المسيحيون في العراق

بقلم فؤاد يوسف قزانجي – موقع أبونا الأردن

الفاتيكان، الجمعة 25 يوليو 2008 (Zenit.org). – خلال القرون الميلادية الثلاث الأولى كانت هناك ثلاث أو أربعة ممالك رافدينية سكانها في معظمهم آراميين وهنالك أقوام فارسية وعبرانية وعربية تختلط معهم. ظهرت هذه الممالك قبل الميلاد بقرن أو أكثر وهي ميشان التي نشأت جنوب شرقي العراق وامتدت الى الخليج العربي حتى مدينة العمارة الحالية.
قامت تحت ظل الدولة السلوقية الاغريقية ثم حطرا (الحضر) التي برزت في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وحدياب وسنكارا (سنجار) اللتين ظهرتا في القرن الأول للميلاد. ويعود سبب ظهور هذه الممالك العراقية لارتباط ثقافة أبناء الرافدين بجذور الحضارات التي نشأت في وادي دجلة والفرات وهي الحضارات السومرية والبابلية والآشورية التي تناوبت في العراق القديم وهي تمثل نوعاً من التحدي الحضاري والاجتماعي لأبناء الرافدين بعد سقوط آخر إمبراطورية بابلية – كلدانية عام 539 ق.م.

وكذلك زوال مملكة القطر البحري البابلية – الآرامية. عندما حلت المسيحية وبدأ نشاطها في القرن الثاني للميلاد في بلاد الرافدين وجدت وسطاً آرامياً ملائماً حيث أن اللغة السريانية كانت قد انبثقت من اللغة الآرامية، كما أن الآراميين في ذلك الزمن كانوا قد اختلطوا بأقوام مختلفة فكانوا قليلي الاهتمام بآلهتهم القديمة ولاسيما أن هذه الممالك نشأت تحت ظل السيطرة الفارسية على بلاد الرافدين. تقول الأخبار السريانية أن مار ماري كان هدى الناس بالمسيحية في ميشان وسائر كور دجلة وفارس وكشكر وأهل الراذانيين ثم توجه الى مدينة سلوقية بجانب طيسفون، وهناك أسس مار ماري أول كنيسة مسيحية في قرية كوخي حيث كان هناك اكواخ لأكرة ماردنشاه رئيس طيسفون، ولما شفى مار ماري ابنته استوهبها له.

كما أن مار ادي هو أحد تلاميذ المسيح كان قد انحدر الى مملكة حدياب الآرامية واستطاع أن يهدي بعضاً من أهالي اربيل الى المسيحية وأكد ذلك المؤرخ الشهير يوسابيوس القيصري: "أن كنائس مقاطعة ما بين النهرين ومدنها وافقت هي أيضا على القرار الذي اتخذته الكنائس الغربية في (سوريا) بشأن الاحتفال بعيد الفصح يوم الأحد" وكان ذلك في عهد البابا فكتور ( 189 – 199م) وهذا يدل على أن كنيسة بلاد الرافدين إن لها أهمية ورأي يؤخذ به في نحو نهاية القرن الثاني. وقد ساعد على انتشار المسيحية في البلاد أن الفرس الساسانيين كانوا عند انتصاراتهم على المدن البيزنطية الرئيسة مثل نصيبين والرها وإنطاكيا يسبون عدداً من أهاليها ويختارون أحيانا ذوي المهن والحرف.

وقد بنيت مدن لهذا الغرض واحدة قرب طيسفون (رومية أو ماحوزا) والآخرى قرب اربيل (ماحوزا) والثالثة وهي مدينة جنديشابور التي سماها السريان (بيت لافاط) أي دار الإحزان لأنهم اقتلعوا من أرضهم وجاءوا الى منطقة ميشان (الاحواز). وفي سنة 410 اصدر الملك يزدجرد الأول مرسوم الحرية حينها ظلت المسيحية تنتشر بهدوء في العراق تحت ظل الحكم الساساني الفارسي، ولكن الأمر لم يكن كذلك في القرن الرابع إذ باهتداء الإمبراطورية الرومانية (البيزنطية) على يد ملكها قسطنطين الكبير وإصدار مرسوم ميلانو سنة 313 الذي أعلن فيه السماح لجميع الديانات بالعبادة و بضمنها المسيحية.

