لنتأمل مع بندكتس 4-5-6 من مايو

 

 

  الخامس من مايو

نشيد التعظيم

يكشف نشيد تعظيم مريم روحانية المؤمنين الذين يعترفون بأنهم "فقراء" ليس فقط عبر تجردهم من عبادة الغنى والسلطان، ولكن أيضًا عبر تواضع القلب العميق المُفرَغ من تجربة الكبرياء والمنفتح على انفجار النعمة الإلهية الخلاصية. روح هذه الصلاة هو الاحتفال بالنعمة الإلهية التي تفجرت في قلب وحياة مريم، جاعلة منها أم الرب. نسمع صوت العذراء عينها تتحدث عن مخلصها الذي صنع عظائم في روحها وجسدها. إن الهيكلية الحميمة لنشيد صلاتها هي التسبيح، والشكران، والعرفان المفعم فرحًا. ولكن هذه الشهادة الشخصية ليست منعزلة أو فردانية، لأن العذراء الأم تعي بأن عليها أن تحقق رسالة لخير البشرية بأسرها وأن خبرتها تدخل في إطار تاريخ الخلاص. الرب يقف إلى جانب المتواضعين. وغالبًا ما يتخفى مشروعه وراء سياق الأحداث البشرية الغامضة التي تشهد تفوق "المقتدرين والأغنياء". فلنقبل دعوة القديس أمبروسيوس: "لتكن نفس مريم في كل بشر لكي يعظم الرب، وليكن روح مريم في كل إنسان لكي يبتهج بالله؛ إذا كانت أم المسيح واحدة فقط بحسب الجسد، فبحسب الإيمان كل النفوس تستطيع أن تنجب المسيح؛ كل نفس تستطيع أن تقبل كلمة الله في داخلها… ونفس مريم تعظم الرب ويبتهج روحها بالله لأنها تسجد بعاطفة تقوى للإله الواحد الذي منه كل الأشياء… إذا كانت أم المسيح واحدة فقط بحسب الجسد، فبحسب الإيمان كل النفوس تستطيع أن تنجب المسيح: كلٌ يستطيع أن يقبل كلمة الله في حميميته".

 

السادس من مايو

مريم، التربة المقدسة

لقد نَفَذَ "كلمة الله" الأرض حقًا وصار لنا خبزًا. هو البذر، الجواب المثمر الذي مَدَّ من خلاله كلام الله جذوره في هذا العالم. يشكل إطار هذا الوعد الأرضية المثلى للمس سر المسيح واكتشاف ارتباطه الحميم بسر مريم. عندما يقول النص أن الكلمة، أو الحَب، يحمل ثمرًا، يعني عمليًا أن الحَب يغرق في الأرض، ويتشرب قوى الأرض ويحوِّل الأرض إلى ثمر. لا تبقى حبة الحنطة مفردة لأنها تتضمن سر التربة الأمومية – مريم، تربة الكنيسة المقدسة، هي جزء جوهري من المسيح . سر مريم يعني بالتحديد أن "كلمة الله" لا يبقى مفردًا؛ بل أنه يستوعب الآخر – التربة – في ذاته، ويصبح إنسانًا في "تربة" أمه، ومن ثمّ، عبر اندماجه بتربة البشرية برمتها، يعود إلى الله بشكل جديد… يستطيع البشر أن يضحوا تربة خصبة لكلمة الله. يمكنهم أن يصبحوا هذه التربة عبر تأمين العناصر العضوية – إذا جاز التعبير – التي تسمح للحياة أن تنمو وأن تنضج؛ عبر حصولهم على الحياة من هذه المواد العضوية عينها؛ عبر تحولهم إلى كلمة مكونة بفضل نفوذ "الكلمة" إليهم؛ عبر مد جذور حياتهم في الصلاة وبالتالي في الله… أن يكون المرء تربة المسيح يعني أن على التربة أن تترك للبذر أن يستوعبها… أمومة مريم تعني أنها تضع طوعًا موادها، جسدًا وروحًا، في لب البذر لكي تنمو الحياة الجديدة.

الرابع من مايو

روما، الأحد 4 مايو 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الرابع من مايو للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

مريم، خصب النعمة

"الحكمة" تعني الجواب الذي ينبع من الدعوة الإلهية في الخلق والاصطفاء. تُعبّر بشكل دقيق عن أن هناك جواب طاهر وأن حب الله يجد مرتعًا دائمًا في هذا الجواب… من وجهة نظر العهد الجديد، تشير الحكمة من جهة إلى الابن بصفته الكلمة الذي يخلق الله بواسطته، ولكن من جهة أخرى يشير إلى الخليقة، إلى إسرائيل الذي يتشخّص في أمة الرب المتواضعة التي يلبس وجودها بأسره موقف "ليكن لي بحسب قولك". تشير الحكمة إلى اللوغوس، الكلمة التي تؤسس الحكمة، وأيضًا إلى الجواب الأنثوي الذي يقبل الحكمة والذي يجعلها تثمر… وجه المرأة لا غنى عنه في هيكلية الإيمان البيبلي.فهي تعبر عن واقع الخلق كما وعن خصب النعمة. إن معالم الرجاء المجردة بأن الله سيلتفت نحو شعبه، تأخذ في العهد الجديد بعدًا ملموسًا واسمًا في شخص يسوع المسيح. في الوقت عينه، تظهر ملامح المرأة أيضًا باسم: اسم مريم… إنكار أو رفض البعد الأنثوي في الإيمان، أو تحديدًا، نفي البعد المريمي، يؤدي في آخر المطاف إلى إنكار الخلق وإبطال النعمة. يقود إلى صورة عن كلية قدرة الله تجعل من الخليقة مجرد حفلة تنكرية، ويفشل في فهم إله الكتاب المقدس، الذي يتميز بكونه خالق وبكونه إله العهد – الإله الذي تصبح معه وسيلة عقاب ورفض الحبيب – الصليب – تعبيرًا عن تأجج الحب.