فضائل مريم العذراء

                     تــقــديــــم

فضائل مريم العذراء، لم تذكر الأناجيل ايّة تفصيلات عنهـا ولكن جاء انهـا كانت "ممتلئـة نِعـمة"(لوقا38:1)، وهذا يعنـي انهـا قد امتلكت كل الفضائل بدرجـة عظيـمة. وللتعرف على فضائل أمنـا القديسة مريم العذراء نقدم هذا الكتاب الذى نستعرض فيـه بعض من الفضائل الإنجيليـة التى تجّـملت بهـا لكي نعمل كل شيئ ومريم هي قدوتنا وأن نقتدي بمعونـة اللـه بحياة مريم العذراء فى كل ما نصنعه . فمسيرة مريم هى مسيرة كل مسيحي يدخل بالإيمان فى علاقة مع الله. وبالنظر الى مريم نسير كما سارت وتكون غايتنا الأخيرة هي المسيح يسوع وحده.  نطلب من الله أن يهبنـا أن نُشابـه إبنـه الوحيـد يسوع الـمسيح والتحّلـي بفضائله ونقتدي بأمنـا مريـم العذراء حتى نعيش كـما ينبغـي أخوة ليسوع. وأطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة فيأتـي بالثمار الـمرجوة ببـركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

                                                       راعى الكنيسة

                                               الآب اندراوس بسادة قلادة                                                          

لوس أنجلوس فى مارس 2004

                      ___________________‏

                        

                        الفهرس

1. مـا معنـى الفضائل ودوافعهـا؟

2. مـا هـى الفضائـل الإنجيليـة؟

3. فضائل مـريـم العذراء

4. مـريـم العذراء فى إيـمانهـا

5. مـريـم العذراء فى محبتهـا

6. مـريـم العذراء فـى رجاءهـا

7. مـريـم العذراء فى حـكـمتهـا

8. مـريـم العذراء فى تقواهــا

7. مـريـم العذراء فـى وداعتهــا

8. مـريـم العذراء فـى صبـرهــا

9. مـريـم العذراء فى طاعتـهـا

10. مـريـم العذراء فى حياة الشكر للرب

11. مـريـم العذراء فى حيـاة الصلاة

12. مـريـم العذراء فـى فقرهــا

13. مـريـم العذراء فى طهـارتهـا

14. مـريـم العذراء وأمـانتـهـا

15. مـريـم العذراء فـى تواضعـهـا

16. مـريـم العذراء فى صـمتهـا

17. مـريـم العذراء وحيـاة السلام

18. مـريـم العذراء وحيـاة الفرح

19. مسبحـة الفضائل الـمسيحية

                   _____________________

      مـا معنى الفضائل ودوافعهـا؟

كلمة"فضيلة" تعنى "ممتاز،فائق،شريف"، وكانت تفيد فى القديـم كلقب يستخدم لـتمييز فرد او جماعـة  من جهة الأخلاق أو السلوك.

وبدأت تُستخدم فى الـمحيط الفلسفى بـمعنى خاص يقترب من معنى البِر أو العدل أو الإستقامـة.

والفضائل عمومـا إسم شائع فى جميع الأديان بل فى السلوك الإجتماعـي العادي.

ويمكن عمومـاً تقسيم الفضائل الى ثلاث أقسام:

1.   عقلانيـة أي التى تختص بالعقل مثل الحكمة والعِلم والفهم والـمهارة والفِطنـة.

2.   أخلاقيـة وتشمل العدل وضبط النفس والثبات والصبـر والسخاء وكرم الأخلاق والـمثابرة.

3.   لاهوتيـة وهى التى تختص بالله كالإيـمان والرجاء والـمحبة.

ويـمكن أيضاً تقسيم الفضائـل إلـى نوعان فقط بحسب الغايـة والدافع لهـا:

أ-فضائـل جسديـة أو الفضائل البشريـة: وهى التى يعملها الإنسان بدوافع ووسائل وغايات جسديـة. فالدوافع الجسديـة مثل الغيرة والـمنافسة وحب الظهور أو مماثلة الأخرين،أو تحت عوامل الضغط والإرهاب من الوالد أو الـمدرس أو الكاهن وهى تكون عادة من غيـر أي إقتناع روحـي. أمـا الوسائل الجسديـة كالجهد والصبر والعزيـمة فكلهـا يكون نابعاً من الجسد والذات ويتوقف تكميل الفضيلة بقدر الجهد وهى كلها يحركها الدافع الجسدي. والغايات الجسديـة ما دامت بدافع جسدي ستكون الفضيلة لها غاية جسديـة أيضاً مثل أن يكون الإنسان ناجحاً فيمدحـه أبوه أو معلّمه، أو أن يكون مشهوراً وموثوقـاً بـه فتزداد تجارتـه أو أن يظهر الإنسان قديساً لكي يـمدحه الناس فى الـمجالس والـمجتمعات وكل هؤلاء قد استوفوا أجرهـم من الناس مديحاً وكرامـة (متى2:6). 

ب-فضائل روحيـة أو الفضائل الإلهيـة: وهـى التى تكون دوافعهـا ووسائلهـا وغايتهـا روحيـة.وهنا الدافع الوحيد هو محبة الله من كل القلب كوصية الرب القائل:"أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك وكل ذهنك"(لوقا27:10). والوسيلة الوحيدة لتكون الفضيلة روحيـة هى الروح القدس الذى نلناه فى الـمعموديـة و"أما تعلمون أن أجسادكم هى هيكل الروح القدس الذى فيكم الذى نلتـموه من الله"(1كورنثوس19:6).

والروح القدس هو فينـا وعلى أتم إستعداد للعـمل فيمد جسد الإنسان بقوة للصبر، ويـمد النفس بقوة للبذل، ويـمد الإرادة بقوة عزيـمة غير عاديـة "والذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله"(روميـة14:8)، ووصايا السيد الـمسيح لا يمكن تتميمها إلا بالروح القدس" يُعلـمكم كل شيئ ويذّكركم بكل ما قلتـه لكم"(يوحنا26:14)، وهو القائل:"بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً"(يوحنا15:15)،لهذا أوصانا الرسول قائلاً:"لاتطفئوا الروح"(1تسالونيكى19:5).

الروح القدس الساكن فيـنا هـو الذى يعطى الكلمة،والقوة،وثمر الروح(غلاطية22:5)،والإيمان(1كورنثوس3:12)،والعزاء(يوحنا26:14)،

والقداسة(روميـة4:1)،والحرارة فـى الخدمـة والعـمل.

"لستم أنتم الـمتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم"(متى20:10)، إذن كل شيئ بالروح،فعـملك ليس من ذاتك،بل دع الروح القدس يحركك ويعمل بك وفيك ومعك،لهذا يدعونا معلمنا بولس الرسول قائلاً:"إمتلئوا بالروح" (أفسس 18:5). والروح القدس مستعد أن يعـمل فيـنا ولكننا بتهاونـنا وإهـمالـنا نطفئ حرارة الروح فيـنا،ومـا أسهـل إطفاء الروح بالبيئة الخاطئة والجو الغيـر روحى وبالـمشاكل والأحداث إذا مـا إستقطبت الإنسان وإستولت على فكره ومشاعره، بالفكاهات العابثة ، باللهـو والكسل والتـراخـى والتقصيـر فـى الصلوات،بالفراغ، بالشهوات وخاصـة مـحبة العالـم.

أمـا الغايـة الوحيدة  للفضائل الروحيـة هى ملكوت الله والحياة تحت سلطانه لهذا طالبنـا السيد الـمسيح:"اطلبوا أولاً ملكوت الله"(متى33:6) وهنا يعيش الإنسان لا يخشى شيئاً فى هذا العالـم ولا يشتهى شيئاً وهنا نقول مع الرسول:"بل إنى أحسب كل شيئ أيضاً خسارة من أجل فضل معرفـة يسوع ربـي الذى من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفايـة لكي أربح الـمسيح"(فيلبي8:3)، وايضاً قال: "ابتغوا ما هو فوق حيث الـمسيح جالس عن يـمين الله"(كولوسي1:3).

لهذا لتكون الفضيلـة مسيحية وحسب الإنجيل كـما يوصينـا بولس الرسول قائلاً: "وبعد ايها الإخوة مهما يكن من حق أو عفاف أو عدل أو طهارة أو صِفـة محبـّبة أو حسن صيت إن تكن فضيلة أو مديح ففى هذه فلتكن أفكاركم"(فيليبي8:4)،فلابد أن تكون معـمولـة بقوة الروح القدس لكي يكون لهـا الغايـة الإلهيـة ألا وهى ملكوت السموات، لهذا قال الرسول بولس:"فلا شدّة ولا ضيق ولا جوع ولا عري أو خطر أو إضطهاد أو سيف" (رومية38:8) يـمكن أن أن يوقفـنا عـن ملكوت الله.

                     _______________ 

             مـا هـى الفضائـل الإنجيليـة

الفضائل الرئيسية الثلاث حسب الكتاب الـمقدس هى كالتالـى:

1.   الإيـمان

2.   الرجـاء

3.   الـمحبـة

وهناك علاقـة عجيبـة مـا بين تلك الفضائل الثلاث الأساسيـة.

الإيـمـــــان مـوهـبـة..

والرجـــــاء طـريـــق..

والـمـحبـة حـــــــياة..

إذن..فالإيـمــان هـو موهــبة الطريــق للحيـــاة..

ان النعمة الـمقدسة التى وُهبت لنا لا تـتم فاعليتها إلا بوحدة هـذا الثالوث العظيم الإيـمان والرجــاء والـمحبة وهناك تلاحم تام بينهم.

ان القديس بطرس فى رسالته الثانية دعانا قائلاً:"إذ وُهبت لنـا قوتـه الإلهيـة كل ما يؤول إلى الحياة والتقوى بـمعرفـة الذى دعانا بـمجده وفضيلتـه وبـه وُهبت لنـا الـمواعيد العظيـمة لكي تصيروا بها شركاء فى الطبيعة الإلهيـة هاربين من الفساد الذى هو فى العالـم من الشهوة. فأضيفوا أنتم إلى ذلك عينه كل الإجتهاد وزيدوا على إيـمانكم الفضيلـة وعلى الفضيلـة التعقّل وعلى التعقّل العفاف وعلى العفاف الصبـر وعلى الصبـر التقوى وعلى التقوى الـمودّة الأخويـة وعلى الـمودّة الأخويـة الـمحّبـة. فإن هذه إذ كانت فيكم لا تدعكم غيـر عاملين ولا غيـر مثـمريـن فى معرفـة ربنـا يسوع الـمسيح"(2بطرس3:1-8).

وهنا يوجد إرتباط وثيق مـا بين الفضيلـة التى يتحصل عليهـا الإنسان الذى يؤمن بالـمسيح وإجتهاد الإنسان فى الشركة مع الطبيعة الإلهيـة والسلوك فى نور الـمسيح.

ويذكر القديس بولس الرسول هذه الفضائل الإلهيـة الثلاث مجتمعة معاً:

"أمـا الآن فيثبت الإيـمان والرجاء والـمحبـة، هذه الثلاثـة ولكن أعظـمهن الـمحبة"(1كورنثوس13:13).

ويذكر أيضاً القديس بولس ثـمر الروح القدس والتى تشمل:"الـمحبة والفرح والسلام والأنـاة واللُطف والصلاح والإيـمان والوداعـة والعفاف"(غلاطيـة22:5-23) ولـم يقصد الرسول بهذه أن تكون قائـمة شاملة لكل الفضائل الـمسيحية، ولكنهـا تقدم نـماذج لـما ينبغى أن يكون عليـه الشخص الـمسيحي.            

                         ________________ 

 

           فضـــائل العـــذراء مـــريـــــم

يوما مـا صرخت إمراءة فى إحدى عِظات يسوع فى الناصرة "طوبى للبطن الذى حملك والثديين الذين رضعتهمـا.أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لوقـا 27:11-28).

فهـل إستحقت مريم التطويب لأنها ام يسوع وكفى؟،أم لإنها سمعت كلام الله وحفظته متفكرة فيه فى قلبها وعملت بـه (لوقا51:2).