حيث بدأ رؤساء المجوس واليهود الذي كانوا موجودين في طيسفون ومدينة حازا في منطقة حدياب يحرضون الملوك الساسانين للقضاء على إتباع الديانة المسيحية في العراق وميشان بحجة معاونة البيزنطيين أعداء الفرس. وتدريجيا تصاعدت حملة الاعتقالات وزادت الضرائب على المسيحيين ولاسيما في منطقة بيت كرماي ومدينة كرخ بيث سلوخ (كركوك) وكذلك في منطقة حدياب، ثم بدأ الاضطهاد الكاسح الذي سمي بالاضطهاد الأربعيني الذي دام بين الأعوام 339 – 379 حيث تم قتل الكثير من رجال الدين و هدم عشرات الكنائس و الأديرة حتى بلغ عدد الشهداء (16000 ) نفس تقريبا.هدأت صورة الاضطهاد في عهد الملك اردشير الثاني 379 – 382 والملوك الذين جاؤوا بعده لأنهم كانوا ضعفاء فرغبوا بالسلام وعقد الاتفاقيات الاقتصادية مع البيزنطيين.

ومن أشهر المجامع الأولى للكنيسة كان مجمع (ساليق) سلوقية وذلك في عام 410 حيث أجتمع نحو أربعين أسقفا أو رئيس أساقفة من جميع إنحاء العراق ومنطقة ميشان وسوريا وفلسطين بأشراف رئيس الأساقفة لكنيسة بلاد الرافدين (اسحق) وكذلك كان معه مار ماروثا. وفي هذا المجمع تم تشريع واحد وعشرين قانونا كنسياً، وجدد تعين الأساقفة في المقاطعات الكبرى في العراق التي تنشط فيها الكنيسة مثل مقاطعات كرماي وحدياب وبيت كرماي وبيت ارماي (ميشان). وظلت الكنيسة الشرقية في العراق والاحواز موحدة حتى ظهور الأسقف نسطوريوس الذي اختلف مع الكنيسة في أفكاره الفلسفية.

واستغل الحكم الفارسي هذا الخلاف و شجع نسطوريوس وأتباعه الذين قدموا الى العراق من سوريا البيزنطية على نشر المذهب النسطوري في العراق، وأضطر كثير من المسيحيين القبول به بدون أن يفهم البعض فلسفته خوفاً من الفرس، ومن اجل العيش بسلام، بينما أنقسم المسيحيون في سوريا وفلسطين ومصر الى مذهبين المذهب الأرثوذكسي وأتباعه سموا باليعاقبة والمذهب الملكي من المؤيدين للسلطة البيزنطية وأتباعها سموا بالخلقيدونيين.

ولين القرن الثاني والقرن السابع للميلاد نمت في العراق ثقافة سريانية متعددة الأوجه، وأن كان فكرها يعتمد على الديانة المسيحية لكن بجانب اتساع الكتابات الدينية نشأت علوم وآداب مسيحية جديدة وتوسعت مجالات الفلسفة والطب والصيدلة والعمارة بالإضافة الى تعليم اللغتين السريانية واليونانية حيث كانت المسيحية قد تبنت اللغة المحكية أو العامية الآرامية باسم اللغة السريانية منذ القرن الثاني للميلاد وظل معظم العراقيين يتكلمون بها حتى الوقت الحاضر خاصة الطائفتين الكلدانية والآشورية.

وعندما حل القرن السابع اتسعت المدارس الموجودة في الأديرة حتى بلغت (50) مدرسة كما ذكر الباحث ايشوعدناح، مطران البصرة في القرن التاسع للميلاد وكانت مدرسة دير قنى (قرب العزيزية) في العراق قد اشتهرت في تدريس الفلسفة على يد أبو بشر، متى بن يونس و إبراهيم المروزي وإبراهيم قويري الذي قدم من مدرسة إنطاكيا. وكان من بين تلامذتهم يحيى بن عدي التكريتي وأبو نصر، محمد الفارابي وغيرهما.

عندما بنيت بغداد وانتقلت إليها الخلافة العباسية، شجع الخلفاء الأولين حركة التأليف والترجمة فبدأ العلماء والأطباء والمثقفين السريان يتوافدون على بغداد للمساهمة في هذه الحركة العلمية التي بدأت تزدهر في عهد الرشيد حينما أقيمت أكاديمية بيت الحكمة في عام 800م تقريباً (212 هـ). وبرز عدد من العلماء والأطباء والفقهاء السريان الذين كانوا من أصول آرامية وعربية وكلدية وآشورية حيث اسهموا منذ نهاية القرن السابع وحتى القرن العاشر في الحركة العلمية والحضارية العربية.

