا ، وإذا مرت به تجربة ، إذا انزعج من سلطة أبيه فمع ذلك يشعر بعطفه ، وفي البيت الوالدي لم تبقى له خيبة أمل ، فالحواجز التي تفصله عن أبيه تنهار بهذه المحبة المتبادلة بينهما .

 

" فرجع إلي نفسه وقال : أقوم وامضي  إلى أبي … أقول له  أني خطئت إلي الله واليك  ولست مستحقا أن ادعى لك ابنا   ….  " + (فكل خطيئة ضد شخص هي خطيئة ضد الله ، وكل خطيئة نقوم بها يتألم الله لها . ) أراد الرجوع إلى أبيه لأنه أختبر حنانه وحبه في الماضي.  " قام وجاء إلى أبيه " وكان الوالد ينتظر عودة الابن ، فلما رآه من بعيد  قبله ولم يحاسبه ، لم يقل له  أنت بددت أموالي ، لم يقل له لماذا تركت البيت ؟ أستقبله كما هو ، ضعيفا ، حزينا متمردا ,اعتبر كأن شئ لم يكن . بل فرح وأحتفل برجوعه " اذبحوا العجل المسمن + ……. "

وهكذا الأب السماوي ينتظر عودتنا كما نحن ، بجروحنا وخطايانا ، ولنا في العودة إليه شفاء وتنقية ، بحيث لا يذكر الله آثامنا الماضية ، انه يتقبلنا بهذه المحبة نفسها التي كانت قبل أن نتركه ، فقط علينا أن " نقوم ونمضي إليه " فلابد أن يكون هناك خطوة من طرفي .

هذا المثل نداء للتجديد

 يقول القدِّيس أمبروسيوس في ذلك :

" رجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهي ينير بصيرة الإنسان الداخليَّة ليكتشف فقره التام بل وموته، وفي نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصي ومحبَّته له، فيمتلئ رجاءً. فالقدِّيس بطرس رجع إلى نفسه عندما تطلع الرب إليه، فخرج سمعان بطرس خارجًا يبكي بمرارة، لكن ليس بدون رجاء، أما يهوذا فندم مدركًا شره، لكنه إذ لم ينظر إلى مخلِّص العالم مضى وشنق نفسه.

ما أحوجنا أن نجلس مع نفوسنا الداخليَّة تحت رعاية ربَّنا يسوع المسيح نفسه الذي يشرق علينا بروحه القدُّوس فيبكتنا على خطيَّة، وفي نفس الوقت يعزينا بنعمته المجانية، يهبنا تنهدات القلب مع سلامه الفائق، يدفق فينا ينبوع الدموع لتختلط مشاعر التوبة ببهجة عمله الإلهي. فنرجع إلى نفوسنا بالحق، متكئين في حضن ألآب الباسط يديه بالحب ليحتضننا.

إذ رجع الابن الشارد إلى نفسه أدرك الحقيقة، أنه وهو ابن يشتهي أن يأكل الخرنوب مع الخنازير، بينما يأكل الأجراء في بيت أبيه خبزًا لا خرنوبًا! يعيش بعيدًا عن بيت أبيه في جوعٍ شديدٍ بينما يقترب الأجراء من أبيه ويشبعون!

وهو نداء إلي الرحمة :

 

        " وكان الابن الأكبر في الحقل ولما علم غضب ولم يرد أن يدخل  "

 فمن هو هذا الأخ اليوم ؟

هو كل منا عندما يدعي انه بار ، وينظر إلي ضعفات الآخر ، فكيف يفرح بأخيه هذا الخاطئ المتمرد الذي ترك أبيه ؟ فهو يرى في ذلك ظلما ، من وجهة نظر الابن الأكبر ، انه لازم البيت ، ملتزما بالعمل صباحا ومساءا ، فهو الرجل الدءوب الذي أحب الأب ولو دققنا بالمثل " لم تعطني جديا لأفرح مع أصدقائي …  " فهو في الواقع لم يشعر بحب  الأب وأبوته ، أنا خدمتك كل هذه السنين ..  لم يشعر بعطايا أبوه ، ولا بالنعم التي منحها له . فلم يشعر انه ابن بل خادما.  فقد حكم على آخاه حكما قاسيا ، لا يمكن الحكم على أحد مادام لا يزال في طريق الجهاد. فقد ظهر الأصغر في بدء حياته إنسانًا محبًا للملذّات، عنيفًا في معاملاته، إذ يطالب أباه بالميراث وهو بعد حيّ، مبددًا للوزنات غير أمين فيما بين يديه… لكنه يرجع بالتوبة إلى الأحضان الأبويَّة ليظهر لابسًا الثوب الجديد وخاتم البنوة وحذاء في قدَّميه ومتمتعًا بالوليمة في بيت أبيه. أما الآخر فقد بدأ حياته إنسانًا لطيفًا في معاملاته، يخدم والده، ولا يطلب أجرة يبقى في بيت أبيه، لكنه يختم حياته بالوقوف خارجًا ينتقد أباه على حبه، ويغلق قلبه نحو أخيه، فيفقد سلامه الداخلي وفرحه ليعيش بقلب مناقض لقلب أبيه.

 

        فهنا نداء لكل منا هو الرحمة وعدم الإدانة " كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم " ولو نظرنا إلى أسرنا نجد أحيانا كثيرة عندما يحدث خلاف بين الزوجين يقول احدهما للآخر " أنت فاكر من عشرين سنة لما عملت كذا وكذا….  !!! " فمن طبيعة البشر أن نفتح كشكول حسابات، فكلما يحدث خلاف نتذكر ما حدث في الماضي، نذكر الطرف الآخر بما عمله.  أننا  نقول كل قداس " كرحمتك يا رب وليس كخطايانا "  وهذا هو المطلوب ، لا نتذكر خطايا اى إنسان ، كل يوم نعيش بطريقة جديدة ، ولكن للأسف نحن نقول ونعيش بدلا من " كرحمتك يا رب ولا كخطايانا " نقول " كخطاياك يا فلان ولا كرحمتي " .

 

        وهذا المثل تجديدا لمثل الفريسي والعشار ، الذي هو قبولا للخطاة وتعليما للتواضع ، لان الله هو معطي الخيرات وهو الذي يبقينا علي التواضع ، فالإنسان في كل لحظة عطاء المحبة ، هو في كل وقت نور ينعكس من وجه الله إذا التفت إلينا بالرحمة . فلنواصل مسيرة الصوم المبارك ولنعلم " انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " فالمسألة ليست أن نأكل أو لا نأكل ، إنما هي كلمة الله التي تعطينا الحياة ، فلنتمسك بوصايا الله ونعمل بها لنعيش كل يوم بطريقة متجددة. لنصل بعضنا لاجل بعض .

مع تحيات لجنة الكتاب المقدس

23 مارس 2008