كلمة الكردينال جان لويس توران، رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان،

لندن، 2 يونيو 2008 (ZENIT.org)

 ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها الكردينال جان لويس توران، رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان، في كلية هيثروب في جامعة لندن، والتي حملت عنوان "الحوار بين الأديان، مجازفة أم مناسبة؟"

***

نترعرع في مجتمعات متعددة الثقافات والأديان. وهذا القول لا يصور إلا الواقع. ليس هناك من مجتمعات متجانسة دينياً. في أوروبا، ومنذ صفوف الروضة، يحتك الأولاد الصغار مع زملاء من جميع الأصول، ومن مختلف الانتماءات الدينية. ولا شيء يدعو للدهشة إن فكرنا في كتابة بول تليك: "الدين هو جوهر الثقافة". والتاريخ لم يشهد ثقافات غير دينية!

ومع ذلك، بدأت قناعة تظهر في أوروبا منذ القرن الثامن عشر وتعتبر أن الإيمان يتعارض مع العقل. وعلى الرغم من كونه مؤمناً، شرع ديكارت في تطبيق شكوكه المنهجية في مسائل إيمان. وأحدث تيار الفكر هذا فلسفة التنوير: العقل يحصل على الحقيقة بذاتها. وأدت المعايير الأخلاقية الطبيعية، والمسامحة، والربوبية، أو حتى الإلحاد، إلى الإعتقاد بأن الإنسان يكتفي ذاتياً. وبعد التقدم المهم للعلوم (وفاة نيوتن سنة 1727)، وتطور السفر (والإرساليات)، والأزمات الإجتماعية العالقة، بدا للعديد من الناس بأن المسيحية، بمبادئها وتعاليمها الأخلاقية، لم تخدم التقدم. وبالتالي فإن الشعوب كلها اعتبرت بأنها تنتمي إلى بشرية جمعاء، وبموهبة العقل، اكتشفت بسهولة بأن هناك ديناً طبيعياً دون عقيدة وتعصب. فاكتفى الفرد بذاته، ولم تكن هناك حاجة للنظر في الدين من أجل تفسير أصل الإنسان، ولا لترقب سعادة على غير هذه الأرض. هكذا، اعتُبر الإنسان محور العال م وحُذف عالم ما وراء الطبيعة. على مستوى الأفكار، أدت رؤية الأمور هذه إلى العلم (كل ما لا يبرره العقل البشري ليس له أي وجود)، وعلى مستوى الإنجازات، أدت إلى الثورة الفرنسية (تنظيم مجتمع من دون الله)، التي بلغت ذروتها في القرن العشرين مع شكلي الديكتاتورية (الماركسية-اللينينية من جهة، والإيديولوجية النازية من جهة أخرى).

من الواضح أن الكنيسة ناضلت من أجل رؤية الأمور هذه، وأكدت على أن فصل الدين عن العقل يعني بتر الإنسان الذي خُلق على صورة الله. وتعبر عن ذلك بطريقة جيدة الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني "العقل والإيمان": "في الله يكمن أصل كل شيء، وفيه يوجد كمال الأسرار، ومن هنا يتألف مجده، ومهمة الرجال والنساء هي اكتشاف الحقيقة بعقلهم، وفي هذا يكمن نبلهم". (رقم 17)

ولكن الله الذي نبذناه في الماضي عاد ليظهر اليوم في الحديث العام، إذ هناك العديد من الكتب والمجلات التي تتحدث عن المواضيع الدينية، والسرية، والديانات الجديدة.

