لنتأمل مع بندكتس 13 -15 الثالث والخامس عشر من أبريل

روما، الاثنين 14 أبريل 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم الرابع عشر من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 لمس يسوع القائم من الموت

بعد اللقاء السارّ في صباح الفصح، جلّ ما تتوق إليه مريم المجدلية هو أن تعود ببساطة إلى العلاقة الحميمة القديمة وأن تبقي الصليب خلفها مثل حلم مزعج… ولكن ذلك يتعارض تماماً مع ما حدث منذ تلك اللحظة. فأحد لا يستطيع أن يمتلك يسوع باعتباره "ربّوني" (أي معلّمه هو حصراً) من دون العودة إلى الصليب. فيسوع قد أصبح اليوم جالساً في المجد إلى جانب الآب وفي متناول كل شخص بشري. من هنا المفارقة التالية: هو لم يعد قابلاً للّمس هنا على الأرض، في نوع القرابة الأرضية البحتة، وإنما يمكن لمسه باعتباره الرب القائم من الأموات! صار من الممكن اليوم أن نلمس يسوع من خلال البحث عنه إلى جانب الآب والسماح له بأن يجذبنا خلفه في مسيرته. واللمس يعني العبادة، وهو يحمل في كنهه رسالة. لذا يجوز لتوما أن يلمسه. فإظهار يسوع جروحه إلى توما لا يُراد منه حمله على طيّ صفحة الآلام، بل على العكس، على جعلها لا تُنتَسى. إن فعل يسوع هو دعوة إلى رسالة الشهادة. ووضع توما إصبعه في الجراح بدوره يتحول فعل عبادة إذ يقول: "ربّي وإلهي!" (يو 20: 28). والإنجيل برمّته يعدّ منذ البدء لهذه اللحظة التي فيها يصبح فعل لمس يسوع، لمس جراحه المتألمة التي سحقتها سلاطين هذا العالم اعترافاً بمجد الله. إن يسوع وقد تغلّب على الموت أصبح ملكاً للبشرية جمعاء. فصار بإمكاننا أن نلمسه بمجرّد اتباع طريقه، وإتمام مسيرة الصعود معه، والإنتماء للشركة مع الجميع بالإتحاد مع الآب والإبن. فتُستبَل محاولة التمسك به بالرسالة التالية: "إذهبي إلى أخوتي" (يو 20: 17).

 

الخامس عشر من أبريل

علامات القيامة ورسالتها

إن الإيمان بالقائم من بين الأموات هو إيمان بأمر حدث فعلاً… فالإيمان يستند إلى أسس صلبة لواقع قد حدث فعلاً. واليوم أيضاً، وبحسب تعابير الكتاب المقدس، يمكننا إن جاز التعبير أن نلمس جراح الرب الممجدة ونقول بامتنان وفرح مع توما: "ربّي وإلهي!" (يو 20: 28). بيد أن سؤالاً واحداً يطرح نفسه باستمرار عند هذا الحدّ وهو أن ليس الجميع قد رأوا المسيح القائم من بين الأموات. لماذا؟ لماذا لم يقف بانتصار أمام الفرّيسيين وبيلاطس ليبيّن لهم أنه حيّ ويجعلهم يلمسون جراحه وندباته؟… لا يجوز اعتبار القائم من بين الأموات كقطعة خشبية أو كصخرة. ولا يمكن أن يراه إلا من يختار هو أن يُظهر نفسه له. هو لا يُظهر نفسه إلا لمن يمكنه أن يوكل إليه مهمة. وهو لا يُظهر نفسه للفضول بل للمحبة؛ فالمحبة هي الكيان الذي لا بدّ منه إن أردنا رؤيته وإدراكه. بيد أن ذلك لا يعني أن الشخص الذي يدعوه الرب يجب أن يكون مؤمناً في لحظتها. فبولس لم يكن كذلك ولا توما ولا الأحد عشر الآخرين، لأنهم بدورهم كانوا غارقين في بحر الشكوك والحزن. والنصر الوحيد الذي كان في بالهم هو انتصار يسوع في بناء المملكة المشيحية. أما الخيار الآخر فالدمار. والقيامة كما ألفوها كانت أمراً يفوق تصوّرهم وكل توقعاتهم حتى الآن. ولم يكن إيمان مسبَق لديهم هو ما ولّد رؤيا القيامة، وإنما واقع القائم من بين الأموات الذي ولّد الإيمان حيث غياب الإيمان والإيمان المقيَّد والمتردد.