مخطوطات قمران (20)

5.  نصوص أخروية »إسكاتولوجية«

تتناول العديد من مخطوطات قمران الأخرويات أو تشير إليها. حررت بعض النصوص قبل تكوين الجماعة ثم تبنت الجماعة هذه النصوص وأصبحت جزءاً من مكتبتها. ينطبق هذا على بعض أجزاء كتاب أخنوخ الأول (رؤيا الأسابيع: الفصول 91و93) رؤيا عن الحيوانات (فصول 83-90) والتي تنتهي بنبوات عن الدينونة الأخيرة وما بعد الموت. ويضم كتاب اليوبيلات أيضاً بعض الفقرات عن المستقبل (الفصل 23). ويمكن أن نذكر التفاسير التي تربط بين نصوص الكتاب المقدس والأيام الأخيرة، وكذلك نظام الجماعة الذي يقوم على أنه نظام لجماعة إسرائيل كلها، في نهاية الأزمنة (1:1). ويختم النظام موضوع المأدبة التي يشارك فيها مسيح إسرائيل (المسيح والملك) والمسيح الكاهن. ويمكن إضافة نصوص أخرى عديدة تتكلم عن المسيا وهناك أيضاً نص شرعي بحت، درج الهيكل، ومع ذلك يتطرق إلى هيكل الأيام الأخيرة الذي يقيمه الله في الخليقة الجديدة (8:29-10). ذكرنا بعض الأمثلة وهي تبيّن أن معظم ما كتبته جماعة قمران وكانت تقرأه يتعلق بالأيام الأخيرة، إلا أن بعض الوثائق تركز أكثر من غيرها على هذا الأمر.

أ‌.  نظام الحرب

إنها أهم المؤلفات التي تتعرض للأخرويات، وهي أحد المخطوطات السبعة التي وجدت في المغارة الأولى سنة 1947. المخطوط أسوأ المخطوطات حالة ويتكون من 19 عاموداً. وجدت أجزاء متفرقة من نظام الحرب في المغارة الرابعة (مغ4/491-496). ويمكن أن نستنتج أن للنظام أكثر من نسخة. يحلل الجزء الأول من الكتاب الحرب التي ستدور في نهاية الأزمنة بين أبناء النور وأبناء الظلام والتي ستستمر 40 سنة ويؤكد النص أنها ليست حرباً عادية، إنها الموقعة النهائية.

"سيكون هذا زمن خلاص شعب الله، والزمن المحدد لسيطرة كل أبناء حزبه، والفناء الأبدي لكل أتباع حزب إبليس.. ستنتهي سيطرة كيتيم وسيختفي الشر ولن يكون له أي أثر ولن يكون هناك ملجأ لأبناء الظلام. سيشرق أبناء البر في كل أرجاء المسكونة ويطردون الظلام، بلا توقف، حتى نهاية الأزمنة المحددة، وفي الوقت الذي حدده الله، سيشرق مجده إلى الأبد للسلام والبركة والمجد والسعادة وطول عمر لأبناء النور" (مغ1 نظام الحرب 5:1-9).

وتصف مقاطع أخرى الحرب بأنها يوم الانتقام (5:7، 3:15) ومعركة الرب (5:9). كما تؤكد أن أبناء النور لن يحاربوا وحدهم، بل سيكون بجوارهم الملائكة، حلفاؤهم. ويساند أبناء الظلام حلفاء روحيين، وبذلك تظل نتيجة القتال غير محسومة حتى اليوم الأخير (12و17). وسيتغلب أبناء النور على أبناء الظلام 3 فترات ويتفوق أبناء الظلام 3فترات. يشير هذا إلى أن كل حزب سيحرز النصر في 3مواقع. وبعد تساوي مرات الانتصار تبدأ الموقعة السابعة: "وتذل يد الله القادرة قوات إبليس وكل جنوده وكل أبناء حزبه إلى الأبد" (نظام الحرب14:1-15). وبكلمات أخرى تعكس حرب الأيام الأخيرة الصراع الدائم بين الخير والشر، النور والظلام. والله وحده هو القادر على ترجيح كفة أبناء النور (راجع نظام الجماعة 3-4). هناك عناصر غير واضحة في هذه الحرب، ولكن يبدو أن ال40 سنة تسير على النحو التالي:

1-    تتخلل السنوات ال40 خمس سنوات سبتية، ولا يسمح بالحرب فيها.