تحدث "انتقام الله" (جيل كيبيل) عن اليوم، لا يستطيع أحد فهم العالم بلا ديانات. هذا لأنه – وهنا يظهر فعلاً التناقض الكبير للوضع الحالي- يتم النظر إلى الديانات كخطر، " فالتعصب، والأصولية، والإرهاب، كانوا وما يزالوا مرتبطين بشكل محرف للإسلام. ونحن بالطبع لا نتحدث هنا عن الإسلام الحقيقي الذي تمارسه أغلبية أتباع هذه الديانة. ومع ذلك، فإن الناس يُقتلون اليوم لأسباب دينية (اغتيال رئيس أساقفة الكلدان في الموصل). لقد قرأت أن 123 مسيحياً قُتلوا في العراق، والهند، ونيجيريا لأنهم مسيحيون. والسبب هو أن الأديان قادرة على الأفضل كما على الأسوأ: هي قادرة على خدمة القداسة أو الانحراف، وعلى التبشير بالسلم أو بالحرب. ولكنه من الضروري دائماً أن نوضح بأن الأديان ليست هي التي تشن الحرب بل أتباعها! لذلك تبرز مرة أخرى الضرورة لتوحيد الإيمان بالعقل، إذ أن العمل ضد العقل هو في الحقيقة العمل ضد الله، كما قال البابا بندكتس السادس عشر في جامعة ريغينسبرغ في 12 سبتمبر 2006: "في البدء كان العقل. […] والعقل يعني العقل والكلمة – عقل مبدع وقادر على التواصل مع ذاتة كعقل. […] والعقل الذي لا يكترث لله ويحيل الدين إلى عالم الثقافات الدنيا هو غير قادر على المشاركة في حوار الثقافات".

وبالتالي، نحن في عالم يتساءل فيه رجال ونساء هذا الجيل مجدداً عن المسائل الأساسية حول معنى الحياة والموت، وحول التاريخ والنتائج التي ستحدثها الاكتشافات العلمية المذهلة بعد رحيلهم، في ظل التزعزع المادي والبشري، وأخطار الحروب، ومخاطر البيئة، وأمام فشل الأنظمة السياسية العظيمة للقرن الماضي. لقد تم نسيان مسألة أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح أسئلة ويسأل نفسه عنها. من اللافت بأن إعلان "في زماننا هذا"، الإعلان حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني يشدد على هذا المظهر من الأمور في مقدمته: "ينظر الإنسان إلى الديانات المختلفة من أجل الحصول على أجوبة عن ألغاز وجوده البشري. والمشاكل التي تتعب كاهل الإنسان هي نفسها اليوم كما في السابق. ما هو الإنسان؟ ما هو معنى الحياة وهدفها؟ ما هو التصرف المستقيم وما هو التصرف الخاطئ؟ ما هو مصدر الألم وأي نهاية يخدم؟ ما هي كيفية ا كتشاف السعادة الحقيقية؟ (رقم 1).

لذا، نحن جميعاً محكوم علينا بالحوار. ما هو الحوار؟ إنه البحث عن فهم متبادل بين فردين بقصد ترجمة مشتركة لاتفاقهما أو عدم اتفاقهما. وهذا يقتضي لغة مشتركة، صدقاً في تقديم الموقف، ورغبةً في بذل أقصى الجهود من أجل فهم وجهة نظر الآخر.

وهذه الافتراضات، إن تم تطبيقها في الحوار بين الأديان، تُسهل الفهم بأن المسألة في سياق الدين، ليست مسألة التصرف بلطف مع الآخرين لإرضائهم، ولا هي حتى مسألة تفاوض من ناحية أنه مع إيجاد حل للمشاكل، تنتهي المسألة. في الحوار بين الأديان، إن المسألة هي مسألة مجازفة، وليست مسألة قبول التخلي عن قناعاتي الخاصة بل مسألة تساؤلي عن قناعات الآخر، بالموافقة على أخذ حجج بالاعتبار مختلفة عن حججي أو حجج جماعتي. جميع الديانات، كل واحدة على طريقتها، تناضل من أجل الإجابة عن لغز الوضع البشري. كل ديانة لها هويتها الخاصة ولكن هذه الهوية تمكنني من أخذ ديانة الآخر بالاعتبار. من هنا، ينشأ الحوار. فالهوية، والآخر، والحوار عناصر مجتمعة.

