مخطوطات قمران (14)

ثانياً: الأبوكريفا (الكتب المنحولة)

هنا أيضاً يستعمل الكاثوليك والبروتستانت تسميتين مختلفتين لمجموعة واحدة. وهناك شروط لإطلاق هذه التسمية، قد تكون مجتمعة أو بعضها، وهي:

1- الكتب ذات الأصل المجهول، التي تنسب لمؤلف، لا ترجع إليه.

2- الكتب التي تحتوي بعض الفوائد، لكن مع كثير من الغلط.

3- الكتب التي لم تُقبل في القراءة الرسمية في الكنيسة.

4- الكتب غير القانونية.

كانت الكتابة تحت اسم منتحل أمراً شائعاً. لم يكن المؤلف ينسب لذاته عمل غيره، بل العكس، ينشر الكاتب عمله تحت اسم غيره، ليوليه مزيداً من السلطة. وهناك العديد من الأمثلة لهذا في الكتب المقدسة: أشعيا الثاني والثالث، خاتمة كتاب عاموس، زكريا الثانيإلخ. وتحديد هذه الفئة من الكتّاب أمر صعب، لذلك يختلف عدد هذه الكتب المنحولة باختلاف رأي الدارسين.وتعتبر دراسة تشارلس وورث J. Charles Worth، أكمل وأدق دراسة. وتتضمن هذه الدراسة 50 مؤلفاً تنطبق عليها شروط الكتب المنحولة. وُجِد في قمران 3 مؤلفات من الكتب المنحولة الشهيرة، وكان لكل منها إضافاته الهامة.

أ-  كتاب أخنوخ

كان هناك نص معروف قبل 1947 يحمل عنوان كتاب أخنوخ، يتكون من خمسة أجزاء أو كتب، يحتوي كل منها على عدد من الرؤى، التي كشفت لأخنوخ سليل آدم السابع (تك5: 21-24). والنص الكامل يتكوّن من 108 فصلاً ووصلنا في ترجمة حبشية، عن ترجمة يونانية للأصل السامي، الذي من المرجح أن يكون العبري أو الآرامي.

أحد الموضوعات الأساسية لكل من الكتب الخمسة هو الملائكة الذين نزلوا على الأرض وعاشروا النساء وثمرة هذه المعاشرة هم الجبابرة الذين أصبحوا مصدر الشر والعنف على الأرض، مما دفع الله لعقابهم بالطوفان. وتستند هذه الرواية على تك 1:6-4، حيث يروي النص خبر اتحاد أبناء الآلهة ببنات الناس. ولقد تم تفسير عبارة "أبناء الآلهة" بالملائكة استناداً على قرائن نصّية أخرى (راجع مثلاً أي 38: 7)، بينما فهمت عبارة "بنات الناس" بمعناها الحرفي. وتسبق هذه الآيات في كتاب التكوين رواية الطوفان.

لقد استند الأدب الأخنوخي على سقوط الملائكة في شرح وتفسير وجود الشر، أكثر من استناده على قصص آدم وحواء والحيّة. لقد انتشرت شرور البشر مما اضطر الله لإغراقهم وإفنائهم بالطوفان. ويمثل رد الله على شرور البشر بهذه الطريقة، في الكتب الخمسة، نوعاً من التحذير من الدينونة المقبلة. إنه مثال يوضح كيف يتعامل الله مع الشر الذي يزداد انتشاراً. ويذكر أخنوخ هذا في وصاياه المتكررة والعديدة، كما تذكره رسالتا بطرس الثانية ويهوذا. بالإضافة لهذا تحتوي هذه الكتب على عناصر أخرى هامة: تحتوي بعض هذه الكتب على أقدم أمثلة للأدب الرؤيوي، الذي يتناول تاريخ البشرية منذ نشأتها حتى نهايتها. كما تعتبر أحد هذه الكتب أقدم وثيقة أدبية يهودية عن الفَلَك والأجرام، والتي ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

