لنتأمل مع بندكتس 19-20-21 مايو 2008

روما، الثلاثاء 20 مايو 2008 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم العشرين من مايو للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

التاسع عشر من مايو

الكاهن كوسيط

أولية المسيح تجعل الكاهن متواضعًا حتى عندما تمنحه الحرية. كما وتدلنا على الدرب السوي. إنها تعني أن على الكاهن أن يعرف في قلبه أن مقامه هو إلى جانب الكنيسة، الشعب الذي يقف خارجًا أمام قدس الأقداس ويتكل على شفاعة من يستطيع وحده أن يلج إلى ما وراء الحجاب… على موضوعية الخلاص أن تجعل الكاهن موضوعيًا. فهو يبشر لا بنفسه، بل يعلن إيمان الكنيسة، وبهذا الإيمان، يسوع المسيح الرب… قداسة الكاهن تتألف في صيرورته فقيرًا روحيًا، في أن ينقص أمام الآخر، في خسران نفسه لأجل الآخر: من أجل أولئك الذين أوكلهم إليه الرب… عندما أذهب إلى الكنيسة، لا أذهب لأجد ابتكاراتي أو ابتكارات الآخرين، بل لألاقي ما تلقيناه كلنا من إيمان الكنيسةالإيمان الذي يمتد على مدى العصور والذي يستطيع أن يكون سندًا لجميعنا. بالطبع، على المكنون الموضوعي لإيمان الكنيسة، إذا ما أراد أن يبقى حيًا، أن يلبس لحم ودم الكائنات البشرية، وهبة فكرنا وإرادتنا. ولكن يجب أن يكون هبةَ، لا مجرد تقدمة لحظة. يفشل الكاهن في مهمته كلما توقف عن أن يكون خادمًا: إنه وكيل يعرف أن الإيمان لا يعتمد عليه بل على ما يستطيع أن يتقبله هو بدوره. فقط عندما يفسح لنفسه أن يصبح غير مهم عندها يستطيع أن يضحي مهمًا، لأنه، بهذا الشكل، يضحي نافذة الرب إلى العالمالرب الذي هو الوسيط الحق لشفافية الحب اللامتناهي.

العشرون من مايو

"أنا" المسيح والكاهن

تسهل الذبيحة الافخارستية الشركة مع الألوهة، وينال الإنسان هبات الألوهة من وبواسطة هذه الذبيحة… هو الله الذي يهب نفسه، ويرفع الإنسان إلى صنعه ويسمح له أن يكون في الوقت عينه هبة ومتقبلاً… ولكي يكون حاضرًا الآن ما تحقق عندها، يجب التلفظ بكلمات "هذا هو جسدي – هذا هو دمي". ولكن الناطق بهذه الكلمات هو "أنا" يسوع المسيح. هو وحده يستطيع أن يقول هذه الكلمات؛ إنها كلماته هو. ما من إنسان يستطيع أن يتجرأ أن يأخذ على عاتقه "أنا" أو "خاصة" يسوع المسيح – ولكن مع ذلك، يجب التلفظ بالكلمات لكي لا يبقى السر أمرًا من ماضٍ غابر. لذا هناك حاجة إلى سلطان للتلفظ بهذه الكلمات، وهو سلطان لا يستطيع أحد حمله، ولا تستطيع جماعة، ولا عدة جماعات مجتمعة أن تمنحه. وحده يسوع المسيح، في الشكل "الأسراري" الذي منحه للكنيسة، يستطيع أن يمنح هذا السلطان. على الكلمة أن تدخل في الإطار الأسراري، يجب أن تكون جزءًا من "سر" الكنيسة، التي تشترك في سلطان ليست هي مؤسسته، بل هي تنقله وحسب. هذا ما نعني به عندما نتحدث عن "سيامة" و "كهنوت". عندما نفهم هذا الأمر، يضحي واضحًا أن أمرًا ما يحدث في افخارستيا الكنيسة، وهذا الأمر يذهب إلى ما وراء أي احتفال بشري، وأي عمل بشري مشترك، وأي جهد ليتورجي من قبل جماعة ما. ما يجري هو سر الله، الذي يهب نفسه لنا عبر يسوع المسيح في موته وقيامته. هذا ما يجعل الافخارستيا أمرًا لا بديل عنه؛ هذا هو ضمانة هويتها.

الحادي والعشرون من مايو

الكاهن كخادم

هناك عبارة "خادم الله" (servus Dei) أو "خادم المسيح" (servus Christi) التي تنطبق على الكاهن… ما هو مهم بالنسبة لمسألتنا هو أن مفهوم الخادم يشير إلى علاقة. أحد ما هو خادم لآخر. إذا ما وُصف الكاهن كخادم يسوع المسيح، فهذا يعني أن حياته تتألف بجوهرها من علاقة ما: جوهر دوره هو أن يكون متجهًا نحو الله كخادم، وهو أمر يمتد إلى كامل كيانه. هو خادم المسيح لكي يكون، على أساس المسيح، لأجله ومعه، خادمًا للبشر. إن واقع اتجاهه نحو المسيح لا يتناقض مع علاقته مع الجماعة (مع الكنيسة) بل هو ركيزة هذه العلاقة، وهو ما يضفي عليها عمقها الكامل. توجهه إلى المسيح يعني دخوله في حياة المسيح كخادم وأن يكون في خدمة "الجسد" الذي هو الكنيسة، مع المسيح. وبما أن الكاهن ينتمي إلى المسيح، ينتمي للبشر بمعنىً أكثر جذرية. وبهذا الشكل فقط يمكنه أن يكون بشكل عميق وبشكل غير مشروط مكرسًا لهم. وهذا الأمر يعني بالمقابل أن المفهوم الأنطولوجي لدور الكاهن،  الذي يمتد إلى جوهر كيان الشخص المقصود، لا يتناقض مع جدية المفهوم العملي، أي خدمة الآخرين، بل يهب هذه الخدمة بعدًا جذريًا يستحيل التفكير به في البعد العالمي البحت.