لاهوت أدبي: فضيلة الإيمان (3)

5) الخطايا ضدّ الإيمان

لم يكن عيش الإيمان سهلاً أبداً. من خلال قراءة الإنجيل المقدّس يلاحظ الإنسان أنه منذ اللحظات الأولى للتبشير نجد عراكاً بين قبول الإيمان ورفضه. إن حادث القيامة فجّر هذا الواقع (مت 17:28؛ مر 11:16؛ لو 13:24؛ يو 24:20-29). وإذا ما تصفّحنا تاريخ الكنيسة لوجدنا الواقع نفسه لأن الإيمان يتطلّب ارتداداً كليّاً ويومياً. والحياة تؤكّد وجود ذرة من الإيمان في أعماق كل ملحد ووجود ذرة من الإلحاد في أعماق كل مؤمن. وإذا ما بحث الإنسان عن جواب لهذا الواقع فعليه أن يبحث عنه لا في الله الذي لم يتوقف عن تقديم عطاياه بل في الإنسان الذي يبقى حراً لا لقبول الإيمان فحسب بل للثبات فيه والمحافظة عليه أيضاً.

أ‌- خطايا الإهمال: قد يخطئ الإنسان ضدّ الإيمان بالإهمال أي بالتغاضي عن كل ما يلزم للمحافظة على الإيمان والنمو فيه. كعدم القيام بالتزامات المعمودية ومتطلبات الحياة المسيحية أو عدم التجاوب مع الهامات الروح القدس… أو بعدم الغيرة الرسولية أو بسلوك طريق لا يتناسب مع الحياة المسيحية.

ب‌-       خطايا بالفعل: والمقصود بذلك الخطايا المباشرة والتي تهدف الإيمان نفسه:

1-   الإلحاد: وهو الرفض الصريح للوحي رغم وعي الإنسان ومعرفته بواجب اتباعه. ومن الضروري التمييز بين:

     الإلحاد الغير إرادي: وهو حالة أولئك الذين دون ذنب منهم لم يسمعوا بالوحي ولم تصلهم البشارة.

  الإلحاد الشخصي: هو حالة من لا يهتم بالوحي ومن يرفض سماع كلام الله عن لامبالاة وإهمال وهذه هي تجربة الإنسان المعاصر.

  الإلحاد الإرادي: هو رفض الوحي رفضاً إرادياً. ولقد عبّر السيد المسيح بوضوح عن هذا الواقع: »والنور يُشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات… جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته« (يو5:1، 11). أما بالنسبة لخلاص هؤلاء فإن المجمع يؤكد »بأن الذين دون خطأ منهم يجهلون المسيح وكنيسته، وإنما يفتشون عن الله بنية صادقة، ويجتهدون في أن يكملوا بأعمالهم إرادته، التي تعرف لديه من خلال أوامر ضميرهم، هم أيضاً يبلغون إلى الخلاص الأبدي« (نور الأمم16).

2-   الجحود: وهو رفض كامل وواعٍ لحقائق الإيمان من قِبل شخص كان يؤمن بها سابقاً.

3-  الهرطقة: وهي رفض لحقيقة من حقائق الإيمان إلا أنه من الصعب التمييز بين الجاحد والهرطوقي لأن من يرفض عقيدة معينة فإنما يرفض ضمناً باقي الحقائق بكونها مرتبطة بعضها ببعض. فكيف يمكن، على سبيل المثال، اعتبار من يرفض عقيدة التجسّد مؤمناً.

4-  الشك: هو اعتبار حقيقة أو عقيدة دينية خاطئة. والشك بهذا المعنى يعادل أحياناً الهرطقة. ولكن هناك شكّ إيجابي هو التساؤل الذي يطرحه الإنسان أمام صعوبة معينة. ويهدف هذا النوع من الشك إلى التوضيح والاستفسار، إنه البحث عن الحقيقة. يبقى هذا النوع من الشك منفتحاً على الإيمان ولا يتجاهل التزامات الإيمان. إن غياب هذا النوع من الشك قد يشير إلى نوع من الروتينية واللامبالاة، لأنه لابد لإيمان واعٍ أن يهز كياننا.

خاتمة

وفي الختام نقتطف هذه الفقرة حول الإيمان من الرسالة الرعوية لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك: »الحضور المسيحي في الشرق شهادة ورسالة«:

»إن انتقال الإيمان من مجرد واقع راثي إلى قبول شخصي رهن، نوعاً ما، بالتعمّق في الإيمان وتثقيفه. لأن جهل الإيمان أو السطحيّة فيه قد تؤدي إلى فقدانه، خاصة في إطار التحوّلات العميقة في أنماط الحياة في المجتمع الحالي، حتى في شرقنا، حيث تغيّرت الأجواء التقليدية التي أسهمت في الماضي في المحافظة على الإيمان ودعمه. إن جهل الإيمان هو جهل المؤمن لنفسه. وعندما يجهل المؤمن نفسه يفقد هويته ودعوته ورسالته، وتفقد الجماعة المؤمنة أصالتها لتتحوّل إلى مجرّد جسم اجتماعي انسلخ عن التفاعل الحيّ مع أصوله الإلهية. وفي هذا المجال لا يسعنا إلا أن نشيد بكل الجهود المبذولة والمبادرات الرامية إلى نشر الثقافة الدينية والوعي الكنسي والخبرة الروحية لدى المؤمنين البالغين عن طريق الحركات المسيحية المتعددة، والمؤسسات المناسبة، والمراكز والمعاهد المتخصّصة«