مخطوطات قمران (15)

ب- كتاب اليوبيلات

يُقدّم المؤلف هذا الكتاب على أنه وحي الله بواسطة ملاكه لموسى، والذي دونه فيما بعد. الكتاب عبارة عن قصص كتابية تبدأ بالخلقة (تك1) وتنتهي بوصول بني إسرائيل إلى جبل سيناء حيث يصعد موسى إلى الجبل ليتسلم الوصايا الإلهية (خر19،24). تمت كتابة هذا النص حوالي سنة160 ق.م، قبل تأسيس جماعة قمران بقليل. ويلجأ الكاتب إلى النصوص الكتابية لكي يوصل مفاهيمه اللاهوتية والشرعية. يُقسّم الكاتب التاريخ إلى 50 وحدة، كل وحدة تتكون من 49 سنة لذلك سمى الكتاب "اليوبيلات". ولا يقصد الكاتب باليوبيل الوحدات الخمسين (راجع أح25)، بل السنة التي تختم الفترة التي تتكون منها كل وحدة. ويريد المؤلف أن يثبت أن التقويم الصحيح هو التقويم الشمسي، الذي يتكون من 364 يوماً، وهو التقويم الذي تتبعه جماعة قمران، ويرد ذكره في كتاب الفلك أو الأجرام (كتاب أخنوخ) ومخطوطات قمران الأخرى. وقبل اكتشاف مخطوطات قمران كان الرأي السائد هو أن الكتاب حُرِّر باللغة العبرية ثم تُرجِم إلى اليونانية. ولا نملك في الواقع نص الترجمة اليونانية كاملاً بل بعض المقتطفات فقط. هناك نص كامل مترجم عن اليونانية إلى اللاتينية والحبشية.

أعلن العلماء، بعد مسحهم للمغارة الأولى، عن اكتشافهم لنسختين من كتاب اليوبيلات. كما اكتشفوا نسختين آخرتين في المغارة الثانية، وأجزاء متفرقة من نسخة خامسة في المغارة الثالثة، ونسخة سادسة في المغارة الحادية عشرة. أما المغارة الرابعة، كانت كنزاً، كما هو الحال بالنسبة لجميع المخطوطات، فقد كانت تضم أجزاء متفرقة من تسع أو عشر مخطوطات لنفس الكتاب. بذلك يكون الإجمالي 15 أو 16 نسخة، وهو عدد كبير، قياساً بعدد النسخ للنصوص الكتابية. لا يفوق عدد نسخ كتاب اليوبيلات إلا المزامير والتثنية وأشعيا والتكوين. وسوف نتناول في مقالات لاحقة معنى هذا العدد الوافر من نسخ كتاب اليوبيلات.

بعكس نصوص أخنوخ المكتشفة في قمران، التي تختلف كثيراً عن مثيلها من النصوص المعروفة والمحفوظة، فإن نصوص اليوبيلات المكتشفة في قمران قريبة جداً من الترجمة اللاتينية والترجمة الحبشية. ويصل التطابق بينها أحياناً إلى الحرفية، في بعض المقاطع. وعندما يكون هناك اختلاف فهو هامشي للغاية. ولا توجد أدلة على أن الترجمات اللاحقة أهملت أو غيّرت شيئاً من النص الأصلي: لقد كان المترجمون والنسّاخ أمناء للغاية في نقلهم لنص هذا الكتاب. كان لهذا الكتاب أهمية خاصة لدى جماعة قمران، حيث تذكره أهم وثيقة، وهي وثيقة دمشق.

جـ- وصايا الآباء الاثنى عشر

المقصود بالآباء الاثنى عشر أبناء يعقوب، أصل الأسباط الاثنى عشر. يروي هذا الكتاب أن كلاً من الاثنى عشر، استدعى أبناءه حول فراشه قبل الموت، مثلما فعل أبوهم يعقوب من قبل (راجع تك49)، وأعطاهم وصاياه وزودهم بالحكمة والخبرة التي اكتسبها أثناء حياته. ويبدو أن هذه الوصايا كانت واسعة الانتشار قديماً. وكان فراش الموت المكان المفضّل لإعطاء تعاليم أخلاقية.