وإذا مـا تأمـلنـا فـى حياة القديسة مريـم العذراء سنـتعرف لـِمَ إستحقت التطويب وتكريم البشرية لهــا طوال الأجيال فسوف نرى مريـم فـى إيـمانهـا وتقبل كلمة الله بطاعـة، وفـى محبتـها الـمبادرة وخدمـة الآخرين، وفى رجاءهـا، وحكمتهـا الـمتفكرة، وفى تقواهـا نحو الله وتفانيها فى إنجاز الواجبات الدينية، وفى حياة الشكر التى عاشتهـا من أجل الـمـواهب الـمـأخوذة، وفـى حياة الصلاة الدائـمة، وفـى وداعتهـا، وفى قوة صبرهـا فى المـنفى والألـم، وفى حياة الفقر التى عاشتهـا بكل كرامة وثقة فى الله، وفى طهـــارتهـا الـمتبتلة، وفى حياتهـا كربـّة بيت، وفـى أمـانـتهـا الكاملـة، وفى تــواضـعهـا العظيم، وفى صـمتهـا الـمملوء حكـمة، وفى حياة السلام و الفرح الدائـم.               

                مـريـم العذراء فـى إيـمانهـــا

نقرأ فى رسالة القديس بولس للعبرانيين تعريفاً عن الإيـمان:

"الإيـمان هو الثقة بمـا يرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عبرانيين 1:11). وأيضاً كما يقول الرسول:"وبغيـر إيـمان لا يستطيع أحد أن يُرضي الله لأن الذى يدنو إلى الله عليه أن يؤمن بأنـه كائن وأنـه يُـثيب الذين يـبتغونـه"(عبرانيين6:11).

وهناك عامـة أربعـة أنواع من الإيـمان:

أ- إيـمان ناتج عن كلمات أو نتيجة إستجابة فورية لصياغة لفظية بعد عِظة مثلا أو قراءة كتاب.

ب- إيـمـان يُفهم ويُدرك بالعقل فقط (سليمان رغم حكمته قد بّخر لألهة غريـبة).

ج – إيـمـان كعمل سلوكي كمثل السامري الصالح وهذا يكون ثابت مع أي عقيدة أو مستوى أخلاقي وليس مع شخص يسوع.

د – إيـمـان مـتكامـل،أي إيـمـان بفهم وإدراك وعمل، وهذا يتطلب إقتناع الفهم وتسليم الإرادة وثقـة القلب.

الإيـمان هو تبعيـة كليـّة للـه ويتطلب فى الأساس معرفـة الله وهذه الـمعرفـة يلزمها قبول هبـة اللـه لكى تساعد الإنسان على قبول الحقائق الإلهيـة "نحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذى من الله لنعرف الأشياء الـموهوبـة لنـا من اللـه"(1كورنثوس12:2)، وكما يقول الرسول:"فإن كان أحد يظن انـه يعرف شيئاً فإنـه لـم يعرف شيئاً بعد كـما يجب أن يعرف ولكن ان كان احد يحب اللـه فاللـه معروف عنده"

(1كورنثوس2:8-3)، ولهذا دعى يوحنا الإنجيلي الـمؤمنون بأنهم صاروا أبناء الله "فأمـّا الذين قبلوه فأعطى لهم سلطاناً أن يكونوا أبناء اللـه اي الذين يؤمنون بإسـمه"(يوحنا13:1).

وكلمة "تؤمن" فى اللغة العِبريـة يُعبـر عنهـا بكلـمتان "Aman" والتى جاء منها كلـمة "آميـن"،وكلمة "batah" والتى ترتكز على الثقة والإستنارة، هـما تـمثلان قطبي فعل الإيمان "نور مُرسل قد أُستقبل" و"إستجابـة". فالإيمان ليس حالـة أو فعل يظهر مرة ثم يختفى، بل هو ثقـة مطلقـة فى شخص مـا وهذا يعنى الإستعداد لقبول كل الأشياء والأفعال التى تأتـى من الله، حتى فى أصعب وأخطر الـمواقف،وهذا يستلزم أن يتخلّى الإنسان عن كل إعتماده وثقتـه فى إمكانياتـه وقدراتـه الشخصيـة.

والكتاب المقدس مليئ بأنواع عديدة من الإيـمـان فهناك إيـمان الرعاة والتى أُعطيت لهم علامة من السماء ، وموسى الذى طلب من الله عدة علامات ليصدقه فرعون والشعب العبراني، واليهود الذين طلبوا من يسوع "أيـّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك" ، ونثنائيل الذى صرخ بـمـلك الـمـسيح عندما أخبره بأنه رآه تحت التينة قبل أن يدعوة فيلبس، وإيـمـان إبراهـيم وتركه لأرضه و قبوله تقديم ابنه اسحق ذبيحة لله كأمر الرب له، وايـمـان زكريا الكاهن والذى شك وقال كيف أعلم هـذا وأنا شيخ وإمرأتي متقدمة فى حياتها.

وإيـمـان مــريـم والذى لـم تطلب علامة عن صِدق قول الملاك جبرائيل عندما أخبرها بالميلاد العجيب بل أتت لهـا العلامـة من أن العاقر ستلد. عاشت مريم مع يسوع الطفل وكأي طفل عادي أرضعته وكان محتاجاً لها لتغذيته، فلو كان يسوع يعلن لها عن طبيعته الإلهية بإستمرار لـمـا كان لـمـريم فى إحتياج لحياة الإيـمـان ومـا كانت تتعجب من إجابة إبنها وهو فى الثانية عشر " لماذا كنتمـا تطلبانني الم تعلما انه ينبغي أن أكون فيمـا لأبي" (لوقا 49:2) أو عند عرس قانا الجليل " مـالي ولكِ ياإمراءة لم تأت ساعتي بعد" (يوحنا 2:4).

أحداث البشارة والـميلاد والرعاة والـمجوس وفى الهيكل والهروب الى مصر ثم الحياة فى الناصرة ثم على الصليب لم تنكره بل وقفت بجانبه بشجاعة وثبات ثم اخيرا نجدها مع التلاميذ فى العُليـّة بعد الصعود مباشرة مواظبة على الصلاة والطلبة بنفس واحدة مع التلاميذ.كل تلك الأحداث التى تعكس

إيـمان مريم برسالة إبنها وأثبتت أنها حفظت الكلمة وأطاعت الوصية

وأكـمـلت مشيئة الله بدقة ومواظبة حتى النهاية .

إيـمان مريم كان بلا فلسفة ولا طلب علامات أو آيات.لـم تفكر فى العار الذى يلحقها بهذا الحبل.فاقت بإيـمانها قائد الـمئة واللص اليمين والمرأة النازفـة،لهذا قالت "قالت أمه للخدام مهما قال لكم فإفعلوه" (يوحنا5:2).

آمنت مريم برسالة السماء ولـم تقل انها مازالت صغيرة حتى تتبع الله كـما فعل أرميا فى القديم ذات يوم " فقلت آه أيها السيد الرب هـآنذا لا أعرف أن أتكلـم لأنـي صبي" (أرميا 6:1).

وعن إيمان مريم يقول القديس أُغسطينوس (مريم صارت مطّوبة بسبب تقبلها الإيـمـان بالمسيح أكثر من تقبلها الحمـل به وتقربها للمسيح بالجسد كأم كان بلا ربح لو لم تحمل المسيح فى قلبها). "من يصنع مشيئة أبي الذى فى السموات هو ..أخي وأختي وأمي" (متى 50:12).

عندما أخبر الملاك جبرائيل العذراء مريم قائلا "لا تخافي يا مريم فإنك قد نلت نعمة عند الله وها انت تحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع" وشرح لها كيف يكون هذا الحبل الإلهي " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللّك" فالـمنطق البشري يقول كيف يحدث هذا؟ وهذا ما أعلنته مريم "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً".. فمريم قد تقول فى نفسها (انا ناذرة البتولية..أنا كنت أخطط حاجة أخرى لحياتي..أنا كنت أريد ..وانا كنت

أخطط.) انها كلهـا تخطيطات بشرية. ولكن عندما عرفت مريم ان هذه هي مشيئة الرب، وتذكرت إيـمـان ابراهيم وكيف ترك أرضه وعشيرته وعندما قدّم ابنه ذبيحة حسب إختبار الله لـه.

وتذكرت ايضا إيـمـان موسى وقبوله قيادة شعب الله من أرض العبودية الى أرض الـمـوعد.

وتذكرت معنى حلول الروح القدس ومجد الرب يحل فى مكان ما،فتذكّرت

خيمة الإجتماع "غطت السحابة خيمة الإجتماع وملأ بهاء الرب الـمسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الإجتماع" (خروج35:40)، وأن قوة العلي ستظللهـا (لوقا35:1).

إذن "انه ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" (يوحنا23:2)، انه أمر سماوي، وإرادة سماوية.

لـم تطلب مريم علامة لتؤمن مثل موسى لكي يصدقه فرعون والشعب العبرانـي" انهم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون لم يتجلّ لك الرب" (خروج7:4).

لـم تطلب علامة مثل جدعون كما جاء فى سفر القضاة "ان كنت قد

أصبت حظوة فى عينيك فأعطيني علامة على انك انت الذى كلمني "(قضاة 17:6) وكان أن الرب أعطاه من جزاز الصوف فى البيدر وسقوط الندى

وغيرها من العلامات.

لـم تطلب علامـة مثل بني اسرائيل عندما طلبوا من يسوع آية لكى يؤمنوا به "أيـّة آيـة تصنع لنراها ونؤمن بك"(يوحنا30:6).

مـريم لم تطلب،ولكن أعطاها الـمـلاك العلامة ان نسيبتها أليصابات العاقر حبلى فى شيخوختها.

مـريم فى إيـمـانها -لم تؤمن نتيجة علامة أو عظة او قراءة كتاب ونحن نريد أكثر من معجزة وآية كل يوم حتى نؤمن بالله.

إستجابت مـريم لدعوة الرب والذى يحترم إرادة البشر.

"فقالت للـمـلاك ها أنذا آمة للرب" (لوقا 38:1)، ولهذا استحقت أول تطويبات العهد الجديد على لسان القديسة اليصابات:"طوبـى للتى أمنت"(لوقا45:1).

موضوع الإيـمـان والعلم ومدى تشكك الناس.

الإيـمـان أعلى من العقل، والعقل أعلى من الغريزة.

عقيدة مثل وجود الله والثالوث الأقدس،أو عقائد مثل الفداء،والقيامة

والـموت فإننا لو أدركنا إيـمـاننا بهذه الـمـعتقدات بالعقل أو الغريزة والحواس فلن نؤمن.

مـريم فى إيـمـانـها لم تفكر فى العار الذى سيلحقها بهذا الحبل

الإلهي. آمنت بلا فلسفة وتعقيدات وعلامات.

إن رسالة بولس للعبرانيين تشهد لإيـمـان الـمؤمنين:"الذين بالإيـمـان

قهروا الـمـمـالك وعملوا البر ونالوا الـمـواعيد وسدّوا أفواه الأسود" (عب 11).

إن الإيـمـان ليس قولا "أمـا أنا فأريك ايـمـاني بالأعمال، انت تؤمن ان الله واحد حسن والشياطين ايضا يؤمنون ويرتعدون. الإيـمـان بغير الأعمال ميت" (يعقوب14:2-19و26).

مـريـم فى إيـمـانـها..أعطتنـا الـمثل والقدوة الصالحـة.

فى قبولهـا بالحبل الإلهي، فى خدمتها لأليصابات، فى خدمتها ليسوع،فى خدمتها ليوسف،وفى خدمة بيتها، فى إحتمال الآلام والضيق والهروب الى أرض مصر وسماعها بقتل أطفال بيت لحم، وفى غربتها وحياتها فى الناصرة التى لا يخرج منها شيئ صالح فعاشت حياة منطوية بلا تذمر.

إيـمـانها فى عرس قانا الجليل بقدرة إبنها الإلهي.

إيـمـانها تحت الصليب فلم تيأس وتلعن السماء.

أتعتقدون ان مريم فكرت فى نفسها قائلة (أحقا هذا الطفل الذى ولدته هو

مخلص العالم؟..أحقا هذا الذى يعمل بيديه فى حانوت النجارة هو مخلص العالم؟..أحقا هذا الـمـعلّق على الصليب هو مخلص العالم ؟..أحقا هذا الذى قُبر داخل القبر هو مخلص العالم؟..أحقا هذا القائم من الأموات هو يسوع ابنها؟..والعديد من التساؤلات)..

