4) واجبات الإنسان نحو الإيمان
نستخلص مما سبق أن الإيمان هو هبة من الله تعالى وهو في الوقت ذاته قرار وجواب حرّ من قِبل الإنسان. من خلال عرض هذه الواجبات نود توضيح المعنى العميق "لواجب إعطاء الجواب" من خلال الخيار الحرّ للإيمان.
كانت الكنيسة، سابقاً، تعطي الأولوية لحفظ الشرائع الكنسية كواجب من واجبات الإيمان. وإن كانت هذه الشرائع تعكس إرادة الله إلا أن الإيمان الحي لا يتوقف على مجرد طاعة خارجية لها. ولذا نرى المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في عرضه للإيمان يحارب فكرة الحدّ الأدنى للخلاص داعياً إلى كمال الحياة في الإيمان وأهمية العمل للنمو في الإيمان.
أ- قبول الإيمان: إن الإيمان لضروري للخلاص: إذا كانت محبة الآب تريد الخلاص للبشر أجمعين وإذا كان الإيمان هو اللقاء بالله المخلص فجميع البشر بالتالي مدعوون إلى الإيمان.
1- معطيات الوحي الإلهي: تؤكد لنا الأناجيل الإزائية بأن الإيمان ضروري للدخول في ملكوت الله (مر 15:1). ونرى السيد المسيح يطلب الإيمان للقيام بالعجائب (مت 28:9؛ مر 35:5). ولقد علّمنا بأمثاله أنه لا غنى عن الإيمان للخلاص (مثل الزارع: لو 12:8؛ يو 24:8؛ 24:5؛ 25:11-26؛ مر 15:16-16). أما الفكرة البارزة في الكرازة الأولى في سفر أعمال الرسل فهي العلاقة القائمة بين الإيمان والخلاص.
إن الخلاص بالنسبة لبولس الرسول هو ثمرة الإيمان بيسوع المسيح وبأحكام الشريعة (روم 26:3-28؛ غلا 16:2). وبالنسبة ليوحنا الرسول فإن العلاقة بين الإيمان والخلاص أساسية ويؤكدها من خلال تعميقه فكرة النور والظلمة (يو 20:3؛ 1يو 5:1) وفكرة الحياة (يو 12:1؛ 15:3؛ 36:16) وفكرة الحكم والقضاء (يو 18:3).
2- معطيات اللاهوت: إن الإيمان كفضيلة ضروري لكل إنسان حتى الصغير منهم. وأما الإيمان "كحدث وفعل" فإنه ضروري للإنسان البالغ. ومن هنا السؤال بماذا نؤمن؟
الإيمان الضمني: على الإنسان أن يؤمن ضمنياً بكل الحقائق التي أوحاها الله لا لسبب إلا لأن الله هو الذي أوحاها.
الإيمان الصريح: كإيمان صريح لابد من الاعتراف بوجود الله وبأنه يجازي الإنسان على أعماله (عب 1:11) وإن الإنسان غير المؤمن والذي لا شريعة له فهو بطبيعته شريعة لنفسه حسب تعليم بولس الرسول (روم 9:2-17).
أما بالنسبة للإنسان المسيحي فالوصية تطلب منه أن يؤمن:
– بكل الحقائق التي وردت في قانون الإيمان
– بالأسرار الضرورية للمسيحية: المعمودية، الإفخارستيا والتوبة
– بوصايا الله العشر وأبانا الذي…
ولكن المؤمن الحقيقي لا يتوقف على الحدّ الأدنى و ينظر إلى "الكم" في إيمانه بل يسعى إلى الحدّ الأعلى وإلى النوعية.
ب. نشر الإيمان: هناك دور "نبوي" لكل عضو في الكنيسة بناء على قول السيد المسيح: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.." (مر16:6). وإنه لواجب علينا أن نؤدي هذا الدور بإخلاص واقتناع داخلي. مازال الله الذي كلمنا سابقاً بوساطة الأنبياء ومن ثم بوساطة ابنه مازال يكلمنا اليوم بوساطة الكنيسة. فالكنيسة التي تصغي لكلمة الله من واجبها أن تعلن وتنشر هذه الكلمة. وعندما نقول كنيسة لا نقصد السلطة الكنسية، بل كل عضو في الكنيسة. لأنه بحكم المعمودية يُصبح على كل مؤمن "أدبياً" بأن يؤدي هذا الدور النبوي لأنه كما نال معرفة الخلاص مجاناً فعليه أن يعطي الخلاص مجاناً. إلا أنه واجب على المعمّد أن يقوم بنشر الإيمان لأن السيد المسيح طلب ذلك صراحة لدى قوله "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم" لا شك أن دور الإعلان والتبشير يختلف من شخص لآخر. إلا أنه واجب على كل إنسان أن يؤديه بحسب مركزه ودوره في المجتمع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نعلن؟
إن أنجح تبشير عُرف على مدى الأجيال هو شهادة الحياة التي هي ثمرة المعمودية والميرون (راجع "نور الأمم" 11، 12).
– إن الوسائل الأساسية لإعلان الإيمان هي الاحتفالات الليتورجية. لا شك أن رسالة التبشير بالمعنى الحصري على المستوى المحلي أو العالمي هي دعوة خاصة ولقد أصدرت الكنيسة العديد من الوثائق لهذه الغاية:
§ قرار مجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالية، 1965.
§ دعوة رسولية من أجل إعلان الإنجيل للبابا بولس السادس، 1975
§ إرشاد رسولي في واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا للبابا يوحنا بولس الثاني، 1979.