دار جدال شديد حول إذا ما كانت وصايا الآباء الاثني عشر مؤلفاً يهودياً أو مسيحياً، إذ أن هناك عناصر مسيحية في مختلف لمقاطع: فهل هذه العناصر هي إضافة لاحقة، أم أن الوصايا كتبها مسيحي مستنداً على مصادر يهودية؟ على أي حال العناصر الغالبة هي يهودية، أما العناصر المسيحية فهي محدودة للغاية. ويرى العلماء أن هذا الكتاب تم تحريره في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد وبالتالي هو كتاب يهودي.

لم يجد العلماء في مغاور قمران أي جزء من هذه الوصايا. أما ما يجعلنا نضع هذا الكتاب بين مخطوطات قمران هو العثور على مصادر استقى منها مؤلف الوصايا، وذلك في المغاور الرابعة والثالثة والأولى. ففي المغارة الرابعة وجدت بعض الأجزاء، تعرّف العلماء فيها على أجزاء من وصية نفتالي (المغارة الرابعة 215)، وفي المغارة الثالثة والرابعة تعرّف العلماء على أجزاء صغيرة جداً من وصية يهوذا (مغ3/7، مغ4/484، 4/538)، كما وجد في المغارة الرابعة أيضاً عنوان وصية يوسف (مغ4/539).أما أهم هذه الأجزاء فهي ما يطلق عليها العلماء وصايا لاوي، والتي من الأفضل أن تُسمى وثيقة آرامية عن لاوي. وجد جزءان من هذه الوثيقة في المغارة الرابعة (مغ4/213-214) وربما جزء أو جزءان في المغارة الأولى (مغ1/21).

من المعروف أن لاوي هو ثالث أبناء يعقوب وهو رأس هذا السبط، السبط الكهنوتي. كان من المتوقع أن يحتل لاوي مكانة كبيرة في العهد القديم، وأن يكرم وتذكر أعمال بطولية له، ولكنّا نجد العكس ففي الحادث الوحيد الذي يلعب فيه دوراً هاماً (أحداث دينا وشكيم تك34) ينتقده أبوه، لا بل يلعنه. لقد ثأر، وشقيقه شمعون، من سكان شكيم، بينما كانوا مازالوا يعانون آثار الختان، لذلك يؤنبهما أبوهما لأنهما أساءا إلى سمعته بين سكان المنطقة، ثم يكرر التأنيب لا بل اللعنة في إطار بركته لأولاده (تك5:49-7)، ولكن صورتهما تحسنت في النصوص اللاحقة. ففي كتاب اليوبيلات يمدح لاوي وشمعون على عملهما مع سكان شكيم. لا بل يعتبر كتاب اليوبيلات والوصايا أن انتقام لاوي لشرف أخته دينا هو الحادث الذي استحق لأجله رئاسة الكهنوت (راجع ملا4:2-7)، ونال بسببه الوعد أن يواصل أبناؤه بعده، وللأبد، الخدمة الكهنوتية.

ترد هذه الآراء البالغة الأهمية، بالنسبة لجماعة قمران، في الوثيقة الآرامية عن لاوي. حادث شكيم هو الجزء الأول من الوثيقة، يليه، كجزء، ثان تنصيب لاوي كاهناً. وتُظهر مقارنة متأنية بين الوثيقة الآرامية عن لاوي ووصية لاوي (ولها ترجمة يونانية قديمة جداً) أن النصين، وإن كانا متشابهين، إلا أنهما يختلفان في مواضع عديدة. وبما أن الوثيقة الآرامية كتبت في القرن الثاني قبل الميلاد، فإنه من المؤكد أن يكون محرر وصايا الآباء الاثني عشر قد استعان بها في كتابة وصية لاوي. لقد تم العثور على كتب أخنوخ و اليوبيلات ووصايا الآباء الاثني عشر في قمران بطريقة أو بأخرى. هناك تشابه قد يصل إلى التطابق بين نص اليوبيلات باللغة العبرية وترجماته اللاحقة، وبينما يختلف الأمر بالنسبة لكتاب أخنوخ عن ترجماته اللاحقة (كتاب العمالقة كجزء ثالث بدلاً من كتاب الأمثال أو أمثال أخنوخ) بينما لم يوجد نص وصايا الآباء الاثني عشر إنما إذ وجدت مصادر يبدو أن المؤلف استعان بها في عمله.

