مخطوطات قمران (16)

2) تفسير ناحوم (مع 4/1699)

يؤرخ الدارسون كتاب ناحوم في أواخر القرن السابع ق.م، في الفترة التي كانت أشور فيها القوى الكبرى المسيطرة، وبالتالي قبل 612 أو 609 ق.م. ويتناول النبي اقتراب اللحظة التي فيها يعاقب الرب نينوى، عاصمة أشور. إنه يشبه المدينة بعرين الأسود، ويقول إن الأشبال ستقتل ولن تخرج بعد لصيد فرائسها. ويشبه نينوى بزانية تكشف عورتها أمام الجميع بسبب انحلال أخلاقها. والكتاب هو مقطوعة شعرية تعلن عن خراب نينوى: "ما من جبر لانكسارك وجرحك لا يشفى منه. كل من يسمع يخبرك يصفق عليك بالكفين لأنه من الذي لم يمر عليه شرك كل حين؟" (نح 19:3).

للأسف، الحالة التي وصل فيها تفسير ناحوم ليست بجودة حالة تفسير حبقوق؛ ومع ذلك يقدِّم تفسير ناحوم بدوره بعض المعلومات الهامة عن حالة جماعة قمران التاريخية. الأجزاء التي وصلت تتعلق بالفصلين 1-2 وتمتد حتى 12:3 ربما 14). ومعروف أن الكتاب يتكوّن من ثلاثة فصول. وهنا أيضاً يرد ذكر الكيتيم كما ورد في تفسير حبقوق. ولكن مع تحديد بعض الأسماء والأشخاص.

"أين عرين الأسود ومرعى الأشبال حين كان الأسد يذهب فتبقى اللبؤة وجرو الأسد ولا أحد يفزعهما" (نح 2: 12) وتفسير ذلك يتعلق بديمتريوس، ملك اليونان الذي حاول دخول أورشليم متتبعاً نصيحة الذين يسيرون وراء الأشياء السهلة. ولكن الله لم يسمح بسقوط المدينة في أيدي ملوك اليونان منذ زمن أنطيوخوس حتى وصول قادة الكيتيم. ولكن بعد ذلك سوف تداس المدينة" (جزئيات 4:3؛ 1:1-4).

يبدو أن ديمتريوس هذا هو ديمتريوس الثالث أو سيروس (95-88 ق.م)، الذي هاجم أورشليم. وعبارة "الذين يسيرون وراء الأشياء السهلة" ربما تكون تلاعباً بالألفاظ يقصد بها المفسّر الفريسيين (الكلمة العبرية التي تترجمها بالأشياء السهلة هي نفس الكلمة التي يستعملها الفريسيون للإشارة إلى الشرائع). وينتقد هذا التفسير الفريسيين في مواضع أخرى. أما أنطيوخوس فهو بلا شك أنطيوخوس الرابع أبيفانيس (175-164 ق.م) الذي حرّم، لفترة من الزمن، العبادة اليهودية.

وإليكم مقطعاً آخر به إشارات تاريخية:

"كان الأسد يفترس لأجل صغاره ويخنق للبؤاته ويملأ كهوفه فريسة وعرائنه لحوماً مقطّعة" (نح 12:2)، وتفسير هذا يعود على الشبل المنتقم من الذين يسيرون وراء الأشياء السهلة ويصلب أشخاصاً أحياء.. لأول مرة في إسرائيل لأن المصلوب على الشجرة يعلن: هائنذا أقوم عليك يقول الرب القوات" (جزئيات 3-4 4:1-9).

  وهنا إشارة إلى ألكسندروس يانيّوس ملك اليهودية (103-76ق.م) الذي صلب ذات مرة 800 فريسياً (لاحظ أن هؤلاء هم الذين يسيرون وراء الأشياء السهلة. لا يذكر تفسير نحوم لا معلم العدل ولا الكاهن الشرير. يبدو أنه يتكلم عن فترة لاحقة لنشاطهما.

