مخطوطات قمران (19)

5. نصوص ليتورجية

يبدو أن بعض النصوص كانت مخصصة لاستعمال الجماعة في مجال العبادة. بالطبع كانت النصوص الكتابية أيضاً للاستعمال الطقسي وخاصة المزامير. ولكن بالإضافة للنصوص الكتابية هناك عدة مؤلفات يمكن وضعها بطريقة أو بأخرى في إطار العبادة أو الليتورجيا.

أ‌.     الدورة الطقسية

يطالب الكتاب المقدس اليهود بالمحافظة على يوم السبت (أسبوعياً) كيوم راحة، ويتم الاحتفال به في الهيكل وبتقديم ذبيحة خاصة. ولكن لم يكن هناك إلزام بأن يذهب بنو إسرائيل يوم السبت إلى الهيكل. وتذكر التقاويم الكتابية الأخرى (مثل أح 23) عيد الفصح الذي يقع يوم 14 من الشهر الأول، وأعياد الحج الثلاثة: عيد الفطير (أيام 15-21 من الشهر الأول) وعيد الأسابيع (في الشهر الثالث) والمظال (15-12 من الشهر السابع). وكان على الذكور، من بني إسرائيل، واجب الذهاب إلى الهيكل وتقديم البواكير من المحاصيل التي توافق الزمن. ويذكر الكتاب المقدس أيضاً يوم التكفير (اليوم السابع من الشهر العاشر)، وطقوسه، وأيضاً عيد بوريم (14 أو 15 من الشهر الثاني عشر).

كان أعضاء جماعة قمران يحافظون على هذه الأعياد، ماعدا عيد بوريم، الذي يستند أساساً على كتاب استير، وهو أحد كتابين لم يوجد لهما أثر في مخطوطات قمران، وكانوا يضيفون، إلى هذه الأعياد، أعياداً أخرى مستنتجة من بعض معطيات الكتاب المقدس: عيد بواكير النبيذ والزيت وعيد الخشب.

1)      إشارات ليتورجية

نقرأ في مخطوط المزامير، الذي وُجد في المغارة الحادية عشرة، أن داود الملك كتب "52 مزموراً تُتلى أثناء تقديم محرقة السبوت" (مغ 11 مزامير 6:27) أي أنه كتب مزموراً لكل يوم سبت، حسب السنة الشمسية. نقرأ في مخطوطات أخرى أن هذه النصوص تسمى "ليتورجية سماوية" أو "محرقة السنة" وعددها 13 أي أنها تغطي نصف السنة. ووجد من هذا النص 8 نسخ في المغارة الرابعة وواحدة في المغارة الحادية عشرة وواحدة في قلعة مصعدة. وتحمل السبوت تواريخ بموجب السنة الشمسية التي سبق ذكرها مراراً (364 يوماً). فمثلاً السبت الأول يوافق اليوم الرابع من الشهر الأول. وتم اختيار هذا التاريخ لأنه حسب نص تك1 بدأ حساب الزمن في اليوم الرابع. وتشمل محرقة السبت عبارات عبادة موجهة لله ودعوة لتمجيده ووصف لطرق التمجيد. ومن أهم الخصائص التي تميّز هذا الأمر هو التوافق التام بين الليتورجيا التي يحتفل بها الملائكة في الهيكل السماوي والليتورجيا التي يمارسها البشر على الأرض. ويرتكز وصف الهيكل السماوي على عبارات الفصل الأول من كتاب حزقيال: عرش الله على المركبة.

2)            تقاويم ونصوص فلكية

تتكلم نصوص عديدة عن سنة شمسية مكونة من 364يوماً وتوزع عليها الأعياد التي نصّ عليه تعليم التوراة، أو الأعياد التي تم استحداثها. وُجد هذا التقويم قبل أن تتكون جماعة قمران ذاتها، كما تشهد بذلك المخطوطات القديمة مثل كتاب الفلك والأجرام (أخنوخ) وكتاب اليوبيلات.

لا يربط كتاب أخنوخ الأعياد الدينية بالسنة الشمسية، عكس ما يفعل كتاب اليوبيلات. تتطور هذه العادة في عدة مخطوطات قمرانية. فيمكن اعتبار المخطوطات مغ 4/317-330 بطريقةٍ ما تقاويم. وهي لا تحدد فقط تاريخ الأعياد حسب التقويم الشمسي بل تحدد أيضاً خدمة فرق الكهنة في الهيكل. ويذكر كتاب أخبار الأيام الأول 24: 7-19 ، 24 فرقة تتناوب خدمة الهيكل، ليتسنى لجميع الكهنة ممارسة وظائفهم الكهنوتية ويشغل ذلك زمناً كبيراً من السنة.

والهدف من توزيع الخدمة بالتناوب على 24 فرقة هدف مزدوج: أن يتمكن جميع الكهنة من تأدية الخدمة الطقسية من جانب، وأن يتمكن هؤلاء من ممارسة أعمالهم اليومية الأخرى. فكانت الفرقة تخدم عادة ما بين 2 أو 3 مرات في السنة. وتستند نصوص قمران التي تحمل اسم بشماروت أي الحراسة على نص أخبار الأيام، وتربط الفرق بأيام وتواريخ محددة. وتشمل القوائم 3 بيانات أساسية: اليوم في خلال أسبوع خدمة الفرقة، التاريخ حسب الشهر الشمسي والتاريخ حسب الشهر القمري. ويمكن أن نستشف من بعض النصوص أنه كانت هناك قوائم تسمح بمعرفة يوم خدمة كل فرقة خلال 49 سنة (يوبيل) أو سبعة يوبيلات (343 سنة). ومن هذه القوائم، يمكن معرفة الأعياد التي خدمت فيها الفرق. وكان درج الهيكل يتضمن تفاصيل الترتيبات الخاصة بالذبائح والتقدمات التي كانت تقدم يومياً أو في الأعياد.