د- كتب أبو كريفية لم تكن معروفة

تعتبر إضافات قمران على الكتب الأبو كريفية المعروفة ضئيلة، ثلاثة كتب وجدت (أخنوخ- اليوبيلات- وصايا الآباء الاثني عشر) وذلك من 50 كتاباً أبوكريفياً معروفاً. ومع ذلك كانت مخطوطات قمران بالنسبة للكتب الأبوكريفية الغير المعروفة كنزاً ثميناً. حتى الآن لم يتم نشر كل هذه المخطوطات ولكن من المفيد أن نشير إليها. سبب التأخير في النشر هو، بالطبع، الحالة السيئة التي وصلت إليها هذه المخطوطات مما يصعب مهمة العلماء في تحديدها وقراءتها.

إليكم قائمة بأهم هذه المخطوطات:

1)      كتاب التكوين الأبوكريفي

وُجد هذا الكتاب باللغة الآرامية، وهو أحد المخطوطات السبعة التي وجدت قبل باقي المخطوطات. يروي أحداث التكوين، مع بعض التعديلات والإضافات، فهو يتكلم عن زواج الملائكة والذي يرتبط به أصل نوح: لقد كان نوح صبياً رائع الجمال، فشكّ أبوه أنه نتيجة علاقة محرمة بأحد الملائكة الساقطين. ثم يتناول الطوفان وتقسيم الأرض بين أبناء نوح وقصة إبراهيم حتى العهد (تك15). وكان المخطوط يضم أجزاء أخرى. ولكنه أسوأ المخطوطات حالة، لذلك فقد الباقي ومضمونه قريب جداً من مضمون كتاب اليوبيلات.

2)      نصوص عن نوح (مغ1/19؛ 4/46، 4/534)

3)      نص عن يعقوب (مغ4/537)

4)      نصوص عن يوسف (مغ4/371-373)

5)      نص عن قهات جد موسى خر 18:6، أو كهات (مغ4/542)

6)      نصوص عن عمرام أبي موسى خر 20:6 (مغ 4/543-548)

7)      نصوص عن موسى (مغ1/22، 29؛ مع2/21؛ مغ4/374-375، 376، 377، 388أ، 389، 390).

8)      نصوص عن يشوع (مغ4/378-379)

9)      نصوص عن صموئيل (مغ4/160؛ مغ6/9)

10)     نصوص عن داود (مغ2/22 وكذلك مغ11 مزامير)

11)     نصوص عن ارميا (مغ4/383 -384 وكذلك 390-391)

12)     نصوص عن حزقيال (مغ4/384-390، 391)

13)نصوص عن دانيال (صلاة نابونيدس) (مغ 4/242، مغ 2/243-245، مغ4/551)

14)     نص عن استير (مغ4/550).

ربما يشوب تحديد بعض هذه النصوص الخطأ، للحالة السيئة التي وصلت عليها ولأن النصوص مبتورة دائماً. ولكن الجزئيات التي وُجدت، خاصة في المغارة الرابعة، تبين أن هذه النوعية من النصوص، المنسوبة لأبطال الكتاب المقدس، كانت مترسخة وخاصة عند جماعة قمران، وإن عدداً من هذه النصوص لم يكن معروفاً قبل اكتشاف مخطوطات قمران. ويمكن اعتبار هذه النصوص نوعاً من تفسير نصوص الكتاب المقدس.

عن مجلة صديق الكاهن