مبدأ الجماعات الإنجيلية:الكتاب وحده

تــقــديــــم

عن التعليم والذى تؤمن به وتردده بعض الجماعات الـمسيحية عن "الكتاب وحده" والمعروف فى اللغة اللاتينية بـ Sola Scriptura، والقائل بأنـه يلزم لأي تعليم او طقس أو أي ممارسات من أن تكون لهـا أصول انجيليـة، ويُرفض تماماً أي مصادر أخرى كالتقليد أو غيرهـا لأن أي تعليم يجب أن يكون مصدره من الكتاب الـمقدس وحده وليس أي مرجع آخر، يسرني أن أقدم هذا الكتيب الجديد للرد على تلك الـمبادئ بصورة مبسطة بما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكيـة منذ نشأتها عن الكتاب المقدس والتقليد الكنسي والتعاليـم الكنسية.

أطلب من الرب أن يساعد هذا الكتيب أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة على تفهم معتقدات وتعاليـم كنيستهم لينموا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

                                                 نبيل حليم يعقوب                                                             

لوس انجلوس فى يونيو  2008

 

 الفهرس

1.   مبدأ الجماعات الإنجيلية

2.   مقدمـة عامــة

3.   الرد على مبدأ "الكتاب المقدس وحده"

4.   ما هو التقليد الكنسي؟ وما هي مصادره؟

5.    مناظرات

     

مبدأ الجماعات الإنجيلية

يدعو تعليم بعض الجماعات المسيحية بأن الكتاب المقدس هو قانون الإيمان وأن كلام الله في العهدين القديم والجديد هو القانون الوحيد الإلهي المعصوم للإيمان والعمل، وهم يعنون بذلك: 

(1) أسفار العهدين هي كلام الله المكتوب بإلهام الروح القدس، فهي إذن معصومة من الخطأ، ولها سلطان إلهي.

(2) إنها تتضمن كل ما أعلنه الله دستوراً دائماً للكنيسة للإيمان والعمل.

(3) إنها واضحة، يقدر الشعب أن يفهم منها كل ما هو ضروري للخلاص باستعمال الوسائط المعهودة وبمعونة الروح القدس، دون احتياج لمفسر أرضي يدّعي أنه معصوم[1]. 

ولكي يؤيدون ما يؤمنون بـه يستندون الى ما يلي:  

(1) نعم جاء لفظ «تقاليد» في كلام بولس لأهل تسالونيكي (2تس 2: 15 و3: 6). ولكن كل من يتأمل كلمات بولس يجد أن المقصود بها «كل ما علَّمهم إياه شفاهاً وكتابةً» لا غير. هذا فضلاً عن عدم وجود أمر في الكتاب المقدس بقبول التقاليد واعتبارها جزءاً من الإيمان. ونتيجةً لذلك فإننا لا نحتاج إلى غير ما جاء بالكتاب المقدس (2تي 3: 15-17). صحيحٌ إن ذلك قيل عن أسفار العهد القديم، ولكنه يصحّ على العهد الجديد أيضاً. وكذلك القول: «لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تُنقِصوا منه، لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها» (تث 4: 1، 2). «إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر» (إش 8: 20). «وكان هؤلاء أشرف (الذين في بيرية) من الذين في تسالونيكي، فقبلوا كلمة الله بكل نشاطٍ فاحصين الكتب كل يوم، هل هذه الأمور هكذا؟» (أع 17: 11) » لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوّة هذا الكتاب: إن كان أحدٌ يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحدٌ يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة، ومن المدينة المقدسة، ومن المكتوب في هذا الكتاب» (رؤ 22: 18، 19). «سراجٌ لرجلي كلامك ونور لسبيلي» (مز 119: 105) «إن بشرناكم نحن أو ملاكٌ من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما (أي محروماً)» (غلا 1: 8 ومز 19: 7 ورو 15: 4 ولو 16: 29 ويو 5: 39 وتث 6: 7 وإش 34: 16 و2بط 1: 19).

فبما أن الكتاب يشهد لنفسه أنه يتضمن إعلانات الله، ولا يرشدنا لمصدر آخر غيره، فلا داعي لقبول غيره ولا لزوم لذلك. وقول التقليديين إن تعليم الإنجيل في زمان الرسل كان شفاهاً لا يبرر تعليمهم بالتقليد، فقد قصد الله أن يكون الدستور الأبدي للإيمان محفوظاً كتابةً وغير متروك للنقل الشفاهي. وفي هذا تظهر حكمة الله ورحمته للبشر.  بل إننا نرى في الكتاب ما يدل على وجوب رفض التقاليد، فقد وبخ المسيح الفريسيين لأنهم اتكلوا عليها (مت 15: 3، 6 ومرقس 7:7).

(2) لا نظن أن الله يزيد التقاليد على الكتاب المقدس لتكون جزءاً ضرورياً من قانون الإيمان، لأن الكتاب صحيح وكامل وواضح، وتعاليمه محقَّقة، بخلاف التقاليد الشفاهية، فهي عرضة للتغيير والتحريف. نعم إن بعض الكنائس الإنجيلية تقبل بعض العوائد الكنسية التي تسلسلت منذ القِدَم في الكنيسة، والتي لا تناقض الكتاب المقدس، فقبلت عيد الفصح وعيد ميلاد المسيح وغيرهما. غير أنها لا تحسب ذلك ذا سلطان أو جزءاً من كلام الله. وكذلك يعتبر الإنجيليون أحكام المجامع أنها أقوالٌ قديمة وثمينة، ولكنهم لا يعتقدون أنها وحي. وهم يقبلون قوانين الإيمان القديمة المطابقة للكتاب، مثل قانون الرسل والقانون النيقوي، والقانون الأثناسي. غير أن منزلتها عندهم ليست مثل منزلة كلام الله، بل هي كلام أفاضل البشر عبّروا به عن تعاليم الله.

ولو أننا كنا في عصر المسيح ورسله لما ميَّزنا تعاليمهم الشفاهية عن تعاليمهم المكتوبة، فإننا نؤمن بالكتاب المقدس ليس لمجرد أنه مكتوب، بل لأنه وحده كلام الله. ولو تبيَّن لنا أن تقليداً ما هو من تعليم المسيح ورسله لقبلناه دون تردد، باعتباره جزءاً من الكتاب المقدس. فنحن لا نرفض التقاليد لمجرد أنها غير مكتوبة، بل لعدم إمكان إثبات أنها من الرسل.

(3) لا بد أن المسيح ورسله عملوا وعلَّموا أموراً كثيرة لم تُكتب في الكتاب المقدس، ومثال ذلك تفسير المسيح لتلميذي عمواس الأمور المختصة به في العهد القديم (لوقا 24: 27). ولا بد أن الله قصد بها خير الذين كانت لهم فقط، ولذلك لم يأمر بكتابتها وجعْلها جزءاً من قانون الإيمان. إنها كالأمطار التي هطلت في عصرهم لتروي الأرض في ذلك الزمان، ولم يُقصد جمعها لأجل الأجيال الآتية. ولا يخفى أنه ليس في طاقة البشر مطلقاً أن يحفظوا ما يسمعونه عن غيرهم ويتداولونه من واحدٍ لآخر بعد مرور سنة واحدة، فكم بالحري بعد بضع سنين، فمن المستحيل على البشر أن يتداولوا تعاليم سنة بعد سنة، وجيلاً بعد جيل، وقرناً بعد آخر وتبقى تلك التعاليم على حالها. ومما يزيد الأمر صعوبة أن التعاليم التي نحن بصددها تتعلق بأمور روحية وحقائق دينية يصعب فهمها جيداً على العقل البشري الساقط المظلم. فلا تجوز الثقة بصحة تقاليد دينية في مثل تلك الأحوال بدون براهين قاطعة على تدخُّل الله لحفظها من التحريف، وذلك مما يستحيل إثباته. ولذلك لجأت الكنائس التقليدية لإعلان أنها معصومة من الخطأ في التعليم، وأنها الواسطة التي بها يحفظ الله التقاليد على

سلامتها الأصلية.

(4) يحتاج الاعتقاد بتدخل الله ليحفظ التقاليد إلى برهان قاطع ووعد إلهي، ولكن لا دليل لنا على حدوث ذلك ولا وعد لنا به. نعم وعد المسيح كنيسته بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وبأنه يرسل روحه ليسكن مع شعبه ويرشدهم، وبأنه يكون معهم إلى انقضاء الدهر. ولكن هذه المواعيد ليست لجمهورٍ منظور تحت نظام واحد، ولا تدل على أن إحدى الكنائس المنظورة تكون معصومة من الخطأ في تعليمها وأعمالها، ولا على أن التعاليم غير المكتوبة بالوحي تُحفظ على حالتها قرناً بعد آخر، ولذلك لا يوثق بشيء من التقليد. صحيح أن الروح القدس يسكن في الكنيسة الحقيقية التي هي جماعة المؤمنين بالمسيح المتجددين بالروح القدس في كل زمان ومكان، وهو يعلّم ويرشد ويحثّ ويقدّس بواسطة كلام الله المكتوب. لكن الاعتقاد أن ليس لعمل الروح القدس علاقة بكلام الله المكتوب يُفضي إلى الفساد والتمسك بالأوهام الباطلة، كما تبيّن بالاختبار في كل تاريخ الكنيسة. وعلى كل من يثق بحلول الروح القدس فيه وإرشاده له أن يمتحن نفسه في نور إعلان كتاب الله ليتحقق هل هو فيه أم لا.

(5) بنى التقليديون سلطان تقاليدهم على شهادة التاريخ، وسلطان الكنيسة.

وشهادة التاريخ للتقاليد ناقصة، فلم يجدوا في القرون الثلاثة الأولى بعد الرسل

شهادة تاريخية تبرهن أحد تقاليدهم، بل وجدوا ما يناقضها، فلجأوا إلى

الاستنتاج، وقالوا إن ما كان من التعاليم في القرنين الرابع والخامس لا بد من وجوده في القرن الثالث، وعلى ذلك لا بد من وجوده أيضاً في القرنين الثاني والأول. ثم استنتجوا أن مصدر تلك التقاليد هو المسيح والرسل. وواضح جداً أن هذا الاستنتاج خاطئ! هذا، مع أن الكتاب ينبئنا بدخول آراء فاسدة في الكنيسة سراً وينهانا عن قبولها. وقد بيَّن اللاهوتيون الإنجيليون أصل الكثير من التقاليد وكيفية نموها وتقدمها بالتدريج، وأثبتوا من أقوال الآباء الأولين أن تلك التعاليم الغريبة لم تكن معروفة في عهدهم، كما برهنوا أن النظام التقليدي نشأ بالتدريج من جيل لآخر حتى القرن السادس والسابع، وأن كل اجتهاد في بيان علاقة ذلك النظام بالمسيح ورسله غير وافٍ. وقد استمرت الكنيسة الكاثوليكية تفرض على تابعيها أن يؤمنوا أن العذراء مريم حُبل بها بلا دنس، وعصمة البابا والكنيسة في التعليم.

(6) يسلِّم بعض التقليديين أن الكنيسة أخطأت أحياناً بتصديقها بعض التقاليد التي لا دليل على أن الكنيسة الأولى قبلتها، بل يوجد ما يدل على أنها لم تقبلها. ومن أمثلة ذلك قبول الكنيسة أسفار الأبوكريفا بدعوى أنها مثبتة من شهادة الآباء والكنيسة، مع أن جميع الآباء (إلا ما ندر) يرفضون الأبوكريفا، ومنهم أوريجانوس الذي لم يذكرها في فهرسه للأسفار المقدسة، وكذلك أوسابيوس

وكيرلس وروفينوس وأثناسيوس الذي رفض جميعها إلا كتاب باروخ لظنه أنه

كتب موحى به. ورفض هيلاريوس جميعها وكذلك أبيفانيوس وغريغوريوس النازيانزي وأمفيلوجيوس وإيرونيموس (جيروم) ومجمع لاودكية. وقد قال البابا غريغوريوس الكبير (في القرن السادس) إن أسفار المكابيين لم تُكتب بإلهام، ولكن البابا بيوس التاسع (في القرن التاسع) قال إنها موحى بها! فمن منهما هو المعصوم؟.

(7) كثيرٌ من تقاليد الكنائس التقليدية يخالف تعاليم الكتاب المقدس، ومن ذلك جواز تقديم العبادة الدينية للصور والتماثيل، وعدم زواج رجال الدين، واستحقاق الأعمال الصالحة، وغير ذلك. وهذه تخالف تعاليم الكتاب. وبما أنهم حاولوا إثباتها من التقاليد ينتج أن التقاليد تخالف الكتاب المقدس.

(8) لا يوجد مقياس لمعرفة صحيح التقاليد من خاطئها، فقد دخل في الأزمنة الغابرة في الكنيسة كثير من التقاليد التي تمسكوا بها، ثم تبيَّن أنها كاذبة فرفضوها. فإذا سلمنا بسلطان التقليد جعلنا الكنيسة عُرضةً لما لا نهاية له من الأخطاء. ويقول التقليديون إن التقليد الصحيح يُعرف دائماً من قِدمه والاتفاق فيه، غير أن هذا مرفوض لأسباب كثيرة: (أ) إذا فرضنا أن الكنائس التقليدية أجمعت على تقليد، فإن ذلك يكون قاصراً عليها وحدها، وليس لكل المسيحيين. (ب) إذا فرضنا أن التقليديين هم كل المسيحيين في العالم، وأنهم يتّفقون الآن في ما يعتقدونه، فلا دليل على أنهم كانوا دائماً يعتقدون نفس ما يعتقدونه الآن، بل بالعكس، لأن أكثر التعاليم التي حاولوا إثباتها بالتقاليد نشأت في الكنيسة في القرون الوسطى وما بعد ذلك. ومن أمثلة ذلك عصمة البابا، والغفرانات، والمطهر، والحبل بمريم العذراء بلا دنس، وغيرها. وأما من جهة اتفاقهم في قبول التعاليم الدينية فنقول إن الكنيسة الشرقية والغربية قبلت تعاليم أريوس مدةً طويلة، وأثبتها كثيرون من الرؤساء وبعض المجامع قبل أن تُرفض. وقبلت الكنيسة الغربية التعليم الأغسطيني وصدَّقت عليه بعض المجامع، وأثبته الباباوات. واختلفت الكنيسة عليه بعد أن قبلته! واستمر الخلاف فيها عليه مدة نحو 800 سنة، إلى أن صدَّق مجمع ترادنت النظام المقبول عندهم الآن. فيتعذَّر على الكنائس التقليدية إثبات اتفاقها على الدوام في كثير من المواضيع الدينية. (ج) عدم كفاية ما يوردونه من الأدلة على دوام الاتفاق وعمومه، فقد قالوا بوجود قواعد للإيمان قبلتها كل الكنائس منذ القديم، مع أن كل الكنائس لم تقبل أي قاعدة بالإجماع قبل القرن الرابع.  ويقبل الإنجيليون قوانين مجمع خلقدونية (458م) ومجمع القسطنطينية الثالث (681م) ولا يرفضون قوانين المجامع المسكونية الستة الأولى. ويستند التقليديون على كتابات الآباء، وتقول إنها تبرهن تقاليدهم، مع أن ما وصل إلينا من كتب الآباء من القرون الثلاثة الأولى ليس فيها ما يؤيد صدق تقليدٍ واحد! فإذا كانت البراهين على الاتفاق ناقصة فشهادة الكنيسة كافية! فكأن التقليدي يصدِّق الكنيسة، والكنيسة

تصدق نفسها لأنها معصومة من الخطأ!

(9) يصعب على كل الشعب أن يعرفوا كل التقاليد، وهذا يبرهن عدم صلاحيتها لتكون قانوناً لهم، لأن قانون الإيمان يجب أن يكون في يد الشعب. ولكن التقاليد ليست مجموعةً في كتاب واحد بل متفرقة في صحف الكنيسة ودفاترها، فيلزم أن الشعب يقبله على شهادة الكنيسة، فيقبلون قانوناً لا يقدرون أن يجدوا أدلة صدقه. ومن تعليلات التقليديين لوجوب التقاليد أن الكتاب المقدس مبهَم وأن فهمه فوق طاقة الشعب، بل فوق طاقة الكنيسة نفسها بدون مساعدة التقاليد. وذلك غير صحيح، لأن الكتاب المقدس سهل الفهم.

(10) ينتج عن الاعتماد على التقاليد إهمال الكتاب المقدس، لأنه إذا وُجد قانونان متساويان في السلطان، وكان أحدهما يفسّر الآخر ويوضحه ويتسلط عليه، فلابد من الاعتماد على المفسِّر أكثر من الذي يحتاج للتفسير، فيكون إيمان الشعب مؤسَّساً على تفسير الإنسان للأقوال الإلهية لا على الإعلان الإلهي نفسه. فيصدق عليهم قول المسيح: »أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم».

(11) حاول التقليديون أن يثبتوا استناد الإنجيليين على التقليد، غير أن ذلك

خلاف الواقع.

مقدمــة عامة

الخمسة قواعد [2]Five Solas

ان الكلمة اللاتينية "Sola" تعنى "وحيد"، "منفرد"، "حصري" وهناك خمس أنواع من تلك "المنفردات solas" والتى تحدد خمس عقائد او مبادئ أساسية وهامة بالنسبة للحركات البروتستناتية الإصلاحية والتى نشأت فى القرن الخامس عشر وهى التى يؤمنون بها على أنها قواعد إيمانية ثابتة للحياة المسيحية، وتتلخص فى الآتي:

1."الكتاب وحده sola scriptura" وهو التعليم القائل بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله الوحيدة والـموحى بها من الله ولها السلطان المطلق وهو أساس أي عقيدة مسيحية وهو متاح لكل مؤمن بأن يفسر كلماته و لايحتاج الى مفسر خارجي.

2."بالإيمان وحده sola fide" وهو التعليم القائل بأن بالإيمان وحده يخلص الإنسان بدون اي مزج أو حاجة الى أعمال صالحة.

3."بالنعمة وحدها sola gratia" وهو التعليم القائل بأن الخلاص يأتى بنعمة خاصة من الله بدون شروط، ويهبه الله للإنسان بإستحقاقات السيد المسيح الذى قدّم ذاته فداءً للعالـم.

4." بالمسيح وحده solus christus" وهو التعليم القائل بأن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان. وهذا التعليم يمتد ليرفض اي سلطة كهنوتية لممارسة الأسرار الكنسية كالزواج والعماد والإعتراف وغيرها من أسرار الكنيسة السبعة.

5."الـمجد للرب وحده soli Deo glori" وهو التعليم القائل بأن كل المجد هو لله وحده لأن الخلاص الذى تم هو من خلاله هو وحده وحسب مشيئته، ولهذا فإن أي تمجيد أو إكرام يقدم لأي إنسان حتى لو كان للقديسين او الباباوات والكرادلة والأساقفة وغيرهم لا يجوز لأن المجد هو لله وحده وان جميع البشر لا يجب إكرامهم من أجل أعمالهم الصالحة فبدلاً من ذلك فكل تسبيح ومجد إنما يقّدم لله حسب قوله:"ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات".

فى هذا الكتيب سنقوم بالرد فقط على الـمبدأ القائل "الكتاب وحده".

كيف تقوم الكنيسة الكاثوليكية فى تحديد تعليم او عقيدة ما[3].

ان الذين يهاجمون الكنيسة لا يفهمون جيداً الفرق بين كيفيـة تطور و نشر أي تعليم أو عقيدة والتى هى فى الحقيقة عبارة عن إعادة إكتشاف لهـا ومن ثَم إعلان صحتهـا، وبين أي تغييـر فى هذا التعليم أو العقيدة والـمسلّم لنـا

من الرسل والذى إذا حدث دون سند من الوحي الإلهي أو التقليد الكنسي

يُعتبـر حينئذاك باطل أو غير صحيح.

مـا من أحد يُنكـر أن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهى دائما فى حالة نـمو وتجديد مستمر فينمو فى حياتـه الروحيـة ويزداد فهـمه للأشياء كلـما تعمق فى دراستهـا أو إختبارهـا. فإذا طبقنا ذلك على الإيمان والذى يقوم على بشارة السيد الـمسيح والرسل والكنيسة، ولقد تبلور هذا الإيـمان فى الأجيال الأولى للـمسيحية فى صيغ عقائديـة وألفاظ لاهوتيـة، وأنظـمة تقويـة تعبر عنـه وتحتفل بـه وتنقله للأجيال، وكان على الكنيسة أن تساعد أبنائهـا على النمو فى التعمق فى الإيمان ومعايشته بطريقة صحيحة تبنى حياتهم الروحية وعلاقتهم بالله والقريب والـمجتمع.  

ان الكنيسة وهى جسد السيد الـمسيح الحي (كولوسي24:1)، وهى الكرمة بأغصانهـا وفروعهـا (يوحنا5:15)، التى تنمو وتزدهر أغصانها"حتى أن طيور السماء تأتي وتستظل فى أغصانها"(متى31:13-32)، وهى تتعلـم من خبراتهـا وتسترشد بالروح القدس الذى قال عنـه السيد الـمسيح "فهو يرشدكم إلى جميع الحق"(يوحنا13:16)، وتستخدم سلطانهـا التعليـمي الـُمعطى والـمأخوذ مباشرة من السيد الـمسيح:"كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً

فى السماء"(متى18:18)، وكما قال :"من سمع إليكم سمع لي"(لوقا16:10).

فلم تخترع الكنيسة الكاثوليكية أبداً او تستحدث عقيدة جديدة تخالف الحقائق الإيمانية كما تسلمتهـا من السيد والـمعلّم ومن الرسل وخلفائهم من بعدهم.  وعليـه فلا يـمكن إستحداث أي عقيدة جديدة لم يأتِ بهـا الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي الـمقدس. ولقد أعلن الـمجمع الفاتيكاني الثاني (فى دستور الوحي الإلهـي رقم 9):"التقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان معاً فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد وهما وحدة واحدة لا تتجزأ يهدفان الى غاية واحدة..ومن ثـم يجب قبول كل من الكتاب الـمقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو".