ب‌.    نصوص شعرية

تحتوي بعض المخطوطات على نصوص شعرية، قريبة جداً من نصوص المزامير.

1)      الأناشيد

أطلق اسم هودايوت أي الأناشيد على أحد المخطوطات السبعة التي وُجدت في البداية، لأن كلاً منها يبدأ بعبارة: أحمدك يارب. ووجد هذا المخطوط في المغارة الأولى، وبعد ذلك وجدت سبعة نسخ في المغارة الرابعة (مغ4/427-433). وتشير كثرة عدد نسخ المخطوط إلى أهميته ومكانته. يحتوي المخطوط على 25 مزموراً. وهي صلوات فردية وليست جماعية، وتعبر عن مشاعر الفرد لا الجماعة. وتنقسم هذه الصلوات إلى فئتين على الأقل:

الفئة الأولى: في صيغة المتكلم (أنا) وفيها تعبير عن المشاعر والقناعات الذاتية، ويتكلم المصلي عن ذاته وعن الرسالة التي كلفه بها الله ويشير أيضاً إلى المقاومة العنيفة التي يتعرّض لها. وإليكم مثالاً:

"إنهم رجال خداع وغش، أضمروا لي مكائد بليعال وزوَّرا شريعتك، التي نقشتها في قلبي، بكلمات تضلل شعبك: حرموا العطاش ماء المعرفة وفي عطشهم سقوهم خلاً لكي يعاينوا سقوطهم، لكي يتصرفوا في الوقت المحدد لهم مثل فاقدي العقل، لكي يسقطوا في شباكههم التي نصبوا" (مغ1 أناشيد 9:4-12).

هناك بعض العوامل التي تساعد على التعرف على طبيعة الكاتب وجماعته وأعدائه: الإشارة إلى شريعة الله المنقوشة في القلب، ولجوء الأعداء إلى كلمات مضللة، والربط بين فقدانهم العقل والأيام المحددة (الأعياد). بعد هذا المقطع يتغنى الكاتب أن الله دس شريعته فيه (11:5) وأن جماعة العهد، التي تسير في طرق الله، توجهت إليه وأصغت له (23:4-24)، ولكن السر الكامن فيه سبَّب له بعض الصعوبات، حتى مع أصدقائه (راجع 22:5-25). انطلاقاً من هذه المعطيات يؤكد بعض الدارسين أن المتكلم هو ذاته معلم العدل، والذي يحرر شعراً قناعاته العميقة وشدة الحروب، التي تعرض لها بسبب دعوته.

الفئة الثانية: خبرات أي عضو في الجماعة. يتناول الكاتب في هذه الفئة خبرات قد يتعرض لها أي من أعضاء الجماعة. وفي هذه الفئة لا ترد تأكيدات الكاتب عن نفسه، إنما مجموعة موضوعات رئيسية:

(1)            الله الخالق، والبشر، المخلوقون من طين، هم لا شيء.

(2)            ينقلب الأشرار على الصديقين الذين يتألمون، ولكن الله ينقذهم من صعوباتهم ومن قضاة الظلم.

(3)            الله يمنح الصديقين الحكمة، أي أن يعرفوه ويعرفوا إرادته ويقيم معهم عهداً.

(4)            يشيد الصديقون بمدحه.

والأناشيد مليئة بالاستشهادات الكتابية. كما ترد فكرة أخرى في كتاب الأناشيد وهي أن المرنم ذو سمو أبدي، وبالترنيم يعيش مع الملائكة ( 19:3-29؛ 13:6).

2)      نصوص شعرية أخرى

احتوت مغاور قمران، بالإضافة إلى كتاب الأناشيد، على العديد من النصوص الشعرية التي تمجد الله وتشكره أو تتضمن صلوات وبركات لكل يوم أو لمناسبات خاصة (مثل ذبيحة السبت). وهناك نسختان لكتاب يحمل اسم مزامير يشوع (مغ3784-379)، ونسختان من المزامير الأبوكريفية (مغ4/380-381)، وكتابان طقسيان (مغ4/392-393)، وخمسة مخطوطات تحمل نصوصاً شعرية تبدأ كلها بعبارة: باركي يا نفسي (مغ4/434-438)، وعدد آخر من الصلوات والنصوص الشعرية (مغ4/286-293، 439-456).

 ووجدت بعض النصوص المماثلة في المغارة الحادية عشرة (مغ11/11و14-16). وإذا قارنا هذه الصلوات بالمزامير القانونية فإننا نلاحظ أن الفارق بينهما يقوم في أن هذه الصلوات تركز على الخلق كسبب لتمجيد الله، كما أنها تكثر من ذكر المعرفة والحكمة والتعليم. وغالباً لا توجد إشارات، في هذه الصلوات، تدل على أنها كانت للاستخدام الليتورجي.

للموضوع بقية

عن مجلة صديق الكاهن