ويعلن إيماني المسيحي أن يسوع "النور الحق جاء إلى العالم لينير كل إنسان" (يوحنا 9:1). وهذا يعني بأن نور المسيح هو في كل إنسان. ونتيجة لذلك، كل ما هو إيجابي في الأديان له طبعاً انعكاساته. وكل ما هو إيجابي يشارك في النور العظيم الذي يسطع على جميع الأنوار. عندئذ تُفهم بطريقة أفضل مقدمة "في زماننا هذا" ووثيقة "الحوار والإعلان": كل ما هو حقيقي ومقدس في كل دين، مقبول ومعزز ومتمم بالمسيح. إنه منطق التجسد: يتخذ العقل الطبيعة البشرية، يطهرها ويمجدها! ولكن حذار! نحن لا نقول أن "لجميع الأديان قيمة متساوية". بل نقول "كل الأديان التي تبحث عن الله لها كرامة متساوية".

يهدف المجلس الحبري للحوار بين الأديان الذي أسسه بولس السادس يوم العنصرة سنة 1964 إلى تطبيق رؤية الأمور هذه التي نشأت عن إعلان "في زماننا هذا" (الإعلان الأكثر اختصاراً للمجمع الفاتيكاني الثاني). وللمجمع ثلاثة أهداف:

تعزيز تبادل المعرفة، والاحترام، والتعاون بين الكاثوليك وأعضاء الأديان غير المسيحية

تشجيع وتنسيق دراسة هذه الأديان

تعزيز تدريب الأشخاص المتجهين إلى الحوار بين الأديان

من المهم التشديد على أن خبراء هذا الحوار بين الأديان ليسوا مسؤولين عن المجمع بل أعضاء من المؤمنين ورعاة من الكنائس المحلية. نحن نتدخل فقط لمساعدتهم بغية التشجيع، بطريقة عقائدية صحيحة، على المعرفة والتعاون بين المؤمنين المدعوين، أولاً، إلى الاهتداء مما يعني الاقتراب من الله، والخضوع لمشيئته. هذا النوع من الحوار هو أساساً نشاط ديني.

أما تركيبة مجلسنا فهي على الشكل التالي:

مجموعة أعضاء من كرادلة وأساقفة من مختلف البلدان، يلتقون في جمعية عامة كل سنتين أو ثلاثة سنوات.

مجموعة مستشارين: حوالي 30 متخصصاً من كل جانب تقريباً.

وهيئة المجمع.

ونسعى جميعاً إلى سلوك الدرب التي رسمها بندكتس السادس عشر: "البحث عن سر الله على ضوء تقاليدنا الدينية الخاصة بكل منا وحكمتنا لتمييز القيم التي قد تنير الرجال والنساء من كل شعوب الأرض، مهما كانت ثقافتهم أو ديانتهم… إن تقاليدنا الدينية الخاصة بنا تشدد كلها على الطابع المقدس لحياة وكرامة الإنسان… ونتطلع للسلم مع جميع الشعوب أصحاب النية الحسنة. لذلك أشدد مرة أخرى على أن البحث والحوار بين الأديان والثقافات ليسا خياراً بل ضرورةً أساسية في وقتنا هذا" (الكلمة التي وجهها إلى أعضاء مؤسسة البحث والحوار بين الأديان والثقافات، 1 فبراير 2007).

ومن الضروري أيضاً العودة إلى "في زماننا هذا"، وبخاصة إلى المقطعين الثاني والثالث: "الكنيسة الكاثوليكية تقبل بكل ما هو حقيقي ومقدس في هذه الديانات. وتحترم كثيراً طريقة العيش والسلوك، والمبادئ والعقائد التي، وعلى الرغم من اختلافها بعدة طرق عن تعاليمها الخاصة، غالباً ما تعكس نوراً من تلك الحقيقة التي تنير كل الخلق. ومع ذلك فإنها تُعلن ويتوجب عليها حتماً إعلان المسيح الذي هو "الطريق والحق والحياة" (يوحنا 6:1). فيه، في من صالح الله كل الأمور لنفسه (2كورنتس 5: 18-19) يجد الإنسان كمال حياته الدينية (رقم 2). ومن الجدير بالذكر العلاقات المميزة التي تربط المسيحيين والمسلمين الذين "يعبدون الله الواحد، الحي، الأزلي، الرحيم والقدير… الذي كلم أيضاً الإنسان" (رقم 3)، والروابط الموجودة مع اليهود، الذين منهم "تلقت الكنيسة… وحي العهد القديم" والذين ينتسب إلى عرقهم المسيح والرسل "بالجسد". (راجع رقم 4).