الوحي الإلهـي

هو إعلان الله عن ذاتـه وعطيّـة لتوضيح ذاتـه للبشر، ففى العهد القديم كان ذلك عن طريق عمله بواسطة من اختارهم من الأباء والأنبياء، وفى العهد الجديد كان ذلك فى شخص يسوع الـمسيح كما جاء فى رسالة القديس بولس الرسول:"إن الله الذى كلّم الآباء قديمـاً فى الأنبياء كلامـاً متفرق الأجزاء مختلف الأنواع كلّمـنا أخيراً فى هذه الأيام فى الإبن …هو ضياء مجده وصورة بهائه وجوهره وضابط الجميع بكلمة قوتـه"(عبرانيين1:1-3).

وفى شخص السيد الـمسيح إكتمل الوحي الإلهي، ولقد إنتقل الينا هذا الوحي

بواسطة الكتاب الـمقدس الـمُلهـم من الله، والتقليد الـمستمر فى شعب

العهد القديم ثم فى كنيسة العهد الجديد بـمعونـة وإرشاد الروح القدس.

الإيـمان

هو جواب الإنسان على نداء الله، ويسجل الكتاب الـمقدس إختيارات الإنسان. ويقوم الإيـمان عامـة على التصديق والطاعـة والثقـة باللـه.

نقـل الإيـمان

آمن الرسل بإعلان الله عن ذاتـه فى شخص السيد الـمسيح وكان إيمانهم تصديقا وطاعـة. ولقد إنتقل الإيمان أولاً بالبشارة الشفهيـة وقدوة الحياة وكان ذلك فى زمن الرسل، ثم انتقل بعد ذلك للأجيال التاليـة عن طريق الكتاب الـمقدس والتقليد الكنسي. فالكتاب الـمقدس بعهديـة القديم والجديد هو مُوحى بـه من الله كما جاء فى رسالة الرسول بولس:"الكتاب كلّه قد أوحـى به من الله وهو مفيد للتعليم وللحجاج وللتقويم وللتهذيب بالبِـر"(2تيموثاوس16:2). فالكتاب المقدس هو كلمة الله المدوّنة خطياً، وبما انها بُلّغت الى أناس من زمن معيّن، فلقد اتخذت لتكون مفهومة، شكلاً متأثراً بذلك الزمن، لكن الله غير محصور فى زمان ومكان فلهذا كانت رسالته حيّة وابدية وبمعونة الروح القدس وتعليم الكنيسة نكتشف الله ومشيئته وتدبيره الخلاصي للإنسان.

أما التقليد الكنسي فهو نقل وتسليم وديعة الوحي الإلهي، الـمكتمل فى السيد الـمسيح، من الرسل لخلفائهم، بمعونـة الروح القدس، بصفة مستمرة سواء أكان تعليم أو طقس (نظام أو ترتيب) ديني كتابـة أو شفاهـةً أو إستعمالاً.

فى العهد القديم وقبل أن يُعطي الرب الشريعة الـمكتوبـة، تناقل الأبـاء من آدم وحتى موسى النبي الوصايـا والشرائع والتى كان يُـمارسها الأبـاء طوال 14 قرن من الزمـان حتى أن الله قد أوصى موسى قائلاً:" إنـما إحتـرس واحتفظ لنفسك جداً كي لا تنسى الأمور التى رأتهـا عيناك ولا تزول من قلبك كل أيام حياتك بل علّمها بنيك وبني بنيك" (تثنيـة الإشتراع9:4).

وفى العهد الجديد مضت مدة طويلـة لـم تكن هناك فيهـا أناجيل مكتوبـة ولا رسائل متداولـة بين الـمؤمنيـن، وكان الناس يتلقون الإيـمان كلـه أو أي تعليـم عن طريق التقليـد.

أن التقليد الكنسي إمـا وضعه الرسل أنفسهم أو ما وضعه آباء الكنيسة فى عصورها الأولـى والذى انتقل إلينـا بواسطة الطرق الآتـية:

( أ) البشارة الشفهيـة

(ب) التعليـم الـمسيحي الـمكتوب

(ت) الصلاة وطقوس العبـادة

(ث) الـتعمق الروحي والـمثل الصالح

( ج) القوانيـن الكنسية

(أ). البشارة الشفهيـة:

وذلك حسب ما جاء فى رسائل القديس بولس والقديس يهوذا:

– تـمّسك بصورة الكلام الصحيح الذى سـمعتـه منّي فى الإيـمان والـمحبـة التى فى الـمسيح يسوع"(2تيموثاوس13:1).

– "وما سمعتـه منّي لدى شهود كثيرين استودعـه أناساً أمناء أهلاً لأن يُعلّموا الآخريـن"(2تيموثاوس2:2).

– "فإنـى سلّمت إليكم أولاً ما تسلـمته أن الـمسيح مات من أجل خطايانا"(1كورنثوس3:15).

– "فاثبتوا إذن أيهـا الأخوة وتمسّكوا بالتقاليد التى تعلّـمتموها إمـّا بكلامنا وإمـّا برسالتنـا"(2تسالونيكي14:2) .

– "ثُمّ إنـّا نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع الـمسيح أن تتجنبوا كل

من لا يسلك من الإخوة على خلاف الترتيب بغير مقتضى التقليد الذى

تسلّموه منـّا"(2تسالونيكى6:3).

    "فلذلك يجب علينـا أن نُواظب على ما سـمعنـاه أشّد مواظبـة

        لئلا يسرب من قلوبنـا"(عبرانيين1:2).

– "أعظكم أن تجاهدوا للإيـمان الذى قد سُلّم للقديسين"(يهوذا3).

ولقد عاشت الكنيسة الأولـى مدة من الزمن قبل كتابة الأناجيل والرسائل على تلك التعاليم والأنظمة التى تلقوها من الرسل مباشرة أو من خلفائهم. فلم يذكر العهد الجديد كل ما فعلـه السيد الـمسيح ولا كل مـا قالـه، إنـما الذى حدث هو أن الإنجيليـن الأربعـة إختاروا بعض أقوال الـمسيح كما كتب يوحنا الإنجيلي:"وأشياء أُخر كثيـرة صنعهـا يسوع، إن كُتبت واحدة فواحدة فلست أظن أن العالـم نفسه يسع الكتب الـمكتوبـة"(يوحنا25:21)، وأيضاً قال:"وآيات أخر كثيرة صنعهـا يسوع قدّام تلاميذه لم تُكتب فى هذا الكتاب، وأمـا هذه فكُتبت لتؤمنـوا أن يسوع هو الـمسيح، ولكى تكون لكم إذا أمنتم حياة بإسمه"(يوحنا30:21-31). 

(ب) التعليم الـمسيحي – كوصيّة السيد المسيح للرسل:"علّـموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به"(متى20:28)،وحسبما جاء عن بولس وتيموثاوس انهما كانا يسلّمان ما كان يحكم به الرسل "ولما كانا يجتازان فى الـمدن سلّما إليهم القضايا التى حكم بها الرسل والكهنة الذين بأورشليم ليحفظوها فكانت الكنائس تتثبّت فى الإيـمان وتزداد عدداً كل يوم" (اعمال الرسل 4:16-5).

(ت) الصلاة وطقوس العبادة – كما جاء عندما أوصى بولس الرسول تلميذه

تيطس قائلاً: "إنـي إنـما تركتك فى كريت لترتيب الناقص وتُقيـم كهنـة

فى كل مدينـة كـما عيّنت لك"(تيطس5:1) وهذا لدليل على تسلّم تيطس

لطقوس رسامـة الكهنـة أو الصلوات من القديس بولس شخصيـاً.

ان الصلوات وطقوس العبادة قد وُضعت عامـة بما يناسب الأزمنة والأمكنة،

ولقد تطورت بـمرور الوقت حتى وصلت إلينـا بالصورة التى نمارسها عليـه

حاليـا، لذلك نجد تنوع طقسي غني للإحتفال بالأسرار الـمقدسة،فصلاة

القداس الإلهـي مثلا يوجد عدة ليتورجيات او صلوات او صيغ كالقداس

القبطي أو البيزنطي، والذى قد يختلف الواحد عن الآخر نظرا لإختلاف الـمكان والثقافة والحضارة ولكن الجوهر فى الجميع هو واحد.

(ث)التعمق الروحي والـمثل الصالح– كوصية بولس الرسول لتلميذه "واظب على القراءة..وعلى الوعظ والتعليم"(1تيموثاوس 13:4)، و"تأمّل فى ذلك وكن عليه عاكفاً ليكون ترقّيك واضحاً للجميع"(1تيموثاوس15:4)، فيتذكر الـمؤمنون ما قد سمعوه ورأوه ولـمسوه من مرشديهم.

(ج) قوانيـن الكنيسة – وهى تلك الأنظـمة التى تدبر بها السلطة الكنسية حياة أبنائهـا من حيث الأشخاص والكنائس والعبادة والواجبات والحقوق والأمورالـمقدسة. ولنا مثال فى بداية حياة الكنيسة قرر الرسل أنظمة وقوانين لبعض الأمور العملية (مجمع أورشليم –(أعمال الرسل 15)، ذبائح الأوثان

(1كورنثوس8). وهذه القوانين لا تدخل مطلقاً فى دائرة العقائد وإنـما تنظم

التعامل العملي معهـا.

إذن يـمكن القول حسبما أعلن الـمجمع الفاتيكاني الثاني (فى دستور الوحي الإلهـي رقم 9):"فالتقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان معاً فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد وهما وحدة واحدة لا تتجزأ يهدفان الى غاية واحدة..ومن ثـم يجب قبول كل من الكتاب الـمقدس والتقليد ويجب

تكريمهما بقدر متساو".

طقوس العبادةهى الإحتفال بالإيـمان الـمسيحي فى صلوات ومراسيم جماعية يشترك فيها تلاميذ الـمسيح ويعلنون عن إيمانهم الـمشترك والرباط الروحي الذى يربطهم ويتجددون وينمون فى ثباتهم فى الـمسيح لكي يأتوا بأثـمار تليق بكرمـة الرب.

التعليـم – بالإيـمان نجاوب على الوحي الإلهي، وبالكتاب الـمقدس والتقليد الـمقدس، تنـتقل وديعة الإيمان، وبالطقوس الـمقدسة نحتفل بأسرار الإيمان، وبالتالي يحتاج نقل الإيمان والإحتفال بـه إلى تعليـم، وللتعليم أشكال مختلفـة وهى تشمل: العقيدة، وقانون الإيـمان، والتعليم الـمسيحي، وعلم اللاهوت.

أ‌-         العقيدة:هى إعلان الإيمان الـمسيحي فى كلمات وعبارات محددة، تعبر عن حقائقه الجوهريـة، وتجمع الـمؤمنين فى إيمان واحد مشترك، أساسه الوحي الإلهي، الذى تسلـمته الكنيسة فى الكتاب

الـمقدس والتقليد الـمقدس.

شروط العقيدة:

1.      أن تكون حقيقة إيـمانيـة، أي يتضمنها الوحي الإلهي

صريحاً أو ضمنيـاً، أو ترتبط إرتباطاً ضروريـاً بحقيقة من حقائق الوحي الإلهي.

2.      أن تعلنهـا السلطة الكنسية التعليـمية بصورة رسميـة.

3.      أن تفرض الإيـمان على الـمؤمنين للبقاء فى شركة الإيـمان.

ولفهم هذا فمثلاً الصوم الأربعيني ليس عقيدة، بينما ألوهيـة السيد الـمسيح فهى عقيدة موجودة صريحاً فى الوحي الإلهي، ومثلاً صلاة الجناز أو الصلاة بالأجبية ليست عقيدة بينما كلمة الثالوث الأقدس لتحديد سر الكيان الإلهي هو عقيدة موجودة صريحة وضمنياً فى الوحي الإلهي، وواجب دفع العشور للكنيسة والفقراء ليست عقيدة بينما براءة العذراء مريم من كل خطيئة (الحبل بلا دنس) فهى عقيدة مرتبطة إرتباطاً ضرورياً بحقيقة الإمتلاء من النعـمة الـموجودة صريحاً فى الوحي الإلهي.

أساس العقيدة هو الوحي الإلهي أي الكتاب الـمقدس والتقليد الكنسي، أمـا

تحديد العقيدة وإعلانهـا فيأتي فى الوقت الذى تراه السلطة الكنسية التعليـمية مناسباً لذلك وذلك عندما تظهر أراء ومعتقدات خاطئة ومخالفة للتعليم الإيماني الصحيح وهذا ما يُسمّى بالهرطقات والبِدع، وأيضا عندما تريد إيضاح حقائق الإيمان لتعين الـمؤمنين فى تفهم الإيمان. وتستعين الكنيسة عند إعلان العقيدة

وشرحها للـمؤمنين بالصلاة والتأمل والدراسة الجادة العميقة ومستندة الى

معونة الروح القدس.

فعقيدة الثالوث الأقدس مثلاًجاء عنها إشارات غامضة فى العهد القديم، ثم فى بشارة السيد الـمسيح كانت إعلانات واضحة وأكيدة عن كل واحد من الأقانيم الثلاثـة الأب والإبن والروح القدس. ثـم جاءت تعاليم الرسل فى عمق وتوضيح عن الإبن والروح القدس، ثم جاء التقليد وتعليم الكنيسة واستخدم كلمة "الثالوث" لتحديد العقيدة وتوضيحها بألفاظ الطبيعة والأقنوم.

المجامع المسكونية الكنسية: المجامع عمومـا قد عُرفت فى اليهودية فقد عقد رؤساء كهنة اليهود مجامع للسيد المسيح (متى 26: 3) ، (مرقس15 : 1) كما أعتاد الرب يسوع ان يجتمع مع تلاميذة ويفسر لهم أقواله السمائية عندما يعسر عليهم فهمها وذلك حينما رأيناه يفسر لهم الأمثلة وكانوا يسألونه فى الخفاء و واجتمع معهم فى العشاء الربانى وقال لبعضهم عما سيحدث فيما بعد

وظهر لهم بعد قيامته واخيراً أعطاهم الروح القدس الذى بدا عمله فى يوم

الخمسين. وفى (أعمال 5: 27- 42)  نرى صورة واضحة لمجمع من المجامع اليهودية التى أنعقدت لتحاكم تلاميذ السيد المسيح لمناداتهم بإسم السيد يسوع الناصرى وكانت بها منابر حرة فقد وقف غمالائيل معلم الناموس وحذّر المجمع .. فأطلقوا التلاميذ.

 وأخذت المسيحية النظام اليهودى وعقد اول مجمع يسجل فى التاريخ الكنسى المسيحى هو أول مجمع عقدته الكنيسة الذى كان مكانه أورشليم عام 50 ميلادية برئاسة القديس يعقوب الرسول اسقف اورشليم (أعمال 15)، ثم أخذت الكنيسة الجامعة فى العالم عن الرسل الأطهار هذا المبدأ، فكانت تعقد المجامع كلما حدث خلاف فى البيعة أو إنتشار فكر غريب أو وجد من الأمور ما يستدعى ذلك.

وفى الكنيسة الكاثوليكية هناك حتى الآن 21 مجمعـاً مسكونيـاً.

أهم الـمجامع الكنسية[4]:

– دخول الأمم إلى المسيحية: مجمع اورشليم 49/50م

– لاهوت المسيح ضد بدعة آريوس: مجمع نيقية الأول 325م

– إعلان قانون الإيمان وألوهية الروح القدس: مجمع القسطنطينية الأول381م

– إعلان العذراء أم الله ضد بدعة نسطور: مجمع أفسس 431م

– إعلان الطبيعتين فى شخص المسيح ضد بدعة أوطيخا:مجمع خلقيدونية 451م.

ب- قانون الإيـمان[5]

هو خلاصـة الحقائق والعقائد الإيمانيـة التى تؤمن بها الكنيسة وتعلنها كجوهر

الإيـمان الـمسيحي. وأهم قوانين الإيمان هى: قوانين أو تعاليم الرسل، وقانون الإيمان كما وضع فى مجمع نيقيـة (351م) وما تم إضافتـه فى مجمع القسطنطينية الأول(381م).

ج- التعليـم الـمسيحي

هو تربية تلاميذ السيد الـمسيح على معرفة حقائق الإيمان والحياة والسلوك بموجبها وهو ايضا البشارة بالمسيح وكما أوصى بولس الرسول تلميذه تيطس قائلاً:"فتكلّم أنت بـما يليق بالتعليم الصحيح…واجعل نفسك مثالاً للأعمال الصالحة وتعليمك منزهاً عن الفساد وقوراً وكلامك صحيح لا يُلام عليه حتى

يخزى الـمضاد"(تيطس1:2و7-8).

د- علم اللاهوت

علم اللاهوت هو علم البحث فى الإلهيات والنمو فى تفهم حقائق الإيمان

والتأمل فيهـا ودراستها والتعمق فيها للتعرف على جوانب جديدة من كنوزها

الخفيّـة. ويتفرع علم اللاهوت الى فروع متعددة حسب موضوعه فهناك علم اللاهوت العقائدي، وعلم اللاهوت الأدبي أو السلوكي أو الأخلاقي، وعلم اللاهوت الروحي أو النسكي، وعلم اللاهوت الرعوي، و علم اللاهوت الطقسي.

خلاصـة:

ان الكنيسة وهى جسد السيد الـمسيح الحي (كولوسي24:1)، وهى الكرمة بأغصانهـا وفروعهـا(يوحنا5:15) التى تنمو وتزدهر أغصانها"حتى أن طيور السماء تأتي وتستظل فى أغصانها"(متى31:13-32)، وهى تتعلـم من خبراتهـا وتسترشد بالروح القدس الذى قال عنـه السيد الـمسيح "فهو يرشدكم إلى جميع الحق"(يوحنا13:16)، وتستخدم سلطانهـا التعليـمي الـُمعطى والـمأخوذ مباشرة من السيد الـمسيح:"كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً فى السماء"(متى18:18)، وكما قال :"من سمع إليكم سمع لي"(لوقا16:10).

فلم تخترع الكنيسة الكاثوليكية أبداً او تستحدث عقيدة جديدة تخالف الحقائق

الإيمانية كما تسلمتهـا من السيد والـمعلّم ومن الرسل وخلفائهم من بعدهم  وهى تؤمن أنـه بـموت آخر الرسل (نحو سنة 100م) انتهت فترة نزول الوحي الإلهي (بإنتهاء كتابـة سفر الرؤيـا) والذى جاء فى خاتمته:"فـمن زاد شيئاً على هذه يزيد الله عليه الضربات الـمكتوبـة فى هذا الكتاب ومن أسقط من كلمات كتاب هذه النبّوة يُسقط الله نصيبـه من سفر الحياة ومن الـمدينة الـمقدّسـة ومـمّا كُتب فى هذا الكتاب"(رؤيا يوحنا18:22-19)، وعليـه فلا يـمكن إستحداث أي عقيدة جديدة لم يأتِ بهـا الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي الـمقدس.

"لأن كل ما كُتب من قبل إنـما كُتب لتعليمنا وليكون لنا الرجاء بالصبر وبتعزيـة الكُتب وليؤتنا إله الصبر والتعزيـة إتفاق الأراء فيما بيننا بحسب المسيح يسوع حتى إننـا بنفس واحدة وفم واحد نمجد الله أبا ربنا يسوع الـمسيح" 

الرد على مبدأ "الكتاب الـمقدس وحده هو مصدر التعليم"

Sola Scriptura

يمكن الرد على هذا المبدأ بناءًا على الأسس التاليـة:

1. الكتاب الـمقدس

2. أقوال آباء الكنيسة الأول

3. أقوال المجامع الكنسية الـمسكونية

4. ردود منطقيـة

1. أدلـة من الكتاب الـمقدس

ان استخدامنا الكتاب المقدس للرد على أصحاب مبدأ "الكتاب وحده" ليس هو اعتراف منا بأن الكتاب المقدس وحده هو مصدر التعليم الوحيد بل بإستخدام نفس المرجع والأسلوب الذى استخدمها السيد المسيح عند دفاعه ورده على الفريسيين والصدوقيون(مرقس6:7-8، متى3:12-5، متى4:19-5). 

أ. الكتاب المقدس لا يبرهن على هذا المبدأ

– من سفر التكوين حتى سفر الرؤيا لا يذكر الكتاب المقدس أي نص بأن الكتاب الـمقدس هو وحده مصدر السلطة المعصومة من الخطأ لكلمة الله. الكتاب المقدس هو الذى يأمر بإستخدام التقليد.

– ان من بشّر بالأنجيل كوصية السيد المسيح للرسل: "اذهبوا الى العالم واكرزوا

بالانجيل للخليقة كلها"(مرقس 15:16) و(متى19:28) ولم يكتبوه ليسوا اقل

طاعة ليسوع او ان تعليمهم اقل اهمية.

– أمر يسوع تلاميذه قائلاً:"علّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به" (متى 20:28)، ولكن كما نرى فى يوحنا 30:20 "وآيات كثيرة صنع يسوع أمام التلاميذ لم تُكتب فى هذا الكتاب"، أو يوحنا 25:21 "وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع لو أنها كُتبت واحدة فواحدة لـما ظنّنت أن العالم نفسه يسع الصُحف المكتوبـة"، فليس إذن كل تعاليم يسوع مكتوبة فى الكتاب الـمقدس، ولابد أن يكون هناك أشياء أُخرى خارج الكتاب الـمقدس ولـم تُدون ولكنها قد حُفظت من خلال التقليد الرسولي الشفهى والـمنقول والـمحفوظ كوديعة للإيمان يلزم أخذها فى الإعتبار. وهذا يدحض مبدأ "الكتاب وحده".

– أمر يسوع رسله قائلاً:"أكرزوا" (مرقس 15:16) لا لأن يكتبوا، وهناك فقط 3 رسل هم الذين كتبوا والآخرين الذين لم يكتبوا لم يكونوا أقل إيمانا بيسوع لأنه لم يعطيهم أمراً مباشراً بالكتابة. لا يوجد دليل فى الكتاب المقدس أو أي مصادر أخرى تفيد أن رغبة يسوع أن يكون الانجيل هو السلطة الوحيدة للإيمان الـمسيحي.