وقد أحصى ابن النديم عدد المساهمين في حركة الترجمة العربية فظهر أن معظم هؤلاء كانوا من الصفوة المتعلمة من السريان ومعهم عدد من أهل حران ذوي الأصول البابلية- الكلدية الذين يطلق عليهم (الصابئة) أن الانقسامات التي جرت في القرن الخامس للميلاد بين المسيحيين في الهلال الخصيب ومصر، تزايدت بعد عهد الإصلاح الديني في أوروبا بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

أما مبدأ التعددية في المسيحية قد يعود الى أن يسوع المسيح لم يترك وصايا محددة بقوانين ونظاما كنسياً جاهزاً، أما المبادئ التي تركها لنا في الإنجيل فقد فسرها تلاميذ المسيح وأشاروا الى أنها موحدة في كنيسة واحدة هي كنيسة الرسول بطرس.

وقد استمرت كنيسة العراق بين نساطرة وأرثوذكس حتى القرن الخامس عشر حيث انظم ثلاثة من مطارنة النساطرة الى الكنيسة الكاثوليكية واختير (سولاقا) ليصبح بطريركا للكلدان. من هنا تأسست الطائفة الكلدانية الكاثوليكية التي تمثل حالياً غالبية المسيحيين في العراق والتي لا تزال تحافظ على لغتها السريانية بلهجتها (السورث) حتى الوقت الحاضر ومعها تراث مستمر من إخبار الكنيسة المشرقية في العراق وكثير من التآليف الدينية المخطوطة وكتب التاريخ القديمة التي حفظت في الأديرة التي لم تصل إليها التعديات المختلفة خلال القرون الماضية. أما دخول الكثلكة بين صفوف الكنيسة السريانية فقد تم في غضون القرن الثامن عشر على يد الإباء الدومنيكان الذين قدموا الى الموصل عام 1749. أما العاملان الرئيسان اللذان لهما الآثر الكبير في دخول الكثلكة الى الموصل والعراق عامة فهما:

العامل الثقافي: كان جهود الإباء الدومنيكان كبير في حقل الثقافة السريانية، فقد انشؤوا أول مطبعة في الموصل وربما في العراق أيضا، وطبعوا الكتاب المقدس بلغتين العربية والسريانية وهاتان الطبعتان وحيدتنا في تاريخ العراق حتى مفتتح القرن العشرين كما ترجموا كتباً دينية وقصصاً عن الفرنسية وألفوا كتباً مدرسية باللغتين العربية والفرنسية لتعليم الفرنسية كلغة ثانية، كما أقاموا معهداً في عام 1875 باسم معهد يوحنا الحبيب وصار القسيس منذ ذلك الحين عليه أن يتعلم الديانة واللاهوت وتاريخ الكنيسة واللغات الأجنبية إضافة الى اللغتين العربية والسريانية، وظل قائماً في ظل الكنيسة الكلدانية حتى تأسيس كلية بابل للاهوت في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وصار على القسيس أن يحصل على ثقافة بمستوى البكالوريوس على الأقل.

العامل السياسي- الاجتماعي: أن تأثير فرنسا الدبلوماسي في العهد العثماني قد ساعد مهمة الإباء الدومنيكان من دون شك في تطوير الثقافة المسيحية في الموصل حيث انشؤوا مدرسة ابتدائية وثم مدرسة ثانوية استمرت حتى بداية استقلال العراق عام 1921 عندما أقيمت مدارس حكومية في جميع إنحاء العراق . وكانت الدولة العراقية الفتية في عهد الملك الحكيم فيصل الأول دولة متنورة أعطت الحرية للأديان السماوية ومنها الديانة المسيحية فتعددت مدارسها وكنائسها وتعززت أديرتها فتخلص المسيحيون لأول مرة منذ قرون عديدة من إثقال الجزية ونظام الضرائب والإتاوة العثماني التي كانت تفرض عليهم كان المسيحيون في عهد الاستقلال الوطني الذي بدأ في عام 1920 قد قدرت نفوسهم بـ 5% من عدد سكان العراق الذين كانوا يبلغون خمسة ملايين نسمة، بعد أن كان المسيحيون في القرن السابع للميلاد حوالي نصف سكان العراق.