ومن هنا، يفهم الإنسان أكثر، وفقاً للرسالة العامة "رسالة الفادي" (7 ديسمبر 1990)، بأن الحوار بين الأديان "لا ينشأ عن شؤون تكتيكية أو مصلحة شخصية" ولكنه "مطلوب بفائق الاحترام لكل ما أحدثه الروح في الكائنات البشرية والذي ينفح حيثما يريد". وبالتالي "فإن الكنيسة تسعى عبر الحوار إلى الكشف عن "بذور الكلمة"، عن "نور من الحقيقة التي تنير جميع الخلق"، وهذه كلها موجودة في الأفراد وفي التقاليد االدينية للجنس البشري". ونتيجةً لذلك، "فإن الأديان تشكل تحدياً إيجابياً للكنيسة، إذ تحثها على اكتشاف ومعرفة علامات وجود المسيح وعمل الروح، والتدقيق بشكل معمق بهويتها الخاصة، والشهادة لكمال الوحي الذي تلقته لخير الجميع" (رقم 56، "في كل مكان")

نستطيع القول بأنه ومنذ نهاية المجمع الفاتيكاني ولغاية أيامنا الحالية، انتقل الكاثوليك من المسامحة إلى اللقاء، وصولاً إلى الحوار:

حوار الحياة: علاقات ودية جيدة مع غير المسيحيين تشجع مشاركة الأفراح والمشاكل

حوار الأعمال: تعاون يهدف إلى خير الفريقين، وبخاصة الأشخاص الذين يعيشون بوحدة في الفقر أو المرض

حوار التبادلات اللاهوتية الذي يخول الخبراء الفهم العميق للإرث الديني الخاص

حوار الروحانيات الذي يوفر ثروة حياة الصلاة للجميع، في المجموعتين

لذلك، فإن الحوار بين الأديان يحرك جميع أولئك الذين هم في طريقهم إلى الله أو إلى المطلق.

 

 

 

***

 

إن المؤمنين الذين يواصلون نوع الحوار هذا لا يتم غض النظر عنهم، لأنهم ثروة المجتمع. وبما أن المواطنين الذين ينتمون إلى دين معين يشكلون أكثرية، هناك "واقع ديني" أساسي إلى حد أن الإيمان الديني يمارس في قلب الجماعة ("العقائد")! والمؤمنون حاضرون ومعروفون من خلال أعدادهم، وامتداد تقاليدهم، ووضوح مؤسساتهم وطقوسهم. هم مقدرون أم معارَضون، ولكنهم يتركون انطباعاً في الشخص، مما يدفع قادتهم إلى الاتفاق مع جماعات أخرى من المؤمنين من غير فقدان هويتهم، وإلى التعرف على بعضهم البعض من غير خصومة. وتقع على السلطات المدنية مسؤولية الانتباه إلى الواقع الديني، والمراقبة بغية ضمان الاحترام الفعال لحرية الضمير والمعتقد، والتدخل فقط في حال أذت هذه الحرية حرية غير المؤمنين أو أزعجت النظام والازدهار العامين.

