لنتأمل مع بندكتس 20-21-22-23-24 من يونيو

لنتأمل مع بندكتس

روما، الجمعة 20 يونيو 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل  من يونيو للبابا بندكتس السابع عشر، من كتاب "بندكتس".

الافخارستيا والشعب الجديد

 إن تأسيس سر الافخارستيا الأقدس عشية الآلام لا يمكن اعتباره كعمل طقسي منفصل. إنه قيام العهد، وبهذا المعنى هو تأسيس شعب جديد: الشعب الذي يولد عبر علاقة العهد بالله. يمكننا أن نقول أن يسوع، عبر عمله الافخارستي، يجذب التلاميذ إلى صلب علاقته بالله، وبالتالي إلى رسالته، التي تروم الوصول إلى "الكثيرين"، إلى البشرية في كل مكان وزمان. يصبح هؤلاء التلاميذ "شعبًا" بفضل الشركة بجسد ودم يسوع والتي هي في الوقت عينه شركة مع الله. ينال موضوع العهد في العهد القديم، والذي أدخله يسوع في تعليمه، محورًا جديدًا: الشركة مع جسد المسيح. يمكننا أن نقول أن شعب العهد الجديد يجد أصله في كونه شعبًا من جسد ودم المسيح؛ فقط عبر هذا المحور يمكن الكلام عن واقعه كشعب. يمكننا أن نسميه "شعب الله" فقط لأنه عبر الشركة مع المسيح يستطيع الإنسان أن يصل إلى بناء علاقة مع الله لا يمكنه أن يؤسسها على قواه البشرية.

 

الحادي والعشرون من يونيو

 المناولة المقدسة والجسد الواحد

الجسد هو ذات الإنسان التي لا تتطابق مع البعد اللحمي بل تضمه كعنصر بين العناصر الأخرى التي تؤلف الإنسان. يهب يسوع ذاته – المسيح، الذي هو القيامة يستمر في الوجود في شكل جديد من الجسدانية التي هي التداخل الحميم بين ذاتين. المناولة تعني أن ما كان يبدو حاجزًا لا يمكن تجاوزه المتمثل بـ "أنا"ي بات مفتوحًا بالكلية، لقد أخذنا جميعنا وبكليتنا في ذاته ووضع نفسه بالكلية بين يدينا. وبالتالي، فإن المناولة تعني امتزاج الوجود؛ تمامًا كما هو الحال عندما نتناول طعام الجسد حيث يحول الجسم موادًا غريبة إلى ذاته، وبالتالي يتمكن من العيش، كذلك الأمر بالنسبة لـ "أنا"ي الذي "يتحول" إلى أنا المسيح، يضحي شبيهًا به عبر تبادل يحطم الحدود الفاصلة بشكل متزايد. ويجري الحدث نفسه في كل من يشارك بالمناولة؛ فالجميع يتحولون إلى هذا "الخبز" ويصبحون بالتالي جسدًا في ما بينهم. بهذا الشكل تبني المناولة الكنيسة عبر فتح فسمحات بين أسوار ذاتيات الأشخاص وعبر جمعنا في شركة وجود عميقة. إنه حدث "الجمع" الذي فيه يضم الرب أحدنا إلى الآخر.

 

 الثاني والعشرون من يونيو

المناولة الافخارستية

 
يقول القديس أغسطينوس: بأكلنا الخبز الواحد نضحي ما نأكل. يقول في اعترافاته أن هذا الخبز هو طعام الأقوياء. الخبز العادي أضعف من الإنسان، فهو يفيد الإنسان، يأخذه جسم الإنسان فيتحول إليه وينمو الجسم. ولكن هذا الطعام المميز، الافخارستيا، هو أسمى من الإنسان وأقوى منه. وبالتالي يتم عكس العملية التي ذكرناها لتونا: فالإنسان الذي يأكل الخبز يتحول بفضل هذا الخبز، ويؤخذ به؛ يتحد بهذا الخبز ويضحي خبزًا كالمسيح بالذات… الافخارستيا ليست أبدًا حدثًا محصورًا بفردين، حوار بين المسيح وبيني. الهدف من المناولة الافخارستية هو إعادة إخراج كاملة لحياة المرء، التخلي عن "أنا" الإنسان وخلق "نحن" جديد. الشركة مع المسيح هي بالضرورة شركة وتواصل مع من هم للمسيح: هذا يعني أنني أضحي جزءًا من هذا "الخبز" الجديد الذي يخلقه هو عبر التحويل الجوهري لكل الواقع الأرضي… الافخارستيا هي بالحقيقة "شفاء لحبنا". يفتح لنا يسوع سبيل المستحيل، سبيل الشركة بين الله والإنسان، لأنه هذه الشركة كونه الكلمة المتجسد. يقوم يسوع "بالكيمياء" التي تذوّب الطبيعة البشرية وتمزجها بكيان الله. أن نقبل الرب في الافخارستيا يعني أن ندخل في شركة كيان مع المسيح، تعني أن ندخل عبر تلك الفسحة في الطبيعة البشرية حيث يمكن لمس الله – وهذا هو الشرط لانفتاح البشر بعضهم على بعض بشكل عميق حقًا. الشركة مع الله هي السبيل للشركة الشخصانية بين البشر.

