لاهوت أدبي: فضيلة المحبة (2)

5) خطايا ضد المحبة

أ- الحقد: هو الاشمئزاز من القريب وتمني الضرر له. "وكل من يبغض أخاه فهو قاتل" (1يو 3: 15) "ومن أبغض أخاه كان في الظلمة" (1يو11:2). وبالمقابل أمر يسوع بمحبة الأعداء. ومحبة الأعداء لا تعني أن نتصنّع معهم اللطف والتعاطف الزائد، لأن الشعور لا يمكن أن يختلف. المهم فقط أن نريد لهم من الخير ما يريده الله. وهذا فعل إرادة لا عاطفة، وأن نقابل شرّهم بالخير.

    وغير مطلوب منّا أن نظهر لعدونا ما نظهره لأقاربنا من بوادر اللطف والعطف. ولكن علينا أن نقوم بالمبادرات التي يكون غيابها علامة حقد وضغينة. وفي بيئتنا التحية حسب العادات المتّبعة هي الحد الأدنى من المصالحة. فيجب إلقاء التحيّة كل مرة يكون عدم إلقائها علامة بغض. هذا بالإضافة إلى عدم التكلّم على القريب في غيابه.

    وربما يجدر بنا أحياناً رغم تسامحنا الداخلي والخارجي، أن نظهر لمن أساء إلينا أنه أخطأ. وذلك من باب الإصلاح الأخوي، ومن صفات التسامح مع الأعداء:

    الشمولية، أي أن يشمل كل أعدائنا وبعدد مرات الإساءة.

     أن يكون فائقاً للطبيعة.

     أن يكون في أقرب فرصة "لا تغرب الشمس على غضبكم" (أف16:4).

ب- النفور: هو تجنّب القريب. وأسباب ذلك ربما سرعة غضبه أو عدم اتفاق أذواقنا. وعلينا ألا نتبع شعورنا الطبيعي بالنفور كيلا يؤثر على الإرادة فتصبح ضغينة.

العلاج: محاولة فهم دوافع القريب وتقدير ظروفه والتصرّف معه وكأن لا شيء ينفّرنا منه. وإذا عادت المحبة يمكن إصلاحه أخوياً إذا ثبت أنه مخطئ. وكم من مرة كان النفور جليداً ذاب أمام نار الحوار.

ج- الحسد: هو الحزن لنجاح القريب والفرح لفشله. وكثير ما يرافقه الاغتياب والنميمة، لأن هذه الوسيلة تنقص سمعة القريب وتهدمها وإذ ذاك يزول حزن الحسود لأنه رأى دمار عدوّه. وربما يلتجئ الحسود إلى الإيقاع بين الإخوة أي الشباك بينهم وكأنه يفرح إذ يرى الأصدقاء يتنازعون ويختلفون وزارع الزؤان قد لعنه الكتاب المقدس.

د- المشاجرات: وهي نوعان: كلامية ويدوية.

أسبابها: الأطماع المادية والكبرياء و الشهوة. وهذه تؤدي إلى الغضب. وأوصى الكتاب المقدس بتجنّب كل الأسباب السابقة ومقاومة الغضب: "فليكن الإنسان بطيئاً إلى الغضب" (يع 20:1). وهذه المخاصمات خطيرة لأنها تفرّق الإخوة والعائلات والأزواج. وقد فرّقت الكنيسة في الماضي أكثر من مرة. ومن نتائج المشاجرات:

       فقدان السلام الداخلي والفرح.

   المرافعات لدى المحاكم. وقد ندّد بها بولس الرسول: "عيب عليكم أن يخاصم بعضكم بعضاً. هلا تصبرون بالحري على الظلم وتحتملون الخسران. وإنما أنتم تظلمون وتخسرون الإخوة أنفسهم" (1كور 8:6) "إنما أقول هذا لإخجالكم، أليس فيكم حكيم ولا واحد يستطيع أن يقضي بين إخوته" (1كور 5:6).

هـ- الاغتياب والافتراء: الاغتياب هو التكلّم بالشر على القريب في غيابه وفي أمور صحيحة ولكن بدون داع سوى الإساءة. النميمة والوشاية هما كالاغتياب بينما الافتراء هو التكلّم بالشر على القريب في أمور غير صحيحة. وفيها كذب وظلم. وهذه من أكبر الخطايا المتواجدة في مجتمعنا.

      أسبابها: الكبرياء، حب الانتقام والطمع. ويظن المغتاب والمفتري أنه يكسب لنفسه الثقة التي انتزعها من الآخرين. ومن أسبابها كذلك الظهور بمظهر العارف بكل شيء أو لتمضية الوقت والتندّر بأخبار الغير. ويعتقد البعض أن إعادة الخبر السيئ المعروف عن الآخرين ومجرد الاستماع إليه لا يعدّان إثماً. كلا فإعادته هو تأكيد له والاستماع إليه هو تشجيعه.

نتائجها:

 (1) تحطيم سمعة القريب.

(2) انتشارها بسرعة ويصعب إيقافها. وصدق القائل بأن جرح اللسان أقسى من جرح السنان.

(3) يجب التعويض عن الإساءة المعنوية والمادية التي تطرأ. "كثيرون سقطوا بحد السيف، ولكنهم ليسوا الساقطين بحدّ اللسان. اجعل لكلامك ميزاناً ومعياراً ولفمك باباً ومزلاجاً" (يش 22:28، 29).

من الظلم وعدم الحقيقة اتهام إنساناً بالشر استناداً إلى عمل واحد رأيناه. ومن الظلم إظهار العيوب لمن لا يحق له معرفتها. ومن أشكال الافتراء والنميمة مدح الأشخاص لذمّهم فيما بعد. وذلك يجعل الاغتياب أكثر تصديقاً.

‌و-  الظن: هو التفكير بالآخرين شراً بدون سبب كاف. يقول توما الإكويني: "الظان بالقريب سوءا كثيراً ما يعطي الآخرين نواياه السيئة" ويضيف "إننا لا نملك الشروط الثلاثة لنحكم على الغير وهي:     

 التفويض          : من فوّضني لأكون قاضياً على أخي؟

الكفاءة: الله وحده هو فاحص القلوب والكلى وهو الذي يقدر أن يكشف عن نفسية الفاعل.

الموضوعية: فنحن نحكم على القريب وفقاً لعلاقتنا معه. فنخفف جرم أصدقائنا ونضاعف جرم غيرهم. والأهواء تلون العدسة التي نضعها على عيوننا عندما نحكم على القريب.

التشكيك: ويقوم ذلك بأقوالنا أموراً ضد الدين والأخلاق أو بالتصرّف تصرّفاً غير مناسب خلقياً، وفي الملبس وعدم الاحتشام، أو بإهمال الوصايا واحتقارها. وقد يكون هنالك شك عندما نعمل أعمالاً صالحة في حدّ ذاتها ولكن في غير وقتها أو أمام أشخاص تفكيرهم ضعيف. وحتى الضعفاء، سريعي التشكّك، يجب مراعاة شعورهم.