3) تفسير مز 37 [36]و45 [44]: 1-2 وربما 60 [59]

يتناول تفسير المزمور 37 نصوصاً كتابية أخرى. يرى المفسر في المزمور 37 نبوات عديدة عن الأحداث التي يمر بها هو (المفسر). يتكلم المزمور 37 عن الصعوبات التي يلاقيها البار من الأشرار وعن مكافأته الحسنة التي يمنحها له الله، إن انتظر الرب بصبر. وتعتبر كلمات "الصديق" "الشرير" كلمات رمزية بالنسبة للمفسر فقد رأى في ذلك إشارات إلى معلم العدل وأعدائه. وهذا واضح من المقطع التالي:

"الرب يثبت خطوات الإنسان وعن طريقه يرضى، إذا سقط فلا يبقى صريعاً لأن الرب آخذ بيده" (مز 23:37-24)، وتفسير هذا يعود على الكاهن معلم العدل الذي اختاره الله ليكون أمامه وقوّاه لكي يستطيع أن يقيم له جماعة.

"الشرير يترصّد البار ويلتمس قتله ولكن الرب لا يتركه في يده وإذا حوكم لا يدعه يُدان" (32:37-33)، تفسير هذا يعود على الكاهن الشرير الذي يترصّد معلم العدل لكي يميته، لأنه يعلن له الحكم والشريعة. ولكن الله لن يتركه ولن يسمح أن يقضي عليه في الحكم، ويعطيه الرب مكافأته تاركاً إياه بين أيدي طغاة الشعوب لكي يقيموا الحكم عليه" (جزئيات 1-10؛ 14:3-16؛ 7:4-10).

يُظهر التفسير الصراع الشديد بين المتنافسين (الكاهن الشرير ومعلم العدل)، ويذكر الشريعة التي أعلنها معلم العدل للكاهن الشرير. والخلاف بينهما يظهر في هذا النص الذي وجد بين المخطوطات.

ب. تفاسير موضوعية

هناك عدد كبير من المخطوطات التي وجدت في قمران والتي تستند بطريقة أو بأخرى على النصوص الكتابية، دون أن تكون تفسيراً شاملاً. تجمع هذه المخطوطات بين نصوص كتابية متفرقة ولكنها تدور حول نفس الموضوع. وإليكم بعض الأمثلة على ذلك:

1)    الوعد بالمسيا (مغ 4/174)

يدور هذا المخطوط حول 2صم 7 (الوعد الإلهي لداود بدوام ذريته) ومز1و2. وأثناء عرض الموضوع يورد المفسر نصوصاً كتابية أخرى توضح وجهة نظره. ويقول الوحي في 2صم 10:7 "وأجعل مكاناً لشعبي إسرائيل، وأغرسه فيستقر في مكانه ولا يضطرب من بعد ولا يعود بنو الإثم يذلونه كما كان من قبل". سيحدد الله مكاناً لشعبه ليستطيع أن يحيا في أمان. يرى المفسر أن هذا المكان هو البيت الذي يقيمه الرب ويذكر، كدليل على صحة كلامه، خر17:15-18 "تأتي بهم وفي جبل ميراثك تغرسهم في المكان الذي أقمته يا رب لسكناك المقدس الذي هيأته يا رب يداك الرب عليك أبد الدهر" (مغ4/174 ، 5:1-7).

يتكلم هذا المقطع عن مبنى غير حجري ولن تكون الذبائح التي تقدم فيه حيوانات أو بقول، ولكنها ستكون العمل بالشريعة. بعبارة أخرى سيكون القدس مثل جماعة قمران أو جماعة قمران بالتحديد.

لقد أثار هذا النص اهتمام الدارسين ليس فقط لأنه يتكلم عن هيكل روحي ولكن أيضاً لأنه يحتوي على عناصر هامة تميّز الصور الإسكاتولوجية لدي هذه الجماعة.