– كما جاء فى الأنجيل كما دونـه لوقا "إذ كان كثيرون قد أخذوا فى ترتيب

قصص  الأمور الـمتيقنة عندنا كما سلّمها إلينا الذين كانوا معاينين منذ البدء

وخادمين للكلمة رأيت أنا أيضاً بعد أن أدركت جميع الأشياء من الأول بتدقيق

أن أكتبها لك بحسب ترتيبها أيها العزيز تاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذى وعظتَ به"(لوقا1:1-4)، اعترف لوقا بأن المؤمنين قد استلموا بالفعل تعاليم السيد المسيح وانه يكتب انجيله فقط حتى يتقنوا مما قد استلموه. فالقديس لوقا قد كتب لتأكيد التقليد الشفهي الذى تسلّموه المؤمنين بالفعل ممن "كانوا معاينين منذ البدء وخادمين للكلمة ".

– كما جاء فى قصة الرجل الحبشي (اعمال30:8-31) وايضا "حيث انكم لما كان الواجب عليكم لتمادى الزمان ان تكونوا معلّمين احتجتم ان يعلّمكم احد أركان بداءة اقوال الله وصرتم محتاجين الى اللبن لا الى الطعام القوي" (عبرانيين12:5)، نجد انها تُظهر اننا فى حاجـة الى من يفسر لنا الكتاب الـمقدس. لا يمكننا تفسيرها بأنفسنا بدون خطأ، فنحن فى حاجة الى مُرشد ومعلّم إختارته السماء من خلال الكنيسة ليعلـمنا.

– عالج القديس بطرس أول مشكلة عقائدية تظهر بخصوص الختان بدون الرجوع الى الكتب الـمقدس (اعمال الرسل1:15-14).

– استخدم بولس الرسول كتابات الأمم والأشعار عندما علّم فى محفل اريوس باغوس:"…كما قال بعض شُعرائكم.."(اعمال28:17)، وبهذا استخدم بولس مراجع خارج الكتب المقدسة ليعلّم الناس عن الله.

– جاء فى رسالة القديس بولس الأولى لأهل كورنثوس :"قد كتبت اليكم فى الرسالة…"(1كورنثوس9:5-11) وهى تشير الى وجود رسالة سابقة قد كُتبت الى أهل كورنثوس لها نفس السلطة التعليمية ولكنه لم تُدرج ضمن قانون كتب العهد الجديد. هنا بولس الرسول اعتمد على مصدر خارج عن الكتاب المقدس الذى بين أيدينا الآن ليعلّم أهل كورنثوس وهذا فى حد ذاته يدحض مبدأ الكتاب وحده.

– جاء فى رسالة القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس الأولى مديحه لطاعة اهل كورنثوس للتقليد الرسولي المسلّم لهم:"انى امدحكم ايها الإخوة لأنكم تذكروني فى كل شيئ وتحافظون على التقاليد كما سلّمتها لكم" (1كورنثوس2:11).

– جاء فى رسالة القديس بولس الى اهل فيليبي:"وما تعلمتموه وتسلّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فبهذا اعملوا"(فيليبي9:4)، وهنا لا يوجد امر بطاعة الكتاب المقدس وحده.    

– جاء فى رسالة بولس الرسول لأهل كولوسي:" وبعد تلاوة الرسالة عندكم اعتنوا بأن تتلى  فى كنيسة اللاذقيين أيضاً وأن تتلوا أنتم تلك التى من اللاذقّيـة"(كولوسي16:4)، وهنا نجد ان هناك رسالة سابقة كتبت الى اهل اللاذقية ولها نفس السلطان التعليمي ولكنها لم توضع ضمن قانون كتب العهد

الجديد. وهنا يستدل بولس الرسول على مصدر خارج الانجيل لتعليم كلمة الله.

– جاء فى رسالة القديس بولس الى اهل تسالونيكي:"إنّا نُكثر الإبتهال ليلاً ونهاراً حتى نرى وجوهكم ونُتمَّ ما هو ناقص فى إيمانكم"(1تسالونيكي10:3)، هنا أراد الرسول أن يرى أهل تسالونيكي وجها لوجه لكي يعلمهم ما قد نقص ، اليست الرسالة كانت كافية؟ هناك بالتأكيد تعاليم شفهية تلقن فلا يمكن القول إذا بأن الكتاب المقدس وحده هو السلطة الوحيدة بينما هناك مصدران للتعليم الانجيل والتعليم الشفهي.

– جاء فى رسالة القديس بولس لأهل تسالونيكي:"فاثبتوا إذن ايها الاخوة وتمسّكوا بالتقاليد التى تعلمتموها إمّا بكلامنا وإمّا برسالتنا" (2تسالونيكي14:2)، وهنا ان التقليد الرسولي يتضمن تعليم شفاهة او برسائل مكتوبة.

– أمرنا وأوصانا القديس بولس بطاعة التقليد الرسولي "ثم إنّا نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح ان تتجنبوا كل من يسلك من الإخوة على خلاف الترتيب بغير مقتضى التقليد الذى تسلّمتموه منّا"(2تسالونيكي6:3). لا يوجد هنا امر بأن نطيع الإنجيل وحده.

– فى رسالة القديس بولس لتلميذه تيموثاوس فضّل ان يتحدث وان لا يكتب اليه وانه يكتب فقط فى حالة تأخره وعدم تمكنه من رؤية تيموثاوس"وقد كتبت اليك بهذه مؤملاً ان اقدم غليك من قريب حتى إذا أبطأت تعلم كيف يجب عليك ان تتصرّف"(1تيموثاوس14:3-15).

– قال بولس الرسول ان التقليد الرسولي ينقل الى الأجيال القادمة ولم يقل أي

شيئ بأن كل التقليد الرسولي قد دون فى الإنجيل"وما سمعته منّي لدى شهود

كثيرين استودعه اناسا امناء اهلاً لأن يعلموا الآخرين"(2تيموثاوس2:2).

– اوصى بولس الرسول تلميذه "استمر أنت على ما تعلمته وأتمنت عليه متذكرا من تعلمت منهم"(2تيموثاوس14:3) هنا يشير الرسول بولس الى التعليم المسلّم أي التقليد والذى يوجد خارج الإنجيل.

– جاء فى رسالة القديس يعقوب "أتظنون أن الكتابة عبثاً تقول إن الروح الذى حلّ فينا يشتاق إلى الغيرة"(يع5:4) وهنا نجد ان يعقوب الرسول قد استشهد بما هو قد كُتب خارج قانون كتب العهد الجديد.

– فى رسالة القديس بطرس الثانية:"عالمين قبل كل شيئ ان كل نبوّة فى الكتاب ليست بتفسير فرد من الناس"(2بط20:1) وهنا تفسير الكتاب الـمقدس لا يخضع لشخص منفرد بل يلزم ان يكون تحت سلطان الكنيسة التعليمي. الكلمة الإلهية تحتاج الى تفسير إلهي، فالحكم الخاص الفردي سيقود الى التقسيمات ولهذا فهناك اكثر من 30 الف جماعة بروتستانتينية.

– جاء فى رسالة القديس بطرس الثانية:"واحسبوا أناة ربنا خلاصاً كما كتب

اليكم ايضا اخونا الحبيب بولس على حسب الحكمة التى أُوتيها كما فى رسائله كلها ايضا متكلما فيها على هذه الأمور إلاّ ان فيها اشياء صعبة الفهم يحرّفها الذين لا علم عندهم ولا رسوخ كما يفعلون فى سائر الكتابات لهلاك نفوسهم"(2بطرس15:3-16)، وها بيّن بطرس الرسول ان رسائل بولس هى موحاة ولكن ليست كل رسائله فى قانون كتب العهد الجديد كما بينا من قبل (انظر مثلا 1كورنثوس9:5-10 و كولوسي16:4). ايضا استخدم بطرس كلمة "لا علم عندهم ولا رسوخ" والتى تفيد ضرورة وجود تفسير رسولي يأتى عن طريق الكنيسة بسلطانها التعليمي المعطى من السيد المسيح. كذلك جاء ان الكتب الـمقدسة صعبة الفهم ويمكن أن تحرّف بجهل وتؤدى الى الهلاك. فكيف يمكن للروح القدس ان يقود كل منا لكى يفسر الكتب المقدسة بطريقة مختلفة؟. ولماذا هذا الكم الهائل من الإختلافات والتقسيمات فى التفسيرات داخل تلك الجماعات الإنجيلية والتى إن دلّت على شيئ إنما تدل على خطأ التفسير الشخصي ومبدأ "الكتاب وحده".

– جاء فى رسالة القديس يوحنا الأولى:"ايها الأحباء لا تُصدقوا كل روح بل اختبروا الأرواح هل هى من الله لأن انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم"(1يو1:4)، هنا يأمرنا الله أن نختبر كل شيئ ونختبر كل الأرواح، فعلى الرغم مما تدفعه تلك الجماعات الإنجيلية من حجج فكلمة الله ليست دائمة

واضحة وتحتاج الى تفسير فمن هى الجهة التى تملك حق التفسير وسلطة التعليم؟

– جاء فى سفر الملوك الأول (1ملوك1:3-9) عندما تكلم الله مع صموئيل ولكن صموئيل لم يتعرّف على صوت الله، فكلمة الله ليست دائمة يمكن تمييزها بسهولة.

– جاء فى كتابة سلسلة الأنساب للسيد المسيح حسب ما أورده القديس متى فى انجيله (متى1:1-17) رجوعه الى النسب من جهة الرجل وليس المرأة حسب التقليد اليهودي، وهذا يوضح مدى تأثير التقليد فى كتابة الإنجيل المقدس.

التقليد البشري قد تم  ذكره فى عدة مواضع من الكتاب المقدس: "سنة الشيوخ" (متى2:15و3و6) و مرقس 3:7و5و8و9و13)، "الحكمة البشرية" (1كورنثوس13:2)،"سُنّة الناس" (كولوسي8:2و14)، "وصايا أُناس" (تيطس14:1)،"سنن آبائي"(غلاطية14:1)،"سُنّن آبائكم"(1بطرس18:1).

– التقليد المنقول عبر الأجيال جاء ذكره فى الكتاب المقدس فىعهديه القديم والجديد: "أللهّم إنّا سمعنا بآذاننا وآباؤنا أخبرونا بالعمل الذى عملته فى أيامهم فى الأيام القديمة"(مزمور2:43)، "لأنه أقام شهادة فى يعقوب ووضع شريعة فى إسرائيل أوصى فيها آباءنا أن يعلّموا بنيهم بهذه" (مزمور5:77)، " وأنا فهذا عهدى معهم قال الرب. روحي الذى عليك وكلامي الذى جعلته فى فمك لا يزول من فمك ولا من فم نسلك ولا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن وإلى الأبد"(اشعيا 21:59)، "تجنبوا كل من لا يسلك على خلاف الترتيب بغير مقتضى التقليد الذى تسلّموه منّا"(2تسالونيكى6:3) وغيرها من الشواهد.   

 قَبِل كلا من السيد المسيح والقديس بولس التقليد الشفهي الغير كتابي فلقد

 جاء فى متى2:23-3 :إن الكتبة والفريسيين جالسون على "كرسي موسى" وهذا التعبير لا يمكن ان نجده فى العهد القديم لكنه موجود فى "المشّنا" وهى المسجّل بها اقوال موسى وتعاليمه. وجاء فى 2تيموثاوس8:3 عن "ينّاس ويمبراس قاوما موسى" وهذا الإسمان لم يأت ذكرهما بتاتا فى العهد القديم ولكنه جاء فى تقاليد الرابيين.   

ب – الرد على الآيات التى يستند عليها أصحاب مبدأ "الكتاب وحده"

1. أن "الكتاب كلّه قد أوحى به من الله" (2تيموثاوس16:3-17)

– تستخدم الجماعات الإنجيلية النص التالي لإثبات بأن الكتاب المقدس هو السلطة الوحيدة لكلمة الله:"فإن الكتاب كلّه قد اُوحى به من الله وهو مفيد للتعليم وللحجاج وللتقويم وللتهذيب بالبر لكي يكون رجل الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح"(2تيموثاوس16:3-17). بفحص هذا النص نجده يدحض مبدأ "الكتاب وحده" فبولس الرسول يستند الى التقليد الرسولي قبل هذه الآيات مباشرة"انك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تصّيرك حكيماً للخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع"(2تيمو15:3) فهنا يشير الى الكتب المقدسة للعهد القديم حيث نشأ بولس وايضا تيموثاوس (أي انها لا تشير الى كتب العهد الجديد والذى لم يتم تجميعه بعد وقت تعليم بولس الرسول).  وكما جاء فى هذه الآية ايضاً انه يمكن للمرء ان يأتى الى الإيمان بالمسيح يسوع بدون الرجوع الى كتب العهد الجديد.

– هذه الآية (2تيمو16:3) تقول بأن الكتاب "مفيد" لكل عمل صالح ولكن ليس هو وحده المطلق او الكليexclusive، فكلمة "مفيد" تعنى باليونانية "ophelims" والتى تعنى "مفيد" ولكنها لا تعنى انه هو المصدر الوحيد للفائدة.

– فى هذه الآية ايضا (2تيمو16:3) جاء ان "كل الكتاب" وقد استخدم كلمات pasa graphe  باليونانية والتى تعنى فى الحقيقة كل كتب الكتاب المقدس وهذا يعنى ان كل نص فى الكتاب هو مفيد. ان إستخدام الجماعات الإنجيلية لكلمة pasa graphe ويفسرونها بان كل نص فى الكتاب المقدس هو مطلق او كلي exclusive وهذا يعنى انه يمكن للمسيحيين الإعتماد على آية واحدة من الكتاب المقدس لأن لها قوة السلطان الوحيد لكلمة الله. ان الكلمة اليونانية pasa graphe لا يمكن ان تعنى كل الكتب المقدسة لأنه لا يوجد قانون كتب العهد الجديد حيث يمكن للرسول بولس الرجوع اليها فى ذلك الوقت ما لم تعترف تلك الجماعات الإنجيلية بأن كتب العهد الجديد لم يكن معترفا بها من بولس الرسول!.

– فى هذه الآية ايضاً (2تيمو16:3) تشير الى كل الكتب المقدسة فى العهد القديم والتى يرجع اليها بولس الرسول والتى هى تشمل الكتب القانونية الثانوية او ما أُطلق عليه كتب الأبوكريفا والتى لم يعترف بها تلك الجماعات الإنجيلية بعد 1500 سنة من انها ضمن الكتاب الـمقدس.

– فى الآيـة (2 تيمو17:3) يرجع بولس الرسول الى "رجل الله" الذى يمكن ان يكون كاملاً وهى تعود الى رجال الكنيسة المختارين لحمل كلمة الله والمرتسمين والموضوع عليهم اليد الرسولية (اعمال 3:6-7) وليس لأي إنسان عادي. فهى تعليمات الى اسقف الكنيسة لكي يكون مؤهلا لتدبير بيت الله، ولهذا فلا يمكن إستخدامها وتطبيقها على أي مؤمن!. 

فى الآية (2تيمو17:3) استخدم بولس الرسول كلمة "كاملاً"artios لكل عمل صالح وهى تعنى لرجل الكهنوت انه يكون "كاملا" ولا تعود هنا للكتب المقدسة.

-جاء فى رسالة القديس يعقوب عن "الكمال" ما يلي: "حتى يكون العمل الكامل للصبر بحيث تكونون كاملين موفرين غير ناقصين فى شيئ"(يع4:1). هنا نجد كلمات teleioiوتعنى "كامل"، " holoklepoi" والتى تعنى "تام أي لا ينقصه شيئ". وهذه الآية هامة لأن كلمتي teleioi و holoklepoi أكثر قوة من كلمة artios والمستخدمة فى الآية الواردة فى 2تيمو17:3، وهذا يعنى ببساطة انه لكى يكون الـمرء مسيحياً "كاملا" عليه ان يثبت ويصبر وليس حافظاً لكلمات

– جاء فى رسالة القديس بطرس لتلميذه تيطس:"إن ذلك اصدق ما يقال وإيّاه أريد ان تُقرر حتى يكون الذين آمنوا بالله ذوى اهتمام فى القيام بالأعمال الصالحة فهذه التى تحسن وتنفع الناس"(تيطس8:3)، وهنا "الأعمال الصالحة" مفيدة ومثمرة ولكنها لا تعنى مطلقا انها الوحيدة exclusive.

– جاء فى رسالة القديس بولس لتلميذه تيموثاوس عن الطهارة:"فإن طهّر احد نفسه من هذه فإته يكون إناء للكرامة مقدسّاً أهلاً لاستعمال السيد مُعداً لكل عمل صالح"(2تيمو21:2)، فالطهارة هامة ايضا لأي عمل صالح  والكلمات التى استخدمها الرسول هنا هى هى كما جاءت فى 2تيمو17:3 والتى تشير الى ان الكتب المقدسة ليست هى الوحيدة exclusive وان هناك أشياء أخرى كالأعمال الصالحة والطهارة والصبر مفيدة للإنسان المؤمن.

– جاء فى رسالة القديس بولس لأهل كولوسي عن الصلاة:"يُسلّم عليكم ابفراس الذى هو منكم وهو عبد للمسيح يسوع مُجاهد كل حين لأجلكم فى الصلوات لكي تثبتوا كاملين تامين فى مشيئة الله كلها"(كولوسي12:4) وهنا نجد ان الصلاة تجعل الإنسان ثابتا وكاملا، فأين نجد ان الإيمان المسيحي الكامل مبنى فقط على الكتاب الـمقدس.

– إذا كان النص كما جاء فى 2تيموثاوس 16:3-17 يعلّم فيه بولس الرسول الكنيسة الأولى مبدأ "الكتاب وحده"، فلماذا فى رسالته لأهل افسس قال "انى بوحي أعلمت السر كما كتبت قبلاً بالإيجاز"(افسس 3:3)، فهل ما قد علّمه بولس بناء على رؤى كشفت له مباشرة من الله وان تعليمه هو خاص به؟ هنا يكون تعليمه الخاص يناقض مبدأ "الكتاب وحده".

– جاء فى رسالة القديس بولس لأهل تسالونيكى: "فلذلك لا نزال شاكرين لله

لأنكم لما تلقيتم منا كلمة الله بالسماع لم تقبلوا كلمة بشر بل كما هو فى الحقيقة كلمة الله الذى يعمل فيكم انتم المؤمنين"(1تس13:2)، وهنا جاء تعليم كلمة الله شفاهية فهل يا ترى تم تدوين تلك التعاليم؟، أم تناقلتها جماعة المؤمنين بإيمان وحفظتها تراثاً للأجيال الأخرى.

في هذا النص نفسه يقول القديس بولس لتيموثاوس "وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وقصدي إيماني وأناتي ومحبتي وصبري،إلخ.." (2تيمو3: 10). ويقول في الآية 14: "وأما أنت فاثبت على ما تعلّمت وأيقنت عارفاً ممن تعلّمت". إذاً يخصّ بولس تيموثاوس هنا على حفظ التعليم الذي استلمه تيموثاوس من بولس ومن معلِّمين آخرين.

يقول القديس بولس لتيموثاوس: "وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2تيمو3: 15). هنا الخلاص يأتي من الإيمان بالمسيح وليس من الأسفار المقدسة بحد ذاتها. فالكتب المقدسة ترشد إلى الإيمان بالمسيح يسوع، وهذا الإيمان بالمسيح هو الذي يخلّص. وهذا ما يؤكده بولس في الآية 16 عندما يقول: "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ، إلخ…". أي، إن العهد القديم في أيام بولس، والكتاب المقدس بعهديه فيما بعد، هو موحى به من الله، وينفع لتعليم وتوبيخ المؤمن بالمسيح والذي صار لله هذا الكتاب كتاباً موحى به. أما بالنسبة لغير المؤمن بالمسيح، فالكتاب المقدس لا يعني له شيئاً أكثر من مجرد عمل أدبي أو تاريخي. لذلك المهم هو الإيمان المسيحي وهو الذي يجعل المسيحي مؤمناً بأن الكتاب المقدس هو موحى به من الله وهو الذي يجعل الكتاب نافعاً للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البرّ، وهذا ما يكشفه بولس في الآية 17 عندما يقول: "لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح". أي يقول بولس إن الكتاب المقدس نافعٌ للتعليم والتوبيخ… لإنسان الله، فلو لم يكن هذا الإنسان هو إنسان الله لما كان هذا الكتاب هو كتاب الله، كتاباً مقدساً ونافعاً؛ أي الكتاب المقدس بحد ذاته لا يخلّص إنساناً حتى ولو كان يحفظه عن ظهر قلب. فيمكن للوثني أن يحفظ الكتاب المقدس بصورة أفضل من المسيحي، ومع ذلك لا يخلص إلا إذا آمن بالمسيح واعتمد. الإيمان بيسوع هو الذي يخلّص الإنسان، وهذا الإيمان يقود المسيحي إلى المعمودية ليولد من المسيح ثانية، وهو الذي يقود المسيحي إلى الاعتراف بأن الكتاب المقدس كتاباً مقدساً ونافعاً، إلخ.

