الشبكة العنكبوتيّة تفتح أبواب كليّات النخبة أمام العامة..

هل تكون خطوة لتعزيز ديموقراطية التعليم

\"انقر

الصورة: جيلبير شرانغ
 
جيلبير سترانغ رجل هادئ وصاحب موهبة نادرة: مساعدة الآخرين على فهم علم الجبر التخطيطي (linear algebra). هو كتب نصف دزّينة من الكتب الجامعيّة التي نالت شعبيّة كبيرة، كذلك ولسنوات عديدة حظي مئات الطلاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا به كأستاذ محاضر متميّز بحقّ.
في الآونة الأخيرة ومع نمو علوم المعلوماتيّة، ظهرت الحاجة إلى فهم علم الجبر أكثر فأكثر كما ازداد عدد طلبته. وكان معهد ماساتشوستس قد أوجد برنامجاً أطلق عليه اسم «الحصص المفتوحة» (OpenCourseWare) يؤمّن جميع الحصص الدراسيّة مجاناً عبر شبكة الإنترنت من محاضرات، وملاحظات، وقراءات، واختبارات وتجارب، وفي أحيان كثيرة محاضرات سمعيّة ـ بصريّة. وتعتبر حصّة سترانغ للرياضيّات 18.06 بين الأكثر شعبية، مع الإشارة إلى تحميل محاضراته من قبل الزوّار مليونا وثلاثمئة ألف مرّة منذ حزيران الماضي.
كمال برساك كابلان، طالب في جامعة بوغازيسي التركيّة في اسطنبول، قام بتنزيل محاضرات سترانغ في محاولة لرفع درجاته. أما سريرام شاندراسيكاران طالب الدراسات العليا في إحدى ضواحي كالكوتا في الهند، فهو يستخدم تلك المحاضرات في دراسته للهندسة في المعهد الهندي للتكنولوجيا.
«طلاّب» كثيرون لسترانغ هم أيضا مدرّسون جامعيون أمثال شيراز علي خان في معهد هندسة صغير في بيشاور ـ باكستان ونورعلي جيواجي في الجامعة المفتوحة في تنزانيا. وهؤلاء يستعينون بسترانغ وبأساتذة آخرين من معهد ماساتشوستس لتنظيم صفوفهم كما يوجّهون طلابهم أيضاً إلى جامعة ماساتشوستس لتلقّي دورات مساعدة.
من جهة أخرى، وإلى جانب طلاب المعاهد والمدرّسين، فئة أخرى لا علاقة لها على الإطلاق بهؤلاء على غرار غاس ويلان المتقاعد وداستين دارسي (27 عاماً) مبرمج ألعاب الفيديو في لوس أنجلوس الذي يستخدم الجبر الخطّي بانتظام في عمله. «فبدلاً من أن أراجع كتبي القديمة، رأيت من المفيد إلقاء نظرة على محاضرات سترانغ علّني أتعلّم شيئاً جديداً» يقول دارسي.
تأخّرت أفضل الجامعات ومعاهد التعليم العالي قبل أن تدخل عالم الإنترنت وتطرح أمام الجميع ما رغبوا من معلومات. لكن برنامج معهد ماساتشوستس يبقى الأوسع في حين أن هذا الاتجاه آخذ في الانتشار. فأكثر من مئة جامعة في جميع أنحاء العالم، بما فيها «جونز هوبكنز»، و«تافت» و«نوتردام» انضمت إلى معهد ماساتشوستس مشجعة على الصفوف المفتوحة. فأنت لم تعد بحاجة إلى بطاقة جامعيّة من «برنستون» لتتمكّن من الإصغاء إلى الضيوف البارزين الذين يحاضرون بانتظام في الحرم الجامعي. كل ما عليك القيام به هو الاتصال بشبكة الانترنت. وقبل أيّام على نهاية ,2007 أعلنت جامعة «يال» أنها ستضع سبعاً من المواد الأكثر شعبيّة لديها على الشبكة، على أن تليها ثلاثون مادة أخرى تباعاً.
وكما هي الحال مع العديد من الاتجاهات التكنولوجيّة، فإن منصّات الخدمات الجديدة هي التي تقود التغيير. في الربيع الماضي مثلاً، تمّ إطلاق «iTunes» كإحدى خدمات «آبل» لتنزيل الموسيقى الشعبية والفيديو وهي اليوم تستضيف مواد مجانيّة لـ 28 معهداً. وفي غضون ذلك، كانت جامعة كاليفورنيا، بيركلي قد أعلنت أن أوّل دورة كاملة للمحاضرات عبر الشبكة ستكون متوفّرة من خلال موقع «يوتيوب» (Youtube).
وإذا لم يتوفّر حتى الآن كلّ شيء من أجل الجميع، فإن الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت. فعلى «iTunes» مثلاً، تتضمّن أحدث التنزيلات الشعبية «تغيّر المناخ» من جامعة ستانفورد، محاضرات عن الوجوديّة من كاليفورنيا ـ بيركلي. ومن ضمن برنامج بيركلي، 48 صفاً ابتداء من «هندسة الديناميكيّة الحرارية» وصولاً إلى «الإحساس الإنساني».
