لنتأمل مع بندكتس 27-28-29 من أبريل

السابع والعشرون من أبريل

كيف نبلغ كرامة المسيح

على الكنيسة أن تعمل على الدوام لتتجدد وتعود إلى ما هي عليه أصلاً؛ عليها أن تفتح الحدود بين الناس وتهدم الحواجز الطبقية والعرقية. ففيها لا يجوز أن يكون منسيّون أو محتقَرون. على نفحة الروح القدس ولهيبه أن يهدما باستمرار تلك الحواجز التي لا ننفك رجالاً ونساءً نقيمها بيننا. علينا أن نعبر على الدوام من بابلوالتقوقع في ذواتنا- إلى العنصرة. فنحن لا ننقطع نغلق أبوابنا، ونريد دائماً أبداً أن نشعر بالأمان وألا يزعجنا الآخرون أو الله في عزلتنا. إذاً، علينا أن نتضرع دونما انقطاع إلى الرب لهذا الغرض، كيما يأتي إلينا ويتجاوز انغلاقنا على ذواتنا. فإذا واضعنا أنفسنا، مع المسيح، ارتفعنا إليه وإلى الله. الله محبة، وعليه فإن النزول والتواضع الذي يتطلبه الحب منّا هو في الوقت عينه الصعود الحقيقي. فبهذه الطريقة بالضبط، في التواضع والخروج من ذاتنا، نبلغ كرامة يسوع المسيح، بل كرامة الكائن البشري الحقيقية. ففي الناس، وبالرغم من كل ما فيهم من حدود وقيود، أصبح اليوم أمر جديد تماماً: إنه روح الله. فحياة الله تحيا فينا، بما فيها من روح محبته وحقيقته وصلاحه. وإلى ذلك يضيف الله قوة الغفران. والقوة التي تتفتق وتعلو على بابل هي قوة الغفران. والغفران يأتي من الصليب. إنه يحوّل العالم بالحب المبذول. وقلبه الذي انفتح على الصليب هو الباب الذي منه تدخل نعمة الغفران إلى العالم. وهذه النعمة وحدها قادرة على تبديل العالم وبناء السلام. وما سوى الغفران يتغلب على الشرّ.

الثامن والعشرون من أبريل

المسيح، الراعي الصالح

إذا كانت "التضحية" في أساسها تعني مجرد عودة إلى الحبّ وهي بالتالي مرادف للتأليه، فقد أصبحت العبادة اليوم تنطوي على ناحية جديدة ألا وهي دمل جراح الحرية المجروحة والتكفير والتطهير والإعتاق من الغربة. إن جوهر العبادة والتضحية –أي عملية الإستيعاب والنمو في الحبّ وعليه، السبيل إلى الحرية- لم يتغيّر. ولكنه اليوم أصبح يفترض ناحية الشفاء وتحول الحرية المكسورة وتكفير الذنوب المؤلم من خلال المحبة. إن العبادة تتوجه إلى "الآخر" بذاته، إلى أنانيته، ولكنها اليوم صارت مرتبطة بهذا الآخر الذي وحده يقدر على أن يحرّرني من القيد الذي لا يمكنني حلّه بمفردي. إن الفداء يحتاج اليوم إلى الفادي. وقد رأى آباء الكنيسة تجسيد ذلك في مثل الخروف الضال ورأوا في الخروف العالق في الأيكة الشائكة والعاجز عن إيجاد طريقه كناية عن الإنسان عموماً الذي لا يستطيع أن يخرج من الأجمة ويجد طريق العودة إلى الله. والراعي الذي ينقذه ويردّه إلى حظيرته هو الـ"لوغوس" نفسه، الكلمة الأزلية، المعنى الأزلي للكون الكائن في الإبن. هو من يأتي للقائنا ويحمل الخروف على كتفيه، أي إنه يأخذ الطبيعة البشرية على عاتقه، وكإله متأنس يحمل البشرية المخلوقة إلى الله. ها هو الإنسان يُعطى إمكانية العودة إلى بيت أبيه. ولكن التضحية أصبحت اليوم تتجسد في صليب المسيح، هذا الحب الذي بموته يبذل ذاته لأجلنا. ولا شأن لهذه التضحية بالدمار. إنها فعل خلق جديد، بل إعادة الخلق إلى ما كان عليه في الأصل. وكل عبادة هي اليوم مشاركة في "فصح" المسيح، في عبوره من الطبيعة الإلهية إلى الطبيعة البشرية، من الموت إلى الحياة، إلى اتحاد الله والإنسان

التاسع والعشرون من أبريل

الراعي الصالح

إن الجنس البشري –بل كل واحد منّا- هو الخروف التائه في البرّية الذي ضلّ طريقه. ولكن ابن الله لن يرضى بأن يحصل ذلك، فهو لا يقدر على التخلّي عن البشرية في هذه الحالة المذرية البائسة. فإذا به ينتفض ويتخلى عن مجد السماوات لينطلق بحثاً عن الخروف ويلحق به، وصولاً إلى الصليب. فيحمله على كتفيه ويحمل إنسانيتنا؛ يحملنا جميعاً- إنه الراعي الصالح الذي يعطي حياته فداءً عن خرافه… عندما صار راعي الإنسانية جمعاء، الإله الحيّ، نفسه حملاً، وقف إلى جانب الحملان، أولئك المنبوذين والمضطهدين والمغدورين… فليست القوة ما يفدينا بل هو الحبّ! هذه علامة الله: هو نفسه محبة… والله الذي صار حملاً يقول لنا إن العالم مخلَّص من خلال المصلوب وليس من خلال أولئك الذين صلبوه. إن العالم مفديّ بفضل صبر الله. وهو يُدمَّر جرّاء نفاذ صبر الإنسان. وإحدى أهمّ مميزات الراعي الأساسية هي أن يحبّ الأشخاص الموكلين إليه، أن يحبهم بقدر ما يحبّ المسيح الذي يخدمه. "إرعَ خرافي!" تلك وصية المسيح لبطرس. والرعاية تعني المحبة، والمحبة هي الإستعداد للتألم من أجل الآخر. والمحبة تعني إعطاء ما هو تمام الصلاح للقطيع، وإقاتته من حقيقة الله، من كلمة الله، وإرواءه من حضوره الذي يعطينا في سرّ القربان المقدس.