الثالث والعشرون من يونيو

الافخارستيا والتحول

 على السجود خلال الاحتفال بالافخارستيا أن يضحي اتحادًا. خلال الاحتفال بالافخارستيا، نجد أنفسنا في "ساعة" يسوع… من خلال الافخارستيا تضحي ساعة يسوع هذه ساعتنا، وحضوره في وسطنا… عبر تحويل الخبز إلى جسده والخمر إلى دمه، يستبق يسوع موته، ويقبله في قلبه، ويحوله إلى عمل حب. ما يظهر خارجيًا كعمل عنف شنيع – الصليب – يضحي من الداخل فعل حب يهب ذاته بالكلية. هذا هو التحول الجوهري الذي تم في العشاء الأخير والغاية منه هو إطلاق سلسلة من التحولات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل العالم عندما سيصير الله كلاً في الكل (راجع 1 كور 15، 28). لطالما ترقب الناس في قلوبهم تغييرًا وتحولاً في العالم. وها هنا فعل التحول المحوري الذي وحده يستطيع أن يجدد العالم فعلاً: العنف يتحول إلى حب، والموت إلى حياة. وبما أن هذا الفعل يحول الموت إلى حب، فالموت قد غُلب من الداخل، وباتت القيامة حاضرة فيه… وحده هذا التفجر الحميمي لهذا الخير الذي ينتصر على الشر يستطيع أن يطلق سلسلة من التحولات التي تغير عالمنا رويدًا رويدًا. أما التحولات الأخرى فتبقى سطحية وغير خلاصية. لهذا السبب نتحدث عن الفداء: لقد تم حقًا ما كان يجب أن يتحقق في البعد الأعمق، ونحن نستطيع الدخول في ديناميته. يستطيع يسوع أن يوزع جسده، لأنه يهب نفسه حقًا.

لنتأمل مع بندكتس

لماذا ولد يوحنا؟

 
بحسب قول باسكال الرائع، تفوق قيمة روح واحدة كل الكون المرئي. ولكن إذا ما أردنا أن ندرك هذه الحقيقة بشكل حي، يجب علينا أن نتوب؛ يجب أن نقوم بتحول داخلي، أن نتغلب على السحر الذي سحر الواقع المرئي، وأن نحوز لمسًا، وسمعًا، ورؤية حساسة على اللامنظور. يجب أن نعتبر الأمور اللامرئية أكثر أهمية من كل الأشياء التي تفرض ذاتها علينا بقوة يومًا بعد يوم. "توبوا": غيروا طريقة تفكيركم، وتطلعاتكم لكي تتمكنوا من حدس حضور الله في العالم؛  غيروا طريقة تفكيركم لكي يضحي الله حاضرًا فيكم وعبركم في العالم. يوحنا نفسه لم ينج من المهمة الصعبة المتمثلة بتغيير تفكيره، بارتداده، بعيش "ألخيمية الكيان" بحسب ما يسميها دو لوباك. لقد بدأ تحول تفكيره عندما باشر بالتبشير، كصوت صارخ في البرية، بشخص لم يعرفه… ولكن ألم يوحنا الحقيقي، إعادة الإخراج الحقة لكل كيانه في علاقته مع الله، إذا جاز التعبير، بدأ مع رسالة يسوع بينما كان يوحنا في السجن. لم تكن ظلمة غرفة السجن الظلمةَ الرهيبة التي كان على يوحنا تحملها. الظلمة الحقة كانت تلك التي أسماها مارتن بوبر "كسوف الله": الشك الحاد الذي خبره يوحنا بالنسبة لرسالته ولهوية ذلك الذي سعى أن يهيئ له الطريق.