2-    تنقسم ال35 سنة المتبقية إلى مرحلتين:

أ‌.6 سنوات يحارب كل الجيش أعداء إسرائيل التقليديين

ب‌.  29 سنة تواجه فيها بعض فئات الجيش أعداء آخرين

ويمكن إعلان هذا قبل حدوثه لأن الله سبق وحدد الزمن الذي يزيل فيه الشر ويقضي عليه. ويتوقف الكاتب على وصف الأبواق والرايات وتشكيل الجيش والأسلحة. كما يتوسع في إبراز صفات المحاربين الجسمانية وأعمارهم ودور الكهنة واللاويين في الحرب. ويخصص الكاتب جزءاً معتبراً من النص لأناشيد شعرية تشيد بحمد الرب الذي ساند إسرائيل في حروبه عبر السنوات. وتعتبر هذه الأناشيد الله مصدر النصر الوحيد، وتدعوه للتدخّل الآن، كما تدخل في الماضي وتشكره لأنه يحقق النصر النهائي (10-14).

ب. نصوص عن أورشليم الجديدة

وجد في المغاور 1و2و4و5و11 نسخ من مخطوط يصف مجد أورشليم الجديدة الآتية. وللأسف وجدت النسخ في حالة سيئة وفي أجزاء صغيرة متفرقة، مما يصعب أمر دراستها وتحليلها. ولكن في الأجزاء الواضحة يرد وصف خريطة المدينة الذي له ما يوازيه خارج إسرائيل وفي حز40-48 و رؤ 21. استنتج العلماء أن الحديث يدور عن أورشليم من ذكر الهيكل الذي تحمل أبوابه الإثنا عشر أسماء الأسباط. ويرد النص على لسان مرشد يدل الرائي إلى بيوت وطرق وأبواب وحصون ومداخل وسلالم المدينة. ويعطي مقاييس كل عنصر يذكره.

6.  نصوص حكمية

إنه لسابق لأوانه القول بوجود نصوص حكمية تشبه أمثال وأيوب وسيراخ… لأن الجزء الأكبر من هذه النصوص لم ينشر بعد، ولكن يبدو أن عددها ليس بقليل. ويجدر بنا أن نشير أن عدداً من الكتابات الشعرية والأناشيد والمزامير يصطبغ بصبغة حكمية واضحة وإليكم بعض الأمثلة من النصوص التي تم نشرها.

أ‌.     مغ4/184

يتناول النص امرأة تغوي الصديقين لكي يحيدوا عن طريق الاستقامة. وأوصاف هذه المرأة تشبه لحد كبير أوصاف المرأة الزانية التي يتناولها كتاب الأمثال (قارن أم7)، والتي تغوي البسطاء بفنون وحيل الزانية.

ب‌.    مغ4/185

يحث الكاتب القارئين أن يكونوا حكماء وأن يتذكروا الآيات والمعجزات التي صاحبت الخروج من مصر. ويتوجه إليهم، كما يفعل معلمو الحكمة، كأبناء ويدعوهم للبحث عن حكمة الله مصدر كل البركات: إنه يقضي على من يكرهون حكمته.. ابحث عنها وجِدْها، التصق بها وخذها كميراث، لأنها تمنح العمر الطويل والرخاء وسعادة القلب… طوبى لمن يتبعها. (11:2-13).

ج_ نصوص أخرى

اعتبر العلماء النصوص الآتية نصوصاً حكمية: مغ4/408، 410-413، 415-422، 423-426، 472-476، 525و560.

