لنتأمل مع بندكتس 22-26 من أبريل

السادس والعشرون من أبريل

روما، الخميس 25 أبريل 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم السادس والعشرين من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

التتلمذ للقيامة

إن الإيمان بالقيامة هو خطوة إلى الأمام على الطريق. ولا يمكن أن يكون سوى سير على خطى المسيح وتتلمذ للمسيح. وقد حدّد الإنجيلي يوحنا في إنجيل الفصح بأشدّ الوضوح إلى أين وكيف ذهب المسيح وحيث يمكننا اتّباعه، كتب: "إنّي صاعدٌ إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم" (يو 20: 17). وهو يقول لمريم المجدلية ألا تلمسه قبل أن يصعد إلى أبيه. لا يمكننا أن نلمسه بحيث نعيده إلى هذا العالم، ولكن يمكننا أن نلمسه باتّباعه والصعود معه. لهذا السبب يقصد التقليد المسيحي التحدث لا عن اتباع يسوع وحسب، بل أيضاً عن اتباع المسيح. ونحن لا نسعى إلى محاكاة حياته التي أصبحت فعل ماضٍ إلى غير رجعة، ولا إلى أن نحوّلها إلى برنامج عمل تنطوي على كل أنواع التسويات وإعادة التقدير. علينا ألاّ نسلب التتلمذ ما هو جوهري فيه، أي الصليب وبنوّة المسيح الإلهية، ووجوده "مع الآب". هذه الأمور أساسية. والتتلمذ يعني أنه أصبح بإمكاننا الآن أن نذهب (بحسب يوحنا) إلى حيث لم يكن بإمكان بطرس واليهود التوجه في البدء. أما الآن وقد سبقَنا إلى هناك، يمكننا الذهاب بدورنا. التتلمذ يعني قبول الدرب بأكمله، والمضيّ إلى تلك الأمور العلويّة، الأمور الخفية وهي الأساسية: الحقيقة والمحبة وبنوّتنا لله… التتلمذ هو خطوة إلى الأمام إلى ما هو خفيّ لكي نكتشف، من خلال خسارة الذات الحقيقية، ما يعني أن نكون بشراً.

 

 

الخامس والعشرون من أبريل

روما، الخميس 24 أبريل 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الخامس والعشرين من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

عبادة القربان المقدس

إن المشاركة في سرّ الإفخارستيا تكون أكثر اكتمالاً كلّما استعددنا لها في الصلاة الصامتة أمام حضور الرب في القربان وكلّما أخذنا المناولة عن استحقاق. وهذا النوع من العبادة عادةً ما يكون أكثر من مجرد التكلم مع الله بطريقة عامة… فالإفخارستيا تعني أن الله قد استجاب: الإفخارستيا هي الله نفسه كجواب، كحضور مستجيب. فلم يعد اتخاذ المبادرة يتوقف علينا، في العلاقة التي تجمع بين الله والإنسان، بل عليه هو، وقد أصبح الأمر جدياً بالفعل اليوم. لهذا السبب، تبلغ الصلاة مستوىً جديداً في عبادة القربان المقدس. إنها اليوم حالة ثنائية الإتجاه وهي بالتالي اليوم مسألة جدية. بل هي بالأحرى لم تعد اليوم حالة ثنائية الإتجاه وإنما مسألة شاملة للجميع: فعندما نصلّي بحضور القربان المقدس لا نعود وحيدين أبداً. فحينئذٍ تكون الكنيسة جمعاء التي تحتفل بسرّ الإفخارستيا تصلّي معنا. فنكون عندذاك نصلّي على مسمع الله الرحيم لأننا نصلّي ضمن نطاق الموت والقيامة، أي حيث تمّ الإستماع إلى دعائنا الحقيقي من بين كل توسلاتنا الأخرى: إنه دعاء للإنتصار على الموت، ودعاء من أجل الحبّ الذي هو أقوى من الموت. في هذه الصلاة، لا نعود نقف أمام إلهٍ من صنع خيالنا بل أمام الإله الذي بذل نفسه بحق من أجلنا، قل أمام الإله الذي من أجلنا صار قرباناً ليحرّرنا ويخرجنا من واقع هامشي إلى الشركة ويوجهنا إلى القيامة. هذه هي الصلاة التي يفترَض بنا أن نسعى إليها.  

 

 

الرابع والعشرون من أبريل

روما، الأحد 24 أبريل 2008 (zenit.org) ننشر في ما يلي تأمل اليوم الرابع والعشرين من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