"قد أخبرك الرب أنه سيقيم لك بيتاً" (2صم11:7ب). وأقيم من يخلفك مِن الذي يخرج من صلبك (2صم12:7) وأثبّت ملكه (2صم 13:7) أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً (2صم 14:7) هذا هو فرع داود الذي سيقوم مع شارع الشريعة لكي يحكم في صهيون في نهاية الأيام، كما هو مكتوب. " في ذلك اليوم أقيم كوخ داود الذي سقط (عا11:9) أي كوخ داود الذي وقع هو الذي سيقوم ليخلص إسرائيل (مع 4/174،  10:1-13) .

2)         شهادات (مغ 4/174)

ينقسم هذا النص القصير إلى 4 أجزاء يتمحور كل منها حول نص أو نصين كتابيين يذكرهما: يدور الجزء الأول حول تث 28:5-29؛ 18:18-19. ويدور الثاني حول عد 15:24-17 وهي جزء من قصة بلعام. أما الجزء الثالث فيذكر بركة موسى للاوي (تث 8:33-11). والرابع يذكر لعنة يشوع لمن يحاول بناء أريحا مرة أخرى (يش 26:6). يجمع بين الأجزاء الثلاثة الأولى أمر هو أنها تدور حول قادة المستقبل: نبي مثل موسى، ونجم يسطع في إسرائيل (ربما المسيا من داود)، الكاهن (أو الكهنة) مثل لاوي وليس مثل خلفائه، ولكن المقصود بالجزء الرابع ليس واضحاً: ربما يقصد محاولة الأخوة المكابيين تقوية أورشليم، واللعنة التي كانت تنتظرهم. وتمتاز طبيعة الشهادات بأنها عبارة عن نصوص كتابية يلي النصُ الآخر، ماعدا الجزء الرابع الذي يضيف بعض التعليقات على النص.

3) ملكيصادق (مغ11 ملكيصادق)

يدور أحد مخطوطات المغارة الحادية عشرة حول ملكيصادق، ملك وكاهن شكيم الذي خرج للقاء إبراهيم بعد انتصاره على الملوك الأربعة وتخليص ابن أخيه لوط من أيديهم (تك 17:14-20). قدم إبراهيم لملكيصادق عشر الغنيمة وبارك ملكيصادق إبراهيم. ويذكر مز 4:110 كهنوت ملكيصادق الأبدي، وتطوّر الرسالة إلى العبرانيين هذه الفكرة، حيث يقدم المسيح على أنه كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق. شخصية ملكيصادق شخصية غامضة تظهر فجأة على صفحات العهد القديم وتختفي أيضاً فجأة.

بالرغم من حالة المخطوط السيئة، إلا أن المتبقي منه كافٍ لإظهار أهمية هذه الشخصية بالنسبة لجماعة قمران. كانت الجماعة تعتقد أن ملكيصادق كائن ملائكي وأنه سيتدخل في الدينونة الأخيرة. والنص الذي يمكن قراءته يبدأ بأح 13:25 وتث 2:15 وهما نصان يتكلمان عن سنة اليوبيل وسنة الخلاص. ويضاف إليهما أش 1:61 إعلان العتق للمسجونين، الذي يتم تطبيقه على الأيام الأخيرة.

"تفسير هذا أنه سيعهد بهم (المساجين) لأبناء السماء وميراث ملكيصادق لأنه يجعل نصيبهم مع نصيب ملكيصادق الذي سيعيده إليهم ويعلن لهم الخلاص غافراً لهم كل سيئاتهم. ويتم هذا في الأسبوع الأول من اليوبيل الذي يلي اليوبيلات التسعة. إنه يوم التكفير ونهاية اليوبيل العاشر، عندما يتم التكفير عن خطايا أبناء النور وخطايا كل امرئ من نصيب ملكيصادق. إنها شريعة تخصهم لتمنحهم جزاءهم. لأن هذا هو زمن النعمة لملكيصادق. إنه بقدرته سيحاكم قديسي الله معلناً قضاءه كما هو مكتوب في مزامير داود: الله في جماعة الله قائم في وسط الآلهة يقضي (مز [81]82 : 1) وقال أيضاً بشأنه: فلتحط بك جماعة الأمم وأجلس فوقها في الأعالي إن الله يدين الشعوب(مز8:7-9أ). أما بخصوص القول: حتى متى تحكمون بالظلم وتحابون الخطأة؟ سلاه، فتفسير ذلك يعود على إبليس وأرواحه الذين تمردوا وابتعدوا عن وصايا الله. ويتمم ملكيصادق انتقام أحكام الله.. وينتزعهم من أيدي إبليس  ومن أيدي كل أرواح نصيبه. وستأتي آلهة العدل، لمساندته وتدعيمه في إفناء إبليس" (4:2-14).