وبطريقة أكثر إيجابية، من مصلحة قادة المجتمعات التشجيع دوماً على الحوار بين الأديان والاعتماد على إرث الديانات الروحي والأخلاقي كقيم تساهم في التناغم العقلي، والتلاقي بين الثقافات، وتعزيز المصلحة العامة. وعلاوةً على ذلك، تحث جميع الأديان أتباعها، بطرق مختلفة، على التعاون مع جميع الذين يسعون إلى:

ضمان الاحترام لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية

تنمية حس أخوة وعون متبادل

الاستلهام من "خبرة" جماعات المؤمنين الذين يجمعون مرة في الأسبوع على الأقل، الملايين من مختلف الشعوب في إطار عبادتهم في تشارك روحي حقيقي

مساعدة رجال ونساء اليوم على تجنيبهم الوقوع في استعباد الموضة لهم، وفي التبذير، والكسب الفردي

إذاً، وفي ختام السؤال عما إذا كان الحوار بين الأديان مجازفة أم مناسبة، أجيب بأنه الاثنين معاً!

إن كان كذلك، فلا بد من سؤالي: "إذاً لِمَ تخيف الأديان الناس؟"

أجيب بأنه علينا ألا نخاف من الأديان: فهي تبشر بالأخوة عموماً! وإنما علينا الخوف من أتباعها، فهم قادرون على تحريف الدين بوضعه في خدمة المخططات السيئة. والتعصب الديني مثلاً هو تضليل الدين كما هو حال تبرير الإرهاب باسم القيم الدينية. يجب على الزعماء الدينيين التحلي بالشجاعة لإدانة هذه "الأورام" واستئصالها.

وللأسف، من جهة أخرى، تساهم عوامل أخرى في تعزيز الخوف من الأديان:

جهلنا محتوى الديانات الأخرى

عدم تعرفنا إلى المؤمنين من الديانات الأخرى

تحفظنا على عدم مواجهة المؤمنين من الديانات الأخرى لمجرد أنه ليست لدينا أفكار واضحة جداً عن ديانتنا الخاصة!

ومن ثم، وبالتأكيد، أعمال العنف أو الإرهاب التي تُرتكب باسم ديانة معينة

وعلاوةً على ذلك، مصاعب ممارسة العقيدة التي يواجهها المؤمنون المنتمون إلى أقليات في بلدان تتمتع فيها الأكثرية بوضع ذي امتياز بسبب التاريخ أو القانون.

بغية معالجة هذا الوضع، من الضروري:

امتلاك هوية روحية جازمة، أي أن نعرف في من وفي ما يؤمن الشخص

اعتبار الآخر كباحث عن الله وليس كخصم

الموافقة على التحدث عما يفرقنا وعن القيم التي تجمعنا

فلنتناول مسألة الإسلام. ما يفرقنا لا مجال للتعمية عليه:

العلاقة بكتاباتنا الخاصة: بالنسبة إلى مسلم، القرآن هو "كتابة إلهية" دونها نبي الإسلام، أما بالنسبة إلى مسيحي، فإن الوحي ليس كتاباً بل شخصاً.

شخص يسوع الذي يعتبره المسلمون فقط نبياً استثنائياً.

عقيدة الثالوث التي تجعل المسلمين يعتقدون بأننا مُشركون.

ولكن هناك أيضاً حقائق تظهرنا موحدين وأحياناً متعاونين في نشر القضية عينها:

الإيمان بأحادية الله، مبدع الحياة والعالم المادي

الطابع المقدس للإنسان الذي سمح مثلاً بتعاون الكرسي الرسولي والبلدان المسلمة مع منظمة الأمم المتحدة لتجنب قرارات تؤذي العائلات.

التيقظ لإبعاد الرموز التي تعتبر "مقدسة" عن السخرية العامة.

كما أود الإشارة أيضاً إلى بعض نواحي الحياة الملموسة حيث يمكن للمسيحيين والمسلمين معاً أن يساهموا فعلياً في الخير العام للمجتمع:

أولاً بالشهادة لحياة صلاة فردية وجماعية، بالتذكير بأنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان". وفي عالمنا اليوم، يتوجب التشديد على ضرورة الحياة الداخلية وإظهارها.