قدرتنا على استيعاب تحوّل الإفخارستيا

هناك أمر جديد حَدََثَ لم يكن من قبلُ. فالمعرفة بخصوص تحوّل ما هي جزء من أسس الإيمان بالإفخارستيا… فحين يحضر جسد المسيح، المسيح القائم من الموت والمتأنس، يكون أعظم من الخبز الذي لا ينتمي إلى المرتبة عينها. يحدث التحوّل فينسحب على الهبات التي نحملها ويرفعها إلى مرتبة أعلى ويبدّلها، حتى ولو عجزنا عن قياس ما يحصل. فعندما تدخل الماديّات جسدنا لتغذّيه، وعلى كل حالٍ ، عندما تصير أي مادة جزءاً من جسم حيّ، تبقى على ما هي عليه، ولكنها كجزء من كيان جديد متكامل تتبدّل بحدّ ذاتها. ومثل ذلك يحصل في هذه الحالة. فيتجسد الرب في الخبز والخمر فيرفعهما، إن جاز التعبير، من إطار واقعهما العادي إلى نظام جديد. فحتى ولو بقيا من الناحية الفيزيائية البحتة على حالهما، إلا أنهما أصبحا مختلفين تماماً… فحيثما يمرّ المسيح، لا تعود الأمور من بعدُ كما أن شيئاً لم يحصل. وحيثما يضع يده، هناك يولَد واقع جديد. وهذا يعيدنا مجدداً إلى الفكرة القائلة إنه أن يكون المرء مسيحياً يعني أن يتحوّل، وهذا يفترض توبةً وليس زخرفةً وتزييناً وحسب يُسكَب على ما تبقّى من حياته. وهذا الواقع ينزل إلى عمق أعماقنا ويجددنا من عمق داخلنا. فكلّما تجدّدنا كمسيحيين انطلاقاً من جذورنا، سهُل علينا فهم سرّ التحوّل.

 

 

الثالث والعشرون من أبريل

روما، الخميس 24 أبريل 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثالث والعشرين من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

الكاهن كمؤمن

على الكاهن أن يكون مؤمناً، أي شخصاً يخاطب الله. أما في غياب ذلك، فلا معنى لأي من الأعمال الي يؤديها. إن أهمّ ما يمكن الكاهن القيام به هو أن يكون على ما هو عليه، أي مؤمناً. فبالإيمان يسمح لله، هذا الآخر، أن يأتي إلى العالم. وإن لم يؤازرنا الآخر من جهته، يبقى مجهودنا الفردي غير كافٍ. فعندما يشعر الناس بوجود من يؤمن بينهم، ومن يعيش مع الله ومن الله، يصبح الرجاء واقعاً بالنسبة إليهم أيضاً. فمن خلال إيمان الكاهن، تنفتح الأبواب على مصراعيها لدخول البشر، فإذا بهم يدركون أنه من الممكن حقاً أن يؤمنوا حتى في أيامنا هذه. وكل فعل إيمان بشري هو "مشاركة في الإيمان والعيش"، ومن هنا أهمية من يؤمن أمام ناظرَينا. وهذا الشخص معرّض في إيمانه أكثر من الآخرين في نواحي عديدة، سيما وأن إيمانهم يعتمد على إيمانه هو وبما أن عليه، في أي وقت من الأوقات، أن يصمد بثبات في وجه مشقات الإيمان من أجلهم… ففي الإيمان أخذ وردّ متبادل يصير فيه الكهنة والمؤمنون وسطاء لوجود الله بقرب أحدهم الآخر. على الكاهن أيضاً أن يغذّي تواضع هذا التلقي فيه… وأول "مهمة" ينبغي على الكاهن أن يتمّها تقضي بأن يكون مؤمناً وأن يتجدد باستمرار. فالإيمان لا يحضر ببساطة وبشكل تلقائي بل هو أمر يُفترَض عيشه. وهو يقودنا إلى التحادث مع الله، كلاماً وإصغاءً على حدٍّ سواء. فالإيمان والصلاة صنوان لا يمكن الفصل بينهما. ولا يُعتبَر الوقت الذي يمضيه الكاهن في الصلاة والإصغاء إلى كلام الكتاب المقدس هدراً للوقت المخصص للإهتمام الراعوي أو مضيعةً لوقت الآخرين. فالناس يشعرون في ذاتهم بما إذا كان عمل راعيهم وقوله نابعاً من الصلاة أو أنهما من صنعه وتركيبه.

 

 

الثاني والعشرون من أبريل

روما، الخميس 24 أبريل 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثاني والعشرين من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 يقين القيامة

تمثل "نقطة النهاية" رجاءً حقيقياً لنا لأنه يمكننا أن نتوقع بحق أن يُجعل لنا مكان فيها؛ إذ ثمة أمر بائن ملازم للشخص البشري وهو أنه لن يُحوَّل إلى عدم، بل سيُحرَّر من عزلته ويُجعل في شركة ابن الإنسان الأزلي… وقيامة يسوع تمنحنا يقيناً بأن الله موجود وأنه، بوصفه أب سيّدنا يسوع المسيح، إله بشر. إن قيامة يسوع هي التجلّي الأبلغ والجواب الشافي على السؤال حول من له الملك الحقيقي: الموت أم الحياة. الله موجود، وهذه رسالة الفصح الحقيقية. ومن يبدأ بفهم ما يعنيه ذلك يدرك أيضاً معنى الفداء. يدرك لماذا تنشد الكنيسة في الصلوات التي ترفعها في ذلك اليوم أناشيد التهليل المتواصلة، في تعبير عن الإغتباط الذي بلغ منه ما يستحيل وضعه في لغتنا المعتادة، لأن محوره حياتنا بكلّيّتها، بكلّ ما فيها من أمور قابلة للوصف وتفوق كل وصف. والإحتفال بالفصح  يعني اختبار شيء من هذا الفرح.