لنتأمل مع بندكتس 6- 7- 8 السادس و السابع والثامن من أبريل

السادس من أبريل

روما، الأحد 6 أبريل 2008 (
zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم السادس من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
* * *

الفداء في المعاناة

إن صورة المسيح المصلوب التي تشكل النقطة المحورية في ليتورجيا يوم الجمعة العظيمة تجعلنا ندرك مدى خطورة الشقاء البشري والوحدة البشرية والخطيئة البشرية. ومع ذلك، لم ينفك يُنظَر إليها على مدى قرون تاريخ الكنيسة كصورة للتعزية والأمل. لقد تمّ العثور على لوحة المذبح المعروفة بـ"إيزنهايم" للرسام "ماتياس غرونوالد" ولعلّها أكثر رسم لرواية الصلب تأثيراً في كل تاريخ المسيحية في دير الإسبتاريين الأنطونيين الذين كانوا يعنَون بالمصابين بالأوبئة الفظيعة التي ضربت الغرب في أواخر العصور الوسطى. ويُصوَّر يسوع المصلوب فيها في عداد أولئك الضحايا، وقد شوّهت ندبات الطاعون الدبلي الجسد منه، وهو أفظع أنواع الأوبئة في ذلك الزمان… وقد جعل هذا الرسم المصابين يدركون أنه بسبب مرضهم تحديداً كانوا يتماهون مع المسيح المصلوب الذي بآلامه أصبح واحداً مع معاناة البشرية كلها؛ وقد شعروا بوجود المصلوب في صليبهم وعرفوا أنهم ومن خلال شقائهم يُحملون إلى الإتحاد مع المسيح وبالتالي إلى لدن رحمته الأبدية. لقد خبروا صليبه كفداء لهم… وهم بدل التعزية الإلهية يريدون تغييرات تفدي المعاناة بإزالتها: ليس الفداء من خلال المعاناة بل الفداء من المعاناة، ذاك هو شعارهم؛ وليس توقع المساعدة الإلهية بل أنسنة الإنسان على يد الإنسان، ذاك هو هدفهم.

السابع من أبريل

شعلة الفصح

فيما ننتظر في الكنيسة الذي يكتنفها سواد الظلمة أن يُضاء نور الفصح، لا بدّ لنا من أن نختبر الإدراك المعزّي بأن الله يعي تماماً الليل الذي يغلّفنا. وهو في الواقع قد أشعل نوره في قلب الكنيسة… إن الليل يسمح لنا أن نقدّر النور على حقيقته. إنه بريق وضياء يفتح أعيننا لنرى، ويدلّ على الطريق ويوجّه، ويساعدنا على التعرف على الآخرين وأنفسنا. إنه الدفء الذي يقوّي ويعطي الحركة؛ الدفء الذي يعزّي ويبعث البهجة والسرور. أخيراً، إنه الحياة، وتلك الشعلة الصغيرة المرتجفة هي صورة للسرّ الرائع الذي نسمّيه "الحياة" وهو يعتمد في الواقع كل الإعتماد على النور… لسنا في هذا الوقت نحتفل بالقيامة وحسب؛ بل إننا نُعطى أن نلقي عن بُعدٍ نظرة خاطفة إلى المجيء الثاني للرب الذي نتقدّم للقائه ومصابيحنا مشتعلة… وعلى نكهة الفرح التي تميّز الأعراس أن تطبع ليلتنا تلك المتلألئة بأنوار الشموع. كما علينا أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: "هل أكون واحداً من المدعوّين إلى الجلوس إلى مائدة الله؟ هل سيكفي الزيت سراجي ليضيء العرس الأبدي؟". ولكن ربما يليق بنا أكثر كمسيحيين أن نطرح على أنفسنا الأسئلة المناسبة حول الحاضر. فالعالم مظلم بالفعل، ولكن شمعة واحدة يتيمة تكفي لتنير أحلك الظلمات. أوَلم يمنحنا الله شمعة في العماد ووسيلة لإضاءتها؟ علينا أن نكون على قدر رفيع من الشجاعة لنضيء السراج بصبرنا وثقتنا ومحبتنا. وبدل أن نتذمّر من الليل، هلمّ نجرؤ على إضاءة السراج الصغير الذي وهبَناه الله: إنه "نور المسيح! حمداً لله!".

الثامن من أبريل

* * *

النور والميلاد والفصح

في الليلتين المقدستين الكبريين في الليتورجيا الكنسية، ليلتي الميلاد والفصح، تقترن رمزية النور برمزية الليل. وفي كلتا المناسبتين، تلجأ الكنيسة إلى تفاعل الليل والنور لتبيّن بطريقة رمزية ماهية مضمون كل من العيدين، ألا وهو لقاء الله بالعالم ودخول الله المنتصر إلى عالم يرفض إفساح المجال له ولكنه يفشل في نهاية الأمر في منعه من أخذه. إن حدث تلاقي النور والظلمة، والله والعالم هذا المتمحور حول المسيح يبدأ في الميلاد عندما يدقّ الله باب عالم يرفضه مع أنه ملك له (يو 1: 5، 11). ولكن لا يمكن العالم أن يمنع مجيئه. وهو نفسه يصبح من العالم بتأنسه. ويبدو مجيئه هزيمة للنور الذي يستحيل ظلمةً، ولكنه في آنٍ معاً أوّل انتصار خفيّ للنور، بما أن العالم لم يستطع الحؤول دون هذا القدوم، مهما أوصد أبواب دخوله إليه بعناية. أما في الفصح فتبلغ الأحداث مرحلتها الأساسية وذروتها. لقد استنفذت الظلمة آخر أسلحتها: الموت… ولكن القيامة تُحدِث الإنقلاب الأكبر للموازين. ها إن الغلبة تكون حليف النور الذي يحيا من الآن وصاعداً لا يُقهر ولا يُغلَب… لقد جعل قسماً من العالم خاصّته وحوّله إلى نفسه. وطبعاً، لا تنتهي الأحداث ههنا، فما زلنا بانتظار النهاية؛ وهي ستحلّ مع مجيء الرب الثاني. أما الآن، فالظلمة مستمرة، ولكنه ليل أُضيء فيه نور. وحين يعود الرب ثانيةً، سيبزغ الفجر إلى الأبد.