إله الكتاب المقدس ليس جزيئة منغلقة مكتفية بذاتها

بل هو حياة وعلاقة وانفتاح

 بقلم روبير شعيب

 الفاتيكان، 2008 (Zenit.org). – لقد كشف يسوع أن "الإنسان هو بجوهره ابن، خليقة تعيش في علاقة مع الله الآب"، هذا ما قاله قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى احتفاله بالقداس الإلهي في ساحة النصر في جنوى عند الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر أمس الأحد.

 اسم الله

 توقف البابا على القراءة الأولى من كتاب الخروج والتي تقدم الكشف عن اسم الله. فالله عينه، الأزلي واللامنظور، يعلن بينما يمر بالغمام أمام موسى على جبل سيناء اسمه قائلاً: "الرب، الرب، إله رحيم وغفور، بطيء إلى الغضب، وغني بالرحمة والأمانة".

 وأشار البابا أن هذا الاسم يلخصه القديس يوحنا في رسالته الأولى بالقول: "الله محبة"، و يشهد على هذا الإنجيل القائل: "هكذا أحب الله العالم حتى أنه أرسل ابنه الوحيد إلى العالم".

 وأضاف: "يعبّر هذا الاسم عن أن الله ليس جزيئة منفصلة منغلقة على نفسها ومكتفية باكتفائها الذاتي، بل هو حياة تود أن تهب، هو انفتاح وعلاقة".

 "الكتاب المقدس لا يعرف إلهًا آخر إلا إله العهد، الذي خلق العالم ليفيض حبه على كل الخلائق".

 وأشار البابا إلى أن نصوص ليتورجية أحد الثالوث الأقدس تدعونا إلى ارتقاء الجبل مثل موسى. وأوضح أن هذا الأمر "يبدو وكأنه يحملنا بعيدًا عن العالم ومشاكله، ولكن في الحقيقة يكشف أنه إذ نتعرف على الله عن كثب، ننال توجيهات عملية وثمينة لحياتنا: كما جرى لموسى، الذي ارتقى جبل سيناء وبقي في حضرة الله ونال الشريعة مكتوبة على ألواح من حجر، حاز منها الشعب هديًا للمضي قدمًا، ولكي لا يرجع إلى العبودية بل لينمو في الحرية".

 كشف اسم الله يكشف للإنسان هويته

 ثم قال أسقف روما: "من هذه الحقيقة حول الله، التي عرفنا عليه هو بالذات إذ كشف عن "اسمه"، تنبع صورة عن الإنسان، وهي مفهوم "الشخص"". وقد نشأ هذا المفهوم في الحضارة الغربية خلال النقاش الذي نشأ حول حقيقة الله وبشكل خاص حقيقة يسوع المسيح".

 "فإذا كان الله وحدة حوارية، وكيان علائقي، فإن الكائن البشري، المخلوق على صورة الله ومثاله يعكس هذه البنية: لذا فهو مدعو إلى أن يحقق ذاته في الحوار، في اللقاء".

 وقد كشف يسوع أن "الإنسان هو بجوهره ابن، خليقة تعيش في علاقة مع الله الآب"، فالإنسان "لا يحقق ذاته في استقلالية مطلقة، متوهمًا أنه إله، بل بالعكس، عبر اكتشاف نفسه أنه ابن، وخليقة منفتحة، تواقة إلى الله وإلى الإخوة، الذين يجد في وجوههم صورة الآب المشترك".

 ولفت قداسة البابا أن مفهوم الله والإنسان هذا هو أساس نموذج جماعة إنسانية واجتماعية مطابقة، وهو نموذج يسبق كل القوانين والأحكام والدساتير، والخصائص الثقافية. هي حقيقة العائلة التي تسبقنا في التاريخ كركيزة وتقف أمامنا كمشروع تتوق إليه دومًا كل البنى الاجتماعية. وأوضح البابا إلى أن هذا المفهوم يرتكز على حقيقة الله الثالوثية، التي توضح أن الشخص ليس مجرد فرد، والمجتمع هو جماعة وليس مجرد تجمع.

 وأشار قداسة البابا أن تعليم الكنيسة زاخر بالمواقف والتعمق في هذا المجال، فالدستور المجمعي "فرح ورجاء" وتعاليم ورسائل البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا يوحنا بولس الثاني، "تقدم رسمًا متكاملاً ومتماسكًا، يستطيع أن يفعّل ويوجه الالتزام في تعزيز الشخص البشري".

 كما وذكّر البابا بالمذكرة الأسقفية الصادرة بعد لقاء فيرونا بعنوان "مولودون من جديد لرجاء حي": شهود لـ "نعم" الله للإنسان"، وسلط الضوء على نقطتين أساسيتين.

 الأولى هي "أولية الله": "فحياة ونشاط الكنيسة يرتكز على وضع الله في المقام الأول، وليس أي إله، بل الرب الذي له اسم ووجه، إله العهد الذي حرر الشعب من عبودية مصر، وأقام المسيح من بين الأموات ويريد أن يقود البشرية إلى الحرية في السلام والعدالة".

 والخيار الآخر هو وضع الشخص ووحدة وجوده في المحور، في مختلف الأبعاد: في الحياة العاطفية، في العمل والأفراح، في الضعف، في التقليد، في المواطنية".  ففي مجتمع يعيش توتر العولمة والفردانية، الكنيسة مدعوة إلى تقديم شهادة الشركة.  وهذه الشركة لا تنتج "من الأسفل"، بل هي سر يمد "جذوره في السماء".