لنتأمل مع بندكتس12-13-14-15من يوليو

الثاني عشر من يوليو

روما، الأحد يوليو 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثاني عشر من يوليو للبابا بندكتس السابع عشر، من كتاب "بندكتس".

 
الليتورجية والجماعة

 
لقد تذكرنا مرة أخرى أن الافخارستيا، كانت تدعى في لغة الكنيسة القديمة، من بين الأسماء العدة، "synaxis"، اللقاء سوية، الجماعة. تجذب البشر وتربطهم سوية، توحدهم، وتبني الجماعة. بدورها تختبر الجماعة الافخارستيا كاكتمال، كمحور حياتها، كواقع تشترك فيه بكليتها. كل هذا صحيح، ولكن يجب أن نذكر أن الهدف من اللقاء سوية هو أوسع بكثير من الجماعة المنفردة… الجماعة التي يدعونا يسوع إليها هي جماعة كل أبناء الله. لا يجمع الرب الجماعة الرعوية لكي يغلقها على ذاتها، بل لكي يفتحها. والإنسان الذي يسمح للرب أن "يجمعه" هو إنسان غاص في النهر الذي سيجره إلى ما وراء حدود ذاته. أن نكون مع الرب يعني أن نكون على استعداد أن نبحث معه عن كل أبناء الله. مِن أَحَبّ المواضيع في أيامنا هذه أن الكنيسة هي "حيث ما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي"، ولكن العكس صحيح أيضًا: الجماعة تكون فقط "مع الرب"، و "مجتمعة باسمه" وهناك شرط أن تكون متحدة بالكنيسة، وجزءًا متكاملاً من الكل. ليست الجماعة هي التي "تخلق" الليتورجية، بل تتلقاها من الكل، بالشكل عينه الذي تتلقى فيه ذاتها، كجماعة من الكل. ويمكنها أن تبقى جماعة كنسية فقط عبر هبة نفسها باستمرار للالتزام بالكل.

الثالث عشر من يوليو

الليتورجية والتوق البشري

 
في الليتورجية يحل الآخر بالكلية، يأتي الآخر بالكلية في وسطنا. في تعليقه على نشيد الأناشيد، ذلك النشيد البشري حول عمق التوق وحول طبيعة الحب المأساوية، يصف غريغوريوس النيصصي الإنسان كخليقة تود أن تتحرر من سجن المحدودية، من حدود أناه الضيقة، ومن حدود العالم بأسره. وبالحقيقة، العالم صغير جدًا بالنسبة للإنسان… فهو يتوق إلى الآخر، الآخر بالكلية، الذي يتخطى مدى الإنسان. وراء هذا هناك التوق للانتصار على الموت. في كل احتفالاتهم، سعى البشر دومًا إلى تلك الحياة التي هي أعظم من الموت. إن جوع الإنسان إلى الفرح، البحث الأعمق الذي من أجله يتنقل من مكان إلى آخر، يأخذ معناه فقط إذا تمكن من مواجهة مسألة الموت. الافخارستيا تعني أن الرب وهبنا الفرح الذي لا يستطيع أحد آخر أن يمنحه. ولذا لا يكفي أن نصف الافخارستيا كوليمة الجماعة. فقد كلفت الرب حياته، وبهذا الثمن فقط يمكننا أن نتمتع بهبة القيامة… يلزمنا كل ما في حياتنا من حقيقي ودائم لكي نستطيع أن نتقرب من الافخارستيا. فما من اشتراك خارجي أو قدرات خلاقة تنفعنا إذا لم يكن هناك اشتراك في هذه الحقيقة الداخلية، في سبيل الرب، وبالرب عينه. الهدف منها هو هدايتنا إلى الولوج إلى الله… تتوجه الليتورجية إلى الكائن البشري بكل عمقه، وهو أمر يتجاوز وعينا اليومي؛ هناك أمور نفهمها فقط بواسطة قلبنا؛ والعقل ينمو تدريجيًا في الفهم بقدر ما نسمح لقلبنا أن ينيره.

الرابع عشر من يوليو

 لماذا الإصغاء هو جزء من الحياة؟

 لا يليق بالإنسان أن يسعى ليكون مكتفيًا بذاته، بل يجب عليه أن يتحلى بتواضع التعلُّم، وقبول الأمور – "أمل رأسك". ينبغي أن يجد السبيل ليستجيب لدعوة الإصغاء. والإصغاء لا يعني سماع ما يجري، بل الإصغاء للأعماق وللأعالي، لأن ما يقوله المعلم هو تطبيق جذري للكتاب المقدس، تطبيق للشريعة الأساسية للوجود البشري … يمكننا أن نرى في قانون القديس بندكتس كيف أن ما هو إنساني حقًا، لا يذبل أبدًا. كل ما يأتي بحق من عمق كياننا يبقى مشورة حياة دائمة الأهمية… ربما بدأنا نرى أن الحرية من العمل، تلك الحرية التي هي عطية خِدمة الله، أي الخروج من عقلانية الفعالية، هي ما نحتاجه حقًا. وأن الإصغاء – لأن خدمة الله هي إلى حد كبير مسألة استسلام وإصغاء لله – يجب أن يكون جزءًا من الحياة. وتماماً كما يرتبط بانسجام الانضباط، ، والمقياس العادل، والنظام، كما وترتبط الطاعة بالحرية، بالشكل عينه، التسامح بروح الإيمان ليس فقط بندًا أساسيًا في أية جماعة الرهبانية، بل كل هذه الأمور هي أساسية لبناء أي مجتمع وكل المجتمعات. هذا هو القانون الذي ينبع مما هو إنساني فعلاً، وقد تمكن من صياغة ما هو إنساني حقًا لأنه تطلع وأصغى إلى ما وراء ما هو إنساني، وحدس ما هو إلهي. يضحي الإنسان إنسانًا حقًا عندما يلمسه الله.

الخامس عشر من يوليو

 الافخارستيا قوة موحِّدة

 تجمع الافخارستيا شعب الله؛ وتقيم بين البشر علاقة دموية، اشتراكًا في الدم، مع يسوع المسيح، ومن ثم، مع الله، وبين الشعوب. ولكن لكي يتم هذا الأمر، أي الاتصال على الصعيد الأسمى، يجب أن يكون هناك، إذا جاز التعبير، منحىً أبسط للالتقاء، ويجب على الناس أن يخرجوا من عالمهم الفردي وأن يلتقوا سوية. فاجتماع الشعوب تجاوبًا مع دعوة الرب هو شرط ضروري لكي يتمكن الرب أن يجعل منهم جماعة بشكل جديد… كل الجماعات الافخارستية هي بالحقيقة جماعة واحدة، لأن جسد المسيح هو واحد، ولذا لا يمكن أن يكون شعب الله إلا واحدًا… وإذا ما أخرجتنا الجماعة الافخارستية أولاً من العالم، وأخذتنا إلى "العلية"، إلى خدر الإيمان الداخلي، ولكن هذه العلية بالذات هي مرتع لقاء، لقاء شامل لكل الذين يؤمنون بيسوع المسيح، بالرغم من الحدود والانقسامات؛ وبهذا الشكل تضحي نقطة يشع منها حب كوني، يتغلب على الحدود والانقسامات: إذا كان الآخرون يعانون الجوع، فنحن لا نستطيع أن نعيش بالترف. تشكل الافخارستيا في الوقت عينه نقطة تحول داخلي وتصاعدي؛ ولكن من الأعماق فقط، ومن أعالي ما هو عالٍ حقًا، يمكن أن تصدر القوة التي تظفر بالحدود والانقسامات، وتحول العالم.