ويتعلق بأخنوخ عدد كبير من فتافيت المخطوطات التي عُثر عليها في المغارة الرابعة. ولغة هذه المخطوطات الآرامية، وهي سبع مخطوطات، تحتوي على أجزاء من ثلاثة من الكتب الخمسة المتعلقة بأخنوخ: كتاب الساهرين (فصول 1-36) وكتاب الأحلام (فصول 83-90) ورسالة أخنوخ (فصول 91-107)، بينما تتضمن المخطوطات الأربعة الباقية على أجزاء من كتاب الفَلَك والأجرام (فصول 72-82). أمّا الأمر الذي أثار دهشة الدارسين فهو الغياب الكامل لكتاب الأمثال أو أمثال أخنوخ (فصول 37-71). أثار مفعول هذا الكتاب اهتمام دارسي العهد الجديد، لأنها تنعت شخصاً بصفة "ابن الإنسان"، ويقوم هذا الشخص بدور هام جداً. في نهاية الكتاب يتم الكشف عن شخصية ابن الإنسان هذا، ذي الصفات والخصائص الفائقة الطبيعة، والذي يلعب دوراً هاماً في الدينونة الأخيرة في رسمهم لصورة يسوع ابن الإنسان.

ويرى البعض، ومنهم ميليك Milik  الذي اهتم بنشر نصوص أخنوخ، أن غياب كتاب الأمثال أو أمثال أخنوخ في قمران، على عكس باقي أجزاء كتاب أخنوخ، يدل على أن الأمثال كُتبت بعد كتابة الأناجيل. وبالتالي تكون أمثال أخنوخ هي التي تأثرت بصورة يسوع ابن الإنسان في الأناجيل، وليس العكس. ويرى آخرون أن أمثال أخنوخ نشأت في زمن سابق ليسوع المسيح، وفي بيئة يهودية، ذات اتجاهات مختلفة عن اتجاهات جماعة قمران الدينية. وعموماً أيّاً كانت الحقيقة فإنه من الأكيد أن الأمثال أو أمثال أخنوخ لم تكن جزءاً من كُتب جماعة قمران.

وهناك عامل آخر يسبغ أهمية كبرى على كتب أخنوخ: يحتل في قمران مكان كتاب الأمثال أو أمثال أخنوخ كتاب آخر، هو كتاب العمالقة. لقد وجد الكتاب في قمران تسع مخطوطات. ومن المرجح أن يحتوي مخطوط من المخطوطات المتعلقة بأخنوخ التي سبق ذكرها هذا الكتاب.

يتناول هذا الكتاب العمالقة، وهم أبناء الملائكة. وقد لا يكون لهذا الأمر أية أهمية ولكن الكتاب لعب دوراً هاماً فيما بعد: أو لقد أعاد ماني مؤسس (البدعة المناوية) كتابته. لقد حاول ماني أن يجمع بين عناصر الزرداشتية واليهودية والمسيحية. لقد أصبح كتاب العمالقة كما أعاد هو صياغته نصاً قانونياً بالنسبة له ولأتباعه. فإذا كان كتاب العمالقة هو الجزء الثالث من كتب أخنوخ، كما ترد في مخطوطات قمران، فإنه تمت الاستعاضة عنه فيما بعد بكتاب آخر، هو كتاب الأمثال أو أمثال أخنوخ.

أما المخطوطات الأربعة الخاصة بالفَلَك أو الأجرام فلها أهمية خاصة. حيث يرجع أول هذه المخطوطات إلى سنة 200ق.م، وهذا يعني أنه كتب قبل هذا التاريخ ولو بقليل. ربما يكون كتاب الفلك أو الأجرام هو أحد الوثائق اليهودية القليلة من القرن الثالث ق.م. ويتضح من هذه المخطوطات، وكذلك من المخطوطات الثلاثة الأحدث، أن هناك فرق ملموس بين نصوصها في الآرامية ومضمونها في الحبشية. يحتوي الكتاب قوائم طويلة لمعطيات فلكية، مثل اختلاف وضع الشمس والقمر في الشهر. ويبدو أن الناسخ أو المترجم كان قد ملّ هذه الإحصاءات فاختصرها. والنص القصير المختصر يرد في الترجمة الحبشية، بينما النص الطويل يرد في اللغة الآرامية.

ويتناول كتاب الفلك والأجرام كذلك السنة الشمسية التي تتكون من 364 يوماً والسنة القمرية تقل عن الشمسية بعشرة أيام.

عن مجلة صديق الكاهن