ويستند المفسر على أن كلمة ايلوهيم: الله، تستعمل أيضاً للدلالة على الملائكة. وعندما ترد في نص مز 1:82 فبدلاً من أن يطبقها على الله يطبقها على الملاك ملكيصادق، الذي يتدخل في القضاء في الأيام الأخيرة، الذي يفضي إلى هلاك إبليس. يجمع المفسر بين العديد من النصوص ويفسرها بطريقته الخاصة وبذلك يحصل على صورة رائعة لملكيصادق. لا تطابق صورة ملكيصادق هذه كمال وجمال صورته في الرسالة إلى العبرانيين، ولكنها تظهر مدى التقدير الذي تتمتع به هذه الشخصية عند اليهود. ونلاحظ أن المفسر يفسر حتى النصوص التي لا تتكلم عن نهاية الأزمنة على أنها تفعل ذلك. وينطبق هذا على نص ملكيصادق وعلى نصوص قمرانية أخرى.

4)      تفسير كتاب التكوين (مغ 4/252)

تم نشر نص هذا التفسير كاملاً مؤخراً. تتناول جزئياته بعض مقاطع كتاب التكوين وتفسيرها. وقد يتوقف المفسر طويلاً أمام بعض المقاطع (الطوفان مثلاً) ويتناول بعض المقاطع الأخرى بإيجاز شديد (مثل قصص إبراهيم واسحق ويعقوب)، إلى أن يصل إلى البركة التي منحها يعقوب لأبنائه (تك 49)

يعتبر هذا التفسير من النصوص شديدة الارتباط بالنص الكتابي. لا يمكن أن نطلق عليه تعبير تفسير بحصر المعنى لأنه لا يذكر نصوصاً بالتتالي ليفسرها، ولا يمكن أن نطلق عليه تفسير موضوعي لأن كل النصوص التي يذكرها هي نصوص من التكوين ويذكرها حسب ترتيبها في الكتاب. ولا يبرز موضوع خاص يبرر اختيار النصوص التي يتناولها. نتوقف قليلاً عند معالجة المفسر لموضوع الطوفان. الذي يهمه هو التواريخ:

1.   تمر 120 سنة (تك 3:6) بين التحذير وبداية الطوفان، ويحدد سنة التحذير 480 من حياة نوح.

2.   يبدأ الطوفان في اليوم الذي يحدده كتاب التكوين (تك 11:7) الشهر الثاني اليوم السابع عشر. تظل باقي الأرقام كما هي.

3.   ينتهي الطوفان في السنة التالية في الشهر الثاني. أما اليوم فهناك اختلاف بين التفسير والنص. يضع النص يوم 27 (تك 14:28) أما التفسير فيحدد يوم 17 وبالتالي تكون مدة الطوفان حسب التفسير سنة بالضبط.

4.   تتكون السنة من 364 يوماً أي التقويم الشمسي، حسبما هو واضح أيضاً في كتب اليوبيلات وأخنوخ، وهو التقويم الذي اتبعته جماعة قمران.

هكذا نكون قد استعرضنا نوعين من أنواع التفاسير الكتابية لدى جماعة قمران. وسنتناول في العدد القادم فئة أخرى من نصوص قمران.

عن مجلة صديق الكاهن