إن تأكيد القديس بولس على أن العهد القديم في أيام تيموثاوس هو موحى به من الله ونافع إنما ناجمٌ عن وجود تيارات فكرية وغنوصية كانت تطعن بالعهد القديم في تلك الأيام، وهذا واضح من رسائل بولس (1تيمو6: 20؛ 1تيمو1: 4 و4: 7؛ و2تيمو4: 4). لهذا يقول بولس الرسول لتيموثاوس إن تعليمي لك لا يحلّ محل الفائدة الناجمة من معرفة الكتاب المقدس (العهد القديم في هذه الحالة). إذاً، يسأل بولس تلميذه تيموثاوس أن يحفظ الوديعة (1تيمو6: 20)، وأن يثبت في تعلّمه، واثقاً وعارفاً مصدر تعليمه (2تيمو3: 14)؛ ومعظم ما تعلّمه كان شفهاً غير مكتوب. وضد التيارات الغنوصية التي كانت تطعن بالعهد القديم، فإن بولس الرسول كان يؤكد لتلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس (العهد القديم هنا)، والذي درسه تيموثاوس منذ طفوليته، هو حقاً موحى به من الله ونافعٌ.                                                          

2. "أننتم تبحثون فى الكتب لأنكم تحسبون ان لكم فيها الحياة الأبدية فهى تشهد لي"(يوحنا39:5)

استخدم البعض ما جاء فى الإنجيل بحسب يوحنا البشير(يوحنا39:5) للدفاع عن مبدأ "الكتاب وحده"، ولكن عندما قال يسوع: "فتشوا الكتب" كما جاء فى بعض الترجمات او "تبحثون الكتب" فكان يتحدى اليهود الذين لم يؤمنوا بأنه هو الـمسيّا الـمنتظر. قال لهم يسوع هذا طالبا منهم التحقق من النبؤات التى جاءت عن الـمسيّا وليقارنوها بتعليمه. انه لـم يقل ابداً "فتشوا الكتب" وحدها، هذا بالإضافة الى ان العهد الجديد لم يكون بعد مدوناً، فالنص إذا لا يعضد مبدأ "الكتاب وحده".  ونجد ان كلمة "الكتب" كما جاءت تعود الى العهد القديم، وهى ترُد على الإدعاء بالتفسير الشخصي للكتاب المقدس حيث نرى كيف ان غير المؤمنين لم يروا فى يسوع انه المسيا المنتظر فرفضوه لأنهم اعتمدوا على تفسيرهم الشخصي للكتب المقدسة.

كُتب الكتاب المقدس باللغات الأصلية، وما النسخ التي بين أيدينا إلا نُسخ مترجمة عن هذه اللغات فقد كُتب العهد القديم باللغة العبرية وبعض الأجزاء باللغة الأرامية وهي لغة شقيقة للغة العبرية، في حين كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية. ولا يستدل على معنى كثير من الآيات بدقة إلا بالعودة إلى اللغات الأصلية التي كتبت بها وذلك لاختلاف أزمنة الأفعال بين اللغات وكذلك التعبيرات والمصطلحات اللغوية. ومثال ذلك فى يوحنا: فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ"( يوحنا 39:5-40). وبنظرة إلى هذه الآية يمكن للبعض أن يقول ان السيد المسيح يدعونا بصيغة الأمر إلى أن نفتش الكتب ولكن مع التدقيق في هذه الآية نكتشف أنه لا يتكلم بصيغة الأمر لأنه يقول "لأنكم تظنون" إذًا ما هو المعنى الصحيح؟ نكتشف بعد الرجوع إلى الأصول اللغوية أن زمن الفعل المستخدم في كلمة "فتشوا" يعطي المعنى الآتي (وأنتم مازلتم تقومون بعملية البحث والتفتيش في الكتب ظانين أن لكم فيها حياة أبدية. فالكتب هذه هي تشهد لي. وأنتم لاتريدون أن تأتوا إليَّ لكي أعطيكم الحياة). لأن هذا الزمن يغطي حدوث الفعل في الماضي وحدوثه الآن وأيضًا استمرارية حدوثه ولا توجد كلمة في اللغة العربية تعبر عن هذا الزمن. لذلك من المفيد الرجوع لبعض الترجمات الأخرى للكتاب المقدس للمساعدة على الوصول إلى المعنى الدقيق.  وليس القصد من هذه الملاحظة أن يلم القارىء باللغات الأصلية وإنما يأخذ بعين الاعتبار عدم ظهور المعنى الحقيقي دائمًا بسبب اختلاف التعبير في

الترجمة عن اللغة الأصلية.

3. "فإن كان قد قال للذين صارت اليهم كلمة الله آلهة ولا يمكن ان يُنقض الكتاب"(يوحنا35:10)

يستخدم البعض ما جاء فى هذه الآيـة لتعضيد الـمبدأ، ولكن على الرغم من ان  هذه الآيـة تشير الى كتب العهد القديم ولا تشير بتاتا بصورة قاطعة للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

4. "وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع أمام التلاميذ لم تُكتب فى هذا الكتاب وإنما كُتبت هذه لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه"(يوحنا30:20-31)

يستخدم البعض ما جاء فى هذا النص لتعضيد مبدأ ان الكتاب المقدس هو

الأساسي للإيمان بيسوع المسيح. فى الحقيقة ان الكتاب المقدس يساعدنا فى ان نتعرف من هو يسوع فنؤمن به لتكون لنا الحياة ولا تعنى مطلقا ان الكتاب المقدس هو الوحيد او الضروري للخلاص بالمسيح يسوع.

5. "وكان هؤلاء اشرف من الذين فى تسالونيكي فقبلوا الكلمة بكل حرص وكانوا يفحصون الكتب هل كانت تلك الأمور هكذا. فآمن كثيرون منهم ومن كرام النساء اليونانيات ومن الرجال عدد ليس بقليل"(اعمال الرسل11:17-12)

استخدم البعض ما جاء فى هذا النص من أعمال الرسل لتأييد مبدأ الكتاب وحده مصدر التعليم. ولكن ما جاء فى هذه الآية من ان اهل بيرية "يفحصون الكتب" يشير الى ما قام به بولس من قبل فى تسالونيكي "على عادته وفاوضهم من الكتب شارحا ومبينا ان المسيح كان ينبغى ان يتألم ويقوم من بين الأموات"(اعمال2:17-3)، فعندما جاء مع سيلا الى بيرية استخدم العهد القديم لتأكيد التعليم الشفهي عن الـمسيّا. وايضاً لا تقول الآيات ان بولس وسيلا قد بحثا فى الكتب المقدسة وحدها. فى هذه الآيات ايضا نجد ان اهل بيرية كانوا اكثر نبلاً وواقعية واقل عنفا عن اهل تسالونيكي (أعمال 5:17-9) ولهذا آمن منهم الكثيرين.

6. "وأما الأخوة فللوقت أرسلوا بولس وسيلا ليلاً إلى بيرية، وهما لما وصلا مضيا إلى مجمع اليهود. وكان هؤلاء أشرف من الذين في تسالونيكي، فقبلوا الكلمة بكل نشاط، فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا"(أعمال10:17-11)

يستخدم البعض ما جاء فى هذا النص من أتباع عقيدة "الكتاب المقدس وحده" للدلالة على صحة تعليمهم. لا يقول هذا النص بشكل مباشر إن الكتاب المقدس وحده كافٍ للإيمان والممارسة، ولكن قيمته لدى البروتستانت تأتي من وجوب أن يكون المسيحيون على مثال أهل بيرية، متفحصين كل الأشياء بحسب الكتب. هنا سمع أهل بيرية في المجمع اليهودي من بولس الرسول أن يسوع الناصري هو المسيح الموعود. قارن أهل بيرية ما قاله بولس الرسول بالنبوات الواردة في العهد القديم، وآمن الكثيرون منهم إذ وجدوا أن يسوع الناصري هو حتماً المسيح الموعود المنتظر، متمَّماً كل ما قاله الأنبياء في الكتب. الكتب المذكورة هنا والتي تفحّصها أهل بيرية هنا هي أسفار العهد القديم. لو كان أتباع عقيدة "الكتاب المقدس وحده" مصيبين في رأيهم في استعمالهم لهذه الآية، لكان على المسيحيين أن لا يستعملوا سوى أسفار العهد القديم حصراً لأنها كانت التي استعملها أهل بيرية. من اللافت للانتباه هنا هو أن أهل بيرية كانوا اشرف من الذين في تسالونيكي لا لأنهم كانوا يتفحّصون الكتب، بل لأنهم قبلوا الكلمة بكل نشاط. فحصوا الكتب ليتأكدوا بأنفسهم بأن تفسير بولس الرسول للنبؤات المسيانية صحيح وبأن يسوع هو المسيح ولم يكن إيمان البعض منهم والذين قبلوا المسيح مبنيا على "الكتاب وحده"، ولكن على فبولهم لتفسير بولس الرسول للعهد القديم على ضوء إتمام إعلان الله فى يسوع المسيح.

أما ما جاء عن أهل تسالونيكي (أعمال2:17) فهنا لم يرفضوا صحة ما جاء فى الكتب او فائدتها او رفضوا النبوات المسيانية لكنهم فى الحقيقة قد رفضوا تفسير بولس الشخصي للكتاب والذى يؤيد إدعائه بأن يسوع هو الـمسيا.

7. "أكتب ما تراه فى سفر .." و "فاكتب ما رأيت ما هو كائن وما سيكون من بعد"(رؤيا11:1و19)

يستخدم البعض ما جاء فى ان يسوع قال ليوحنا تلك الأوامر لتعضيد مبدأ ان الكتاب المقدس هو مصدر الإيمان المسيحي. بالفعل أمر يسوع يوحنا لأن يكتب لأن يوحنا كان فى المنفى فى جزيرة بطمس ولا يمكنه التبشير بالكلمة حسب وصية يسوع لتلاميذه بأن يبشروا. هذا بالإضافة الى ان مثل هذه الوصية يمكن ان تكون محددة للكتاب الذى كان يكتبه يوحنا أي "سفر الرؤيا" ولا ينطبق على الكتب المقدسة الأخرى بأي حال من الأحوال.

8. "انى اشهد لكل من يسمع كلمات نبؤة هذا الكتاب من زاد شيئا على هذه يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب ومن اسقط من كلمات كتاب هذه النبّوة يسقط الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومما كتب فى هذا الكتاب"(رؤيا18:22-19)

يستخدم البعض هذا النص لتعضيد عصمة الكتاب المقدس. ولكن هذا الأمر

يشير فقط الى كتاب الرؤيا "كلمات نبؤة" وليس على كل الانجيل المقدس والذى جاء بعد ذلك بـ 300 سنة.

9. "لا تزيدوا كلمة على ما آمركم به ولا تنقصوا منه حافظين وصايا الرب إلهكم التى انا موصيكم بها"(تثنية2:4) و "بجميع ما انا آمركم به تحرصون ان تعملوا لا تزيدوا عليه ولا تنقصوا منه"(تثنية 32:12)

يستخدم البعض ما جاء فى سفر تثنية الإشتراع لتعضيد عدم إضافة أي تعليم او مصدر آخر بخلاف الكتاب المقدس. ولكن وصية الله هنا هى هى ولم تعفى المسيحيين من قبول كتب العهد القديم التى جاءت بعد سفر تثنية الاشتراع او كتب العهد الجديد.

10. "… أن لا ينتفخ احدكم على صاحبه من اجل احد فوق ما كتب عليكم" وجاءت فى بعض الترجمات "ان لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب كي لا ينتفخ أحدٌ لأجل الواحد على الآخر" (1كورنثوس4: 6).

يستخدم البعض تلك الآيـة أيضاً للدفاع عن الـمبدأ، ولكن من القراءة الأولى لهذا النص وظاهرياً يبدو أنه على المسيحيين أن يلتصقوا بالكتاب المقدس فقط وحتماً. لكن نظرة متمعنة إلى هذا النص تُظهر أن لا علاقة له أبداً بمسألة سلطة الكنيسة. فأولاً، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الإطار الذي كُتبت فيه رسالة كورنثوس الأولى، حيث يناقش بولس الرسول المشاكل التي كانت في هذه الكنيسة. ففي 1كور1: 12 يقول بولس إن بعض الكورثنيين يتبعون بولس وبعضهم أبولس، إلخ. أي كانت توجد انشقاقات فيما بينهم. والسؤال هنا مطروح على الفئات البروتستانتية المنقسمة على بعضها بعضاً: هل المسيح منقسمٌ؟ ومن الواضح أن الانقسام في كنيسة كورنثوس وصل إلى نقطة كان الناس فيها يقارنون الرسل ببعضهم بعض ويحكمون على أن بعض الرسل أفضل من البعض الآخر. إجابةً على هذه النقطة، يؤكد بولس الرسول بأن القضاء أو الدينونة هي لله وحده ويجب على أهل كورنثوس أن لا يفتكروا فوق ما هو مكتوب، قائلاً: كي لا ينتفخ أحدٌ لأجل الواحد على الآخر. إذاً لا علاقة لهذا النص بالأفكار التي تطرحها عقيدة "الكتاب المقدس وحده".

ومن جهة أخرى، يبقى السؤال هنا بخصوص هذه الآية: ما المقصود من كلمة "ما هو مكتوب" في ذهن بولس؟ لو نظرنا إلى مقاطع سابقة من الرسالة نفسها في 1كور1: 19 إلخ، و1كور1: 31، إلخ، و1كور3: 19-20، إلخ، نجد أن كلمة ما هو مكتوب تشير إلى هذه الاقتباسات السابق ذكرها. فبولس الرسول يذكّر أهل كورنثوس بأن الله وحده هو الذي يدين وهو الذي يمجّد وأن الحكمة البشرية والدينونة البشرية لا تؤخذان بعين الاعتبار عند الله. وهكذا نرى أن قول بولس في هذه الآية "أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب" لا علاقة له بعقيدة "الكتاب المقدس وحده".

11. "إنى اشهد لكل من يسمع كلمات نبؤة هذا الكتاب من زاد  شيئا على هذه يزيد الله عليه الله الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب ومن اسقط من كلمات كتاب هذه النبوة يسقط الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومما كتب فى هذا الكتاب"سفر الرؤيا 18:22-19

-يقصد يوحنا الرسول ان لا يضاف او ان لا يحذف أي شيئ من "هذا الكتاب" وهى تعود الى كتاب سفر الرؤيا " كتاب هذه النبّوة" وليس كل الكتاب المقدس. وهذا لأن الرسول كتب كتاب الرؤيا ولم يكن فى وقت كتابته أن الكتاب المقدس والمعروف والموجود لدينا الآن موجوداً، على الرغم من ان كتب العهد الجديد كانت قد كتبت كلها قبل ان يكتب يوحنا سفر الرؤيا ولكنه لم تكن قد حددت رسميا ضمن الكتاب المقدس إلاّ فى وقت لاحق.

– قد يقال ان الله يعلم مسبقا ان قانون تحديد الكتب المقدسة سوف يعلن وان سفر الرؤيا سيوضع فى اخر تلك الكتب المقدسة ولهذا فلقد الهم يوحنا الرسول بأن يكتب هذه الآيات 18و19. ولكن كيف عرف المسيحيون بأن هذه الآيات 18و19 سوف تختم على اقوال الكتاب المقدس ما لم تعلن ذلك سلطة تعليمية لتؤكد ان هذا هو التفسير الصحيح لتلك الآية؟ ولكن اذا ما تواجدت تلك السلطة التعليمية المعصومة من الخطأ واعلنت ان مبدأ "الكتاب وحده" فى حد ذاته هو بلا جدوى فمن نصدق.

– نفس هذا التحذير من ان لا يضاف او يحذف كلمات وردت فى سفر التثنية "لا تزيدوا كلمة على ما آمركم به ولا تنقصوا منه حافظين وصايا الرب الهكم التى انا اوصيكم به"(تثنية2:4) فإذا ما طبقنا هذا وحاولنا تفسير هذه الآية فإن أي شيئ جاء فى الأنجيل ما بعد وصايا العهد القديم وشرائعه تصبح باطلة.

– هذا التحذير الوارد فى الآية18:22-19 ضد الحذف والإضافة لا تعنى مطلقا انه محرّم على المسيحيين الإطلاع على أي شيئ خارج الكتاب المقدس كالتقليد الكنسي والتعاليم الكنسية وغيرها للإسترشاد.

يقول المفسر المشهور البروتستانتي وليم باركلي إن مقولات كهذه هي شائعة في الأدب القديم. فأمثال هذه التحذيرات موجودة في تثنية 4: 2 وتثنية 12: 2 وأمثال 30: 5و6. أيضاً إن سفر أخنوخ (وهو من الأدب المنحول في العهد القديم) يحذّر ضد تغيير النص أيضاً. وبحسب باركلي فإن الغاية من هذه التحذيرات هي ضمان نقل هذه الكتب بصورة دقيقة بدون تغيير من قبل الكتبة الذين كانوا ينسخونها. وفي نص يوحنا السابق ذكره فإن يوحنا يشير بصورة خاصة إلى نبؤة هذا الكتاب (أي سفر رؤيا يوحنا) هي المقصودة، ولا يوجد شيء يشير إلى كل الأسفار المقدسة أو الكتب المقدسة ككل. حتى لو عمّمنا كلام يوحنا هنا وجعلناه يشمل أسفار العهدين القديم والجديد لإستنتجنا أن قانون الكتاب المقدس هو مُعطى من الله ولا يمكن تغييره، وهذا بالضبط ما تؤمن به الكنيسة الجامعة إذ أقفلت قانون الكتاب المقدس إلى الأبد. فلو وجد أي سفر لم يُعرف سابقاً في الكنيسة وتم اكتشافه حديثاً، لما أدخلته الكنيسة في الكتاب المقدس، حتى ولو كان سفراً أصيلاً وصحيحاً، لأنه لم يكن قيد الاستعمال من قبل الكنيسة في كل مكان وفي كل عصر، ومن قبل جميع المؤمنين.

2. من كتابات آباء الكنيسة الأول:

في تقليد الكنيسة الحي والمقدس، المُستمر منذ تأسيس الكنيسة حتى أيامنا هذه، يحتل آباء الكنيسة مكانة خاصة، تجعلهم يتميَّزون عن أي شخصية أخرى في تاريخ الكنيسة. فالآباء هم أول من وضع الخطوط العريضة لبنية الكنيسة، التنظيمية، العقائدية والرعوية، وما قدَّموه يحتفظ بقيمتهِ بشكل دائم.
  من الآباء حصلنا على قانون الكتاب المقدس، قوانين الإيمان، قوانين الحياة الكنسيّة، الليتورجيا، أوائل الخلاصات اللاهوتية والتعليمية، أضف إلى ذلك التأملات في الحياة الروحية. لهذا فإن سلطان تعليمهم في الأمور اللاهوتية يبقى فريداً في تاريخ الكنيسة.

 "أنت تعلم الكتب المقدِّسة"، بهذا الكلام بادر القدّيس بولس تلميذه تيموتاوس (2 تيموثاوس 3: 15) فحذّره من الاستماع إلى الخرافات ودعاه إلى الأخذ بالتعليم الصحيح (2 تيموثاوس 3:4؛ 1 تيموثاوس 4: 1) والتعلّق بالكتب المقدّسة التي تعلّمها منذ نعومة أظفاره، لأنّها تزوّده بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بيسوع المسيح. هذه الكتابات المقدّسة (رومية 1: 2) يعزوها الآباء إلى الروح القدس، وهي تحوي أقوال الله (روم 3: 2) وكلام الله (مرقس 7: 13) الذي كتبه أُناس نزل عليهم وحي الله (يوحنا35:10).

هذه الأسفار المقدّسة قد اعتبرتها الكنيسة والآباء القديسون اعتبارًا كبيرًا. فمنذ

القرن الأوّل يؤكّد إكلمنضوس، أسقف رومة، أنّ الكتب المقدّسة حق وصدق.

ويعلن يوستينوس أنّ الأنبياء تكلّموا بواسطة الروح القدس فلم يقولوا إلاّ ما سمعوه ورأوه بعد أن ملأهم الروح القدس بأنواره.

وعالج ثيوفيلُس الانطاكي (كتب في نهاية القرن الثاني) قضيّة الوحي في الكتاب المقدّس وقابل الإنجيل بأسفار موسى والأنبياء فقال: "انّ ما تكلّمت به كتب الشريعة عن البرّ يتوافق مع ما قاله الأنبياء وذكره الإنجيليون. فلكلّ هؤلاء مُنح الروح القدس، وهم لم يتكلّموا إلاّ بفعل الروح الواحد. لم أكن أؤمن بالحقائق العتيدة (ارتدّ إلى الإيمان بعد قراءة الكتب المقدّسة، مثل يوستينوس وطاطيانس)، أمّا الآن وقد تشبّعت منها فأنا أوْمن، لأنّي اكتشفت كتب الأنبياء الذين حرّك قلوبهم الروح القدس فتنبّأوا عن الماضي بالصورة التي حدث فيها، وعن الحاضر كما هو، وعن المستقبل بحسب النظام المحدَّد له لكي يتمّ في أوانه. كل ما عرفناه عن خلق الكون فقد عرفناه بواسطة الروح القدس الذي علّمنا إيّاه مستعينًا بموسى وبسائر الأنبياء".

ومن أنطاكية ننتقل إلى الإسكندرية حيث كان للكتاب المقدّس مركز الصدارة. يقول اكلمنضوس الأسكندريClement of Alexandria (150- 205م): "الرب هو الذي تكلّم بفم أشعيا وبفم إيليا وبفم الأنبياء. إذًا، على الفلاسفة أنفسهم أن يبحثوا عن الحقيقة الإلهية عند الأنبياء، فأقوالهم توضح لنا طرق التقوى وهي أساس الحقيقة. والكتب الإلهية تعرض أمامنا قواعد الحياة في الفضيلة، وهي سبل مختصرة تقود إلى الخلاص… وعندما يردّ اكلمنضوس على الغنوصيين يقول: "انّ الله هو علّة كل الأمور الصالحة، علّة مباشرة للعهد القديم وللعهد الجديد، وعلّة غير مباشرة لكتب الفلسفة. إن التوراة والإنجيل هما عمل الرب الواحد لأنّ الأنبياء عندما تكلّموا إنما فعلوا ذلك بتأثير الله ووحيه. وهكذا فالكتاب المقدّس هو كلام الله". ولقد إستشهد فى كتاباته بكل ما جاء فيما بعد فى كتب العهد الجديد ما عدا رسالة بولس الى فليمون ورسالة يعقوب والرسالة الثانية لبطرس، ولقد أورد2400 نصاً من العهد الجديد.