فى الحقيقة انه منذ أن سلّمت مريم نفسها لتكون آمة للرب حتى موتها وبعد

موتها وإنتقال جسدها ونفسها للسماء مازالت تشهد بإيـمـانها..موجهة

قلب أبنائها الـى يسوع مخلّص العالـم ومازالت تردد وصيتـهـا الوحيـدة لـنـا "مهما قال لكم فافعلوه"(يوحنا 5:2)، وبهذا أعطتنـا مثالاً حيـّا للكنيسة فى العالـم كما علّم القديس أمبروز (340-397م):

"ان أم الله هى مثال للكنيسة فى إيمانهـا ومحبتها واتحادها الكامل مع المسيح".

كلام يسوع أحيانا صعب..معتقداته أحيانا صعبة على الفهم

" ان كثيرا لـمـا سـمعوا قالوا هذا الكلام صعب من يستطيع سمـاعه"

(يوحنا61:6) وتركوه،لأنهم لم يؤمنوا انه الحق والطريق والحياةوالقيامة.

وهنا يدعونـا الرسول بولس قائلاً:"فإمتحـنوا أنفسكم هل أنتم على الإيـمان. اختبـروا أنفسكم. أو مـا تعرفون أنفسكم إنّ فيكم الـمسيح يسوع إلاّ إذا كنتم فى شيئ غيـر مُـزّكيـن"(2كورنثوس5:13).

             مريـم العذراء فـى محبتهـــا

كتب يوحنا الرسول فى رسالتـه عن الـمحبـة فقال:" اللـه محبة، من ثبتَ فى الـمحبة فقد ثبت فـى اللـه واللـه فيه" (1يوحنا16:4).

عـن معـنى الـمحبـة كـما جاءت فـى العهـد الجديـد والذى قد كُتب باللغة اليونانيـة سوف نجد أنـه جاءت فيـه ثلاث كلمات تحمل معنى الـمحبة وهى:EROS,PHILEO, and AGAPE ،ولكن كل كلمة تختلف

فى مضمونها. فكلمة EROS تعنى ان الشخص يحب ولكن بشروط معينة ولا يـمكنه الـمساعدة، وكلمة PHILEO تعنى ان الشخص يحب إذا وجد شيئ يجذبـه نحو الشخص الآخر،أما كلمة AGAPE فتعنى ان الشخص يحب بلا شروط وهذا هو نوع حب الله للإنسان والذى لا يعتمد على مشاعر حسية بقدر ما يرتكن الى الفعل ذاتـه، وهى أيضاً تحمل أعلى وأنبل أنواع الحب الذى يتجه نحو غاية كريمة أبديـة. ولهذا كانت المحبة الـمسيحية من نوع "اغابـي" وهو عمل الخير للجميع بلا تمييز وعدم طلب أي شيئ بل عمل الصلاح ولا يهم من هم الناس ولا كيف يقابلون.

وهنالك فرق جوهري بين الـمحبة فى الـمسيحية وبينها فى العلاقات الإنسانيـة، ففى العلاقات هى رد فعل لإنطباعات القلب نحو الآخرين بدون أن يكون هناك أي عمل خاص نعمله نحن، اما الـمحبة الـمسيحية فهى

ممارسة كاملة تنبع من أنفسنا من القلب ومن العقل.

واللـه عندما يصف نوع محبته للإنسان وضعها فى رتبة أقوى وأرفع من طبيعة الأمومـة التى تربط الأم برضيعهـا:"هل تنسى الـمرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنهـا حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك"(اشعيا15:49). وفى العهد الجديد إرتفعت محبة الله للإنسان حتى انه بذل إبنـه"هكذا أحب اللـه العالـم حتى إنـّه بذل ابنـه الوحيد"(يوحنا16:3)، و"بهذا تتبيـن محبة الله لنـا أنّ اللـه أرسل ابنـه الوحيد إلى العالـم لنحيا به وإنـما الـمحبة فى هذا أننـا لم نكن نحن أحببنـا الله بل هو أحبنـا فأرسل إبنـه كفّارة عن خطايانـا"(1يوحنا9:4-10).

وهذه الـمحبـة الإلهيـة "قد إنسكبت فى قلوبنـا بالروح القدس الـمعطى لنـا"(رومية5:5)، وبهذه النعـمة نستطيع كما يقول بولس الرسول:"ان تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة الـمسيح الفائقـة الـمعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله"(افسس17:3-19).

ولكى نحلل معنى الـمحبة الـمسيحية فلدينا رسائل القديس بولس حيث استخدم فيها كلمة الـمحبة 60 مرّة. وللتعرف على خواص هذه الـمحبـة يـلزم أن نتعرف:

       على أصلهـا: هى من الله "لأن محبة الله قد أُفيضت فى قلوبنا بالروح القدس الذى أُعطى لنـا"(رومية5:5)

       مكانهـا: فى قلب وإرادة الإنسان

       فعلهـا: فى حب فعل الخير وصداقـة الآخريـن فحب الله يجعل الإنسان يرغب فى تـمجيده وإجلالـه.

       دوافعهـا: إلهيـة

       مداهـا: اللـه والبشر "أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قدرتك وكل ذهنك وقريبك كنفسِك"(لوقا27:10).

وفى مثل الـمرأة الخاطئة التى سكبت الطيِب عند قدمي يسوع نجد مثال واضح لخواص الـمحبة المسيحية فلقد قال عنهـا السيد الـمسيح:"إن خطاياها الكثيرة مغفورة لهـا لأنهـا أحبّت كثيراً"(لوقا47:7)

وعـن صفات الـمحبـة فلقد تم وصـفهـا على لسـان القديـس بولس فى رسالته الأولـى الى كورونـثوس : "الـمحـبـة تـتأ نـى وتــرفـــق . المحـبـة لا تحـــسد ولا تتباهــى ولا تنـتـفـــخ. ولا تـأتـي قــباحــة ولا تـلتـمـس مـاهـو لـهـا. ولا تحــتد ولا تـظـن الســوء. ولا تفــرح بالظــلـم , بل تفــرح بالحــق. و تحـتـمـل كـل شـيئ .وتــصــدق كـل شـيئ.وتـرجـو كـل شـيئ.وتـصــبـر على كــل شـيئ. المحــبـة لا تـــســقط أبـداً "(1كورنثوس4:13-8).

ونشـيد الإنـــشـاد يــصـف الـمحبـة بـإنهـا "قــويـة كالـمـوت..مــيــاه كثيرة لا تستطيع ان تـطفئ الـمحـبـة والسـيـول لا تـغـمـرهــا” (نـش 7:8).

لقد قال السيد الـمسيح ان كل الوصايا والشرائع يـمكن ان تتلخص فى كلمة واحدة ألا وهى "الـمحبة "(متى36:22-40).

والرسول بولس يقول ان هناك ثلاث فضائل تثبت "والذى يثبت الآن هو الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة وأعظمهن المحبة"(1كورنثوس13:13).

والرسول يوحنا يعرّف لنا الـمحبة قائلاً:

"وانـما الـمحبة فى هذا اننا لم نكن نحن أحببنا الله بل هو الذى أحبنا فأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا"(1يوحنا10:4)،ويقول أيضا "من لا يحب فانه لا يعرف الله لأن الله محبة"(1يوحنا8:4). وهذه الـمحبـة لا يـمكن أي شيئ يفصلنـا عنهـا كقول بولس الرسول: "فـمن يفصلنـا عن محـبّة الـمسيح أشّدة أم ضيـق أم جوع أم عري أم خطر أم إضطهاد أم سيف. كما هو مكتوب اننـا من أجلك نُـمات كل النهار. قد حُسبنـا مثل غنم للذبح ولكننا فى هذه جميعهـا يعظم إنتصارنـا بالذى أحبنـا فإنـي متيقن أنـه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقـة أخرى تقدر أن تفصلنـا عن محبـة الله التى فى الـمسيح يسوع ربنـا"(رومية35:8-39) وإلاّ لفقدنـا كل شيئ: "إن كان أحد لا يحب الرب يسوع فليكن أناثيما" كما أعلن الرسول بولس (1كورنثوس 22:16).

وكل شيئ يجب أن يبدأ بـمحبة الله لأن اللـه محبـة، والتمحبة الـمسيحية هى إنطباع لـمحبة الله لنـا. وهناك إرتباط وثيق ما بين المحبة والإيمان وهو ما جاء فى رسائل القديس بولس لأهل افسس وكورنثوس وفليمون،فالـمحبة هى علاقة مع الله وشركة مع الآخرين، فالمحبة بدون إيـمان هى مجرد شعور وعواطف،والإيـمان بدون محبة هو أمر أجوف. فعلى الإنسان الـمسيحي أن يصلّى كثيراً طالباً ان تنسكب محبة الله فى القلب فالـمحبة الـمسيحية ليست عملاً بشريـاً، بل هى ثـمر من ثمار الروح القدس وعلى الإنسان أن يُستعلن فيـه الـمسيح ثانيـة فى كل أعماله وسلوكياتـه ولهذا أوصانـا الرسول قائلاً:"لتكن أموركم كلهـا بالـمحبـة"(1كورنثوس14:16)، و"اسلكوا فى الـمحبة كما أحبنا الـمسيح"(افسس2:5)، و"البسوا الـمحبـة التى هى رباط الكمال"(كولوسي14:3). 

أمـا عن الـمحبـة فى حياة مريم العذراء فقد انعكس الى سلوك عملى فنقرأ بدءاً من بشارة الـملاك لهـا وإستجابتهـا لدعوة اللـه لهـا بحب "فقالت مريم ها أنـا آمـة الرب"(لوقا38:1)، ثم نقرأ: "فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت مسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلّمت على اليصابات"(لوقا39:1). محبة مريم محبة عاملة،قويـة،سخية، كاملة عملاً بقول السيد الـمسيح:"هذه وصيتي أن يحب بعضكم بعضا كما انا أحببتكم". وها هى مريم تحمل الكلمة وتأتي الى بيت العاقر لتخدم وليبارَك يوحنا وهو فى بطن امه اليصابات. وسمعت مريم مديح اليصابات ولم تفتخر

بل أجابت بأنشودة التعظيم والتى تعكس الفكر اللاهوتي عند مريم العذراء.

وفى عرس قانا الجليل عرفت حاجة العرس وأسرعت بطلب معونة ابنها الإلهي والذى صنع أولى عجائبه الزمنية عند طلبها.  لقد أحبت العذراء مريم الله وعاشت مكرسـة لـه فى الهيكل منذ طفولتها وسط تسابيح ومزامير وصلوات وذبائح وبخور، وأحبت الله عندمـا أطاعت دعوتها ان تغادر الهيكل لتُخطب للقديس يوسف النجار، وظلّت على حبهـا للـه بأن جعلت بيتهـا هيكلاً آخر ، وجاءت لهـا البشرى فعبّرت عن حبهـا للـه بأن قبلت فى تواضع أن تكون أم الكلـمة الـمتجسدة وواظبت على تطبيق وصايا الناموس والشرائع الإلهيـة بكل أمانـة وسلكت فى الـمحبة حتى نهاية رسالة إبنهـا الإلهـي عند الصليب وحتى ما بعد القيامة. وبعد إنتقالهـا بالنفس والجسد للسماء لـم تفقد محبتهـا للكنيسة ولا لأبنائهـا فكانت لظهوراتهـا تشجيعاً للجميع لكي يحبوا اللـه من كل القلب. لقد أحبت مريم العذراء الله إلى الـمنتهى وكان لها الرجاء والصبر والصدق والتفانى والتواضع والـمعرفة والإيمان وعدم التفاخر وعاشت الـمحبة فيها ليست فقط 9 أشهر بل عمرها كله فتحركت وعاشت فى ملء الـمحبة وكانت حياتها نموذجاً حيـّاً للإنسان الـمُحب للـه، فإستحقت أن ندعوها "أم المحبـة الإلهيـة"(يشوع بن سيراخ24:24).