وقد أعطت الحكومة لهم المجال في انتخاب خمسة نواب من بين مائة نائب لمجلس النواب الجديد. كما استوزر عدد منهم منذ الوزارة النقيبية الأولى عام 1920 وعهد لبعضهم وظائف حسب قابلياتهم وكانوا في الحقيقة صفوة من المتعلمين والمثقفين الذين تخرجوا في معظمهم عن المدرسة الثانوية للإباء الدومنيكان في الموصل وبعضهم تخرج من كليات تركية وأوروبية كما سنرى. وقد صنف الباحث المتميز في تاريخ العراق المعاصر الدكتور سيار الجميل، الخريجين العراقيين إثناء الحكم الملكي حسب مرجعيات وعلى النحو التالي:

المرجعية التقليدية- الكلاسيكية: وهم صفوة المثقفين العراقيين الكلاسيكيين والتقليدين أمثال محمود شكري الالوسي وسليمان الجليلي وعبد المحسن الكاظمي… الخ وسمى بعض المسيحيين في هذا الاتجاه أمثال المطران سليمان صائغ صاحب كتاب (تاريخ الموصل) بثلاثة أجزاء وكتب آخرى، و رزوق غنام صاحب جريدة العراق الذي كان عربياً قومياً متحمساً ووزير المالية المخضرم يوسف رزق الله غنيمة صاحب كتاب (الحيرة المملكة العربية) وداود صليوة الصحفي الذي اصدر جريدة بابل عام 1909.

مرجعية اسطنبول المدنية: وقد تنوعت ثقافة هذه النخبة بتعدد الاختصاصات وتباين اساليب التكوين المعرفي العثماني.وكانت ممارسة عناصرها على نحو إصلاحي يتجه نحو التحديث من بينهم فهمي المدرس وعبد العزيز القصاب ومحمود فهمي درويش وغيرهم، ومن المسيحيين يونان عبو اليونان.
أما مدرسة الحقوق العراقية التي تأسست في عام 1908 فقد كانت من أوائل كليات الحقوق في الوطن العربي وتخرج منها عدد من المثقفين والشخصيات العراقية من بينهم رشيد عالي الكيلاني وعباس العزاوي وكاظم الدجيلي وأحمد حامد الصراف ومن المسيحيين أنطوان شماس المحامي وجورج جورجي وروفائيل بطي الأديب والصحافي ولعله أول وزير للإعلام في العراق في حكومة فاضل الجمالي عام 1956 وصاحب جريدة البلاد الذائعة الصيت.