§ العلمانيون المؤمنون بالمسيح للبابا يوحنا بولس الثاني، 1988
§ رسالة الفادي للبابا يوحنا بولس الثاني 1990
– أما بخصوص وسائل القيام برسالة نشر الإيمان: فهناك وسائل تقليدية كالتبشير والكرازة والوعظ والتعليم الديني وحركات الشبيبة. إلا أن الكنيسة تدعو إلى استغلال وسائل الإعلام الحديثة (راجع عدد 45 من دعوة رسولية من أجل إعلان الإنجيل وقرار مجمعي في وسائل الإعلام الاجتماعية)..
ج- نمو الإيمان: تُعتبر رسالة السيد المسيح وكرازة الرسل دعوة ملّحة إلى ضرورة إنضاج الإيمان والنمو فيه.
1- معطيات الوحي الإلهي: يظهر جلياً من خلال قراءة الإنجيل المقدس كيف أن السيد المسيح كان يوبّخ قلة الإيمان (مت 25:8-26). وقدّم الأمثال للإشارة إلى حيوية الإيمان (راجع مثل حبة الخردل مت 2:13-23) كما ونراه يقبل الصلاة من أجل ازدياد الإيمان (لو5:17). يتضح من خلال كرازة الرسل أن النمو هو ثمرة طبيعية للإيمان الحي (راجع قو 9:1-10؛ فل 9:1-10؛ أفس 14:3-19؛ عب 1:6-2). كما ودعا الرسول بطرس إلى النمو في النعمة وفي معرفة المسيح يسوع (2بط 18:3).
2- معطيات اللاهوت: ما بين الشرارة الأولى للإيمان واكتماله ونضوجه، شوط طويل يجتازه الإنسان عبر مراحل حياته. وللإنسان دور في نمو الإيمان كما له دور في نشوئه. وقد صلى يسوع كي لا ينقص إيمان بطرس الذي عليه أن يثبّت إخوته (لو 32:22). وإذا كان نشوء الإيمان هو تعاون نعمة الله وإرادة الإنسان، فإن فقدان الإيمان هو مسؤولية الإنسان ومسؤولية مجتمعه. وكلما زادت مسؤولية المجتمع قلّت مسؤولية الفرد في فقدان الإيمان (مثل البلاد الشيوعية الملحدة).
يشبه الإيمان بذرة لا تقدر أن تعيش إلا إذا واصلت النمو والكفاح. وإذا لم ينمي المؤمن إيمانه بأفعال إيمان وبحياة رصينة جادة فإن تجربة النكوص والانعكاس ومعاودة الاعتماد على التفكير الذاتي وارادة، بدلاً من الاعتماد على حكمة الله التي تكلّمنا بشكل سريّ وتحملنا إلى حيث لا ندري. وبما أن الإيمان يعني اللامنظور فإن الإنسان محمول إلى الارتداد إلى الأشياء الملموسة والمنظورة. الإيمان هو قفزة خطرة خارجاً عن العالم وفوقه بشكل معاكس للجاذبية الأرضية التي تحاول دائماً إرجاعنا إليها. لذلك يبقى الإيمان مجالاً يجب الدفاع عنه بعزم وثبات.
العمل على النمو في الإيمان هو مسؤولية الفرد والجماعة وهذه بعض الخطوات لنمو الإيمان:
1- ممارسة الصلاة والاتحاد بالله
2- القيام بأفعال إيمان نؤكد فيها إيماننا. ويتم ذلك في مراحل العمر الأساسية وعند التجاوب والشكوك، وعندما يُطلب من المسيحي الشهادة عن إيمانه، وأهم فعل إيمان هو إعلانه عند ساعة الموت. ولا ننسى أن المسيحي يعلن عن إيمانه بالكلام والأعمال. وكلما صلينا أو قمنا بعمل صالح لمجد الله فإنما نعلن عن إيماننا عملياً.
3- ممارسة الأسرار ولا سيما الاعتراف والمناولة.
4- دراسة الكتاب المقدس: يقول إيرونيموس "من يجهل الكتاب المقدس يجهل المسيح".
5- الثقافة الدينية بالمطالعة والدراسة.
6- التبشير بالإيمان: نشر وتقوية إيمان الغير ينمّي إيماننا الشخصي.
د. الثبات في الإيمان: لقد منحنا الله هبة الإيمان. إنها هبة مجانية لا نستحقها إنما يجب علينا المحافظة عليها.
1- معطيات الوحي الإلهي: دعا السيد المسيح أتباعه إلى ضرورة الصلاة والسهر (لو 22:21) والحذر من الأنبياء الكذبة (مت 15:7) والوقوف بحزم أمام الاضطهادات (يو 1:16-4). ولم يكفّ الرسل الأطهار عن حثّ المؤمنين والمسيحيين الأولين على الثبات في التعليم الصحيح (راجع أع 29:20؛ 2قور 3:11؛ روم 17:16؛ 2بط 17:3؛ 2بط 1:2؛ 2يو 11:7؛ يهوذا آية 20).
2- معطيات اللاهوت: سارت الكنيسة على خطى المسيح داعية إلى الثبات في الإيمان مندّدة بالتعاليم الخاطئة (نور الأمم 25) ومحذّرة من المخاطر التي تقود إلى إضعاف الإيمان أو هجره. كالاطلاع على الكتب التي تقاوم الإيمان المسيحي.
أما بخصوص العلاقة مع غير المسيحيين من جهة والمسيحيين غير الكاثوليك من جهة أخرى فإن المبدأ العام للكنيسة هو الاحترام والمحبة والانفتاح والتعاون. إلا أن ذلك لا يعني اللامبالاة الدينية ولا التنازل عن العقائد في سبيل التقارب والوحدة (راجع قرار مجمعي في الحركة المسكونية وبيان في علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية). ومن الوسائل الضرورية للثبات في الإيمان تؤكد الكنيسة على دور المدرسة المسيحية وباقي المؤسسات التعليمية.