           ________________________

 

 

   مريـم العذراء فـى رجاءهــا

الرجـاء هو إحدى الفضائل الكبرى-"الإيـمان والرجاء والـمحبة"

(1كورنثوس13:13)، وهو فضيلـة تجعلنـا نرجو بـملء الثقـة الخيرات التى وعدنـا بهـا اللـه. والرجاء يعـتمد على الإيـمان بـمحبة الله  وبحكـمته وبـمواعيده الإلهيـة، وبدون ذلك لا يكون للإنسان أي رجاء لهذا قال بولس الرسول:" إنكم كنتم فى ذلك الوقت بدون مسيح أجنبييـن عن رعويـة إسرائيل وغرباء عن عهود الـموعد لا رجاء لكم، وبلا إله فى العالـم"(افسس12:2).

والرجاء عطيّة مجانيـة من الله:"وربنا يسوع المسيح نفسه والله أبونا الذى أحبنـا وأعطانا عزاءً أبديـا، ورجاءً صالحاً بالنعـمة"(2تس16:2).  والسيد الـمسيح هو موضوع رجاءنـا (1تيطس1:1). والرجاء هو سر الفرح فى ضيقات الحياة وسر السلام لهذا دعانا الرسول بولس قائلاً:"ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنـه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، كذلك الراقدون بيسوع سيُحضرهم الله أيضاً معه"(1تسالونيكى13:4-14).

وبالرجاء نتشوق لـمواعيد الله ومجيئه فيتجاوز الإنسان آلام هذا العالـم ويشتاق للإنطلاق:"لي الحياة هى الـمسيح والـموت هو ربح..لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع الـمسيح"(فيلبي21:1و23) و"لأننا بالرجاء خلصنا، ولكن الرجاء الـمنظور ليس رجاءً، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضاً،

ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبـر"(رومية24:8-25).

وبقدر ما ننـمو فى الإيـمان ننـمو فى الرجاء بقوة الروح القدس ولهذا

قيل:"وليـملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام فى الإيـمان، لتزدادوا فى

الرجاء بقوة الروح القدس"(روميـة 13:15). وإذا كان رجاءنا فقط فى هذا العالـم "فنحن أشقى الناس"(1كورنثوس19:15)، لهذا قيل:"من أجل

الرجـاء الـمحفوظ لكم فى السماوات"(كولوسي5:1).   

لقد قال الرسول بولس "نفتخر فى الضيقات عالـمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس الـمعطى لنا" (رومية3:1-3)، وقال ايضاً:"على حسب إنتظاري ورجائـي لا أخزى فى شيئ بل أتصرف بكل جرأة حتى أن الـمسيح يُعظّم الآن كـما عُظّم كل حين فى صبري"(فيلبي20:1).

ولنـا فى عظة السيد الـمسيح على الجبل والتطويبات (متى3:5-12) والصلاة الربّيـة (متى9:6-13) لأعظم ثقـة ورجاء.

وعن الرجاء فى حياة القديسة مريم العذراء سوف نراه فى محبتها للـه وثقتهـا العظمى فى قدرتـه تعالـى كقول الـمرّنم: "فأنك أنت رجائي أيها السيد الرب أنت متكلي منذ صبائـي"(مزمور5:70)، والتى إنعكست فى تسبحتهـا:"لأن القدير صنع بـي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونـه"(لوقا49:1-50)، وفى تسليـمهـا لـمشيئة الله "ها أنا آمـة الرب فليكن لي بحسب قولك"(لوقا38:1)، وفى فرحهـا الدائـم بعظائـم القديـر فهتفت قائلة:"تعظم نفسي الرب"(لوقا46:1)، وفى حياتهـا وخدمتهـا حتى موت  إبنهـا على صليب العار ولم تيأس ويضعف رجاءهـا بل كان رجاءهـا ثابت فى أن إبنهـا يسوع هو "القدوس" و"إبن الله"(لوقا35:1) وانـه هو "الذى يخلّص شعبـه من خطاياهم"(متى21:1) وأنـه "لا يكون لـملكه إنقضاء"(لوقا33:1)، فعاشت فرح القيامة كما "فرح التلاميذ حين أبصروا الرب"(يوحنا20:20)،  وظلّ رجاءهـا ثابت وواظبت على الصلاة مع التلاميذ فى العليـّة بعد صعود إبنهـا إلى السماء (أعمال14:1)،و حتى موتها وإنتقال جسدها ونفسها للسماء.

لهذا "فلنصحُ لا بسين درع الإيـمان والـمحبـة وخوذة رجاء الخلاص لأن اللـه لم يجعلنـا للغضب بل لإقتنـاء الخلاص بربنـا يسوع الـمسيح الذى مات لأجلنـا"(1تسالونيكى8:5-9)، ولنكن "مستعدين دائماً للإحتجاج لكل من يسألكم حجج الرجاء الذى فيكم"(1بطرس15:3).

             مريـم العذراء فـى حِكـمتهــا

الحِكمة أو الفطنـة هـى فضيلـة من شأنهـا  أن تؤهـل من اتصف بها أن يحسن إختيار الطرق الـموصلة للخلاص.

وجاء فى الكتاب الـمقدس أن يوسف قد أتاه الله "نعمة وحكمة"(أعمال10:7)،وموسى تعلّم حكمة الـمصريين،وسليـمان قد صلّى طالباً الحكمة(1ملوك9:3)، ودانيال كان مملوء من حكمة الله(دانيال14:5). ويصف الكتاب الـمقدس يسوع المسيح بأنه حكمة اللـه "حكمة الله وقوة الله"(1كورنثوس24:1)، ويقول ايضاً إنـه: "الـمدخر فيه جميع كنوز الحكمة"(كولوسي3:2).  وإن الذى يسكن فيـه روح الله لا بد أن تسكن فيـه الحكمة فقد قيل عن الروح القدس إنه روح الرب "روح الحكمة والفهم، روح الـمشورة، روح الـمعرفـة"(اشعيا2:11)، وذكر الرسول بولس أن الحكمة هى من مواهب الروح القدس "فيعطى واحد بالروح كلام الحكمة"(1كورنثوس8:12).  وهذه الحكمة التى من الله قال عنها القديس يعقوب الرسول:"أما الحكمة التى من فوق فإنهـا عفيفة ثم مسالـمة حليـمة سهلة الإنقياد مـملوءة رحمة وأعمال صالحة لا تدين ولا تراءى"(يعقوب17:3).

ومريم أم يسوع قد إمتلأت من الروح القدس:"إن الروح القدس يحلّ عليكِ

وقوة العليّ تظللكِ"(لوقا35:1)، فكانت فى كل أدوار حياتهـا فـى غايـة

الحِكمة بل كانت مثال الحِكمة ولهذا فيـمكنهـا بـمثال حياتهـا أن

تكون نموذجـا للـمشورة والحِكمة الصالحة والتى تقود الإنسان للخلاص والحياة مع الله "فإبتغاء الحكمـة يُبلغ إلى الـملكوت"(حكمة21:6). ولقد جاء عنهـا:"لما رأته أضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية" (لوقا29:1)،"وقالت للملاك كيف يكون هذا وانا لست أعرف رجلاً" (لوقا34:1)،"وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها" (لوقا19:2).بادرت مريم بالإستفهام وبدا ينضج إيمـانها بالإستنارة"قوة العلي تظلك"وتحقق ذلك بطاعتها وتسليمها "لأن الرب يعطي حكمة ومن فمه المعرفة والفهم" (أمثال1:2) ومريم إمتلأت من نعمة الله

فأعطاها الحكمة والفهم والمـعرفة والعدل والقوة(حكمة7:8).

فلنطلب من اللـه أولاً هذه الحكـمة التى "من فوق" بالصلاة وفى ذلك يقول يعقوب الرسول:"إن كان أحدكم تعوزه حكـمة فليطلب من الله…وليطلب بإيـمان غير مرتاب البتـة"(يعقوب5:1-6)، فكما صلّى دانيال للـه طالباً الحكـمة لأنـه "واهب الحكمة للحكماء والعِلـم لعارفي الفِطنـة"(دانيال20:2-22).

 

لنلتجئ إذن إلى أمنـا مريم العذراء والتى تُعطى من يلتجئ إليهـا يسوع

الِحكمة الأزليـة وتسأل الروح القدس أن يهب الإنسان أن " يعلم كل شئ" حسب وعد السيد الـمسيح لتلاميذه "وأما الـمعزّى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يُعلّمكم كل شئ ويُذّكركم كل ما قلته لكم"

(يوحنا26:14).

                       __________________

 

  مريـم العذراء فـى تقواهـــا

التقوى أو البرارة تعنى القداسة والعيش فى الحق والعدل والعمل بوصايا الله أي  تعنـى الحيـاة مع اللـه وكما يقول الـمرّنم:"فى شريعة الرب هواه وفى شريعتـه يهُذّ نهاراً وليلاً"(مزمور2:1). التقوى هى أيضاً عبادة الله وحبه من كل القلب والنفس والقدرة"أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قدرتك وكل ذِهنك"(لوقا27:10).  

لقد وصف الكتاب الـمقدس البعض بتلك الصِفـة  مثال القديس يوسف خطيب العذراء مريم "بالبار" (متى 19:1)،كما دعى من قبل نوح البار (تكوين 9:6) وأيوب الصديق (أيوب1:1)،وطوبيـا البار(طوبيا8:1).

إن للرجل البار مكانة فى قلب الله حتى أنه قال لإبراهيم" إن وجدت فى سدوم خمسين باراً فى الـمدينة فإني أصفح عن الـمكان كله من أجلهم" (تك 26:18)،ويذكر الـمرنّم ذلك قائلاً:"لأنك تبارك الصديق يارب كأنه بترس تحيطه بالرضا"(مزمور12:5)،"القليل الذى للصِدّيق خير من ثروة أشرار كثيرين"(مزمور 16:37)،و"ينصرهم الرب وينجّيهم"(مزمور29:36)

فمـاذا تعـنى التقوى او البرارة او الحـيـاة مـع اللـه؟

ومـا هـى فـائدتـهـا للإنسان الـمؤمـن؟

 

الـحـيـاة مـع اللـه تعطـى الإنسان:

1. قـوة وثـقـة

"إن سرت فـى وادى ظلّ الموت لا أخاف شراً لأنك معـى" (مز4:23)..

وبنفس القـوّة يقول الـمرنّم "الرب نوري وخلاصـى مـمن أخاف"

(مزمور1:27)،وكذا كانت ثقـة العذراء فى الرب القدير.

2. قـوة أن لا يخطئ

هكذا كان يوسف الصّديق يشعر دائـما إنـه واقف أمام الرب واللـه يراه

فكيف يخطئ فصرخ صرختـه الـمعروفـة عند محاولـة زوجـة فوطيفار إغراءه بالشر "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله"(تكوين 9:39).

3. الإيـمان بأن اللـه موجود معـنا

وجود دائـم للـه فـى حياة الـمؤمن وليس وجوداً مؤقـتـا "كل الأيام

وإلـى إنقضاء الدهـر"(متى20:28).

4. الـفـرح بالأبـديـة

لـهـذا أعلـن القديس بولس "لـي إشتهـاء أن أنطلق وأكون مع الـمسيح فذاك أفضل جداً" (فيليبى 23:1)

5. أن يـدعـو الآخـريـن

فالإنسان الـمؤمن يدعو الكل إلـى العِشـرة مع اللـه ويقول لهـم ما

قالـه الـمرّنم:"ذوقـوا وأنظروا ما أطيب الرّب" أو عندمـا عرف فيلبس يسوع دعا نثنائيل قائلا:" وجدنـا الذى كتب عنـه موسى فـى الناموس والذى كتب عنه الأنبياء"(يو45:1).  

6. الشعور بوجود اللـه فـى الأماكن الـمقّدسة

كـما قال يعقوب عن بيت إيـل "إن اللـه فـى هـذا الـمكان" (تكوين 16:28).

7. حب الصلاة الدائـمة والحديث مع اللـه

كـما كان يفعل أباءنا القديسين "صلوا بكل صلاة ودعاء كل حين فـى الروح" (أف18:6) ..وكـما طلب الـمرّنم "واحدة طلبت من الرّب وإياها ألتـمس أن أسكن فـى بيت الرب كل أيام حياتـى لكى أعاين نعيم الرّب وأتأمـل فـى هيكله" (مز4:26).

