نتساءل الآن عن مكانة الأمثال في رسالة يسوع وتعليمه: لتوضيح هذا الأمر نقسم هذه الفكرة إلى أربع نقاط:
1- عدد الأمثال:
يختلف مفسرو الكتاب المقدس حول عدد الأمثال. ويرجع اختلافهم إلى نظرتهم إلى المثل؛ إذ يعتبر بعض المفسرين والدارسين عدداً من التشابيه القصيرة الموجودة في الإنجيل أمثالاً. بذلك يصل عدد الأمثال إلى 60 مثلاً. أما جمهور المفسرين فيتفق على 42 مثلاً؛ ونقبل رأي القائلين بـ42 مثلاً (وهو تقريباً نفس عدد المعجزات). وتشكّل "الأمثال" جزءاً معتبراً من الإنجيل وتحتل مساحة كبيرة فيه. أما الجزء الآخر فهو باقي أحاديث يسوع كالموعظة على الجبل، خطاب الإرسال والخطاب الاسكاتولوجي…
توزيع الأمثال في الأناجيل
من المعروف أن إنجيل القديس يوحنا لا يتضمن أية أمثال . إنها قاصرة على الأناجيل الإزائية، وتوزيعها كالآتي:
6 في إنجيل القديس مرقس
22 في إنجيل القديس متى
31 في إنجيل القديس لوقا
ويبرز إنجيل القديس مرقس الأمثال، إذ يجعل منها الخطب الوحيدة ليسوع المسيح. فالأمثال الستة في إنجيل القديس مرقس هي كل ما قاله يسوع تقريباً.
ولا ترد كل الأمثال في كل الأناجيل الإزائية. فهناك أمثال مشتركة بين الأناجيل الإزائية كلها، وأخرى ترد فقط في إنجيلي القديسين متى ولوقا وأمثال ترد في إنجيل واحد : إما في إنجيل القديس متى أو إنجيل القديس لوقا . ومن الأمثال التي ترد في كل الأناجيل الإزائية الستة أمثال الواردة في إنجيل القديس مرقس؛ حتى وإن كان إنجيلا متى ولوقا يذكران فقط 4 منها، إلا أن العلماء يؤكدون أن المثلين الناقصين سقطا لسبب ما من إنجيلي متى ولوقا، في الصياغة الأخيرة للإنجيلين.
أما عن الأمثال التي ترد في إنجيلي متى ولوقا فهي 9 أمثال، وهناك 9 أمثال ترد فقط في إنجيل متى و 18 في إنجيل لوقا فقط.
وتشير هذه الأرقام إلى قلة عدد الأمثال التي ترد في الأناجيل الإزائية الثلاثة. ونظراً لأن الأمثال هي وسيلة التبشير فإننا نستنتج أن الكنيسة الأولى لم تلجأ إليها في بشارتها. يشهد بذلك خلو كتاب أعمال الرسل وكتابات القديس بولس وهي أقدم من الأناجيل، من الأمثال.
لذلك نقول إن للأمثال بنية خاصة وقد برزت في رسالة يسوع ولم تظهر في رسالة الكنيسة في بداية رسالتها. وعادت الأمثال مرة أخرى عندما بدأت الجماعة المسيحية في جمع كل أقوال المعلم.
وكخاتمة لهذه النقطة نقول: ضمّن يسوع المسيح تعاليمه عدداً كبيراً من الأمثال. أما عن مكانة الأمثال في بشارة الكنيسة الأولى فالأمر يظل غامضاً.