والعلامة ترتليانTertullian  والذى عاش من 160 وحتى 220م فلقد

استخدم أكثر من 7200  نصاً كما جاء فيما بعد فى العهد الجديد.

ويقول أوريجانس (185- 255) وهو الذى خلّف كلمنضس الأسكندري فى مدرسة الأسكندرية ولقد استخدم اكثر من 18000 نصاً كما جاء فيما بعد فى العهد الجديد، وهو الذي حارب هو أيضاً بدعة الغنوصيين: "انّ الروح عينه أوحى بأسفار العهد القديم والعهد الجديد. والكنيسة تعلم أنّ الروح أرسل وحيه إلى كلّ من الآباء والقدّيسين والأنبياء والرسل، فلم يكن روح للذين

كتبوا في القديم، وروح آخر للذين أوحى إليهم فكتبوا ما كتبوه بعد المسيح".

وفي الكنيسة الغربية قال القديس إيريناوس اسقف ليون: "إنّ أسفار العهد القديم

والجديد قد أوحى بها الروح القدس الذي تكلّم بواسطة إرميا النبي كما تكلّم بواسطة متّى الإنجيلي وبولس الرسول. فأسفار العهد القديم والجديد تنبع من الروح الواحد. وأعلن ترتليانس الطابع الإلهي في الكتب المقدّسة وذكر مكانتها في الكنيسة الأولى ثمّ قال: نحن نجتمع لقراءة الكتب المقدّسة، فبكلماتها نغذّي إيماننا ونثبّت رجاءنا ونقوّي ثقتنا ونُدخل في ذواتِنا وصايا الله. وعن أهمية وضرورة التقليد الرسولي يقول:"استودع الرسل فى يدى الكنيسة بفيض كبير جدًا كل الأمور المتصلة "بالحق"، حتى يستطيع كل من يرغب أن يستقى منها "ماء الحياة". فالكنيسة هى الباب المؤدى إلى الحياة… لذلك ينبغى أن نمسك بكل ما يتصل بالكنيسة بكل اجتهاد، وهكذا نمسك "بتقليد الحق". فلو افترضنا أنه أُثير جدال بخصوص مسألة هامة عندنا، ألا ينبغى أن نلجأ إلى أقدم الكنائس التى أسسها الرسل، ونعرف منهم، ما هو يقينى وواضح من جهة هذه المسألة التى أمامنا؟ لأنه كيف كان ينبغى أن يكون الحال لو أن الرسل أنفسهم لم يتركوا لنا كتابات. ألا يكون ضروريًا ـ فى هذه الحالة ـ أن نتبع "التقليد" الذى سلّموه لأولئك الذين ائتمنوهم على الكنائس؟".

اقتبس الآباء الرسوليون في أواخر القرن الأول من أسفار موسى الخمسة وأسفار

يشوع والقضاة وصموئيل والملوك وأستير وأيوب والمزامير والمثال والجامعة ونشيد الإنشاد وإشعياء وإرمياء وحزقيال ودانيال ويوئيل وعاموس ويونان وحبقوق وصفنيا وزكريا وملاخى و2مكابيين ويهوديت وطوبيت وبن سيراخ وحكمة سليمان أي من معظم أسفار العهد القديم العبرية والأسفار القانونية الثانية ، وذلك دون أن يسجلوا أو يشيروا إلى قائمة معينة لأسفار العهد القديم  كما اقتبس أيضا آباء القرن الثاني ، يوستينوس واريناؤس وترتليان واكليمندس  الإسكندري من معظم أسفار العهد القديم سواء العبرية أو القانونية الثانية دون ذكر لقائمة محددة .

 ثم يقول مليتو أسقف ساردس (حوالي 170م) أنه ذهب إلى الشرق ليعرف عدد الكتب التي يستخدمها اليهود في فلسطين ، كما نقل عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس ك4 ف11:26 ثم يذكرهم كالآتي :

" أسفار موسى الخمسة يشوع وقضاة وراعوث والملوك أربعة أسفار ، أخبار الأيام سفران ، مزامير داود وأمثال سليمان وأيضا الحكمة والجامعة ونشيد الإنشاد وأيوب والأنبياء وإشعياء وإرمياء ، الأنبياء الاثنى عشر سفر واحدا ، دانيال وحزقيال وعزرا . ومن هذه جعلت المجموعات التي قسمتها إلى ستة كتب " .

  والملاحظ في قائمته أنه قسم سفر الملوك الذي دمجه مع صموئيل إلى أربعة أسفار ، وأخبار الأيام إلى سفرين . وأضاف سفر الحكمة من الأسفار القانونية الثانية ولم يذكر أستير وذكر ترتيب يختلف عن كل الترتيبات السابقة ، برغم أنه استقى ترتيبه هذا من الربيين اليهود مما يدل على أن تقسيم التلمود لم يكن هو التقسيم الشائع في فلسطين .

  ويذكر أوريجانوس (185-254م) عند تفسيره للمزمور الأول قائمة تضم 22 كتابا فقط على عدد الحروف الهجائية العبرية وذلك بضم راعوث إلى القضاة والمراثي إلى إرمياء وعدم تقسيم أسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام كما فعل ميليتو. وهو بهذا يتفق مع يوسيفوس وعزدراس والتلمود ، في عدد الأسفار العبرية . ثم يضيف إلى قائمته " سفر المكابيين " كما يضيف باروخ ورسالة  إرمياء ويلحقها مع المراثي بسفر إرمياء كسفر واحد .

 ويذكر القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية للعام 365 قائمة بأسفار العهد القديم تضم 22 كتابا . ولكنه مثل أوريجانوس يختلف في ترتيبه عن ترتيب التلمود ، ومثل أوريجانوس أيضا يلحق باروخ والمراثي والرسالة مع إرمياء كسفر واحد . ثم يذكر قائمة الكتب القانونية الثانية قائلا :"ولكن للدقة العظيمة أضيف كتابات ذات ضرورة ، لأنه توجد كتب أخرى إلى جانب هذه منضمة حقا في القانون والتي حددها الآباء ليقرأها المنضمين حديثا إلينا والذين يرغبون للتعلم في كلمة الصلاح : حكمة سليمان وحكمة سيراخ وأستير ويهوديت وطوبيت وهي منضمة في القانون " .

  أما القديس جيروم (329-420م) : فيذكر نفس التقسيم الثلاثي للتلمود ولكن مع تقسيم أسفار صموئيل والملوك وأخبار الأيام إلى 6 كتب . ومجموع قائمته هو 22 كتابا يضم راعوث إلى القضاة والمراثي إلى إرمياء . ثم يذكر الأسفار  القانونية الثانية الستة .

 "وهكذا وصلت جميع الأسفار المقدسة من موسى النبي إلى يشوع إلى القضاة  إلى صموئيل النبي وداود النبي وسليمان الحكيم إلى اشعياء النبي وإرمياء النبي وغيرهم من معاصريهم من الأنبياء إلى حزقيال النبي ودانيال النبي إلى نحميا وعزرا إلى المكابين إلى الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله سالمة ومحفوظة بكل دقة ، وسلمها تلاميذ المسيح ورسله لخلفائهم من آباء الكنيسة ، فكانت مع الكنيسة ومع علماء اليهود وفي مجامعهم في وقت واحد ، يتساوى هذا مع ذاك ولم يوجد أي فرق بين ما هو في أسفار العهد القديم المقدسة التي مع اليهود والتي مع الكنيسة ، وصدق وعد الله القائل: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول " (مرقس13: 31).

هذا الذي قيل في الأجيال المسيحية الأولى ستعلنه الكنيسة في قانون إيمانها، فتقول: إنّ الروح القدس قد تكلّم بالأنبياء. وتعلن أنّ الكتاب المقدّس بعهديه هو كلام الله، أي أنّه يحوي أقوالاً يوجّهها الله إلى البشر من أجل خلاصهم. وأقوال أسفار العهد القديم في سرّ خلاصنا تبقى غامضة وناقصة، ولكنها تتوضح شيئًا فشيئًا إلى أن يأتي ملء الأزمنة (غلاطية 4:4) فتسطع على ضوء المسيح (أفسس 12:4- 14) ويُكشف سرّ الرب في يسوع للقدّيسين، أي المؤمنين (كورنثوس 1: 26- 27).

فى بدء ظهور المسيحيه، كانت أقوال الإباء في هذه الفترة تمثل نصيبا من التقليد

الكنسي يتقبله كل جيل ويودعه لدي جيل أخر . وهكذا انتشرت أقوال الإباء

لا لغرض دراسي ولا كهدف في ذاتها وإنما كوديعة تحمل داخلها إيمان الكنيسة الحي.

لكن كيف حفظ هذا العصر اقوال الاباء وقام بنشرها؟
 
أ. أقوال الإباء وكتاباتهم بكونها جزءا لا يتجزأ من وديعة الأيمان التي يتسلمها جيل لكي يسلمها لجيل أخر بغير انحراف ونستطيع إن ندرك حرص أباء الكنيسة الأولي علي ذلك من قول القديس غريغوريس اسقف نيصص
ليق بنا إن نحفظ التقليد الذي تسلمناه بالتتابع من الإباء ثابتا بغير تغيروقول القديس كيرلس السكندري:" إنني محب التعليم الصحيح مقتفيا أثار أبائي

الروحية".

 ب. كان البعض يشغف بتسجيل عظات إبائهم وجاءت هذه العظات كتفاسير وشروح للكتب المقدسة أو لعلاج مواضيع روحيه أو عقائدية الخ. مثل عظات القديس يوحنا ذهبي الفم وعظات القديس اغسطينوس.
ت. امتدت التلمذة – خاصة في مصر – فاحتضنت الكثير من رجال الشرق والغرب فقد وفد إلي مصر كثير من القادة يتتلمذون علي أيدي رهبان مصر أو داخل الأديرة أو بمدرسه الإسكندرية ويدونون أقوال الإباء وسيرهم وأفكارهم ويترجمونها بلغاتهم من يونانية وسريانية ولاتينية . نذكر علي سيبل المثال القديس يوحنا كاسيان (حوالي 360 – 435م ) الذي تتلمذ علي أباء مصر العظام وسجل خبراتهم في كتابين مشهورين "المناظرات  conferences" مع أباء البرية، و"المؤسسات او الدساتير institutions"حيث عالج قوانين الرهبنة وناقش كيفيه نصره الراهب في الحروب الروحية.

كما جاء المؤرخ الرهباني المشهور بالاديوس (حوالي365-425م) إلي مصر يتعرف علي حياه نساكها والتقي بالقديس ديديموس الضرير مدير مدرسه الإسكندرية اللاهوتية أكثر من مره ، وسجل لنا الكثير من التراث الرهباني في كتابه (التاريخ اللوزياكي) أو ( فردوس الاباء )، وسجل لنا روفينوس Rufinus  (حوالي345-410م ) في كتابه تاريخ الرهبنه ( في مصر) هستوريا موناخوم ( احاديث عن اباء مصر الرهبان) وقد زار مصر عام 372م والتقي بالقديسة ميلانيا الكبيره وزار رهبان البرية . درس لعده سنوات في مصر، متتلمذا علي يد القديس ديديموس الضرير

هذا وقد جذبت مدرسه الاسكندرية الكثير من قاده الكنيسة في العالم فجاءوا إليها أو نقلوا إليهم تراثها يتتلمذون عليه. وبلغ شغف اوسابيوس اسقف قرسيل (بايطاليا) بكتابات اوريجينوس انه لم يري فلسفه حقيقية في غيرها.

ث.حفظ تراث الإباء عن طريق حركات الترجمة المستمرة خاصة من اليونانية إلي اللاتينية أو السريانية أو الإثيوبية.

ج. خرج الكثير من الرهبان ومديرو مدرسه الإسكندرية إلي العالم بروح الكرازة أو تأسيس أديره في الخارج حاملين معهم بعضا من تراثهم.

ح. ظهور مؤرخين كنسيين: يعتبر يوسابيوس القيصري (حوالي260- 340) ابا لعلم الباترولوجي أو علم الأبـاء ومؤسسا لفكر الإباء وكتاباتهم،حيث أشار في كتابه التاريخ الكنسي ecclesiastical history) الذي نشر عام 326م  "هذا هو هدفي إن اكتب تقريرا عن خلافات الرسل القديسين …….وان أشير إلي أولئك الذين في كل جيل نادوا بالكلمة الإلهية سواء شفاها او كتابه".  

لقد خلق هذا الكتاب (المؤرخين الكنسيين) في الشرق والغرب ، اذ حاول كثيرون تكمله هذا العمل. وفي الغرب قام روفينوس ٌRufinus   بترجمة يوسابيوس إلي اللاتينية، وأضاف إليه بعض الإحداث حتي عصر ثيؤدوسيوس الكبير عام 392.

3.من الـمجامع الكنسية الـمسكونيـة

لقد اعلن المجمع الفاتيكاني الثاني فى دستور الوحي الإلهي رقم 9:" إن التقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان فيما بينهما بشكل وثيق فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد، ويؤلفان بصورة ما وحدة لا تتجزأ ويهدفان الى غاية واحدة. فالكتاب المقدس هو حقا كلمة الله، من حيث انه مكتوب بوحي من الروح القدس وأما التقليد المقدس فينقل كلمة الله التى عهد بها السيد المسيح والروح القدس الى الرسل. وهو يبلغها كاملة الى خلفائهم لكى يحفظوها

ويعلموا بها وينشروها بكل امانة بواسطة تبشيرهم، ينيرهم روح الحق. ولذلك

يتضح ان الكنيسة لا تستقي يقينها بشأن كل حقائق الوحى من الكتاب المقدس وحده. ومن ثم يجب قبول كل من الكتاب المقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو من التقوى  والإجلال"

4.    ردود منطقيـة

·       موقف غريب ممن يرفضون التقليد الكنسي ولكنهم يعملون بالكثير منه عملاً كمثل تخصيص يوم الأحد للرب بدل السبت، عماد الأطفال أو الكبار عند الإنضمام للكنيسة، أو عقد أكاليل الزواج ولم يأت أي ذكر من تلك الممارسات بصورة قاطعة فى الكتاب المقدس.

ومن العجيب ان إجراءات وطقوس عبادتهم هى تقليد متوارث بينهم منذ 300 عام فقط وليس من أيام الرسل والآباء.

·       الكثيـر ممـا يؤمنون بـه كقانون الإيـمان أو الثالوث الأقدس أو

قانون الكتاب الـمقدس لا يمكن أن نجده مكتوبـاً حرفيـاً فى العهد القديم أو العهد الجديد.

·       أن مفهوم كنيسة السيد الـمسيح حسب ما جاء فى قانون الإيـمان

والذى يؤمنون به ويرددونـه والذى جاء فيـه " نؤمن بكنيسة واحدة جامعـة مقدسة رسوليـة" لا ينطبق على طوائفهـم والتى تعددت إلى أكثـر من 2000 طائفة ومِلـة.

·       أيـن يـمكننا أن نجد أن يسوع قد أعطى رسله أو تلاميذه أن يكتبوا

أقوالـه وتعاليـمه؟

·       أين يـمكننا أن نجد فى الكتاب الـمقدس أن الإيـمان الـمسيحي

يجب أن يُبنـى فقط على ما هو مكتوب؟

·       كيف عرفنـا من كَتب الأناجيل والرسائل التى نؤمن بهـا جميعا؟

·       أيـن يمكن أن نجد فى العهد الجديد قائـمة بالكتب التى يجب أن

تكون ضمن كتب الكتاب الـمقدس؟ أليس ذلك جاء بـما أورده أبـاء الكنيسة الأول؟. لقد مضى أكثـر من 380 عامـا بعد قيامـة السيد الـمسيح حتى تم الإعتراف بقانونيـة كتب العهد القديم والجديد فى الكنيسة جمعاء.

·       عن القول بأن السيد الـمسيح قد أدان سُنـّة الشيوخ عندما

قال:"لأنكم تركتم وصايا الله وتـمسكتم بسُنـّة الناس من غسل جِرار وكؤوس وأشياء أخرى كثيرة أمثال هذه تفعلونهـا"(مرقس8:7و13)، فكيف طلب يسوع من سامعيـه قائلاً:"إن الكتبـة والفريّسيين جالسون على كرسي موسى فـمهما قالوا لكم فإحفظوه واعـملوا بـه وأمـا مثل أعـمالهم فلا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون"(متى2:23-3)؟

·      عن القول بأن بولس الرسول قد أدان التقليد الشفوي مستندين الى

قولـه:"إحذروا أن يسلبكم أحد بالفلسفة والغرور الباطل حسب سُنـّة الناس على مقتضى أركان العالـم لا على مقتضى الـمسيح"(كولوسي8:2) فلـماذا قال نفس الرسول لأهل تسالونيكي:"أما تذكرون أنـّي لـما كنتُ عندكم قلت لكم ذلك"(2تس5:2)، ومدح أهل كورنثوس قائلاً:"وإنـي أمدحكم أيها الإخوة لأنكم تذكروني فى كل شيئ وتحافظون على التقاليد كما سلّـمتها لكم"(1كورنثوس2:11)؟، ولـماذا قال بطرس الرسول عن رسائل القديس بولس أنهـا"على حسب الحكمة التى أُتيهـا كما أن رسائله كلها أيضاً يُتكلم فيها عن هذه الأمور إلاّ أن فيها أشياء صعبـة الفهم يُحرفهـا الذين لا عِلم عندهم ولا رسوخ كما  يفعلون فى سائر الكتابات لهلاك نفوسهم"(2بطرس16:3).

·       إذا كان الكتاب الـمقدس هو الأساس والقاعدة للحقيقة الـمسيحية،

فلماذا نفس الكتاب الـمقدس يعلن ويؤكد ان الكنيسة هى الأساس والقاعدة للحق الإلهي كما جاء فى توصية بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:"يجب عليك ان تتصرف فى بيت الله الذى هو كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته" (1تيموثاوس15:3)؟

·       قال السيد المسيح ان الوحدة بين الـمسيحيين هى الدليل والبرهان انه

قد أرسل من الله:"ليكونوا بأجمعهم واحداُ…حتى يؤمن العالم انّك ارسلتني"(يوحنا20:17-23)، فكيف يرى العالم الآن هذه الوحدة الغير منظورة بين المؤمنين مع وجود ملل وطوائف؟. وإذا كانت الوحدة بين المسيحيين تعنى إقناع العالم بأن يسوع هو الإبن الـمُرسل الى العالم فكيف يُجاوب البروتستانت على هذا الإنقسام حتى بين شيعهم وتعاليمهم الـمتعددة؟

·       جاء فى رسالة القديس بولس للعبرانيين:"أطيعوا مدبريكم واخضعوا لهم

فإنهم يسهرون على نفوسكم سهر من سيُحاسب حتى يفعلوا ذلك بسرور لا بكرب لأن هذا غير نافع لكم"، يا تُرى هل فقد هذا الأمر صلاحيته وهذه الآية مصداقيتها؟ متى كان مقبولا ليس فقط عدم طاعة قادة الكنيسة، بل للتمرد عليهم وعمل جماعات مناهضة للهدم لا لبنيان جسد الـمسيح السري؟

·       ان نظرية "الكتاب المقدس فقط" لم يؤمن بـها أي شخص في الكنيسة

الاولى. فهذه النظرية هي حديثة العهد كونها ظهرت أثناء الإصلاح البروتستانتي في القرن 16. وهي "تقليد بشري" يبطل كلمة اللـه، ويحرّف دور الكتاب المقدس الحقيقي، ويقوّض سلطة الكنيسة التي أسسها يسوع (مرقس7: 1-8). واذا كانت هذه النظرية اكتسبت شعبيّة كبيرة بين كنائس "مسيحّيو الكتاب المقدس"، لكنها ببساطة غير ناجحة عملياً. فالتجربة التأريخية تفنّدها. وفي كلّ سنة نرى إنشقاقا إضافيا بين شيع "مؤمنو الكتاب المقدس".      

اليوم توجد آلاف من الطوائف المتنافسة، وكلّ واحدة منها تصّر بأنّ تفسيرها للكتاب المقدس هو الاصح. لقد سبّبت هذه الإنقسامات تشويشا لا يوصف بين ملايين المسيحيين ألصادقين وألمقادين بصورة غير صحيحة. كلُ واحدة من هذه الطوائف تدّعي بأنها تتبع "الكتاب المقدس فقط"، ولكن حتى أثنتين منهما لا تتفقان تماما على ما يعنيه الكتاب المقدس. اننا متأكّدون من ان: الروح القدس لا يمكن أن يكون من وراء هذا التشويش (1 كورنثوس 4 :33). ومن غير الممكن ان يقودنا اللـه إلى اعتقادات متناقضة خاصة وان حقيقته هي واحدة.  نستنتج: ان نظرية "الكتاب المقدس فقط، لا غير" هي باطلة.    

  • أين هى سلطة التعليم الكنسي؟ يؤلف البابا مع الأساقفة سلطة التعليم

الكنسية العليا، وهي تسمى "ماجستيروم" من الاصل اللاتيني لكلمة "معلم". دورسلطة التعليم الكنسي هو الاُرشاد والحماية من الخطأ بقوة الروح القدس، وهي تُعطينا الجواب اليقين في أمور تخص العقيدة. إنّ الكنيسة هي حارسة الانجيل، وهي تعلن رسالته بكل اخلاص ودقّة، وهذه هي المهمّة التي اوكلها اللـه لها لتعملها. إنّ الكنيسة كانت موجودة قبل ان يكتب العهد الجديد، وكما نعلم بانه لم يكن هناك من عهد جديد قبل الكنيسة. هكذا فقد ألّفَ كُتبَ العهد الجديد أعضاء في الكنيسة ُملهمون من قبل اللـه، بالضبط كما هو الحال مع كتّاب العهد القديم الملهمين من اللـه، اضافة الى ان الكنيسة مقادة من الروح القدس لكي تحرس وتفسر الكتاب المقدّس بكامله، بكلا عهديه القديم والجديد. ان وجود مفسر رسمي يعتبر شيئا ضروريا جدا خاصة اذا ما أردنا أن نفهم الانجيل بشكل صحيح. (فكلنا يعرف ما يقوله الدستور، لكنّنا نحتاج الى المحكمة العليا لتفسر لنا معناه).ان سلطة الكنيسة تصبح معصومة (من الخطأ) عندما تعطي تعليما رسمياً. لأن يسوع وعد بان يرسل الروح القدس ليقود الرسل وخلفاءَهم "الى الحق كله" (يوحنا 16: 12-13).  