8. حـب الوجـود مـع اللـه

"إلـى مـن نذهب وكلام الحياة الأبديّة هـو عندك" (يو68:6)

9. حـب تـنفيذ وصايـا الرب

" مـا أشّد حبّي لشريعتك. هـى تأملي النهار كلـه" (مز97:118)                      

لهـذا فبـالـخطيّة يزول الإحساس بالوجـود والحياة مع اللـه ..ويشعر الـخاطئ بإنفصال عن اللـه . وقـد ظهـر هـذا الإنفصال فـى عـمقه حيـنما صرخ قايـين قائلا للرب " ذنبى أعظم من أن يُـحتـمل إنك طردتنى اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفـى" (تك13:4)

والعذراء مريم إمتازت بعبادتهـا لله الكاملة بإيمانهـا ورجاءهـا وطهارتهـا وكانت كل أفكارها ونياتها وحواسها كلها متجهة نحو الله. لقد أتـممت رسالتها على الأرض مشابهة فى ذلك إبنهـا الإلهي القائل لأبيه السماوي:"أنا قد مجّدتك على الأرض وأتـممت الـعمل الذى أعطيتنى لأعمله"(يوحنا4:17). لقد أضافت لها الكنيسة لقب "يا إناء العبادة أو التقوى الجليلة أو السامية" لأن مريم العذراء تعطى صورة صادقـة وصحيحة للعبادة الحقّة لله.

وعن حيـاة التقوى عند مريـم العذراء نجد حرصهـا على تنفيذ وصايا الله: "لـمـا تمت ثـمـانية أيام ليختتنوا الصبي سُمي يسوع كـمـا تسمـى من الـمـلاك قبل أن حبل به فى البطن" (لوقا21:2) ، "ولـمـا تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى أورشليم ليقدموه للرب"(لوقا22:2) ، "وكان أبواه يذهبان فى كل سنة الى أورشليم فى عيد الفصح".  لقد أعطت مريم نمـوذجا للإعتراف بسلطة الكنيسة وتعاليمها ووصاياها وتقديم أبنائنا لله. السير مسافات لتنفيذ الواجبات الدينية. تقديم كل مـا نمـلك للرب حتى أعز ما نمـلك وهم أولادنا.

                   __________________

              مريـم العذراء فى وداعتهـــا

ان السيد الـمسيح فى عظتـه على الجبل قد طوّب الودعاء قائلاً:"طوبـى للودعاء فإنهم يرثـون الأرض"(متى4:5)، ويقول الـمرّنم:"إن الرب يرضى من شعبـه. يُجـّمل الودعاء بخلاصـه"(مزمور4:149)، ويُطالبنا بولس الرسول أن نسلك فى دعوتنـا "بكل تواضع ووداعـة وأناة"(افسس2:4)، وقال أيضاً:"وأنتم الذين اختارهم الله فقدّسهم وأحبهم إلبسوا عواطف الحنان والرأفـة والتواضع والوداعـة والصبـر"(كولوسي12:3)، وأوصى تلميذه تيموثاوس أن يقتفى"البِر والتقوى والإيمان والـمحبة والصبر والوداعـة"

(1تيموثاوس11:6). والعذراء مريم الوديعـة هى أكثر من عرفت الـمسيح الوديع والـمتواضع القلب:"تعلّموا منّي أنـّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحـة لأنفسكم"(متى29:11).

فمريم هى أم الوديع والـمتواضع القلب ولذا كانت متزينـة "زينـة إنسان القلب الـمُستتـر أي زكاء الروح الوديع الساكن الذى هو كثير الثـمن أمام الله"(1بطرس4:3) وتحلّت بثمر الروح "الوداعـة"(غلاطية23:5)

ولو لـم تكن مريم وديعة لـما تجسّد فيهـا الله الكلـمة ولـما رأى

انهـا الـمختارة "قد نلتِ نعـمة عند الله"(لوقا30:1)، وولدت يسوع

"الوديع".

               مريـم العذراء فى صبرهــا

الصبـر هو إحدى الفضائل الأخلاقيـة،

والكلمة تعنـي "الثبات او التجلّد أو قوة العزيـمة"، وهى فضيلـة تساعد الفرد على التغلب على اليأس والإحباط والـمعارضـة وفقدان شخص عزيز وعلى تحـمل آلام الـمرض وتخطى الصعاب وكل شيئ يسبب ألـم للإنسان، وذلك دون أن يفقد هدوءه أو يسخط على ما يواجهـه. والصبـر يقترن عادة بإيـمان قوي كما يقول القديس يعقوب:"إحتسبوا كل سرور أيهـا الإخوة أن تقعوا فى تجارب مختلفة عالـمين أنّ إنتحان إيـمانكم يُنشئ الصبـر. حتى يكون العـمل الكامل للصبـر بحيث تكونون كاملين موفّريـن غير ناقصين فى شيئ"(يعقوب2:1-4).

ولهذا فلقد قال بولس الرسول:"انكم محتاجون إلى الصبـر لتعـملوا  إرادة اللـه فتنالوا البركـة التى وُعدتم بها"(عبرانيين35:10)

وعن الصبـر والإحتمال فى حياة مريم العذراء فسوف نجد انـه قد تنبأ سمعان الشيخ عن سيف الأوجاع والألم الذى سيجوز فى نفس مريم فقال لها:"وأنت أيضا سيجوز فى نفسكِ سيف لتُعلن أفكار من قلوب كثيـرة"

(لوقا35:1). ومريم تحملت سيف التغرب ( هروبها بالطفل الى ارض مصر وحياتها فى مدينة الناصرة)،وتحملت سيف الإذدراء،وسيف الهروب،وسيف اليتم،وسيف الترمل،وسيف فقد وحيدها على الصليب فصدقت فيهـا نبؤة ارميا النبي القائلة: " ماذا أُشبّـه بكِ يا بنت أورشليم ماذا أساوي بك فأُعزّيكِ أيتهـا العذراء بنت صهيون"(مراثـى ارميا 13:2)

ومع هذا ظلّت مواظبة على الصلاة والإيـمان والمحبة والرجاء.

ومشكلة الألـم فـى حياة مـريم وحياة البشـر عـمومـا هـو من الأمور التى تستحق التأمل.

ويـمكننا على ضوء السيد الـمسيح وحياته وموته وقيامته أن نرى  أن الألـم والشر والـموت لـم يعد ذلك اللغـز الذى حيًر الإنسان منذ القديـم ففـى الـمسيح سُحق الـموت وحررنا من عبودية الخطيّة

 "كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة"،و لكن جاء الـمسيح ليحررنا من تلك العبودية "فإن حرركم الإبن كنتم فى الحقيقة أحراراً (يوحنا34:8-36)

"أين غلبتك أيها الـموت؟!.أين شوكتك يا موت؟!

الشكر لله الذى يؤتينا الغلبـة بربنا يسوع الـمسيح"(1كور54:15-57).

لقد قضى الـمسيح على الشر والخطيئة دون القضاء على حريّة الإنسان ولكنه جدّد الإنسان من الداخل وقّوم طبيعته البشرية الـمحدودة مظهراً وجه اللـه الحقيقى ومبيناً للإنسان الطريق الوحيد الذى لا بد للإنسان أن يسلكه إذا أراد الحياة الأبديـة.

إن مريـم عرفت ما سر الألـم وشاركت إبنهـا فـى تحـمله حتى تعطى

للإنسان الجديد قوة ويسهم مع الـمسيح فـى تجسيد الفداء فـى ذاته وفـى الأخرين وفـى الكون حتى يزول الشر وتزول الخطيئة " ويصير اللـه كلاً فـى الكلّ" (1كورنثوس28:15).

لقد دعانا السيد الـمسيح:"وفيما أنتم ذاهبون إكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات،إشفوا مرضى،طهروا برصا،أقيموا موتـى،أخرجـوا شياطين.مـجانا أخذتـم ومـجانا أعطوا" (متى 7:10-8)

لقد قال الرسول بولس "نفتخر فى الضيقات عالـمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس الـمعطى لنا"(رومية3:1-3).

إن مواعيد اللـه عظيـمة،فلنأخذ الألـم بشكر ونحمـل الصليب برجاء ثابت فكما قال بطرس الرسول:"فإن من النعـمة أن تكابد الـمشّقات ويتحمل الظلم لأجل ضمير مُطيع لله. وبالحقيقة أيـّة مفخرة لكم إن كنتم تُلطمون وأنتم خاطئون فصبرتم ولكن إن كنتم تتألـمون وأنتم فاعلو خير فهذا نعـمة لدى الله. ولهذا دُعيتم لأن الـمسيح أيضاً تألّـم لأجلنـا وأبقـى لكم قدوة لتقتفوا آثاره"(1بطرس18:2-21). إذن كما قال بولس الرسول:" فلا شدة ولا ضيق ولا جوع ولا عري ولا خطر ولا إضطهاد أو سيف يـمكن أن يفصلنـا عن محبـة الـمسيح" (روميـة 55:8)، ولنطلب من إلـه الصبـر والتعزيـة أن يهبنـا الصبر لكى "نّمجد الله أبا ربنـا يسوع الـمسيح بنفس واحدة وفم واحد(رومية5:15-6)، ولنقرأ الكتاب الـمقدس كلمة الله "لأن كل ما كتب من قبل إنـما كُتب لتعليـمنا ليكون لنا الرجـاء بالصبـر وبتعزيـة الكُتب"(رومية4:15)، وعلينـا أن نؤمـن بأن لنا مـجد عتيد أن يظهـر عند مجئ السيد فـى مجده "هـا أنذا آت سريعا وجزائـي معى لأكافـئ كل واحد حسب اعـمالـه" (رؤيا 12:22).

                       _____________________



             مريـم العذراء فـى طاعتهـــا

فضيلة الطاعـة فضيلة عظيـمة إذ قال الكتاب الـمقدس:"أيها الأبناء أطيعوا أباءكم فى الرب فإن هذا هو العدل"(افسس1:6)، كما قال أيضاً:"أطيعوا مرشديكم"(عبرانيين17:13).

ويذخر الكتاب المقدس بأمثلـة من أطاعوا الله كإبراهيـم الذى "إنطلق كما قال له الرب"(تكوين1:12-4) وطاعـة موسى وهارون (خروج6:7)، وطاعـة يشوع بن نون (يشوع40:10)،وطاعة عزرا الكاهن(عزرا10:7)، وطاعـة يونان النبي(يونان3:3)، وطاعـة يوسف خطيب مريـم العذراء (متى24:1)، وطاعـة السيد الـمسيح :"إن طعامي أن أعـمل مشيئة من أرسلني وأتـمم عـمله"(يوحنا34:4).

ان الطاعـة هـى الخضوع للوصايـا الإلهيـة فالله "يصنع رحـمة إلى ألوف من محبيّ وحافظى وصاياه"(تثنية10:5)، و"حافظ الوصيّة يحفظ نفسه والـمتهاون بطرقـه يـموت"(امثال16:19) وكما يقول يوحنا الرسول:"لأن هذه هى محبـة الله أن نحفظ وصاياه"(1يوحنا3:5)، ولهذا أوصـى تلـميذه تيموثاوس قائلاً:"أن تحفظ الوصيّة بغير كلف ولا عيب إلى تجلّي ربنـا يسوع الـمسيح"(1تيموثاوس14:6). ولقد أوصانـا السيد الـمسيح قائلاً:"إنّ خرافي تسمع صوتـي وأنا أعرفهـا وهى تتـبعني وأنا أعطيهـا الحياة الأبديـة فلا تهلك إلى الأبد ولا يختطفهـا أحد من يدي"(يوحنا27:10-28) وايضاً طوّب من "يسمع كلـمة الله ويحفظهـا"(لوقا28:11) لأن الذى يعـمل ويعلّم الناس الوصايا "فهذا يُدعى عظيـماً فى ملكوت السموات"(متى19:5). ولقد وصف القديس بطرس الـمؤمنيـن بأنهـم"أبنـاء الطاعـة"(1بط14:1).