ثانياً بإمكان المسيحيين والمسلمين المخلصين لالتزاماتهم الروحية المساعدة على الفهم بشكل أكبر بأن حرية المعتقد تعني أكثر بكثير من توفر كنيسة أو جامع تحت تصرفهم (هذا واضح وأقل ما يمكن طلبه) إذ تعني أيضاً إمكانية المشاركة في الحوار العام من خلال ثقافة (المدارس والجامعات)، وأيضاً من خلال المسؤوليات السياسية والاجتماعية التي يفترض على المؤمنين أن يكونوا فيها مثالاً يحتذى به.

يجب على المسيحيين والمسلمين معاً ألا يترددوا في الدفاع عن قداسة الحياة البشرية وكرامة العائلة، كما فعلوا في إطار الإجتماعات الأخيرة التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة.

يجب ألا يحجموا عن توحيد جهودهم في مكافحة الأمية والأمراض.

تقع على عاتقهم مسؤولية مشتركة في تأمين إعداد أخلاقي للشباب.

وأخيراً يجب عليهم أن يكونوا مصلحين، وأن يعلموا منهجية السلم في العائلة، في الكنيسة والجامع، في المدرسة والجامعة.

في الكتاب المفتوح الذي وجهه 138 زعيماً مسلماً إلى الزعماء الدينيين الكاثوليك، يوجد تشديد بشكل مناسب على أن المسيحيين والمسلمين يمثلون 55% من سكان العالم، وبالتالي، فإن أخلصوا لديانتهم الخاصة، يستطيعون فعل الكثير للمصلحة العامة، للسلم والتناغم في المجتمع الذي ينشأون عنه.

ويساعد سياق كهذا على التطرق بهدوء إلى "المواضيع" القديمة والشائكة: مسألة حقوق الإنسان، مبدأ حرية الضمير والمعتقد، التبادل في ما يتعلق بأماكن العبادة.

وأخيراً، أكثر ما يسبب الخوف هو عدم معرفة الآخر. من الضروري لنا أولاً أن نتعرف إلى بعضنا البعض من أجل أن نحب بعضنا البعض! هذه هي مشيئة الله. وكما قال البابا بندكتس السادس عشر في تركيا: "نحن مدعوون إلى العمل معاً، لنساعد المجتمع على الانفتاح على المتعالي، وإعطاء الله القدير مكانه الصحيح…" (لقاء مع رئيس مديرية الشؤون الدينية، قاعة المؤتمرات في "ديانات"، أنقرة، 28 نوفمبر 2006).

وفي الختام، يجب أن أقول بأن المسيحيين والمسلمين يعلنون رسالة ذات شقين:

وحده الله يستحق كل عبادة. لذلك، جميع الأصنام (الثروة، والسلطة، والمظاهر، والمتعة) التي صنعها الإنسان تشكل خطراً على كرامة الشخص البشري، الكائن الذي خلقه الله.

وبنظر الله، ينتمي جميع الرجال والنساء إلى العرق عينه، وإلى العائلة عينها. هم مدعوون جميعاً إلى الحرية وإلى لقائه بعد الممات.

المؤمنون هم أنبياء رجاء، إذا جاز التعبير. هم لا يؤمنون بالقدر. هم يعلمون أنهم بوهب الله لهم قلباً وذكاءً، يمكنهم بمساعدة منه، أن يغيروا مجرى التاريخ من أجل توجيه حياتهم بما يتوافق مع مخطط الخالق، مما يعني جعل البشرية عائلة حقيقية ينتمي إليها كل واحد منا. بأية حال، علينا نحن المسيحيون أن نتذكر دوماً عظة بولس في الرسالة إلى روما: "فلنسعَ إذاً وراء ما يؤدي إلى السلام وما يؤدي إلى بنيان بعضنا بعضاً" (19:14). إنها فعلاً خارطة طريق رائعة!

وبقولنا ذلك، لا بد من أن نكون متواضعين. نحن لم نفسر الله! يجب علينا التوقف عند بداية السر "سر الله حيث يُفهم الإنسان بدلاً من أن يفهم، وحيث يعبد بدلاً من أن يفكر، وحيث يكون خاضعاً بدلاً من أن يُخضِع" (كارل رانر).

 

نقلته من الانكليزية إلى العربية غرة معيط