يقول ويلان (المتقاعد) إن «الأمر جيّد كما لو كنا هناك (في معهد ماساتشوستس)». «الشيء الوحيد الذي نفتقر إليه هو الضغط. فنحن عادة لا نقوم بالفروض المنزلية»، يضيف «الآن أنا لست بحاجة إلى القيام بها».
لكن «Youtube»، «iTunes»، و «OpenCourseWare» لا تشكّل تجارب جامعيّة متكاملة. فأنت لا يمكنك رفع يدك وطرح الأسئلة. كذلك، لا يمكنك الحصول على رسالة توصية. أما الأهم من ذلك، فهو أنك لن تنال شهادة.
عندما ظهر الإنترنت، تنبّأ الخبراء بأنه سوف يحدث ثورة في التعليم العالي، موفّراً على «الطلاب» عناء التوجّه إلى الحرم الجامعي. فالتكنولوجيا قادرة على المساعدة في حل واحد من التحديات الأساسية للقرن الحادي والعشرين: توفير التعليم العالي الجماعي في وقت كان فيه الحصول على شهادة جامعية ضرورة لتحقيق النجاح الاقتصادي.
واليوم غير الانترنت الدراسات العليا. فقد برزت صناعة بمليارات الدولارات هدف بعضها الربح وأخرى لا تبغي الربح، لكنها تقدم تدريبا وشهادات على الانترنت. وتشير بعض الأرقام إلى أن هناك حوالى 3.5 ملايين شخص مسجلين في برامج دراسية على الانترنت.
لكن، لغاية اليوم، فإنه ليس واضحاً كفاية دور (إذا كان هناك من دور) لجامعات النخبة في ما سوف تقوم به وما يسمّيه الخبراء «تعميم» التعليم العالي(massification).
ففي العام ,2001 عندما أطلقت جامعة ماساتشوستس برنامج «OpenCourseWare» لخّصت الهدف منه بفصل جامعات النخبة ائتماناتها عن الدراسة بحيث يأتي البرنامج كخدمة عامة. فهي لا تضر بسمعتها على الإطلاق. في الواقع، انها ذاهبة في التوسّع وتعزيز السمعة.
وقد تبين أن هناك طلبا استثنائيا على التعلّم ولو بـ«أجزاء» كالذي توفّره جامعات مثل معهد ماساتشوستس، وإن لم يتضمّن العرض شهادة.
ويسجّل موقع «OpenCourseWare» أكثر من مليون زيارة في الشهر، إلى جانب خمسمئة ألف إضافيّة تؤمّنها الترجمة. حوالى ستّين في المئة من المستخدمين هم من خارج الولايات المتحدة… 15 في المئة منهم مدرّسون وثلاثون في المئة هم من طلاب الجامعات الأخرى. «أعتقد أن الإنجاز الأساسي لدينا هو أن التعلم عن بعد سوف يحل مشكلة الحصول على الشهادة، لكن المشكلة الكبرى تكمن في الوصول إلى المعلومات» يقول ستيف كارسون، مدير العلاقات الخارجية لبرنامج معهد ماساتشوستس. يضيف«إذا كنت تنوي العمل كاختصاصي في الصحّة العامة، أنت بحاجة إلى الشهادة. أما إذا كنت تعمل في مجتمع أهلي معيّن، افريقيا مثلاً، فلست بحاجة إلى الشهادة. أنت فقط بحاجة إلى الوصول للمعلومة».
على بعد حوالى 11600 كيلومتر من كامبريدج، يقع معهد الفنون التطبيقية في ناميبيا الذي يسعى للتزوّد علماً من معهد ماساتشوستس. وعلى الرغم من أنه لم يتخطّ عقداً من الزمن، إلا أنه من المتوقّع أن يلعب دوراً رئيسياً في تنمية البلاد. هو واحد من 84 موقعاً في افريقيا حيث يشارك معهد ماساتشوستس في مواده التعليميّة.
لكن، في الجهة المقابلة، على ساحل جنوب أفريقيا، يوضح جيواجي أن غالبيّة طلاب تنزانيا لم يسمعوا أبداً بمعهد ماساتشوستس. «هم يستخدمون الحصص المتوفّرة لأنها تمنحهم الأدوات اللازمة في دراستهم. فهم يشعرون بالضياع لأنهم لا يملكون مراجع ورقيّة جيّدة».
على الرغم من أنه وجد جمهوراً أعرض، فإن برنامج OpenCourseWare كان موجّهاً إلى المدرّسين في الأساس. والفكرة لم تكن مجرّد الترويج لـ«عباقرة» معهد ماساتشوستس وإنما لمشاركة أساليب التعليم المبتكرة. ويقول خان (الأستاذ الباكستاني) إن البرنامج «يشجع الطلاب على اكتشاف ما هو جديد واختباره. ونحن كنا قد اعتدنا هنا على التركيز على كيفيّة عمل الأشياء وليس على خلق أشياء خاصة». بالنسبة إلى سترانغ «حياتي هي في التدريس.. وأن تكون قادراً على القيام بذلك مع جمهور عالمي لهو أمر رائع».
نقلاً عن "السفير" – المصدر: أسوشيتد برس، موقع التدريس على الانترنت لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: http://ocw.mit.edu