  • كيف يمكننا ان نعرف من هو كاتب انجيل متى او مرقس او يوحنا بينما

هذه الأناجيل لا تعطينا هذه المعلومات؟                               

·       للرد على الـمقولة بأن الأسفار الإلهية تشهد بنفسها على صحتها self-authenticating:

إن قانونية كتب العهد الجديد تُعرّف بواسطة استعمالها ضمن الكنيسة خاصة القراءة العلنية في كل مكان و من قبل كل الكنائس. كانت الوظيفة القانونية للأسفار المقدسة في الكنيسة الأولى وظيفة ليتورجية. ففي الاجتماعات الافخارستية، كانت الأسفار المقدسة تُقرأ وتُشرح. ويصف القديس يوستينيانوس الشهيد ليتورجيا يوم الأحد في منتصف القرن الثاني الميلادي ذاكراً أن كتابات الرسل و الأنبياء كانت تُقرأ ثم يلي ذلك موعظة لحضّ المستمعين. تم جمع كتابات العهد الجديد من قبل كنائس محلية لاستعمالها في الخدم العبادية وليس لدراسة الكتاب المقدس الخاصة (بالمفهوم البروتستانتي) لهذا، فضمن الكنيسة كجماعة متعبّدة، كانت تقرأ الأسفار المقدسة وتفسّر. كانت توجد مجموعات مختلفة من الأسفار المقدسة في كنائس مختلفة، وذلك بسبب صعوبة تداول وتبادل هذه الأسفار بين الجماعات الكنسية الأولى، بسبب البعد الجغرافي. ويظن بعض الناس حالياً بصورة ساذجة أنه كانت توجد آنئذ أسفار العهد الجديد الحالية (27 سفراً)، وما كان على الكنيسة سوى أن تجمع هذه الأسفار في مجموعة واحدة تسمّيها العهد الجديد. لكن الحقيقة أنه كانت توجد عشرات و عشرات الكتب أو الأسفار في القرنين الأولين للمسيحية، يحمل بعضها أسماء رسل معروفين لكي يعطيها صفة قانونية أو قبولاً لدى جماعات المؤمنين. لهذا لم يكن من السهل على الكنائس أن تميّز الأسفار المُلهمة من الأسفار الأخرى غير الملهمة. وفي القرنين الثاني و الثالث الميلاديين يقول القديس إيريناوس و كلمندوس الإسكندري و أوريجنس معهما صراحة أنه توجد فقط أربعة أناجيل قانونية أو مقبولة وهي متّى ومرقس و لوقا ويوحنا، لأنه كان يوجد عدد أكبر من الكتب التي كانت تسمى أناجيل في ذلك الوقت. إن أول قائمة من أسفار العهد الجديد تطابق القائمة الموجودة حالياً هي الموجودة في الرسالة الفصحية للقديس أثناثيوس الإسكندري (367). أما في الغرب فإن قانون العهد الجديد لم يتم البت فيه إلا في مجمع قرطاجة (379). هكذا إذن، في القرون الثلاثة الأولى من المسيحية لا يمكن للمرء أن يشير إلى قانون واحد مقبول في كل مكان، سواء للعهد القديم أو للعهد الجديد. فإذا كانت الأسفار القانونية حقاً ذاتية الشرعية أو الأصالة و تشهد لنفسها بنفسه، فلماذا استغرقت الكنيسة الأولى ثلاثة قرون لتعرّف أسفاراً هي، بحسب الإصلاحيين، تشهد على صحتها بنفسه، وتعرّف عن نفسها بنفسها وذاتية الوضوح؟ أيضاً، من قال للإصلاحيين في القرن السادس عشر إن الكتاب المقدس الذي كان بين أيديهم هو الكتاب المقدس؟ ومن حفظه طيلة 16 قرناً آنئذ وما يزال يحفظه الآن وإلى الأبد؟ أليست هي الكنيسة التي يحاربون تقليدها وآبائها و قديسيها وشهدائها و رسلها؟.

·       مؤيدو عقيدة "الكتاب المقدس وحده" كثيراً ما يشيرون إلى أن آباء

الكنيسة الأولى كانوا يلجأون إلى الأسفار المقدسة لدعم مواقفهم في المناقشات العقائدية في القرون الأولى، أي إن مصدر تعليم الآباء هو الكتاب المقدس. ولكن ما يتناساه هؤلاء المؤيدون هو أن الهراطقة أيضاً كانوا يلجأون إلى الكتاب المقدس لدعم هرطقاتهم. المثال الكلاسيكي هو هرطقة آريوس التي انتهت في النهاية بتحديدات عقائدية بخصوص الثالوث القدوس. فهرطقة آريوس بدأت من تفسيره لأمثال 8: 22"الرب حازنى فى اول طريقه قبل ما عمله منذ البدء"، وقد استنتج آريوس من تفسيره أن اللوغوس أو الكلمة كان مخلوقاً، ولو كان أعلى وأفضل من كل الخلائق. بينما كانت ومازالت الكنيسة الجامعة تعلّم أن اللوغوس أو الكلمة، ربنا يسوع المسيح هو الخالق والإله المتجسد. هنا توجد لدينا فئتان من المفسِّرين: فئة هرطقة آريوس التي توصلت من تفسيرها لهذه الآية إلى أن المسيح الكلمة هو مخلوق وليس خالقاً، ومن جهة أخرى، نجد الكنيسة التي تؤمن بأن الآية نفسها تشير إلى المسيح ولكنه الخالق وليس خليقة. طبعاً لم يكن النص يشرح نفسه بنفسه هنا. ولكن السؤال يبقى: كيف قرّر هؤلاء المفسِّرون أي تفسير هو الأصح؟ يوجد مبدأ بروتستانتي شائع جداً هو تفسير النصوص الغامضة بنصوص أخرى أوضح منها. ولكنه لم يكن من الواضح دائماً أي نصوص هي الواضحة وأي نصوص هي الغامضة. فهل نفسّر النصوص التي تشير إلى لاهوت المسيح بالنصوص التي تشير إلى ناسوته أم العكس بالعكس؟ على كل حال، كان تفسير آريوس مبنياً على الوحدة العددية لله. وبكلمات أخرى، فقد افترض آريوس ومن مبدأ فلسفي أن الله لا يمكن أن يكون ثلاثة أشخاص -أقانيم- وبالتالي لا يمكن للمسيح إلا أن يكون مخلوقاً. بينما افترض القديس اثناسيوس من جهة أخرى أن الخلاص لا يمكن أن يأتي إلا من الله، وبالتالي لا يمكن للمسيح، كمخلِّص، إلا أن يكون إلهاً متجسداً، وبالتالي فهو خالق. وأن الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً. إذاً التفسير الأرثوذكسي لأمثال8: 22 مبني على إيمان سابق (موجود ضمن تقليد الكنيسة) بأن الله وحده هو الذي يمكنه أن يخلّص الإنسان. إذاً لم يكن النص نفسه أو بحد ذاته هو الأداة لمعرفة المعنى، ولم توجد نصوص كتابية أخرى يمكنها أن توضح معنى هذا النص بالذات، ولكن كان لا بد من اللجوء لحياة الكنيسة وتقليدها لتفسير هذا النص. إن هرطقة آريوس أدّت إلى انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية 325 وإلى إدخال تعبير فلسفي جديد لأول مرة إلى اللغة اليونانية هو "Homoousios والذي له وللآب الطبيعة الواحدة ذاتها" وذلك بما يتعلق بتعليم الكنيسة عن المسيح. طبعاً، كان آباء المجمع المسكوني الأول يفضّلون أن يستعملوا فقط الكلمات أو التعابير التي وردت في الكتاب المقدس، لكن استعمال الكتاب المقدس بالذات من قِبَل آريوس هو الذي أجبرهم على استحداث كلمة لم تأتِ في الكتاب المقدس لكي يحافظوا على التفسير الصحيح للكتاب المقدس. إن تاريخ الكنيسة المسيحية مملوء من هذه الأمثلة وسواها. وأشهر مثال معاصر على مثل هذه الهرطقات هو هرطقة شهود يهوه الذين يستعملون الكتاب المقدس للوصول إلى تعاليم مخالفة لتعاليم الكنيسة ولتفسيرات مخالفة لتفسيرات الكنيسة. فلو كان النص الكتابي يفسّر ذاته بذاته لما بدأ ظهور الهرطقات والبدع منذ القرون الأولى للمسيحية ولم ينقطع حتى يومنا الحالي. ولم تنجح الكنيسة في دحض هذه الهرطقات والبدع فقط بناءً على تفسير أصحّ للنصوص الكتابية أو على تفسير النصوص الغامضة بنصوص أوضح، ولكن بسبب أنها كانت تتعبّد للمسيح، وأنها كانت تعرف أن الذي كانت تتعبد له هو الله المتجسد. إذاً في كل مناقشة أو مسألة لاهوتية في الكنيسة الأولى، لم تُحل القضية بالرجوع إلى مجرد نصوص عارية مجردة للكتاب المقدس وتفسيرها بطريقة أو بأخرى، ولكن بالرجوع إلى حياة الكنيسة الحية أو إلى تقليد هذه الكنيسة. لم يُطرح أبداً سؤال: "ماذا يقول الكتاب المقدس؟"، بل "ماذا يعني الكتاب المقدس؟". الرب يسوع نفسه سأل الناموسي الذي جاء ليجرّب الرب: "ما هو مكتوبٌ في الناموس؟ كيف تقرأ؟" (لو10: 26).

·       يقول أصحاب مبدأ "الكتاب وحده" أن الروح القدس يمنح الفهم

الحقيقي للنص. ولكن كل فئة بروتستانتية تدّعي أن الروح القدس يُلهم أعضاءها الأتقياء بالتفسير الصحيح والفهم القويم للنص الكتابي. وبالتالي، كل فئة بروتستانتية أو غير بروتستانتية أخرى تخالف تفسير فئة معينة هي غير مُلهمة. بالطبع لو كان هذا الأسلوب صحيحاً، لما كان لدينا آلاف الفئات البروتستانتية المختلفة فيما بينها، وكلها تدّعي أن الكتاب المقدس هو مصدر تعليمها الأوحد. فإما أن يكون الكتاب المقدس مخطئاً (حاشا)، وإما أن تكون هذه التفاسير مخطئة. كل بروتستانتي عالم من علماء التفسير. ولكن إن جمعنا بقدرة الروح القدس وحدة تفاسيرهم لوجدناها متضاربة أو غير متّفقة. الروح القدس يجمع. فمن فرَّقهم حتى صار كل واحد منهم مذهباً؟! هذا التمزّق البروتستانتي ليس من الله.

·       أصحاب مبدأ الكتاب وحده يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو جواب

لكل شيء، وأن الأسفار المقدسة مكتوبة بطريقة يجب أن تكون معها المرشد

الكامل والكافي للمسيحيين. فكل شيء يجب أن يتم وبدقة "بحسب الكتاب".

ولكن، يفترض هذا التعليم أن الكتاب يحتوي على كل التعليمات الضرورية للمسيحي. لكن نظرة واحدة مُقارنة بين العهد القديم والعهد الجديد تُظهر لنا أن أسفار العهد القديم كانت أسفار عبادية تصف بصورة دقيقة أموراً طقسية متعلقة بأماكن العبادة وبطرق ممارستها، إلخ؛ بينما لا يوجد شيء من مثل هذا في العهد الجديد على الإطلاق. مثلاً، لا توجد تعليمات خاصة بالعبادة في العهد الجديد، وإنما توجد تلميحات كيف أن المسيحيين الأولين كانوا يجتمعون "في أول الأسبوع" للعبادة (أعمال 20: 7) بدون تفاصيل أخرى. وأيضاً لا توجد تفاصيل عن كيفية الاحتفال بسر الشكر الإلهي (الافخارستيا). قال الرب يسوع "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19). لكن لا كتبة الأناجيل ولا القديس بولس يسجّلون معلومات إضافية أخرى عن كيفية ممارسة الافخارستيا. لقد أُخبرنا في أعمال 20: 7 أن المسيحيين الأوائل كانوا يجتمعون في أول أيام الأسبوع ليكسروا الخبز، ولهذا فمعظم الإصلاحيين الحاليين يأخذون هذه المقولة على أنها فرض. فمعظمهم يحتفل بما يشبه سر الشكر الإلهي ظاهرياً (أو عشاء الرب) مرة كل شهر أو مرة كل سنة بحسب الفئة البروتستانتية! أيضاً ما يُخبرنا به القديس بولس في 1كورنثوس عن الافخارستيا إنما عبارة عن تصحيح لما كانت تمارسه كنيسة كورنثوس بدون أن يُخبرنا عن أية تفاصيل أخرى. كانت رسائل بولس في معظم الأحيان رسائل مكتوبة لأشخاص معينين أو لكنائس معينة في أوقات معينة ولأسباب معينة. إن غياب التفاصيل بما يتعلق بالافخارستيا والأمور الأخرى (كالصوم والصلاة) هو بالضبط ما نتوقّعه في رسائل كهذه. وبالطبع ليس هذا ما كنا سنتوقّعه لو كنا نعتبر العهد الجديد هو المرشد الشامل والوافي للحياة المسيحية بكل جوانبها، أو لو كان كتبة أسفار العهد الجديد أنفسهم قد وضعوا نصب أعينهم هذا الهدف من كتابتهم لهذه الأسفار. لنأخذ مثلاً موضحاً عن المعمودية. فالفئات البروتستانتية المختلفة بأنواعها كلها تأخذ بالكتاب المقدس على أنه المصدر الوحيد والكافي للتعليم لديها. لكن نظرة واحدة على تعاليم هذه الفئات عن المعمودية تُرينا اختلافات جذرية فيما بينها. فالبعض يؤمن بالمعمودية كمجرد رمز والآخر كمجرد طقس يمكن الاستغناء عنه. البعض يمارس المعمودية بالرش، والبعض الآخر بالتغطيس والبعض الآخر يسكب المياه على المعتمد. البعض يقول بمعمودية البالغين حصراً، والآخر بمعمودية الناس من كل الأعمار بما في ذلك الأطفال. البعض يمارس المعمودية باسم الثالوث القدوس والآخر باسم يسوع المسيح. البعض يؤمن بالمعمودية لمغرفة الخطايا والآخرون بمعمودية للتوبة لا تغفر الخطايا. كل فئة من هذه الفئات البروتستانتية تحاول جاهدة أن تستشهد بالكتاب المقدس لتدل على صحة تعاليمها المتعلقة بالمعمودية. ألعلَّ سبب هذه الخلافات الجذرية حول المعمودية بين الفئات البروتستانتية هو في الكتاب المقدس نفسه، أم في طريقة تفسيره من قبل هذه الفئات التي لم تلجأ إلى تقليد الكنيسة وممارستها وفهمها للمعمودية منذ القرون الأولى المسيحية؟ بالنسبة للكنيسة الجامعة، إن أي مفهوم للمعمودية (على سبيل المثال هنا) لا يمكن أن يؤخذ بصورة حصرية من الكتاب المقدس ما لم يُقارن هذا اللاهوت مع ما فهمته ومارسته الكنيسة المسيحية عبر العصور الأولى وحتى يومنا الحالي. إن كانت الكنيسة المسيحية منذ الأيام الأولى للمسيحية وحتى يومنا الحالي تؤمن بأن المعمودية هي الولادة الجديدة وهي دفن مع المسيح وقيامة معه لحياة جديدة، وأنها تتم بالتغطيس باسم الثالوث القدوس لمغفرة الخطايا، وأن الأطفال وجميع أهل البيت كانوا يُعمَّدون مع أهاليهم عندما كان رب (أو ربة) البيت يعتنق المسيحية، فإن أي لاهوت مخالف لهذا اللاهوت وأية ممارسة مخالفة لهذه الممارسة هما غير مقبولين حتى لو حاول المؤمنون بهما أن يستشهدوا على موقفهم من الكتاب المقدس. لأن إيمانهم قد انحرف عن إيمان الكنيسة وفهم للكتاب المقدس هو مختلف عن فهم الكنيسة الرسولية له عبر العصور وفي كل مكان ومن قبل الكل. إذاً، إن فكرة أن أي إنسان كان يستطيع أن يستنتج أو يستنبط تعاليم لاهوتية من الكتاب المقدس وحده فقط بدون الرجوع إلى تقليد الكنيسة، هو مفهوم يعطي الضوء الأخضر لظهور هرطقات وتعاليم تخالف الكتاب نفسه والتقليد معاً.

·       إن الإيمان بالكتاب المقدس كموضوع إيمان،  يمثّل انحرافاً جذرياً عن

إيمان الكنيسة الأولى. فلا يوجد أي من قوانين  الإيمان الأولى للكنيسة يبدأ بمقولة متعلقة بالكتاب المقدس؛ كل قوانين  الإيمان هذه تبدأ بالتأكيد على الإيمان بالله الواحد. هذا أيضاً صحيح بالنسبة لقانون الإيمان النيقاوي (القرن الرابع) وسواه. على كل حال، تحتوي قوانين الإيمان القديمة على تأكيد إيماني لا يوجد في قوانين  إيمان البروتستانت الحديثة: وهو الإيمان بالكنيسة. في دستور الإيمان النيقاوي تعترف الكنيسة بإيمانها بالله الواحد الآب الضابط الكل، وبالرب الواحد يسوع المسيح، وبالروح القدس، وبالكنيسة الواحدة الجامعة القدوسة الرسولية. بالنسبة للكنيسة القديمة، فإن الكنيسة نفسها كانت موضوع إيمان وبند إيمان من بنود قانون الإيمان. فالكنيسة الأولى اعترفت بالإيمان بالكنيسة نفسها كاعترافها بالله.

·       إذاً، لا يذكر قانون الإيمان "الأسفار المقدسة"، وهذه الإشارة هي

المفتاح لفهم كيف رأت الكنيسة الأولى الكتاب المقدس وكيف استعملته. فعند الحديث عن تجسد المسيح وعمله على الأرض، يؤكّد قانون الإيمان النيقاوي "تألم وقُبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب". "على ما في الكتب" تفترض سلطان الأسفار المقدسة. هذا يعني أن المسيح قد تجسّد وعاش وتألم وصُلب ومات وقام في اليوم الثالث كما تشهد الكتب بذلك. أي إن الأسفار المقدسة هي شهادة على ما فعله الله للإنسان بيسوع المسيح. إن تعبير "على ما في الكتب" هو اقتباس مباشر من 1كورنثوس15: 3-4 "فإنني سلّمت إليكم من الأول ما قبلته أنا أيضاً، أن المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتب، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث على ما في الكتب". كان القديس بولس هنا يشير إلى نبوات العهد القديم المتعلّقة بالمسيّا. ففي كل مكان كان يحاور اليهود "من الكتب، موضحاً ومبيّناً أنه كان ينبغي أن المسيح يتألّم ويقوم من الأموات" (أعمال17: 2-3). بالطبع لم توجد كتب العهد الجديد آنئذ بعد. قصص شهود العيان، وهم الرسل، عن حياة المسيح كانت متداولة ومنتشرة شفوياً. هذه القصص الشاهدة قد تم اختبار صدقها بالشهادة التي أعطاها الأنبياء أنفسهم عن المسيّا. إن المفهوم الرئيسي هنا هو الشهادة. فأنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد كانوا شهوداً للمسيح: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق " (يوحنا21: 24). إن شهادة الأسفار المقدسة هي صحيحة والكنيسة لم تشك بذلك أبداً. لكن الموضوع الذي يُبنى عليه الإيمان كان، وهو أبداً، موضوع الشهادة وليس الشهادة نفسها. هكذا تؤمن الكنيسة بدون شك بشهادة الأسفار المقدسة ولكن الكنيسة لا تؤمن بالكتاب المقدس لأن الكتاب المقدس ليس هو الله. إنها تؤمن بالوحي الذي كتبه وتؤمن بمحتواه وبشهادته ولكنها لا تؤمن بالكتاب بحد ذاته كبند إيمان.

بعد قيامة السيد الـمسيح ظهر للتلميذان في الطريق إلى عماوّس، فلم يعرفاه: "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لوقا24: 23-27). حتى عندما كان الرب يقرأ ويشرح أسفار العهد القديم لهما لم يعرفاه أنه الرب الناهض من الأموات. ولم يعرفاه إلا بعد كسر الخبز معهما: "فلما اتكأ معهما اخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 30-31). إذاً، كان قلبهما ملتهباً عندما كان المسيح يشرح الأسفار ولكنهما لم يعرفاه رغم ذلك، إلا عند كسر الخبز. أيضاً، يستعمل القديس لوقا تعبير "كسر الخبز" مرة ثانية في أعمال الرسل (أعمال2: 42). إذاً الأسفار المقدسة تشهد للمسيح. قلوبنا تلتهب فينا عندما تُقرأ الأسفار المقدسة، أي عندما يُبشَّر بالمسيح. على كل حال، ليست الأسفار المقدسة هي المسيح. الافخارستيا (سر الشكر الإلهي) هو الحدث الذي به تعبّر الكنيسة عن جوهر حياتها بصورة خاصة. في الافخارستيا فقط نحن نعرف يسوع المسيح بعد أن تنفتح أعيننا، وتكون لنا شركة حيّة معه. إذ يقول له المجد: "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل من جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه"(يوحنا54:6-56).