 وعـن مـريـم فلقد أطاعت إرادة السماء عندما بشرّها الـملاك "بأن القدوس الـمولود منهـا يُدعى إبن الله" فأجابت على الفور "هاأنذا آمـة الرب".وأيضا قبولها الترحال مع يوسف وهى حبلى بيسوع الى بيت لحم اليهودية وخضوعها للرحيل الى مصر او الحياة فى مدينة الناصرة طاعـة للقديس يوسف كـما أمره ملاك الرب (متى13:2و19).

ولـم تخضع مـريم للسـماء ولزوجهـا فقط، بل كانت خاضعة أيضا لإبنها فأطاعته وعاشت بعيدة فى فترة رسالته الـعلنية،وعند الصليب ذهبت مع يوحنا الحبيب الى بيته حسب أمر إبنها وأيضا بعد القيامة ذهبت الى الجليل مع باقي الرسل حسب طلب يسوع (متى 16:28) وبقيت مع الرسل فى أورشليم عند حلول الروح القدس فى الخماسين (أعمال 14:1).

               ____________________

              
مريـم العذراء و حياة الشكر للرب

يطالبنـا الله أن نشكره كل صباح وكل مساء "وللقيام كل صباح لحـمد الرب وتسبيحه وكذلك كل مساء"(1أخبار30:23)، ولهذا يقول الـمرّنم:

نُبادر إلى وجهه بالإعتراف ونهتف له بالنشائد"(مزمور2:94)، وايضاً:"ادخلوا أبوابـه بالإعتراف. دياره بالتسبيح. إعترفوا لـه وباركوا إسمه"(مزمور4:99). ويدعونا بولس الرسول قائلاً:"أشكروا على كل شيئ"

(1تسالونيكى18:5)، و"اشكروا فى كل حين على كل شيئ"(افسس20:5) وأيضاً يُطالبنـا قائلاً:"مهما أخذتم فيه من قول أو فعل فليكن الكل بإسم الرب يسوع الـمسيح شاكرين به لله الآب"(كولوسي17:3).

وفضيلة الشكر ترتبط عادة بالفضائل الأخرى كالقناعة والتواضع والإيمـان وبالفرح والسلام.

والسيد الـمسيح أعطانـا مثالاً:"ثم أخذ السبعة الأرغفة والسمك وشكر"

(متى36:15) و "وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم"(متى26:26).

ومريـم العذراء فى تسبحتهـا الرائعـة هتفت قائلـة:" فقالت مريم تعظم نفسي الرب" (لوقا46:1) وهنا تعترف مريم وترجع كل شيئ للرب القدير والقدوس.

                  ___________________

            
مريـم العذراء و حيـاة الصلاة

الصلاة هى لقاء شركة وإتحاد بين الله والإنسان، ومخاطبة النفس للرب، وحديث القلب معـه، وسكب الروح أمـامـه، وتقديم ذبيحة التسبيح الشفهيـة لجلالـه وعظـمته اللانهائيـة. والصلاة هـى طلب لـمواهب او نِعم خاصـة من الله من أجل تـمجيد إسم الرب، وبواسطتهـا ننال منـه النعـم الضروريـة لحياتنـا الروحيـة والزمنيـة. تتطلب الصلاة أن يتطابق فكر وإرادة الإنسان الـمصلّي مع الله والإتحـاد بـه،ويجب أن تكون حارة وصادقـة ونابعة من قلب مؤمن وواثق وخاشع ومتواضع، كما يجب أن تصاحبهـا الأعمال الصالحـة وبأفعال للشكر والتسبيح ومساعدة الآخريـن.

إن الصلاة هـى صـِلـة..

صلة الإنسان باللـه قلبا وفِكراً ..

هـى الإحساس بالوجود فـى الحضرة الإلهية  كـما كان إيليا

النبـي:"حي هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامـه" (1ملوك15:18).

هـى عاطفـة حب نعبّـر عنهـا سواء بالصلاة الصوتية التى تستعمل فيها الألفاظ والجـمل سواء أكانت محفوظـة أو مرتجلـة، أو بالصلاة العقلية التى تكون من عـمق القلب كـما كان يرنم داود"توهج قلبى فـى داخلي فـى هذيذي أتقدت فـّي نار" (مزمور1:42).

هــى تواضع من اللـه أن يسمح لـنا بأن نتحدث إليـه وأن نكلـمه. لذلك عار وخطيّة أن نقول ليس لدينا وقت للصلاة.

هل يجرؤ العبد أن يقول انه ليس لديه وقت للكلام مع سيّده؟!.

واللـه غيـر محتاج إلـى صلاتنـا بل نحن الذين نحتاج للصلاة التى نأخذ منها قوة ومعونـة وبـركـة.

ومثل أى فعل من أجل الخلاص، فالنعـمة مطلوبـة ليس فقط من أجل أن تقودنـا للصلاة، بل ايضاً من أجل أن نعرف ما الذى نصلّي من أجلـه كما يعلن لنـا القديس بولس الرسول: "الروح أيضاً يُعضد ضعفنـا فإنـّا لا نعلـم ماذا نصلّي كـما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع لنـا بأنـّات لا تُوصف"(رومية26:8).

أمـا عن حياة الصلاة مع مريم العذراء فنقرأ: 

" هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع" (أعمال 12:1-14).

إن مـريم كانت ثمرة من ثـمار الصلاة فلقد كانا أبواها حنة ويواقيم عاقران

ودخولها الهيكل منذ طفولتها ، وخطبتها ليوسف بعد صلاة الكهنة كما يخبـرنـا التقليد الكنسي.

وصفات الـمـصلي هـى أن يكون متواضعاً-واثقاً بالله-مـواظباً.

ونجد أن القديسة مريم العذراء كانت واثقة ومواظبة ومتواضعة.

وأيضا عندما هتفت مريم بأنشودة التعظيم فهذا دليل على أن نفسها كانت متشبعة بترانيم وتسابيح وكلمات الله.

والسيد الـمسيح لم يترك فرصة إلا وانفرد وصلى لأبيه السماوي"وفـى أيام بشريته قرّب تضرعات وتوسلات بصراخ شديد ودموع" (عبرانيين7:5)

                      ____________________

     

            مريـم العذراء فـى فقـرهـا

فى الكتاب الـمقدس هناك العديد من الآيات التى تحث الـمؤمنيـن على التجرد والكفاف والفقـر وعدم حب الـمال ولقد قال السيد الـمسيح:"لا يستطيع أحد أن يعبد ربّيـن لأنـه إمـّا أن يبغض الواحد ويُحب الآخر أو يُلازم الواحد ويرذُل الآخر. لا تقدرون أن تعبدوا الله والـمال"(متى24:6)، وأيضاً قال للشاب الغني:"إن كنت تريد أن تكون كاملاً فإذهب بع كل شيئ لك وأعطـه للـمساكين فيكون لك كنز فى السماء وتعال وإتبعنـي"(متى21:19).

وهـا هو معلـمنا بولس الرسول يقول لنـا:"فأنكم تعرفون نعـمة ربنـا يسوع الـمسيح كيف افتقـر من أجلكم وهو الغنـي لكي تستغنوا أنتم بفقـره"(2كورنثوس9:8)، ويُطالبنـا قائلاً:"نزّهوا سيرتكم عن حب الـمال وأقنعـوا بـما عندكم فإنـه قال لا أخذلك ولا أهـملك"(عبرانيين5:13)، ولهذا أوصي تلـميذه تيموثاوس قائلاً:"ان حب الـمال أصل كل شر وهو الذى رغب فيـه قوم فضلّوا عن الإيـمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. أمـا أنت يا رجل الله فأهرب من ذلك وأقتف البِرّ والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعـة"(1تيمو10:6-11). 

وعن التجرّد وحياة الكفاف عند القديسة مريم العذراء فنقرأ أن مريم ويوسف

قد قدمـا فى الهيكل "ذبيحة كما قيل فى ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام"(لوقا34:2)،وهى تقدمة الفقراء.

ان الله لا يحتاج الى فضة وذهب بل يحتاج الى النفوس والى قلوب حية ولنا فى مثل فلس الأرملة وكلام يسوع عن طيور السماء وزنابق الحقل دليلا على  ان الله ينظر الى القلوب المحبة وليس لعطايانا التى تعطى للمباهاة والإفتخار.

مريم الـمـكتفية فى الرب،كقول الـمرنم "الرب راعي فلا يعوزني شيئ" (مزمور22).

نقرأ سليمان فى أمثاله " شيئين سألتك فلا تمنعنيهما قبل أن أموت أبعد عني الباطل وكلام الكذب،لا تجعل حظي الفاقة ولا الغنى بل أرزقني من الطعام ما يكفيني لئلا أشبع فأجحد وأقول مَن الرب أو أفتقر فأسرق وأتخذ اسم إلهي بالباطل" (أمثال 7:30-9).

وأيضا " لقمة يابسة معها طـمـأنينة خير من بيت مـمـلوء ذبائح ومعها  خصام" (أمثال 1:17).

ومريم فى تسبحتها تقول:"رفع الـمـتواضعين وأشبع الجياع خيراً"

(لو 51:1-53) فهـا هـى تعلن فرحتها وإتضاعها وان الخير الذى لها هو من الله. والتسبيح دليل  ايضا للسرور والقناعة كـما جاء فى رسالة يعقوب

"أمسرور أحد فليـرتل" (يعقوب 13:5).

مـريم وحياتها القانعة من الوجهة الـمـادية، فرجلها يوسف نجار مكتفي بـمـا أعطاه له الله. لم تطلب مريم من رجلها مسكن لائق بأم المسيح،ولم تطلب من رجلها أشياء لا يقدر عليها فكما جاء "الـمرأة الصالحة نصيب صالح تُمنح حظاً لـمن يتقي الرب فيكون قلبه جذلاً ووجهه بهجاً كل حين غنيا كان أم فقيراً"(يشوع بن سيراخ3:26-4).

وفى صلاتنا "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم" هـل حقا نعني ما نطلب؟

ان الإنسان دائم التطلع للإقتـتناء،إقتناء كل الأشياء، فالقلب معلّق بالأرضيات وليس بالإلهيات، لهذا قال السيد الـمسيح:"لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والآكلـة وينقب السارقون ويسرقون. لأنـه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك"(متى19:6و21).

إن بركة الرب كبيرة وعظيمة.انظروا الى بركة ابراهيم وبركة نوح وبركة يعقوب وبركة يوسف وبركة شعب اسرائيل نفسه فقد دخلوا مصر 70 فرداً فخرجوا مع موسى 600 ألف.

فلنحيا حياة وبركة الرب كـما عاشتهـا أمنـا مريـم العذراء فهى كل ثروتنا فى هذه الأرض وكما يقول بولس الرسول:"بل نُظهر أنفسنا كخدّام اللـه كأنـا فقراء ونحن نُغنـي كثيرين. كأنـا لا شيئ لنا ونحن نملك كل شيئ"(2كورنثوس10:6).

             مريـم العذراء فى طهارتهـــا

الطهارة أو النقاوة هـى صِفـة لكل مادة مفردة وغيـر مـمتزجـة بشئ آخـر، والنقاوة فـى الحياة الروحيـة هـى فضيلة تجعل عقل الإنسان وقلبـه وتصوراتـه وذاكرتـه خاليـة من كل شئ يـمكن أن يعكـرهـا، وللنقاوة مـيزات لا تحصـى لهذا صرخ داود قائلا: "قلبـاً نقيـّا أخلق فـيّ يـا الله"(مز12:50)، وجاءت كإحدى التطويبات التى أعلنها السيد الـمسيح فى موعظتـه على الجبل "طوبـى لأنقيـاء القلوب فإنـهم يعاينون الله"(متى8:5).

الطهارة هـى الفضيلة الساميـة أو الفضيلة الـملائكيـة لأنهـا من صِفات الـملائكة.والطهارة هـى من صميم جوهـر قداسـة الله. كـما أن الحياة فى الطهـارة والقداسة هى شرط ضروري للحياة مع الرب ،ففي سفر الرؤيا نرى 144 ألف قال عنهم الوحي الالهي:"افتدوا من الأرض هؤلاء الذين لـم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار هم التابعون للحمل حيثما يذهب ولم يوجد فى أفواههم غش لأنهم بلا عيب قدام عرش الله"(رؤ 4:14-5). ويعلن لنا الـمرنم " من يصعد الى جبل الرب ومن يقوم فى موضع قدسه النقي الكفين والطاهر القلب الذى لا يحمل نفسه الى الباطل ولم يحلف بالغش" (مزمور 3:23-4) و"النفس العفيفـة لا قيـمة توازنهـا"(يشوع بن سيراخ20:26).

