لنتأمل مع بندكتس 15-16-17-18-19 من يونيو

 الخامس عشر من يونيو

روما، الأحد 15 يونيو 2008 (ZENIT.org).

 ننشر في ما يلي تأمل من يونيو للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

الشريعة هي الوجهة الداخلية لحياتنا

في عصره الذهبي، وجد إسرائيل في الشريعة أمرًا يحرره من أجل الحقيقة، يحرره من وقر الحيرة، وجد فيها نعمة الطريق. وبالواقع، نحن نعرف اليوم أن الإنسان ينهار إذا ما كان عليه أن يبتكر نفسه باستمرار، إذا كان عليه أن يخلق الوجود البشري دومًا من جديد. بالنسبة للإنسان، إرادة الله ليست قوة غريبة خارجية، بل هي وجهة كيانه بالذات. لذا فالكشف عن إرادة الله هو كشف عن أمانينا الحقة – إنه هدية. لذا يجب علينا أن نتعلم من جديد أن نكون شاكرين أن كلمة الله منحتنا إرادة الله والمعنى لوجودنا. حضور الله في الكلمة يرتبط بحضوره في الافخارستيا بلا انفصال. الرب الافخارستي هو الكلمة الحي. فقط إذا ما عشنا في محيط كلمة الله يمكننا أن نفهم هبة الافخارستيا ونتقبلها بشكل لائق… صارت الشريعة عبئًا عندما توقف الناس عن عيشها من الداخل وقسموها إلى مجموعة من الأحكام الخارجية أصلاً وطبيعةً. ولذا يقول لنا الرب مشددًا: شرعية الله الحقة ليست أمرًا خارجيًا. بل هي تقيم في الداخل. إنها وجهة حياتنا الداخلية، التي تأتي إلى الوجود وتقوم بإرادة الله. تخاطبنا في حميمية ضميرنا. الضمير هو البعد الداخلي لحضور الله، وهو وحده يستطيع أن يمكننا من قبول الحضور الافخارستي… الإيمان بالمسيح يستطيع ببساطة أن يربط بين كياننا الداخلي وضميرنا من جديد.

 

  السادس عشر من يونيو

 الافخارستيا والشركة

في أبيتيني، قرية صغيرة في تونس اليوم، فوجئ تسعة وأربعون مسيحيًا في يوم أحد كانوا يحتفلون فيه بالافخارستيا، مجتمعين في دار أوكتافيوس فيليكس، متحدين بذلك التحريمات الإمبراطورية. ألقي القبض عليهم واقتيدوا إلى قرطاجة حيث استجوبهم الحاكم أنولينوس. وقد أعطى أحد المؤمنين واسمه أميريتوس جوابًا رائعًا للحاكم الذي سأله عن سبب عصيانهم لأوامر الأمبراطور. أجاب: لا يمكننا أن نعيش دون الاجتماع سوية يوم الأحد للاحتفال بالافخارستيا. تنقصنا القوة لمواجهة صعاب الحياة اليومية وعدم السقوط… المسيح حاضر حقًا في ما بيننا في الافخارستيا… إنه حضور ديناميكي يمسك بنا ويجعلنا خاصته، ويحولنا إليه. يجذبنا المسيح إلى ذاته، ويجعلنا نخرج من ذواتنا لكي نتحد به… الشركة مع الرب هي دومًا شركة مع الإخوة والأخوات… هو الرب الواحد، حاضر في الخبز الافخارستي، خبز جميع ربوع الأرض. وهذا يعني أننا نستطيع اللقاء به فقط برفقة الآخرين. يمكننا أن نتقبله فقط عبر الوحدة… النتيجة واضحة: لا يمكننا أن نتواصل مع الرب إذا لم يتواصل بعضنا مع البعض الآخر. إذا ما أردنا أن نقدم ذواتنا إليه، يجب علينا أن نسير في اتجاه اللقاء أحدنا بالآخر. يجب علينا، من أجل القيام بذلك، أن نتعلم أمثولة الغفران العظيم: يجب ألا نسمح للغيظ أن ينخر نفوسنا، بل يجب أن نفتح قلوبنا لعظمة الاصغاء للآخرين، أن نفتح قلوبنا لفهمهم، وفي نهاية المطاف أن ننفتح لقبول اعتذارهم، ونقدّم ذواتنا إليهم بسخاء.