المرجعيات الغربية: أي أولئك الذين درسوا في أوروبا أو درسوا في كليات أو جامعات أمريكية في الشرق الأوسط، وهي مجموعة من المتعلمين ذات اختصاصات مختلفة اسهمت في إضافة خبرات عالية للعراقيين ومن المسيحيين أمثال الدكتور حنا خياط أول وزير للصحة في العراق في الوزارة النقيبية الثانية وكان في الوزارة الأولى وزيراً بلا وزارة وذلك في عام 1920 والأب انستاس ماري كرملي أحد علماء اللغة العربية وصاحب أول مجلة أدبية راقية في العراق (لغة العرب) وكان العثمانيون قد اعتقلوه ونفوه وأغلقت مجلته لفترة من الزمن بسبب سياسة مجلته القومية العربية، أما الدكتور متي عقراوي فقد أصبح أول رئيس لجامعة بغداد في بداية تأسيسها عام 1959، والمطران اغناطيوس افرام برصوم مؤلف كتاب اللؤلوء المنثور في الآداب السريانية عام 1946. واعتمد قسم آخر من النخبة على الثقافة الأمريكية.
فمن ابرز من الذين تخرجوا من جامعات أمريكية من المسيحيين عبد المسيح وزير الذي تخرج من الجامعة الأمريكية في تركيا الذي عين مترجماً في وزارة الدفاع العراقية ويعود إليه الفضل الى ترجمة الرتب العسكرية الى العربية لأول مرة في الوطن العربي وكذلك ترجمة الصنوف والأسلحة التي كانت مسمياتها تركية. وكذلك كامل قزانجي الذي تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت في موضوع الاقتصاد السياسي وعند قدومه تعين قنصلاً بالسلك الدبلوماسي ثم بعد سنة واحدة فصل لاتجاهاته الماركسية وأصبح مدرسا للاقتصاد في مدرسة ثانوية في كربلاء أو النجف لفترة وجيزة ثم دخل كلية الحقوق وأصبح محامياً وعضوا بارزا في الحزب الوطني الديمقراطي وكتب عدة مقالات في جريدة الأهالي وألف وترجم عدة كتب عن الاتحاد السوفيتي ثم أعتقل و نفي الى تركيا وبعد ثورة 14 تموز عاد واغتيل بعد عام في الموصل.
إن كنا قد استعرضنا نشاط النخبة المسيحية في العلم و الثقافة، فلا بد أن نذكر علماً بارزا في الثقافة السريانية إلا وهو المطران أدي شير الذي ألف (17) كتابا في الدين والثقافة والتاريخ وأبرزها (تاريخ كلدو وآشور) في جزأين، كما حقق كتاباً مهما في التاريخ السرياني لمؤلف سرياني مشهور وهو (التاريخ السعردي).وبرز من الستينيات من القرن الماضي عدد من الأدباء والعلماء والمفكرين المسيحيين نذكر من بينهم من المتوفين كوركيس عواد الذي ألف (51) كتابا في التاريخ والبلدانيات والببلوغرافيا والمراجع والمكتبات.
وفي تاريخ العراق القديم برز منهم بشير فرنسيس وفؤاد سفر وفي الثقافة السريانية الأب الدكتور يوسف حبي الذي رأس دائرة اللغة السريانية والأدب السرياني في المجمع العلمي العراقي، كتب وحقق 15 كتابا وأقام حلقات نقاشية عن الروابط اللغوية والثقافية بين السريان والثقافة العربية- الإسلامية. أما الباحثان يوسف يعقوب مسكوني ويعقوب سركيس فقد اشتهرا في البلدانيات وفي تحقيق بعض المخطوطات الأدبية العربية.وكان بشير فرنسيس وطه باقر قد ترجما ملحمة كلكامش كاملة وبدقة لأول مرة في اللغة العربية في عامي 49 – 50 في مجلة سومر. أما فؤاد سفر فقد اشتهر كتابه عن مملكة حطرا أو الحضر التي نقب في أثارها ودرس وترجم نحو 300 من الكتابات المنقوشة باللغة الآرامية- الحطرية على آثارها.

(أبونا: الأحصاءات على ذمة المؤلف)
يعد المسيحيون في العالم على اختلاف مذاهبهم 1,750000000 نسمة أي بنسبة 33% من مجموع سكان الأرض البالغ 5,3 مليارات من الناس بينهم 963 مليوناً من المذهب الكاثوليكي يتبعون بابا روما و324 مليوناً من البروتستانت في مختلف طوائفهم و180 مليوناً من الأرثوذكس في روسيا والدول المجاورة لها والبلقان واليونان على وجه الخصوص وهناك أقلية من الأرثوذكس في سوريا والعراق.
يضاف الى العدد الذي ذكرناه يوجد 54 مليون انكليكاني أي ضمن الكنيسة البريطانية الوطنية. أما في العالم العربي فنحن إزاء فسيفساء من المذاهب المسيحية وقد تأسس في هذه المنطقة (مجلس كنائس الشرق الأوسط) في عام 1971 الذي استقطب 24 كنيسة من الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والقبطية والارمنية وغيرها. و يبلغ تعداد الكنيسة القبطية (10) ملايين معظمهم في مصر ثم السودان والشتات وتعاني الكنيسة القبطية في مصر بعض العنت.
وهناك الكنيسة الأرثوذكسية في بلدان الهلال الخصيب والذي يبلغ تعدادهم (400000) نفس في كل من سوريا والعراق وغيرهما.أما إتباع الكنيسة الكاثوليكية من سريان ولاتين ومارونيين فهم أكثر من نصف مليون نسمة في لبنان وسوريا والعراق وغيرهما.أما أتباع الكنيسة الشرقية الاثورية في مختلف طوائفهم فيبلغون (200000) في العراق وايران وسوريا.أما الطائفة الكلدانية الموجودة في العراق خاصة فهم لا يزيدون عن (600000) نسمة وحالياً تبلغ نسبة المسيحيين الى سكان العراق زهاء 4%يتوزعون على النحو التالي:65% كلدان (كاثوليك)14% سريان (كاثوليك وأرثوذكس)16% أثوريون (من طوائف ثلاثة)4% أرمن (من طوائف عدة)1% مذاهب وطوائف بروتستانتية