2- الأمثال في رسالة يسوع:
يرى البعض أن يسوع علم بالأمثال في بداية رسالته. وهذا صحيح إلى حد ما، لأننا نقابل أمثالاً في لحظات حياة يسوع الأخيرة. مثلاً، يرد مثل الكرامين القتلة (مر12) في لحظات قويت فيها المقاومة ليسوع وكان على وشك الموت وكذلك مثل التينة التي لعنها يسوع (مت 18:21-20، لوقا 6:13-9). ويضع القديس لوقا العديد من الأمثال في الفصول التي نطلق عليها الرحلة من الجليل إلى أورشليم، أي في منتصف مدة رسالة يسوع، مثلاً: الفصل 15: الأب الرحيم، الخروف الضال والدرهم المفقود، كما يضع مثل الوليمة في الفصل 14. بالتالي نستخلص أن يسوع المسيح استعمل الأمثال في بداية رسالته وفي منتصفها وفي نهايتها.
3- الأمثال على فم يسوع:
من المؤكد أن يسوع لم يفسر بعض الأمثال للجماهير. كما أن هناك إشارات في الأناجيل إلى أن يسوع فسّر الأمثال للتلاميذ، ولكن كان ذلك يتم على انفراد. بالتالي لم تكن الأمثال مجرد وسيلة تعليمية، كما نفعل نحن عندما نعطي مثلاً ثم نقول: هذا المثل يعني كذا وكذا.. كان يسوع يقول الأمثال لكي ينبّه الناس ويهزهم وكان التلاميذ فيما بعد يسألون يسوع عن معانيها. يعود شرح المثل (مت 18:13، 23) على الأرجح في وضعه الحالي إلى الجماعة الكنسية الأولى. ويعني هذا أن الجماعة المسيحية الأولى كانت تتأمل في الأمثال، حتى وإن كنا لا نستطيع أن نؤكد كيف ومتى فعلت ذلك.
4- موضوع الأمثال
يمكن معرفة ذلك بتحليل بعض المجموعات منها وإن كان هناك رد سهل في بعض الأحيان. مثلاً في مت 13 عندما يتكلم عن حبة الخردل والخمير، والكنز المخفي والجوهرة والشبكة (5 أمثال) فإنه يقول في كل مرة: مثل ملكوت السموات كمثل" (مت 24:13، 31. 33) وأيضاً "فمثل السموات كمثل" (مت 1:20).
إن الأمثال في أغلب الأحيان أمثال ملكوت ولكن ليس دائماً. فالأمثال التي ترد في إنجيل لوقا قيلت لأسباب ومناسبات خاصة: ففي لو15 تتعرض الأمثال إلى فئة كانت تنتقد يسوع لأنه كان يتعامل مع الخطأة. وتهدف لحث هذه الفئة إلى التفكير في خطأ موقفها. ومثل الفريسي والعشار (لو18) موجه لفئة كانت تعتبر ذاتها أبر وأفضل من الآخرين. ولكن من المفيد أن نشير أنه يطلق على كل الأمثال: أمثال الملكوت، حتى وإن كان يمكن تصنيفها إلى فئات، وبالتحديد في 4 فئات:
– أمثال الزرع أو البداية.
– أمثال الدعوة والمأدبة وهي مرتبطة بمآدب غذاء أو عشاء.
– أمثال الأشخاص والأشياء المفقودة.
– أمثال الدينونة أو النهاية.
إنها 4 موضوعات أساسية وسوف نتناول كل فئة على حدة.
ومن الواضح أنه ليس من السهل تصنيف كل الأمثال تحت واحدة من هذه الفئات. مثل السامري الصالح (لو 25:10-37) إنه دعوة للتوبة وبالتالي نقول إنه دعوة: "اذهب فاعمل أنت أيضاً مثل ذلك" (لو 37:20) ويجب أن نقر أنه لا يمكن لأي تصنيف أن يجد الغني الزاخر لبشارة يسوع ولذلك فإن أفضل شيء يمكن عمله عند قراءة أو تفسير أي مثل هو الاستماع لقلب المعلم الإلهي. ففي المثل يكشف يسوع سر الله وفي ذات الوقت حكمته واهتمامه بالآخر وسخريته لرفيقه وقدرته على الخروج من المآزق والفخاخ يمنتهى اللباقة. إنها طريقة لمعرفة سر الله الذي يكشفه يسوع للإنسان.
عن مجلة صديق الكاهن