السابع عشر من يونيو

الحياة الرسولية

إذا كان العنصر "الرسولي" هو موضع الحركات في الكنيسة، فيجب أن تكون رغبة "الحياة الرسولية" أساسية في الكنيسة على ممر العصور. لقد تم اعتبار التخلي عن الممتلكات، والسلف، وكل الجهود لفرض وجهة النظر الذاتية على الكنيسة – بكلمة أخرى، الطاعة في اتباع المسيح – كالعنصر الجوهري في الحياة الرسولية في كل العصور، والذي لا ينطبق بالطبع بالشكل عينه على كل المشاركين في الحركة، ولكنه يركز بأشكال متنوعة على توجيه حياة كل شخص إلى فائدة الجميع. الحياة الرسولية، بدورها، ليست غاية بحد ذاتها؛ بل هي تخلق حرية الخدمة. الحياة الرسولية تدعو إلى العمل الإرسالي: هناك في المقام الأول – وهنا أيضًا، بأشكال مختلفة – إعلان الإنجيل كعنصر إرسالي. في اتباع المسيح، يحتل التبشير بالإنجيل المكان الأول دومًا: تبشير الفقراء (evangelizare pauperibus). ولكن هذا الأمر لا يتم أبدًا عبر الكلمات فقط: يجب عيش الحب – الذي يشكل قلبه الأكثر حميمية، وفي الوقت عينه محور حقيقته وقلب نشاطه – ولهذا يجب أيضًا الإعلان عن هذا الحب. لذا فالخدمة الاجتماعية ترتبط دومًا بالإنجيل بشكل أو بآخر. وكل هذا يتضمن… لقاءً عميقًا مع المسيح… فقط عندما يكون الشخص ملموسًا من المسيح ومنفتحًا عليه في قلبه الأعمق، عندها يستطيع أن يحرك قلب شخص آخر؛ فقط في هذه الحالة يمكن إحقاق المصالحة في الروح القدس؛ فقط عندها بإمكان الجماعة الحقة أن تنمي.

الثامن عشر من يونيو

زياح عيد جسد الرب

إن زياح الخميس المقدس يرافق يسوع في وحدته نحو "درب الصليب". بالمقابل، يجيب زياح جسد الرب بشكل رمزي على دعوة القائم من الموت… هذا البعد الكوني للحضور الافخارستي يظهر في زياح عيدنا. نحمل المسيح، الحاضر في أعراض الخبز في شوارع مدينتنا… عبر هذه البادرة، نضع أمام ناظريه آلام المرضى، عزلة الشباب والمسنين، التجارب، المخاوف، وكل حياتنا. الزياح هو بركة عظيمة وعامة لمدينتنا: المسيح هو الأقنوم-البركة الإلهية في العالم… في زياح عيد جسد الرب، نرافق القائم في زيارته إلى كل العالم، كما سبق وقلنا. وبهذا الشكل، نجيب على دعوته: "خذوا كلوا… اشربوا منه كلكم" (متى 26، 26 وما يلي). القائم، الحاضر في عوارض الخبز، لا يمكن "أكله" مثل كسرة خبز بسيطة. أكل هذا الخبز يعني الدخول في شركة مع شخص الرب الحي. هذه الشركة، عمل "الأكل" هذا هو بالحقيقة لقاء بين شخصين؛ إنه إفساح المجال لكي تتغلغل فينا حياة ذلك الذي هو الرب، والخالق والمخلص. الغاية من المناولة هي أن تنخرط حياتي بحياته، وأن أتحول وأتجلى مع ذلك الذي هو الحي. لذا، هذه المناولة تتضمن العبادة، إرادة اتباع المسيح، اتباع ذلك الذي يسير قدامنا. العبادة والزياح يشكلان جزءًا من عمل المناولة. إنهما جواب على دعوة: "خذوا وكلوا".

 

التاسع عشر من يونيو

عيد جسد الرب وغد الله

 عيد جسد الرب هو دعوة من الرب إلينا، ولكنه أيضًا صراخنا إليه. كل العيد هو بمثابة صلاة كبيرة: أعطنا ذاتك. أعطنا الخبز الحق. يساعدنا عيد جسد الرب بهذا الشكل على فهم الصلاة الربية بشكل أفضل… الطلبة الرابعة، التي تطلب الخبز، هي صلة وصل بين الطلبات الثلاث الأولى المتعلقة بملكوت الله، والطلبات الثلاث الاخيرة المتعلقة بحاجاتنا. إنها تربط بين المجموعتين. ماذا نطلب في الصلاة هنا؟ بالتأكيد، نطلب خبز اليوم. إنها طلبة التلاميذ، الذين يعيشون، لا اعتمادًا على كنوز واستثمارات، بل معتمدين على صلاح الرب اليومي، عائشين بالتالي في تبادل متواصل معه، رانين إليه وواثقين به. إنها طلبة لا تنطبق على أناس يكدسون الأملاك ويحاولون أن يضمنوا أنفسهم، بل تنطبق على أناس يرضون ويقتنعون بما هو ضروري، لكي يتوفر لهم الوقت لما هو حقًا أهمّ. إنها صلاة البسطاء… عبر هذه الطلبة، تضحي عملية جدًا صلاة أن يأتي ملكوت الله، وتكون مشيئته: في الافخارستيا، المساوات تأتي إلى الأرض، وغد الله يصبح اليوم، ويحمل عالم الغد إلى عالم اليوم. ولكن الطلبات لعدم الدخول في التجربة، والنجاة من الإثم، من ثقل التجارب هي ملخصة هنا أيضًا: أعطنا هذا الخبز، لكي يضحي قلبنا يقظًا، ولكي يستطيع أن يقاوم الشرير، وأن يميز بين الخير والشر، ولكن يتعلم أن يغفر، وأن يبقى قويًا في التجربة.