والقديس بولس فى رسالته الأولى الى تسالونيكي يعلن :

"فإن مشيئة الله انـما هي تقديس أنفسكم وان يعرف كل واحد منكم كيف يصون أناءة فى القداسة والكرامة لا فى فجور الشهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله" (1تس 3:4-5)، ويوصي تلميذه تيموثاوس: "احفظ نفسك عفيفا" (1تيمو 22:5). وفى رسالته الى كولوسي " اهتموا لـما هو فوق لا لـما هو على الأرض" (كولوسي 2:3).

الطهـارة بنحصل عليها فى سر الـمصالحة بالإعتراف والصلاة وأعمال الرحـمة، واللـه يطلب طهارة القلب لكي يستطيع أن يسكن فينـا ونتحد بـه.

 ومريـم العذراء حائـزة على كل هذه الصِفات من نقاوة القلب والفكر

والإرادة،فنقرأ ان الله أرسل ملاكه جبرائيل الى عذراء من الناصرة مخطوبة لرجل وعلى الرغم من أن العذراء كانت مخطوبة الى أنها تسآلت "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً" لأن مريم كانت قد نذرت نفسها بتولا وكرست ذاتها بكليتها للرب. ان بتوليتها وقداستها نتيجة إمتلائها بالنعمة  "يا ممتلئة نعمة" ولهذا فتلقب مريم "بالعذراء القديسة" او بـ "العذراء كل حين" ، أو بـ "العذراء مريم".

                مريـم العذراء فى أمـانتهـــا

لقد دعانـا السيد الـمسيح إلى هذه الأمـانـة فتحدث عن العبد الأمين قائلاً:" فمن هو هذا العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام فى حينه طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل ذلك" (متى 45:24).

والأمانـة هـى مقياس الدينونـة فالله سيقول للعبد الأمين:"نعـما أيهـا العبد الصالح الأمين كنت أمينا فى القليل، فأقيمك على الكثيـر. أدخل إلى فرح سيدك"(متى21:25و23).

والأمانـة يلزم أن تكون بلا حدود فيقول الرب:"كن أمينـا إلى الـموت. فسأعطيك إكليل الحيـاة"(رؤيا10:2).

الأمـانـة تجاه اللـه حافظاً وصايـاه وإتـمام خدمتـه تعالـى كما قال الرسول بولس:"أنا أشكر الـمسيح يسوع ربنـا الذى قوّانـي لأنـّه عدّنـي أمينـا فنصبنـي للخدمـة"(1 تيموثاوس12:1).

الأمـانـة نحو الآخريـن وخلاص نفوسهم كقول بطرس الرسول:"حين تفوزون بعاقبـة الإيـمان بخلاص النفوس"(1بطرس9:1).

ومريم كانت أمينة فى خدمتها بالهيكل وخدمة المسيح طفلا وشابا ورجلا وحفظ الشريعة والأمانة فى تربية الأبناء ، والأمانة فى العمل والوقت والخدمة.

كانت مـريـم  متفانية فى إنجاز الواجبات الدينية "لـمـا تمت ثـمـانية أيام ليختتنوا الصبي سُمي يسوع كـمـا تسمـى من الـمـلاك قبل أن حبل به فى البطن" (لو21:2) ، "ولـمـا تـمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى أورشليم ليقدموه للرب" (لو22:2) ، "وكان أبواه يذهبان فى كل سنة الى أورشليم فى عيد الفصح". فأعطت مريم بذلك نمـوذجا للإعتراف بسلطة الكنيسة وتعاليمها ووصاياها وتقديم أبنائنا لله.

كانت مريـم فى كل حياتهـا خاضعة لإرادة اللـه، وفى تسليم كامل للـه بحيث كانت كل أفعالهـا وتصرفاتـها وأفكارهـا وأقوالـها مطابقـة لـمشيئة اللـه لأنهـا كانت "أَمـة للرب"(لوقـا38:1)، ووصيتهـا الوحيدة الـمدونـة كانت "مهـما قال لكم فإفعلوه" (يوحنـا5:2).

فالإنسان الأميـن للـه يسّلـم مشيئـته للرب فلا يكتئب ولا ينفعل بل يتقبّل كل الأمور برضى وشكر وذلـك لأنــه "منـه وبـه ولـه كل الأشياء" (روميـة36:11).

                 __________

  
        مريـم العذراء فى تواضعهــا

الإتضاع فى الـمسيحية سر من أسرار الـمسيح نفسه الذى مارسه فى ذاتـه وأعطاه لنـا نحن الـمؤمنين كقوة بها نتنازل راضيـن طائعيـن عن كل حق بشري مادي أو كرامـة أو مكافأة أو إمتياز تشبهـا بالـمسيح وتـمسكاً بحق الله وكرامتـه ونعـمته.

فالسيد الـمسيح هو أعظم مثال لفضيلـة التواضع:

       "تعلّموا منـي لأنـي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحـة لنفوسكم"(متى29:11).

       "فإن كنتُ وأنـا السيد والـمعلّم قد غسلت أرجلكم فأنتم أيضاً عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض"(يوحنا14:13-15).

       "فإنكم تعرفون نعمة ربنـا يسوع الـمسيح كيف افتقـر من أجلكم وهو الغنـي لكي تستغنوا أنتم بفقره"(2كورنثوس9:8).

       "لكنـه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه البشر وموجوداً كبشر فى الهيئة فوضع نفسه وصار يُطيع حتى الـموت موت الصليب"(فيلبي7:2-8).

       "ان إبن البشر لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فداءً عن كثيرين"(متى28:20).

ومنشأ هذه الفضيلـة هو الإحساس بعظمة اللـه القديـر"الرب يُميت ويُحيي يهبط غلى الهاويـة ويصعد. الرب يُفقر ويُغني يضع ويرفع. يقيم الـمسكين من التراب ويرفع الفقير من الـمزبلة"(1ملوك6:2و9).

والتواضع هو ضرورة لخدمـة اللـه "قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك" (ميخا 8:6).

لهذا قال بولس الرسول:"فأنه إن ظنّ أحد أنـه شيئ وهو ليس بشيئ فقد غرّ نفسه"(غلاطية3:6)، وايضا قال:"من الذى يـميزك يا هذا وأي شيئ لك لم تنلـه. فإن كنت قد نلتـه فلـماذا تفتخر كأنك لـم تنلـه"(1كورنثوس7:4).

ومريم العذراء وسط النعم هتفت بالشكر "تعظم نفسي الرب" معلنة ان كل النعم هى من الرب "لأنه صنع بى عظائم" وتعلن "هوذا أنا آمة للرب"، ورغم سماعها مديح اليصابات "كيف تأتي أم ربي الي" لكنها صرخت "لأنه نظر الى تواضع آمته" (لوقا 48:1).

إن الكبرياء والغنى البشري هى أمور تحجب عظمة الله وتتعارض مع حبه. إن الله إختار أماً لإبنه من بين تلك الفئة التى يدعوها الكتاب فقراء يهوة أي اولئك الذين ترقبوا الخلاص.

وكلنا يعلم أن سقطة الإنسان الأولى كان سببها الكبرياء (سقطة الشيطان -أش 13:14-14، سقطة آدم -تك5:3)، ونقرأ فى سفر الرؤيـا مـا جـاء لـملاك كنيسة اللاذقية: " وبـما انك تقول أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة بـي الى شيئ ولست تعلم انك شقي وبائس ومسكين وأعمى وعريان" (رؤيا17:3).

ان مريم العذراء "قالت هـا أنذا آمة الرب" ..فلم تفكر كيف ستنفذ أمر الرب..أو كيف سيستخدمها الرب..فقدمت ذاتها بكليتها طائعة.

بعد أن أخبر الملاك مريم بالسر الإلهي والحبل بـمخلّص العالم..يقول لنا الكتاب انها أسرعت الى بيت أليصابات وهناك سمعت مديحاً وتطويباً على لسان أليصابات بعد ان إمتلأت من الروح القدس (لو 42:1-45).

كان يـمـكنها أن تتفاخر. ملاك يُبشر ولسان يهتف وجنين يركض بإبتهاج!

كان يـمـكنها أن تعلن هذه البشرى للعالم أجمع والذى كان فى شوق وإنتظار للـمـسيا.

كان يمكنها أن تصيح (تعالوا وانظروا..هاتو تقدماتكم وبخوركم فأنا أم الـمسيا!!).

ولكنها أعلنت إتضاعها العجيب " تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله

مخلصي لأنه نظر الى تواضع آمته" (لو 48:1).

وعند زيارة الـمجوس باحثين عن الـمـولود ملك اليهود..لم تقل مريم أنا أم الـملك وقدموا لي الهدايا والإكرام والسجود..

لقد كانت السقطة الأولى للإنسان هى خطيئة الكبرياء ..

"تصيران آلهة عارفي الخير والشر" (تك 5:3) وسقطة الشيطان كانت ايضا بسبب الكبـرياء كما جاء فى سفر اشعياء (أش 13:14-14).                              

"فـمن رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع"(متى12:23)، وكما يوصينا معلّمنا بولس الرسول قائلاً:"فالبسوا كمختاري اللـه القديسين الـمحبوبيـن أحشاء الرحـمة واللطف والتواضع والوداعـة والآنـاة"(كولوسي12:3).                 

              _____________________



           مـريـم العذراء فـى صـمتهـا

السكوت التام ليس فضيلة كاملة ولا كثرة الكلام فضيلة "فللسكوت وقت وللتكلم وقت"(جامعة7:3)، وقال سليـمان الحكيم ان "كثرة الكلام لا تخلو من الـمعصيـة"(امثال19:10)، ولهذا أوصانا بطرس الرسول قائلاً:"إن أراد أحد أن يحب الحياة ويرى أيامـاً صالحـة فليكفف لسانـه عن الشر وشفتيـه أن تتكلـما بالـمكر"(1بطرس10:3)،ولهذا قال السيد الـمسيح:"ان كل كلـمة بطالـة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين، لأن بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان"(متى36:12).

والصمت دلالة على نوع من الكمال الروحي الذى يحقق الإنسان كقول يعقوب الرسول:"إن كان أحد لا يعثر فى الكلام فذاك رجل كامل"(يع2:3)، وأيضا دلالة على التديّن"إن كان أحد فيكم يظن أنـه ديّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانته باطلة"(يعقوب26:1).

وأعطتنـا القديسة مريم العذراء مثالاً صالحاً فى حياة الصمت:"أما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بـه فى قلبهـا"(لوقا19:2)، فهى لـم تكن تحفظ الكلام فقط بل كانت تتفكر به فى قلبها. لقد رأت مريم العذراء أموراً عجيبـة فى حياتهـا كبشارة الـملاك جبرائيل وتسبحة اليصابات لها وإرتكاض الجنين فى أحشائهـا، ورأت زكريا الكاهن الذى صار صامتـاً، وتحيـة الرعاة وزيارة الـمجوس ونبؤة سمعان الشيخ فى الهيكل وجلوس الطفل يسوع بين الـمعلـمين، وغيرها من الأحداث ولكنهـا كانت صامتـة "متأملـة فى قلبهـا". صمتت أمام يوسف النجار وقت أن ساوره الشك ولم تدافع عن نفسها،وصمتت أمام أحداث الهروب وشكوك اهل الناصرة، وتحت الصليب، ولكنهـا تكلـمت واخبرت الرسل وفأخبرتهـم بـما لـم يُخبروا عنـه فكتبوا الأناجيل فى ضوء ما تكلـمت به إليهـم. وبـمراجعة الأناجيل نجد انهـا لـم تسجل إلاّ القليل من كلـمات مريـم العذراء، فـمثلاً فى حديثهـا مع الـملاك قالت عبارتين:

+ "فقالت مريم كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلا"(لوقا34:1).