·       المرة الوحيدة التي كتب فيها الرب يسوع في الأناجيل هي في

يوحنا 8: 6،ولم نرَه أبداً يكتب كتاباً أو يترك تعليماً مكتوباً أو مدرسة أو أكاديمية (مثل أفلاطون)، بل على العكس: الشيء الوحيد الذي خلّفه يسوع المسيح وراءه هو الكنيسة. فقبل صعوده بعد تلاميذه بوجوده الدائم معهم:"ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"(متى28: 20).ويعدهم بإرسال الروح القدس على التلاميذ: "وأما المعزّي الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء" (يوحنا14: 26). إذاً وعدهم بالروح القدس، روح الحق الذي يرشدهم إلى جميع الحق (يوحنا16: 13). الله خلق العالم بالكلمة والروح القدس (مز33: 6). في بشارة العذراء، حلّ الروح القدس عليها فحبلت بالكلمة الإلهي (لوقا1: 35). وفي معمودية المسيح في نهر الأردن حلّ الروح القدس عليه بشكل حمامة بعد صعوده من المياه، متمَّماً نبؤة أشعيا (61: 1؛ لو3: 21-22؛ 4: 17). أيضاً، عندما نزل الروح القدس يوم العنصرة على التلاميذ والرسل مسحهم ليكوّنوا الكنيسة، جسد المسيح نفسه (أع2).
ليس المقصود هنا الحطّ من قيمة الكتاب المقدس، لا سمح الله. "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ" (2تيمو3: 16). لكن النقطة الرئيسية هنا هي أن الكنيسة، لا الكتاب المقدس، هي جسد المسيح. فالأسفار الإلهية كُتبت في الكنيسة وبإلهام الروح القدس له المجد. وهكذا، من شهادة الأسفار المقدسة يأتي الناس إلى معرفة الحقيقة وقبولها(1تيمو2: 4)، ويتحدون بالمسيح في الكنيسة. فالكنيسة، وليس الكتاب المقدس، هي "عمود الحق وقاعدته" (1تيمو3: 15). والكنيسة القدوسة، وليس الكتاب المقدس، هي "ملء الذي يملأ الكل في الكل"(أفسس23:1).
لهذا نجد أن البروتستانتية قد استبدلت بالكنيسة القدوسة الكتاب المقدس واستبدلت بجسد المسيح الحي، وهو الكنيسة، نصاً حرفياً، ولو أنه موحى به بالروح القدس. هكذا نجد أن الفروق بين إيمان البروتستانت وإيمان الكنيسة الأولى هي فروق كبيرة جداً.

·       لننظر ماذا يقول العهد الجديد في التقليد أو التقاليد. لنبدأ بمثال موضح

من الترجمة الإنكليزية "الترجمة العالمية الجديدة" NIV للعهد الجديد وهي من أكثر الترجمات المستعملة لدى البروتستانت (وهي من أشهر الترجمات الإنكليزية بعد ترجمة King James) حيث نجد عشرة أماكن عن "التقليد" وهي: متى15: 2، 3، 6؛ مرقس7: 3، 5، 8، 9، 13؛ وغلاطية1: 14 وكولوسي2: 8. في كل حالة من هذه الحالات يُقدَّم التقليد على أنه شيء سلبي ويعاكس الحقيقة الإلهية. الأمر نفسه حاصلٌ تماماً في ترجمة فان دايك البروتستانتية العربية المشهورة. مثلاً في مرقس7: 8: "لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس". على ضوء هذا ليس من المستغرب أن نجد أن البروتستانت يجدون صعوبة في إيجاد أي شيء إيجابي يمكن أن يقولوه في التقليد. لكنهم يجهلون أو يتجاهلون صعوبة أنه بالإضافة إلى النصوص السابقة توجد ثلاثة نصوص أخرى في العهد الجديد (تغفلها الترجمات البروتستانتية) تذكر التقليد على أنه شيء إيجابي. وبالحري فإن هذه النصوص الثلاثة تأمرنا أن نحفظ التقاليد الشفوية التي استلمناها من الرسل. البروتستانت يجهلون هذه الآيات، جزئياً لأنهم يعيرون انتباهاً كبيراً للآيات الأخرى، وجزئياً لأنهم يستعملون ترجمات بروتستانتية تحرّف الآيات التي تعاكس التعاليم البروتستانتية كما سنُظهر في هذا المثال الموضح. لو عدنا إلى العهد الجديد اليوناني، لوجدنا أن كلمة التقليد اليونانية paradosis وتأتي 13 مرة في العهد الجديد وليس 10 مرات! ومن اللافت للنظر أن ترجمة NIV تترجم كلمة paradosis اليونانية بكلمة "تقليد" في كل مرة إلا في ثلاث آيات هي: 2تسالونيكي2: 15، 2تسالونيكي3: 6 و1كورنثوس11: 2. فالمثال الأول هنا جاء في النص العربي (ترجمة فان دايك البروتستانتية) والنص الإنكليزي (الترجمة العالمية الجديدة): "فاثبتوا إذاً أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلّمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا". بينما في النص اليوناني لم ترد كلمة "تعاليم" بل كلمة "تقاليد paradosis" وهذا ما نجده في ترجمة King James الإنكليزية المشهورة أيضاً. فتصير الآية: "فاثبتوا أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلّمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا". كلمة "تقاليد paradosis" اليونانية هنا مشتقة من فعل paradidomi اليوناني الذي يعني "يسلّم أو ينقل أو يتناقل". من السهل لأي إنسان عارف باللغة اليونانية معرفة عادية أن يدرك أنه يوجد تحريف في الترجمة لتغيير المعنى ولإبعاد أي معنى إيجابي في ذهن القارئ مرتبط بكلمة "تقليد" أو "تقاليد". فالمترجمون البروتستانت هنا حرّفوا النص اليوناني لكي يطابق عقائدهم ولم يغيّروا من عقائدهم لتتوافق من النص الإلهي المكتوب. من الواضح أن الترجمة العالمية الجديدة NIV قد حرصت على إبقاء كلمة "تقليد" أو "تقاليد" في النص الإنكليزي في كل مرة تأتي هذه الكلمة بالمعنى السلبي، ولكنها تحرص في الوقت نفسه على استبدال الكلمة اليونانية نفسها paradosis بكلمة أخرى غير "تقليد" أو "تقاليد" بل بكلمة قريبة منها مثل "تعليم" أو "تعاليم" في كل مرة تأتي هذه الكلمة اليونانية بالمعنى الإيجاب. لو كان الكتاب المقدس فعلاً يفسّر نفسه بنفسه وكافٍ بحد ذاته فلماذا يلجأ البروتستانت إلى تحريف بعض النصوص الإنجيلية في ترجماتهم لتوافق هواهم ولاهوتهم؟ أو هل يفهم البروتستانت تعليم القديس بولس عن السلطة بصورة أفضل منه؟ هذا المثال هنا عن كلمة "تقليد" وترجمتها تعطينا نقطة مهمة جداً: لا بدّ لكل إنسان يقترب من الأسفار أو من الكتاب المقدس أن يقترب ضمن تقليد معين، وكل ترجمة للكتاب المقدس لا تتم إلا ضمن تقليد معيّن وتعكس جوانب هذا التقليد. فتوجد ترجمة بروتستانتية وأخرى كاثوليكية وأخرى أرثوذكسية وهكذا. أيضاً، كل تفسير للكتاب المقدس يُقدَّم ضمن إطار أو تقليد معيّن ويختلف هذا التفسير عن غيره بحسب خلفية التقليد الذي ينطلق منه هذا التفسير.

·       لماذا استغرق الأمر 1100 سنة أخرى قبل أن تأتي جماعة من المسيحيين

(الإصلاحيين) وتقرّر بأن الكتب اليونانية للعهد القديم لم تكن مُلهمة؟

(أي الكتب السبعينية اليونانية التي لم تكن موجودة في القانون العبراني و التي لم يقبل بها يهود مجمع Jamin سنة 90م، والتي يشير إليها الإصلاحيون بأنها قانونية ثانوية).

·       خلال حياة مارتن لوثر نفسه ظهرت ما لا يقل عن 12 فئة مختلفة فيما

بينها تدعي الإيمان "بالكتاب المقدس وحده". "ناكروا المعمودية" تحدّوا لوثر بناء على "الكتاب المقدس" فحاربهم اللوثريون وقتلوا الآلاف منهم.

·       الهرطقة هى إحداث طارئ شاذ مخالف لقانون الإيمان. قبل ظهور العهد

الجديد آمنت الكنيسة بفضل بشارة الرسل الشفوية. قَبِلَت العهد الجديد لأنه موافق لإيمانها. رفضت المزوّرات لأنها مخالفة له. هي القاضي. هي مالكة الكتاب المقدس الذي تحفظه بالروح القدس (2تيموثاوس1: 14).

·       أخطر ما في البروتستانتية هو الفردية، بينما الكنيسة هي جسد المسيح

الواحد والمؤمنون هم أعضاؤه. هي تفكّك هذا الجسم ليصبح كل بروتستانتي

كنيسة مستقلة. ولكنه كنيسة اسماً لا فعلاً. يحذف نفسه من الوحدة.

·       هذا الـمبدأ هو عملية بتر جديدة. يسوع هو رأس الكنيسة. بتروا

الرأس فبقيت الكنيسة جيفة. منطقهم الأعوج يهودي: الله لا يتجلّى في التاريخ والبشر. يبقى قابعاً في عليائـه. بترو سر التجسد الإلهي بينما نؤمن نحن أن العنصرة هي استمراره فينا إلى الأبد. البروتستانتية تنفي يسوع إلى السماء بينما نحن نستقر فيه كما قال هو في إنجيل يوحنا. الكنيسة هي مسكن الله على الأرض ومكانه إنجيله. حذفوها فحذفوه من وجودهم. لذلك الخلاف الكبير هو قرب الله وبعده. المسيحية قرّبته. هم عادوا إلى اليهودية وخوفها من يهوه. يجب تطهيرهم من اليهودية

·       البروتستانت نفروا من سلطات البابا غير المعقولة وامتيازاته الخيالية

فرفضوا الكنيسة جملةً وتفصيلاً. نفروا من المبالغة في تكريم العذراء فرفضوا لقبها "والدة الإله" وبتوليتها الدائمة وشفاعتها. نفروا من رجال الدين فرفضوا الأسرار الإلهية بما فيها سر الكهنوت. نفروا من سلطة الغفران فرفضوا الإيمان العامل بالمحبة ونادوا بعقيدة "الكتاب المقدس وحده" و"الإيمان وحده".

·       لم يؤمن يهود العهد القديم بمبدأ "الكتاب وحده" والتفسير الفردي له

فنجد عزرا يعّلم الشريعة اليهوديـة لأنه "كان كاتب ماهر فى توراة موسى" فكان "يعمل ويُعلّم فى إسرائيل بالرسوم والأحكام"(عزرا6:7و10)،وهذا ما أكدّتـه رسالة الملك أرتحشتا:"وأنت يا عزرا بحسب حكمة إلهك التى معك أقم قضاة وحكام….ومن لا يعلم فعلّموه"(عزرا25:7-26).   وأيضا نجد فى سفر نحميا كيف قرأ عزرا التوراة (نحميا3:8)، وكيف كانوا اللاويون مساعدوا عزرا "يفهّمون الشعب الشريعة..حتى فهموا القراءة"(نحميا1:8-8)، وفهم الشعب الشريعة (نحميا12:8) ولكن ليس بدون مساعدة ونجد هذا ايضا فى 2 أخبار الأيام8:17-9). فلابد من وجود من يفسر الأسفار الـمقدسة وتكون له من السلطان والحكمة لأن" كل نبؤة فى الكتاب ليست بتفسير فرد من الناس"(2بطرس20:1)، حتى ان السيد المسيح كان يتكلم بالأمثال للشعب ويشرح لتلاميذه المعاني "وفى الخلوة كان يفسر لتلاميذه كل شيئ"(مرقس33:4-34).

·       لم يعط السيد المسيح لتلاميذه انجيلاً كاملاً قائلاً لهم خذوه وانقلوه

ووزعوه على المؤمنين واجعلوهم يفسرونه بطريقتهم الخاصة بل اعطى سلطان التعليم لرسله (متى18:16-19) و(متى18:18-19).

·       فى قصة الخصي الحبشي كما جاءت فى سفر اعمال الرسل

(اعمال26:8-40) هنا نرى كيف قاد الروح القدس فيليبس لأن يذهب ليعلم ولم يكن احد الرسل الإثنا عشر ولكنه اختير بواسطتهم (اعمال 6:6) فقام بالتبشير والتعليم بالسلطان المعطى له من الرسل (اعمال4:8-8).

·       إنّ كتاب أعمال الرسل هو القسم الأوّل من التقليد، لم يقمْ بأحداثه

ولا وضع تعاليمه المسيح نفسه (زمن الإنجيل)، لكن الرسل. فالزمن الرسوليّ هو امتداد الزمن الإنجيليّ. وهكذا بالروح القدس سيبقى الزمن كلّه "رسوليّاً". يشكّل بولس الرسول حلقة الوصل بين زمنَي التدبير، ولقد قبلت الكنيسة " بمساواته بالرسل"، وهذا واضح في رسائله وفي مجمع أورشليم. لكن بولس لم يُختر في زمن الإنجيل وإنّما في زمن التقليد. وكذلك متيّا. ان التاريخ كلّه –بعد زمن الإنجيل- هو "كتاب أعمال رسوليّ"؛ وللتوضيح نقول: إنّه إذا كانت الأناجيل الأربعة هي "كتاب يسوع المسيح"، فإنّ أعمال الرسل والرسائل والرؤيا وكلّ التاريخ المقدّس اللاحق هو "كتاب الروح القدس".  سفر أعمال الرسل يوضح بصراحة دور الروح القدس في قيادة المؤمنين وتكوين ما نسمّيه الكشف الكنسيّ في التقليد.

·       جاء فى رسالة القديس بطرس الثانية:"لأنها لم تأتِ نبوّة قط عن إرادة

بشر بل إنما تكلّم رجال الله القديسون محمولين بإلهام الروح القدس. وقد كان فى الشعب أنبياء كذبة كما انه سيكون فيكم معلّمون كذبة يدُسّون بِدع هلاك مُنكرين الرب نفسه"(2بطرس20:1-1:2). هنا رفض القديس بطرس التفسيرات الفردية الخاصة وربط بينها وبين ظهور البدع والهرطقات وبيّن ان رجال الله هم محمولين بإلهام الروح القدس إذا ما قاموا بالتعليم، وهذا يعنى انه

ليس أي فرد يقوده الروح القدس سوف يقوم بتعليم مخالف لتعليم الرب نفسه بل سيستخدم روح العالـم "وبالحرص وزخرف الكلام" سيقود سامعيه للهلاك.

 

مـا هو التقليد الكنسي؟ وما هي مصادره؟ وهل من دليل على التقليد المقدس من الكتاب المقدس[6]؟

التقليد هو كل تعليم وصل الينا عن طريق التسليم الرسولى والابائي أي انه التعليم الشفهي غير المكتوب في الكتاب المقدس. لذا فان التاريخ الرسولي هام ولولا تسليم الأباء الرسل لما وصل إلينا المبادئ العامة لطقوس الصلاة وطقوس القداس (الشركة في جسد الرب) او طقوس الصلاة في يوم الأحد او التقليد في سيامه القسوس وطقوس الترانيم او صلاة المزامير و العظات.

* التقليد في العهد القديم

 هناك إثباتات كثيرة علي تسلم التقليد الشفهي من الانبياء في العهد القديم:

– لم تكن هناك شريعة منذ أدم حتى عصر موسي النبي ولكنهم تسلموا من الرب ما هو الخطا وما هو الصواب وامثال ذلك كثيره فورد فى سفر التكوين  ان هابيل قدم قربانا لله من أبكار غنمه ومن سماتها (تكوين 4:3)، فمن اين عرف هابيل فكرة الذبيحة التى تقدم قربانا لله؟ ولم تكن فى زمنه شريعة مكتوبة؟ لا شك انه تسلمها من أبيه آدم الذى تسلمها بدوره من الله نفسه.  عرف ابراهيم فكره بناء المذبح (سفر تكوين 8: 20) و(تك 12: 7) "و ظهر الرب لابرام وقال لنسلك اعطي هذه الارض فبنى هناك مذبحا للرب الذي ظهر له".

 -وكيف عرف نوح فكرة تقديم الذبائح الطاهره وغير الطاهرة (تك 8: 20)

"وبنى نوح مذبحا للرب واخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا".

– كيف عرف ابراهيم ملكي صادق كاهن الله العلي (تك14: 18) و"و ملكي صادق ملك شاليم اخرج خبزا وخمرا وكان كاهنا لله العلي وباركه وقال مبارك ابرام من الله العلي مالك السماوات والارض ومبارك الله العلي الذي اسلم اعداءك في يدك فاعطاه عشرا من كل شيء" (رسالة عبرانيين 7: 6).

– وكيف عرف ابينا يعقوب فكرة تقديس الاماكن المقدسه التي للرب ودهنها بالزيت (تك28: 18)،"وبكر يعقوب في الصباح واخذ الحجر الذي وضعه تحت راسه واقامه عمودا وصب زيتا على راسه ودعا اسم ذلك المكان بيت ايل".

– وكيف عرف ابينا يعقوب فكره تقديم العشور وقوله لله كل ما اعطيتني فهولك (تك 8: 22) "ونذر يعقوب نذرا قائلا ان كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي انا سائر فيه واعطاني خبزا لاكل وثيابا لالبس ورجعت بسلام الى بيت ابي يكون الرب لي الها وهذا الحجر الذي اقمته عمودا يكون بيت الله وكل ما تعطيني فاني اعشره لك".

– وكيف عرف يوسف بان الزنا هو شر امام الرب حتي ولو علي حساب سجنه بسبب بتوليته (تك39: 9) "فكيف اصنع هذا الشر العظيم واخطئ الى الله"؟

– لم يذكر العهد القديم الحرب التي دارت بين ميخائيل رئيس الملائكه وبين ابليس ولكنها ظلت بالاف السنين تسلم للاجيال حتي ذكرها القديس يهوذا الرسول"واما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم ابليس محاجا عن جسد موسى لم يجسر ان يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب" (رساله يهوذا 1) وحتي قصه سقوط الشيطان "و الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود ابدية تحت الظلام" وبطرس يقول "لانه ان كان الله لم يشفق على ملائكة قد اخطاوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء" (رسالة بطرس الثانية 2: 4). 

* التقليد في العهد الجديد:

 1.  لم يذكر الكتاب المقدس كل الأحداث او حتى تفاصيل الحدث ولم تركز الأناجيل الاربعه كل تعاليم الرب يسوع او كل معجزاته وهناك العديد من الأدلة على ذلك (أنجيل يوحنا 25:21). "واشياء اخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست اظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" وايضا" وايات اخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه" (يو20:30) وهناك الكثير من المعجزات التي لم تكتب (إنجيل لوقا 4: 40) "وعند غروب الشمس جميع الذين كان عندهم سقماء بامراض مختلفة قدموهم اليه فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم".

2.  لم تذكر الاناجيل كل تعاليم الرب بدليل انه كان يكرز ويطوف المدن ويعلم في مجامعهم ولم يذكر كل التعاليم التي علم بها وحتي العظه علي الجبل وايضا مقابلته مع تلميذي عمواس "فقال لهما ايها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء اما كان ينبغي ان المسيح يتالم بهذا ويدخل الى مجده ثم ابتدا من موسى ومن جميع الانبياء يفسر لهما الامور المختصة به في جميع الكتب"(لو24: 27) ومكث الرب بعد قيامته اربعين يوما ولم يذكر الكتاب المقدس كل الامور المختصه بملكوت الله" الذين اراهم ايضا نفسه حيا ببراهين كثيرة بعدما تالم وهو يظهر لهم اربعين يوما ويتكلم عن الامور المختصة بملكوت الله".

3.  اوصي الرب يسوع بالتبشير بالانجيل مع انه لم يكن هناك اناجيل في ذلك الوقت. والمقصود طبعا هو التبشير بما قد تسلمة الاباء من الرب شفهيا وقال لهم "جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل" (يو1: 15) وفال لهم "فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به" (انجيل متى 28: 19).

4.  التعليم الشفهي المسلم من الاباء الرسل له ادله كثيره "ان كان احد يجوع فلياكل في البيت كي لا تجتمعوا للدينونة واما الامور الباقية فعندما اجيء ارتبها" (رسالة كورنثوس الأولى 11: 34) وفي رسالته الي تلميذة تيموثاوس قال "وما سمعته مني بشهود كثيرين اودعه اناسا أمناء يكونون اكفاء ان يعلموا اخرين ايضا" (2تي2:2) وقال للقديس تيطس "من اجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الامور الناقصة وتقيم في كل مدينة شيوخا كما اوصيتك (تيطس 1) وفي رسالته الي اهل كورنثوس الاولي (11: 23) "لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضا ان الرب يسوع في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبزا وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لاجلكم اصنعوا هذا لذكري".

5.  ويوحنا الانجيلي ايضا في رسالاته قال "اذ كان لي كثير لاكتب إليكم لم ارد ان يكون بورق وحبر لاني ارجو ان اتي اليكم واتكلم فما لفم لكي يكون فرحنا كاملا (يوحنا الثانية 1: 12)" وكان لي كثير لاكتبه لكنني لست اريد ان اكتب اليك بحبر وقلم" (يوحنا الثالثة 1: 13) وايضا "الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رايناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة فان الحياة اظهرت وقد راينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب واظهرت لنا الذي رايناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم ايضا شركة معنا واما شركتنا نحن فهي مع الاب ومع ابنه يسوع المسيح" (الرسالة الأولى ليوحنا الرسول 1: 1).

6.  لم يذكر العهد الجديد سيامته رسولا ومن الذي عمده،ومن الذي اعطاه هو وبرنابا يمين الشركة (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 2:9) ومن الذي أعطاه سلطان الحل والربط كي ان يربط ويحل خاطي كورنثوس (رسالة كورنثوس الثانيه 2:6).

