القـــــيامــــة وحــــياتــــنا

من راهبات القلب المقدس

 

 

أن الكلمة الأخيرة ليست للألم والموت، وأن الصليب ليس نقطة الانتهاء والفشل  فالسر الفصحي لا يتوقف عند ظلام الجمعة العظيمة، بل يتم في فجر القيامة …

لقد قام المسيح حقا قام

أن القيامة هي النور الذي أنار الصليب ، وهي نور يعطي معني لكل ما عاشه يسوع ، وسر القيامة ظهور لمعني الصليب كانتصار علي الموت ، فعلينا أن نكون حاضرين مع يسوع الذي قام من بين الأموات ، لانه هو حاضر اليوم بفضل القيامة .

 

القيامة محور إيماننا وهي التي تعطي معني للصليب ، الصليب هو الحب الإلهي المرفوض ، الذي قبله يسوع ، هذا الموت المفروض عليه حوله إلى حب  وقبله بحرية ، وصار هذا الحب قمة حياته وخلاصتها ، القيامة هي سر الانتصار علي جميع قوات الموت ، وبفضلها لم يعد الموت هو نهاية عابثة ، ولكن في المسيح ومعه يصبح الموت جزء من الحياة : بذل وحب وانتقال .

أن يسوع يعطي معني لكل ما نعيشه اليوم " حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى كنت هناك بينهم . (مت 18 : 20) والحضور مع يسوع القــائــم هـــو مفتاح حياتنا ، ويتطلب منا  انتباها كبيرا انتباه إيمان، ونظرة إيمان  فالقيامة هي خلاصة إيماننا " وان كان المسيح لم يقم فأيماننا باطل " (1كو 15 : 17 ) . القيامة هي أيضا  فرح مع المسيح ولاجله ، وهذا الفرح نابع من حبه لي شخصيا ، فهو الذي بذل حياته لاجلي . هذا الفرح يمكنه أن يوجد في كل الظروف  " أنتم أيضا تحزنون الان ، ولكني سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم . وما من أحد يسلبكم هذا الفرح " . وفي صلاته الكهنوتية يطلب لتلاميذه هذا الفرح " ليكون فيهم فرحي التام " . الفرح الحقيقي اعمق من الآلام ، هذا الفرح هو الكلمة الأولى في بشارة الخلاص " أفرحي يا مريم " .

أن قيامة الميسح هي مصدر قوتنا لمواجهة الصعوبات التي تواجهنا وذلك بقوة حبه الذي سكب فينا بالروح القدس فلا مكان لليأس مهما كانت الظروف ، فاليأس خطيئة ضد القيامة وضد ربوبية يسوع وكأني أقول له

" أنت ليس رب حياتي "  فالقيامة تخصنا مباشرة ، ولكي نقابل المسيح القائم ، يجب علينا أن  " نقوم بالعبور" من المنظور والملموس إلى غير المنظور وغير الملموس . يمكن للتاريخ أن يدرس حياة يسوع منطلقا من مستندات تاريخية ، ولكن لا أحد يستطيع بطريقة علمية أو منهج بشري أن يفهم أن المسيح قد قام . وطالما نبحث عن الفهم ونريد أن نري مثلما نري أشياء علي الأرض ، فعيوننا تكون محجوبة لا تستطيع التعرف عليه  مثل تلميذي عماوس ومثلهما نتشكك ونتعثر دون أن نفهم .. فالبحث عن المحسوسات والمرئيات هو دليل علي ضعف الإيمان ، فالأيمان لا يطلب رؤية أو لمسا لان الإيمان هو الإيقان بأمور لا تري . رأي التلاميذ يسوع ولمسوه وأكلوا معه ولكنهم لم يستطيعوا أن يبرهنوا ذلك ببراهين ، ولكن نحن ندرك قيامة يسوع من خلال الشهادة ، شهادات الرسل واستشهاد ملايين من الشهداء ليعلنوا هذه القيامة .

 

        أن القيامة هي النور الذي ينير كل شئ ويعطي التاريخ معناه ومنطقه ، أي أن  الله محبة وانه خلق الإنسان بحبه واندمج في تاريخ البشرية بشخص يسوع الناصري الذي مات لكي يتأسس ملكوت الحب . وأنه قام من الأموات لان الحب أقوي من الموت.  الإيمان بالقيامة يغير كل شئ ، والإيمان بقيامة يسوع هو الإيمان بأن الموت ليست له الكلمة الأخيرة ، وان للحياة معني وان الرجاء سينتصر دائما .فالحياة اقوي من الموت " جئت لتكون لهم الحياة ، بل ملء الحياة .( يو10/10)، فلكل ما أعيشه وما اعمله صدي أبديا فقيامة المسيح تضع في حياتنا بذور الحياة الأبدية .

 

        ولكي تكون مسيحيا لا يكفي أن تؤمن بان القيامة حدث ماضي بالمعني التاريخي ، بل إنها ممكنة بطريقة مستمرة . كما عليك أن لا تدرج القيامة في سياق التاريخ بل أن تدرج التاريخ في سياق القيامة ، فتصبح القيامة واقعا يوميا . ولكي تكون مؤمنا عليك أن تدرك معني القيامة والصلب معا في جوهرهما. فحضور الله في يسوع المصلوب والمتروك هو مجال تحرير الإنسان من أوهام السلطة والمقتني .

 

         الإيمان بالقيامة هو التأكد من إمكانية خلق مستقبل جديد ، عندما  تتبني الشعب المطحون والمسحوق ، فتربط مصيرك بمصيرهم ، غير منتظر أي انتصار إلا انتصارهم هم . فالحب ورجاء القيامة هما توأمان : فلا حب إلا عندما يصبح الآخر بالنسبة إليك شخصا فريدا ، فتكون مستعدا لتقديم حياتك فداء عنه . عندما تكون علي كامل الاستعداد لهذا العمل فداء عن اصغر الخلائق ، يصبح الله فينا طاقة قادرة علي تغيير الكون . وبهذا نستطيع القول : قام المسيح حقا قام .