7.      درج النحاس (مغ3/15)

تم العثور في المغارة الثالثة على جزئين من نص محفور على النحاس. إنه النص الوحيد الذي لم تكتب لا على الرق وعلى البردي. وكان الدرج متأكسداً لذلك لم يستطع العلماء فرده. استطاع أحد العلماء الإنجليز هـ. رايت بيكر H.Wright Baker أن يقطعه في شرائح رأسية ونشر ميليكMilik  نص أعمدته الإثنى عشر سنة 1962، بعد أن كان نشر النص وترجمه له العالم جون أوليجرو John Ollegro  سنة 1960. يمثل هذا النص لغزاً عميقاً إذ أن لا أحد يعرف ما هو وما يقصد به الكاتب. يوليه البعض أهمية كبرى لفهم طبيعة نصوص قمران، بينما يميل آخرون للحد من أهميته، إذ يعتبرونه نصاً خرافياً نتيجة رغبة مهمة تبحث عن الكنوز. وحدد ميليك كتاريخ له حوالي سنة 100م، بعد خراب مبنى قمران بمدة غير قليلة. وإذا صح هذا الافتراض فلا ينسب النص لجماعة قمران، ويكون آخرون وضعوه في المغارة الثالثة.

نص الدرج نثري ممل. يذكر 64 مكاناً في فلسطين، تحتوي كنوزاً معدنية (ذهب وفضة) ومواد أخرى ثمينة، ونصوص وضعت بجوارها. إجمالي هذه المواد يختلف: أطنان من المعادن الثمينة، مثلاً. رأى العلماء، الذين يأخذون بحرفيته، أنه يشير إلى المخابئ التي وضعت فيها كنوز الهيكل حتى لا تقع في أيدي الرومان وقت ثورة اليهود الأولى، أو التي خبأ فيها بن الكوكب وأتباعه ممتلكاتهم أثناء الثورة الثانية. بالطبع يستبعد التاريخ الذي يقترحه ميليك الافتراض الثاني (ابن الكوكب) ربما يكون دافع الكاتب على درج النحاس أن يحتفظ بذكرى طويلة المدى!. وغني عن الذكر أن الباحثين حاولوا، دون جدوى، العثور على أي من الكنوز التي يذكرها الدرج. قاد مثلاً أليجرو سنة 1962 بعثة تفتيش في الأماكن التي يبدو أن الدرج يذكرها، وباءت البعثة بالفشل. إن وجدت مثل هذه الكنوز في الأصل فإنها تكون قد نهبت منذ زمن بعيد. وبالتالي ليس هناك أشياء كثيرة حول هذا النص الذي يوجد حالياً في عمان (الأردن).

8.      وثائق تجارية

هناك بعض الوثائق التجارية التي وجدت في مغاور قمران. فقد وجدت في المغارة الرابعة: خطابات (مغ4/342-343)، إيصال دين (344)، عقد لبيع أراضي (345-346)، عقود تجارية (347-348)، عقد بيع ملكية (349)، بعض الحسابات الخاصة بمحصول قمح (350-354) أو النقود (355-358). وربما توجد وثائق أخرى بين النصوص التي لم تصنف بعد. قد يبدو أن هذه الوثائق غير هامة، ولكنها تساعد على تحديد بعض ملامح الجماعة التي تنتمي إليه هذه النصوص. هناك أجزاء من مخطوطات متفرقة لم نتعرّض لها. وقد تعرضنا في الفئات الثلاثة (نصوص كتابية، نصوص كتب قانونية ثانية أو متأخرة، ونصوص أبوكريفية) إلى 530 نصاً تقريباً من حوالي 800 نصاً). ومعظم المخطوطات التي لم تتعرض لها عبارة عن فتافيت صغيرة أو أجزاء في حالة سيئة جداً مما يصعب مهمة التعرّف عليها.

عن مجلة صديق الكاهن