7.  رفض الرسل التقليد الباطل الذي لم يستلمه الرسل من الرب "انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم وليس حسب المسيح" (رسالة كولوسي 2: 8).سأل الفرسيين الرب يسوع قائلا "لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ فانهم لا يغسلون ايديهم حينما ياكلون خبزا فاجاب وقال لهم وانتم ايضا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم… فقد ابطلتم وصية الله بسبب تقليدكم (متى 15: 3-6) لان الفريسيين وكل اليهود ان لم يغسلوا ايديهم باعتناء لا ياكلون متمسكين بتقليد الشيوخ (مرقس 7: 3) ويقول الرسول بولس عن نفسه قائلا "وكنت اتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من اترابي في جنسي اذ كنت اوفر غيرة في تقليدات ابائي" (غلاطية 1: 14) "ثم نوصيكم ايها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح ان تتجنبوا كل اخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي اخذه منا"

( 2 تسالونيكي 3: 6).

8. بعض من كتبة العهد الجديد كتبوا بعض المعلومات عن العهد القديم أخذوها بالتقليد مثال ذلك ذكر بولس الرسول اسمي الساحرين الذين قاوما موسى النبي فقال:"وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى كذلك هؤلاء ايضا يقاومون الحق"(2تيموثاوس8:3)، ولم يذكر فى اسفار موسى الخمس هذين الاسمين.

9 بعد قيامة السيد المسيح قيل انه تقابل مع تلمييذي عمواس"وبدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يشرح لهم الأمور المختصة به فى جميع الكتب"(لوقا27:24)، فأين هذه الأقوال؟ وايضا فى خلال مدة الأربعين يوما بعد القيامة والتى قضاها الرب مع التلاميذ يتكلم معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (اعمال3:1)، فماذا قال؟ انها لم تكتب فى الأناجيل ولكنه وصلت الينا بالتقليد المسلّم للأباء الأول.

التسليم الشفوي والكرازة الشفوية :

سلم الرسل الأخبار السارة ، الإنجيل ، شفاهة عندما كانوا بصفة عامة كل يوم وكل سبت في مجامع اليهود ، وكل أحد في اجتماعات العبادة المسيحية بصفة خاصة يكرزون بالإنجيل ويعلمون الذين انضموا إلى المسيحية ويحفظونهم كل ما أوصى به الرب القائم من الأموات . واستمرت الكرازة الشفوية أكثر من عشرين سنة قبل أن يدون الإنجيل المكتوب معتمدة على شهادة الرسل شهود العيان وعمل الروح القدس فيهم وبهم ومعهم . وكان عدد شهود العيان ، المكون من الرسل الأثنى عشر  وعلى رأسهم الأعمدة الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنا " (غل9:2) ، ثم الرسل السبعين الذين عينهم الرب وأرسلهم أمام وجهه أثنين أثنين " (لو1:10) ، ثم جمهور التلاميذ الذين كانوا قد أتبعوه قبل الصلب والقيامة وعلى رأس هؤلاء مجموعة أكثر من خمسمائة أخ الذين ظهر لهم الرب دفعة واحدة بعد القيامة (1كو15 :6) ، يعتبر عدد كبير جداً وشاهد حي أمين ولا حد لقيمته في الشهادة لكل ما عمله الرب وعلم به . وإلى جانب هؤلاء كان هناك عدد كبير يعد بالآلاف من الشعب ورؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيين واللاويين وغيرهم من الذين استمعوا للرب وشاهدوا أعماله أثناء كرازته في الجليل واليهودية وأورشليم وبقية مدن فلسطين، حيث تكلم الرب معهم وصنع معجزاته أمام عيونهم ، كما قال لهم القديس بطرس في أول خطاباته وكرازته لهم بعد حلول الروح القدس ؛ أن المسيح تبرهن لكم وصنع معجزات " في وسطكم وأنتم تعلمون " (أع22:2) ، " الذي أسلمتموه أنتم " (أع13:3) ، " الذي صلبتموه أنتم " (أع10:4) ، " أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل " (أع37:10) هؤلاء آمن منهم بالمسيحية آلاف عديدة وصاروا شهوداً لما عمله وعلمه السيد المسيح:"وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع6: 7) ، وكان الروح القدس يعمل فيهم ويحفظون كلمة الله ويكرزون بها أيضاً .

ولأن تلاميذ المسيح ورسله حملوا وصايا الرب وتعاليمه ، وكانوا ، هم المستودع الأمين لها فقد تساوت وصاياهم وتعاليمهم مع تعاليم أنبياء العهد القديم ومع وصايا الرب نفسه لأن وصيتهم هي وصيته وتعاليمه هي تعاليمه ؛ يقول القديس بطرس بالروح " لتذكروا الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء والقديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص " (2بطرس2:3) ، ويقول القديس يهوذا الرسول " أخو يعقوب " (أع1: 17) ، " وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقاً رسل ربنا يسوع ال المسيح " (يهوذا 17) .

  وهذا ما تعلمه وعلمه أيضا الأباء الرسوليين تلاميذ الرسل الذين تتلمذوا على  أيديهم واستلموا منهم الأخبار السارة :

يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي تلميذ بطرس الرسول " أثبتوا إذاً على تعاليم

الرب والرسل "." ثابروا على الاتحاد بإلهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا

الرسل " .

ويقول أكليمندس الروماني تلميذ بولس الرسول والذي يقول عنه القديس إريناؤس أنه"رأى الرسل القديسين وتشاور معهم "،" من أجلنا استلم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح ويسوع المسيح أرسل من الله (الآب) ".

ويقول بوليكاربوس الذي رافق الرسل خاصة القديس يوحنا الحبيب "فلنخدمه (المسيح) بخوف وتقوى كما يأمرنا هو والرسل الذين بشرونا

بالإنجيل والأنبياء الذين أعلنوا لنا عن مجيء الرب".

ويقول القديس إريناؤس أسقف ليون (120-202م) " إذ أن الرسل وضعوا في أيدي الكنيسة كل الأمور التي تخص الحق بغزارة وفيرة ، مثل رجل غنى (أكتنز ماله) في بنك ، لذلك فكل إنسان أيا كان يستطيع أن يسحب منها ماء الحياة ".

  فقد سلم الرسل لأعضاء الكنيسة ، وبصفة خاصة القادة ، ما تسلموه هم من الرب ونفذوا وصيته التي أوصاهم بها قبل صعوده مباشرة . وكان أسلوب الرسل في تسليم الأخبار السارة ، الإنجيل ، يعتمد على ثلاثة أُسس هي :

(1) الكرازة " κήρυγμα – كيريجما – kērugma " ؛ " أكرزوا بالإنجيل ".

(2) التعليم " διδαχή – ديداكي  didachē" ، " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " (مرقس 15:16) .

(3) العبادة الليتورجية " ليتورجي Liturgy "" اصنعوا هذا لذكرى " (لوقا 19:22).

                   ——————–

 

مناظرات

س1: إذا لم يؤمن السيد المسيح بأن الكتاب المقدس هو أساس الإيمان فلماذا استخدم بعض ما جاء فى العهد القديم للإستدلال بها عند دفاعه ضد الفريسيين والصدوقيون؟

ج: ان إستخدام بعض الآيات من الكتاب الـمقدس لا يعنى ان "المستخدِم" يفكر فقط بأن الكتاب له كل السلطان. استخدم اليهود فى أيام السيد المسيح بعض المقاطع من الأسفار المقدسة للدفاع عما ما يؤمنون به ولكنهم اتبعوا تقاليدهم الموروثـة فقالوا:"لِم تلاميذك يتعدّون سُنّة الشيوخ.."(متى2:15)، ولهذا هاجم السيد المسيح هذه التقاليد الغير قانونيـة مثل تقدمة القربان (متى4:15-9). وللأسف فلقد استخدم البعض هجوم السيد المسيح هذا على انه رفض لكل التقليد الموروث وتأكيداً للتعليم بأن "الكتاب وحده" هو السلطة، ولكن فى الحقيقة كان هجوم السيد المسيح ضد التقاليد التى وضعها الإنسان والتى تتعارض بما جاء فى الأسفار الـمقدسة وليس لأنه قد رفض كل التقليد الـمسلّم. لقد استخدم السيد المسيح بعض أقوال العهد القديم لأنها كلمة الله والتى لها سلطان لوضع حد للسؤال اللاهوتى الـمطروح من الصدوقيون، هذا بالإضافة لأن العهد القديم كان هو موضوع إتفاق ما بينه وما بين معارضيه ولهذ إستخدم ما يقبلوه هم.  كذلك أنظر عندما جادل السيد المسيح الصدوقيون عن القيامة كما جاءت فى بشارة متى الرسول (متى23:22-32) فلقد استخدم آيات من كتب الشريعة الخمس والتى يؤمن بها فقط الصدوقيون، ولهذا استخدم بما جاء فى سفر الخروج (خرزج6:3) وذلك ليس لأن السيد المسيح لا يعترف بالكتب الأخرى والتى يحتويها العهد القديم والتى جاء فيها بوضوح عن قيامة الأجساد كما جاء فى سفر دانيال (دانيال2:12-11)، ولكن لأن الصدوقيون لم يقبلوا إلاّ كتب موسى الخمس، فلو إستند السيد المسيح على أي آيات أخرى ما كان سيُقبل من الصدوقيون.

س2: لـماذ تعتمد الكنيسة الكاثوليكية كثيراً على التقليد الرسولي بينما لا يوجد ما يعضده فى الكتاب الـمقدس وكل ما يسوقونـه هو بعض أقوال من الكتاب المسيحيين الأوائل المشكوك فيها؟

ج: يعتمد الكاثوليك على التقليد الرسولي الـمسلّم لأنه حقيقة ولأننا مطالبون بالرجوع اليه حسب قول بولس الرسول:"انى امدحكم ايها الإخوة لأنكم تذكروني فى كل شيئ وتحافظون على التقاليد كما سلّمتها إليكم"(1كورنثوس2:11)، و "فاثبتوا إذن ايه الإخوة وتمسّكوا بالتقاليد التى تعلمتموها إمّا بكلامنا وإمّا برسالتنا"(2تسالونيكى14:2). انظر ايضا الى ما فعله الرسل بعد صعود السيد المسيح مباشرة كما جاء فى سفر الأعمال (أعمال21:1-26) زكيف انهم اختاروا من يحلّ محل يهوذا الإسخريوطى احد الإثنا عشر. لقد صلّوا ليرشدهم الله من يختاروه ليحل مكان يهوذا وبعد إختيار متياس وضعوا أياديهم عليه وذلك لنقل السلطان الرسولي اليه. انظر ايضا الى ما جاء فى (1تيموثاوس6:1 و 14:4) حيث يذّكر بولس الرسول تلميذه تيموثاوس بأن الأسقفية نقلت اليه من خلال وضع الأيادي. لاحظ ايضا كيف نصح بولس الرسول تلميذه ان يحذر فى وضع يده عند تسليم السلطة لآخر (1تيموثاوس22:5). وفى رسالته الى تيطس وصف بولس الرسول السلطان الرسولي الذى حصل عليه تيطس وحثه أن يعمل بكل دقة فى مسؤوليته ورعايته الجديدة.

س3: أنتم تعّولون كثيراً على أن الكنيسة الكاثوليكية هى التى حددت وحافظت على الكتب المقدسة بينما هو الله الذى يحدد كل شيئ ويحفظ كلمته فالكتاب المقدس هو كتابه وهو مؤلفه وهو الذى يحدد ما الذى يحويـه أو لا يجب ان يؤخذ به فليست هى إذن الكنيسة التى على الأرض هى التى لها السلطة، فالكتاب المقدس قانوني بذاته منذ لحظة كتابته؟

ج: نحن نؤمن بأن الكتاب المقدس هو وديعة الوحي الإلهي وان الله هو الذى أوحى به، ولكن إذا ما حدد الله قانون الكتاب أي ما هى الأسفار المقدسة التى تحتويه (وهو فى الحقيقة ما فعله)، فكيف جعلنا الله ان نعرف ما هيّة هذا القانون؟ والإجابة على هذا السؤال سهلة فهو الذى أعطى كنيسته هذه الـمعرفـة، فلقد تم تحديد قانون الكتب المقدسة فى الكنيسة الجامعة من خلال المجامع المسكونية الكنسية فى روما عام 382م ومدينة Hippo فى عام 393م ومدينة قرطاج Carthage عام 397م. فالكتاب المقدس لم يسقط من السماء ولم يعطينا الله قائمة موحاة بـمحتوباتـه. وفى الحقيقة كان هناك أكثر من 50 "انجيلاً" تتداول فى اليهودية أثناء القرون الأولى للكنيسة ولكن حددت الكنيسة الجامعة بمعونـة الروح القدس ماهية الكتب المقدسة وترتيبها. فالكتاب المقدس نفسه هو كتاب الكنيسة ففى الكنيسة وبواسطة الكنيسة عرفنا الكتب المقدسة وعرفنا انه كتب موحى بها من الله ولا يفهم الكتاب المقدس فهما صحيحا الا من قراءة بروح الكنيسة واتحاد كامل بايمانها. فالكنيسة هى جسم المسيح (كولوسي24:1) لذلك فهى وحدها تعرف صورته وتفهمه وبمقدار التفاتنا بالمسيح فى كنيسته بمقدار ما يبلغنا صوته وعطاء حبه فهو القائل :"من سمع منكم سمع مني"(لوقا16:10) فسلطة الكنيسة التعليمية فى خدمة كلمة الله المكتوبة والمنقولة تحفظ وديعة الوحى وتجدد بها الكنيسة والعالم بعمل الروح القدس.      

س4: يعترضون بأن السيد المسيح رفض التقليد مستشهدين بما قاله للكتبة والفريسيين "لماذا تتعدون وصية الله بسب تقليدكم"( مت 15: 3 )
ج. يتضح لمن يقرأ الإصحاح السابع من إنجيل معلمنا مرقس أن السيد المسيح لم ينقض التقليدات الرسولية والكنسية التي تتفق مع وصية الله وتوضحها ولكنه نقض تعاليم الكتبة والفريسيين التي تبطل وصية الله كعدم إكرام الوالدين وغسل الأيدي بلا مبرر والتنجيس بالأطعمة … هذه التقاليد التي تجعل سيرة الإنسان باطلة ويوضح ذلك بطرس الرسول قائلا "عالمين أنكم افتديتم … من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء" (1بطرس8:1) فلا يوجد هنا اعتراض على التقاليد الكنسية.
س5: يعترضون بأن بولس الرسول حذر أهل كولوسى من الذين يخدعونهم بحسب تقليد الناس ( كو 2: 8 )
ج: والمتأمل في هذا الإصحاح يرى أن بولس الرسول يذكر أنه فرح بسبب ترتيبهم ومتانة إيمانهم فى المسيح ثم يحذرهم من تقليد الناس الذي ليس حسب المسيح، ويقصد بولس الرسول من ذلك الفرائض اليهودية والبدعة الغنوسية التي من أجل دحضها كتب هذه الرسالة وإلا فما رأيكم فى قول بولس الرسول نفسه "اثبتوا إذاً أيها الاخوة وتمسكوا بالتقليدات التي تعلمتموها سواء بالكلام أم برسالتنا" (2 تس 2: 15 )
س6: يعترضون على عدم لزوم التقليد من قول موسى النبي"لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيتكم به ولا تنقصوا منه" ( تث 4: 2 )، وقول يوحنا الرائي "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب" (رؤ 22: 18). 
ج: لا يقصد من هذه الآيات نقض التقليد بل يقصد عدم إضافة نص أو عبارة على ذات كتاب الناموس وسفر الرؤيا، وإلا اعتبرت أسفار الأنبياء والبشائر والرسائل التي أضيفت إلى كتاب الناموس، وسفر الرؤيا مخالفة لكلام موسى ويوحنا.
س7: يعترضون بأن الرسل كتبوا التقاليد التي سلموها للكنائس فى الإنجيل فلا داعي للتمسك بغيره.
ج: أن الرسل لم يكتبوا كل شئ بل أشاروا إلى التمسك بالتقليد المسلم لهم كقول بولس الرسول " إثبتوا إذاً أيها الاخوة وتمسكوا بالتقليدات التي تعلمتموها سواء بالكلام أم برسالتنا" (2تس 2: 15)
س8: يقولون إذا كان التقليد ضروري للخلاص فلماذا لم يكتب فى الإنجيل بالتفصيل؟
ج: حقيقة إن الكتاب المقدس ذكر كل ما هو ضروري للخلاص ولكن هناك أمور كثيرة ذكرت مختصرة واكتفى بالإشارة إليها على أنها أمور مسلمة ومرتبة، فجاء التقليد شارحاً لهذه الترتيبات، فهو بمثابة مذكرة تفسيرية لقانون العهد الجديد المذكورة بنوده فى الإنجيل. فالتقليد وضح أموراً كثيرة غامضة كتقديس يوم الأحد، وتعميد الأطفال، وترتيبات طقوس العبادة والإسرار.. الخ.
 
                   ———————-

21 سبباً لرفض مبدأ الكتاب وحده[7]

1. عقيدة  "الكتاب وحده" لا يعلنها الكتاب المقدس فى أي جزء منه.

2. يشير الكتاب المقدس الى انه يلزمنا ان نقبل التعليم الشفهي بالإضافة الى الكلمة المكتوبة (1كورنثوس 2:11).

3. يعلن الكتاب المقدس ان الكنيسة وليس الكتاب هو "عمود وأساس الحق" (1تيموثاوس15:3).

4. قال لنا السيد المسيح ان نخضع للسلطة الكنسية (متى15:18-18).

5. أعلن لنا الكتاب المقدس انه غير كاف كمعلّم وانه يحتاج الى من يفسره (2بطرس16:3).

6. المسيحيين الأوائل لم يكن لديهم انجيلاً مكتوبا.

7. الكنيسة الجامعة هى التى حددت قانون الكتاب المقدس وما يحتويه وليس العكس.

8. أن وجود سلطة للكتاب المقدس منفردة لهى فكرة بعيدة عن سلطة الكنيسة التعليمية.

9. تأسست البدع والهطقات نتيجة للتفسيرات الخاطئة للكتاب المقدس بعيداً عن التقليد الكنسي والسلطة التعليمية للكنيسة.

10. ان تحديد قانون الكتاب المقدس لم يستقر حتى القرن الرابع الميلادي.

11. لابد من وجود سلطة خارجية لتحديد قانون الكتاب المقدس وهذه الجهة  يجب ان تكون لها سلطة ومعصومة من الخطأ.

12. الإعتقاد بأن الكتاب الـمقدس تشهد بصحته بذاته self-authenticating لا يقف أمام الفحص والتدقيق. فهناك عدة كتب من العهد الجديد مثل رسالة يعقوب ورسالة يهوذا ورسالة بطرس الثانية ورسالتا يوحنا الثانية والثالثة وسفر الرؤيا لم تدخل ضمن الكتب القانونية لفترة، ففى بعض الأماكن تم قبولها وفى أماكن أخرى لم تُقبل حتى ان كل من القديس أثناسيوس الرسولي (279-373م)، والقديس جيروم (342-420م)، والقديس أغسطينوس (354-430م) قد دون كل منهم قائمة بالكتب الموحاة، والكثير من الكتب التى وردت فى تلك القوائم لم تدخل ضمن قانون الكتب المقدسة الـ 27 حسب ما هو معروف لدينما الآن والذى تم تحديده بمعرفة المجامع الكنسية فى القرن الرابع الميلادي.

13. لا تملك الكنيسة الجامعة أي نص اصلي من النصوص الكتابية وعليه فمبدأ سلطة الكتاب المقدس او الكتاب وحده  sola scriptura لا يعتد به.

14. العديد من المخطوطات الأصلية تحتوى على الآف من المتغيرات كالهجاء وترتيب الكلمات مثل يوحنا39:7، وأعمال 8:6، وكولوسي2:2، و1تسالونيكي2:3، ونهاية الفصول أو نهية انجيل مرقس مما يترتب وجود سلطة تعليمية لتحديد الصحيح منها.

15. هناك المئات من النصوص الأنجيلية والترجمات المختلفة فمن أين نتيقن أيهم الأصح.

16. الإنجيل لم يكن متداول بين المؤمنين حتى القرن الـ 15 بعد إختراع ماكينة الطباعة.

17. لم تظهر عقيدة "الكتاب وحده" قبل القرن الرابع عشر.

18. هذه العقيدة  sola scripturaاثمرت ثمار ضارة بالكنيسة الجامعة متمثلة فى المئات من الطوائف والملل المتعددة.

19. هذه العقيدة لا تسمح بتفسير نهائي ومحدد لأي نص كتابي.

20. الكتاب المقدس كما يعترف به البروتستانت ينقصه 7 كتب خلاف باقى الكنائس التقليدية.

21. هذه العقيدة هى إنعكاس للمشاكل النفسية والتى كان يعانى منها مارتن لوثر نفسه وذلك نتيجة إحساسه بالذنب ولهذا أراد ان يحرر نفسه من أي تعليم أعلنته الكنيسة الكاثوليكية.

                      ——————–

 

مراجع

1. "الندوة التمهيدية" –إصدار أسرة العائلة الـمقدسة للتكوين الديني بمطرانية الأقباط الكاثوليك بالمنيا

;http://www.scripturecatholic.com/scripture_alone.html

http://www.scripturecatholic.com/sola_scriptura_qa.html

www.newadvent.com

 

 




[1] علم اللاهوت النظامي تأليف: القس جيمس أَنِس راجعه ونقَّحه وأضاف إليه: القس منيس عبد النور

http://answering-islam.org/Arabic/Books/Theology/index.html

 

[2] www.newadvent.org

 

[3] "الندوة التمهيدية" –إصدار أسرة العائلة الـمقدسة للتكوين الديني بمطرانية الأقباط الكاثوليك بالمنيا

[4] www.newadvent.com

 

[5] http://www.coptichistory.org/new_page_527.htm

 

 

[6] منقول من موقع http://st-takla.org

 

[7] By  Joel Peters: www.catholicapologetics.info/apologetics/protestantism/sola.htm