+ "فقالت مريم هوذا أنا آمـة الرب فليكن لي بحسب قولك"(لوقا38:1)

وعند فقد يسوع فى الهيكل قالت لـه:

+ "فقالت له أمـه يا إبني لِم صنعت بنا هكذا ها إننـا أنا وأباك كنّا نطلبك متوجعين"(لوقا48:2).

وفى عرس قانا الجليل قالت عبارتيـن:

+ قالت للسيد الـمسيح"ليس لهم خـمر"(يوحنا3:2)

+ قالت للخدام"مهما قال لكم فإفعلوه"(يوحنا5:2).

وحينما أرادت أن تتكلم نطقت بتسبحتها الـمعروفـة مسبحة الله على

قدرتـه ورحمته ووداعتـه وقدسيتـه (لوقا46:1-55).

فالصمت يساعدنا على الصلاة وعلى سماع صوت الله داخلنا ويحفظنا من زلاّت اللسان ويساعدنا على الإحتفاظ بالحرارة الروحيـة الداخلية.فلنتعلـم فضيلة السكوت أو الصـمت فنستطيع أن نُلجم الجسد كلـه(يعقوب3).

                  ___________________

          مـريـم العذراء وحيـاة السلام

يتلهف الإنسان على السلام فى وسط عالم ملؤه الضجيج والفوضى والضغوط الـمتواصلة. والكثيرون منهم يكّفون عن السعي للسلام إذ يعتبرون الوصول إليـه مستحيلاً،ولكن السلام الحقيقي، سلام القلب والفكر هو أقرب ما يـمكن بالإيمان بيسوع الـمسيح كما يُعلـمنا القديس بولس:"لتكن لكم النعمة والسلام من اللـه أبينا والرب يسوع الـمسيح"(1كورنثوس3:1).

فالسلام هو بركـة وعطية من السيد الـمسيح للقلب والنفس وهو "ليس كسلام العالم" كما قال الـمسيح يسوع: "قد كلـمتكم بهذا ليكون لكم فـيّ سلام"(يوحنا33:16)،وهو ثـمرة للروح القدس (غلاطية22:5)، "فإن ملكوت الله هو برّ وسلام وفرح فى الروح القدس"(رومية17:14) ويُدعـى صانعـو السلام بأبنـاء الله (مت9:5) .

ولهذا ينصحنـا الرسول بولس قائلاً:"وليتغلّب فى قلوبكم سلام الـمسيح الذى إليـه دُعيتم فى جسد واحد"(كولوسي15:3)، وأيضاً:"وليحفظ سلام الله الذى يفوق كل فهم قلوبكم وبصائركم فى يسوع الـمسيح"(في7:4).

ان الخطيّة والخوف والشك والريبة وعدم اليقين وقوى اخرى كثيرة تحاربنا من الداخل لكن يتحرك سلام اللـه إلى داخل قلوبنـا ويحيا ليحِد من هذه القوى الـمعاديـة ويقدم العزاء والراحـة عوض الصراع والحرب. لقد قال الرب يسوع إنـه سيعطينـا هذا السلام إن كنا مستعديـن لقبولـه لهذا يُطمئنـا قائلاً:"لا تضطرب قلوبكم ولاتجزع"(يوحنا27:14).

لقد استجابت مريـم العذراء للعديد من الصلوات من اجل ان يحل السلام على الأرض وخاصة بعد الحرب العالـمية الأولـى ولهذا أُطلق عليهـا "ملكة السلام". ومريم كملكة تعطى العالم حضوراً لعدل ومحبة ورحـمة السيد الـمسيح. مريم أعطت العالـم "رئيس السلام"(اش 6:9) الذى   سبّحت لـه الـملائكة "وعلى الأرض السلام" (لو14:2). ومريم الطاهـرة والـمـمتلئة نِعـمة تعطى مكرميهـا  السلام الداخلي الذى تزينت بـه، وتشترك معهم فـى الصلاة  لإبنهـا يسوع معطـى السلام

"سلامى أعطيكم،سلامى أترك لكم"(يوحنا27:14).

                     _____________



           مـريـم العذراء وحيـاة الفرح

"الفرح" هو من ثمار الروح القدس (غلاطية23:5)، لهذا دعانا بولس الرسول إلى الفرح دائماً:"افرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا"(فيلبي4:4).

ولـِم لا نفرح وقد أوصانـا السيد الـمسيح قائلاً:"كلّمتكم بهذا ليكون فرحي فيكم ويتم فرحكم"(يوحنا11:15)، ووعدنـا قائلاً:"لا ينزع أحد فرحكم منكم"(يوحنا23:16)، وكلـما طلبنـا شيئـاً من الآب السماوي بإسم يسوع يزداد هذا الفرح"إسألوا تُعطوا ليكون فرحكم كاملاً"(يوحنا24:16). والفرح هو هِبـة الله كما يقول بولس الرسول لأهل روميـة:"ملكوت الله هو بـر وسلام وفرح فى الروح القدس"(رومية17:14)، ويتبع حضور الله كما يقول الـمرّنم:"قد عرّفتنـي سبُل الحياة وستملأني فرحاً مع وجهك ولـي من يـمينك لذّات على الدوام"(مزمور11:15)، فالرب هو الذى يحوّل النوح إلى طرب ويُعزّي ويُفرّح من الحزن(ارميا13:31).  ومريـم العذراء عبّرت عن فرحهـا بالتسبيح والترانيـم كقول يعقوب الرسول:"هل فيكم مسرور فليُرّتل"(يع13:5)، وأنشدت تسبحتهـا العجيبة:"فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باللـه مخلّصي.."(لو46:1).

لقد أتـى الفرح فى حياة مريم العذراء بتجسد الـمسيح فى أحشائهـا فها

هو يوحنا الـمعمدان "يرتكض بفرح"(لوقا44:1) فى أحشاء اليصابات

ورنّـمت مريـم. وبعدهـا هتفت الـملائكة بـميلاد يسوع إبن مريـم "ها آنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب"(لوقا10:2-11).

بـمريم العذراء تحققت نبؤات الفرح التى وعد بهـا اللـه فى القديم إبنـة صهيون: "ترّنـمي يا ابنة صهيون. افرحي وتهللّي بكل قلبك يا ابنة اورشليم" (صفنيـا14:3)، "ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يابنت اورشليم"(زكريا9:9)،و"إستيقظي استيقظي البسي عزّك يا صهيون البسي فخرك يا أورشليم"(اشعيا1:54). فرح البشارة وفرح الزيارة وفرح الـميلاد وفرح القيامـة مع التلاميذ(لوقا41:24و52).

منذ القرن الثانـى عشر مع بدء إنتشار تلاوة صلوات الـمسبحة الوردية  يتم التأمل فى خمسة أسرار الفرح وعادة يتم تلاوتهـا يومي الإثنين  والسبت وهـى تأمـل فـى طفولـة السيد الـمسيح كـما جاءت فـى إنجيلي متى ولوقـا، وسُميّت بأسرار الفرح بسبب الفرح الذى أعطتـه للعالـم أجمع. فالـملاك جبرائيل والقديسة مريم العذراء كانـا فـى  شدة الفرح بالحدث العظيم للتجسد، والقديسة اليصابات والقديس يوحنـا الـمعمدان إمتلأ من الفرح عند  زيارة القديسة مريم ويسوع بعد بشارة الـملاك، والسماء  فرحت لـميلاد الـمخلّص،وسمعان الشيخ إمتلأ بالتعزية

والفرح عندما أخذ الطفل يسوع بين يديـة، ولا أحد يمكن أن يخفى فرحـة يوسف ومريـم عندما وجدا يسوع بالهيكل بعد ثلاثـة أيام من البحث عنـه. 

ونشأت بعد ذلك صلوات أخرى يتم التأمل فيهـا فى سبعة أحداث كالبشارة-زيارة اليصابات-ميلاد يسوع-زيارة الـمجوس-وجود الطفل يسوع فى الهيكل-القيامـة-ثم صعودها بالنفس والجسد للسماء. وإزداد عدد تلك الأحداث فى إكرام آخـر حتى وصل إلى 12 حدث من أحداث الفرح فى حياة العذراء.

فلنفرح كل حين "هللويـا فإنـه قد ملكَ الرب الإلـه القادر على كل شيئ. لنفرح ونتهلل"(رؤيا7:19).

                     __________________ 

             
مسبحة الفضائل الـمسيحية 

تتكون هذه الـمسبحة من 7 أبيات أو مجموعات،

وتحوى كل مجموعـة على 3 حبّات، يفصلهـم 7

حبّات كبيرة باللون الأسود تمثل السبع فضائل، ويوضع

فى نهاية الـمسبحة الصليب. تبدأ الصلاة بتلاوة قانون

الإيـمان والـمصلّي واضعاً يده على الصليب. على الحبّة الأولـى من كل بيت أو مجموعـة من الثلاث حبّات يتلى فعل التكريس التالـي لـمريم العذراء:"يا سلطانتـي وأمـيّ، أقدم لكِ نفسي بكليتهـا،ولكي أظهـر إكرامي لكِ، ها أنـيّ أكرس لك فى هذا اليوم نظري وسمعي وفـمي وقلبي، وكليّ بدون أن أحتفظ بشيئ، لأنـي ملكُ لكِ يـا أمـي ِالقديسة، فأحرسينـي ودافعـي عنـيّ كأحد أبنائك وممتلاكاتِك. آميـن". على الحبّة الثانيـة يُتلى صلاة: "قدوس، قدوس، قدوس، رب الصباءوت السماء والأرض مملوئتـان من مجدك القدوس. أميـن."

– على الحبّة الثالثـة يتلى الصلاة الربّيـة، ثم صلاة الـمجد.

– على كل حبّة من الحبّات السبع يُذكر فضيلة من الفضائل وهى كالآتـى:

"انـي أقدم لك يارب هذه الصلاة ضارعاً أن تهبني فضيلة…(تُذكر هنا

الفضيلة"(الإيمان-الرجاء-الـمحبة-الوداعـة-الصبـر-الطاعـة-الثبات).

خاتـمة:

بعد تأملنا فى بعض الفضائل التى تجملت بها مريم العذراء . فلنجعل فضائل مريم أمامنا،فهى بشر مثلنا، أحبت الى الـمـنتهى وحازت بفضائل هذه المحبة على هذه النعم. فلا نقول ان هذا إمتياز خاص وفريد وشاذ لتلك العذراء بل هو متاح لنا جميعا نحن اخوة يسوع، متاح لنا بالمسيح يسوع وباللجوء اليه عن طريق مريم.

ونحن من نُدعى بأبنـاء مريم..

فيلزم أن نحيا مثلها حياة طاهرة خالية من الخطيئة..

فيلزم أن نتعلم منها حياة القداسة..

فيلزم أن تكون حياتنا لائقة..

فيلزم أن ترى مـريم فينا صورة ابنها الحبيب..

فيلزم أن يرى الله فينا نفس طهارة الأم..

فيلزم أن نكون قديسين لأنـه قال:"كونوا قديسين كما ان أباكم هو قدوس".

فلنصّل الي أمنـا وندعوها أن تساعدنا على ان نحافظ على سكنى يسوع فينا فنجد فيه سعادتنا وتتقدس حياتنا به وننمو يوما بعد يوما حتى نلقاه فى السماء الى الـمنتهى آمين.

الـمراجع

جميع النصوص الإنجيلّيـة الواردة فى هذا الكتاب أُخذت عن الكتاب الـمقدس، الـمطبعة الكاثوليكية-لبنان (1987)

1.     "الفضائل الـمسيحية بحسب الإنجيل" – الأب متى الـمسكين،دير القديس أنبا مقار-بريـة شيهيت (1992)

2.     "فضائل العذراء مريم" –نيافة الأنبا متاؤس اسقف دير السريان (2001)

3.اللاهوت الـمسيحي والإنسان المعاصر للمطران كيرلس بسترس

   الجزء الرابع (1993)

4."العبادة الحقيقية لمريم البتول الأم الإلهية" -الطوباوي لويس دى مونفور 1908

5. " حياة مريم أم يسوع" للأب فرنسيس قندلا اليسوعى (1949)

6"الشهر الـمريـمى الجديد"-الأب يوسف لويس (طبعة ثانية أبريل 1995) 

1.”The Glories of Mary” -St. Alphonsus de Liguori,  1990

2. Catchism of the Catholic Church, Liguori Publication 1994