و ينقسم المسيحيون في العراق الى الأقسام التالية:
الكلدان: وهم من إتباع الكنيسة الكاثوليكية التي تأسست بهذا الاسم عام 1445 حينما تحول الكثير من المسيحيين الذين كانوا يسمون بالنساطرة الى الكاثوليكية. يرجع الكلدان أصولهم الى البابليين- الكلديين الذين ينتمون الى إحدى القبائل الآرامية التي توطنت في منطقة الأهوار في جنوب بلاد الرافدين في القرن العاشر قبل الميلاد. ويشكل الكلدان معظم المسيحيين في العراق وهم يتحدثون اللغة السريانية الشرقية منذ القرن الثاني الميلادي حتى الوقت الحاضر. وهم ينتشرون خاصة في مدينة بغداد و بلدات تلكيف وبطنايا وبارطلا والقوش في الموصل وعينكاوة في اربيل وبعض البلدات في دهوك.وهناك أحزاب تألفت حديثاً لهذه الطائفة:أ) حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني ويترأسه أبلحد افرام ساوا الذي تأسس عام (2000) ويصدر جريدة شهرية باسم (فجر الكلدان).ب) المجلس القومي الكلداني الذي يترأسه فؤاد رحيم بوداغ.ج) اتحاد بيث نهرين الوطني و يترأسه كوركيس خوشابا.

الآشوريون: وفي معظمهم من أتباع كنيسة العراق القديمة (النسطورية) الا انهم ينقسمون الى ثلاثة مذاهب مسيحية، يرجع أصل الآثوريين الى الأقوام الآشورية وهم مكونة قومية تتميز بشدة المراس والشجاعة والاندفاع.وقد جابه الآثوريون اضطهادات عدة عثمانية ومحلية خلال القرون الماضية مما جعلهم يهاجرون الى مناطق حكاري وبحيرة وان وعادوا بعد عام 1915 حينما جرت مذبحة الأرمن واضطهاد المسيحيين في تركيا العثمانية. وفي فترة الثلاثينيات عند اكتمال استقلال العراق بدخولها المنظمات الدولية طالب الآثوريون باحترام حقوقهم في مدنهم وبلداتهم في اربيل ودهوك، إلا أن الحكومة اعتبرت ذلك تمرداً. ويذكر الباحث رشيد الخيون أن الآثوريين لم يذكرهم الدليل العراقي عام 1936 بسبب القتال الذي دار بينهم وبين الحكومة عام 1933 ويشير الباحث في الهامش أنهم تعرضوا الى القتل في مذبحة سميل لمطالبتهم بحقوقهم القومية وأقدم حزب تأسس بينهم هو (الحركة الديمقراطية الآشورية) الذي أقيم عام 1979 وهذه الحركة يترأسها حالياً يونادم كنا وللحركة جريدة أسبوعية بعنوان ( بهرا ) أي الضياء.
كما تأسس حزب آشوري آخر ربما في عام 2003 باسم (الحزب الوطني الآشوري) الذي يترأسه حالياً نمرود بيتر حنا الذي يشغل وزارة الصناعة في حكومة إقليم كردستان.

السريان: وينقسمون الى طائفتين السريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس وهم إتباع الكنيسة الغربية في سوريا التي سميت خطأ باليعقوبية.وكانت ابرز أبرشياتها في العراق مركزها في تكريت وعانا ودير مار متى في الموصل ويرجع السريان أصولهم الى الأقوام الآرامية والعربية. وقد أهمل معظم المواطنين السريان لغتهم التي كانت سائدة بينهم على الأرجح حتى القرن السابع عشر خاصة في منطقة جبال لبنان.
لكن اللغة السريانية ماتزال تدرس في معاهد رجال الدين في العراق وسوريا ولبنان بينما زالت في فلسطين ومصر التي فضل مسيحيوها اللغة القبطية وهي مزيج من اللهجة المصرية الفرعونية واللغة اليونانية التي سادت في مصر إبان السيطرة اليونانية والرومانية.ويتركز السريان في مدينة بغداد وبلدات بخديدا (قره قوش) وبعشيقا وبحزاني وغيرها . وفي عام 2005 قامت مجموعة من السريان في مدينة بخديدا بتأسيس حزب باسم (حركة تجمع السريان) وكان رئيس الحركة يشوع مجيد هدايا الذي اغتيل في مفتتح عام 2007.

الأرمن: وهم في معظمهم من المهجرين ضحايا الاضطهاد العثماني في تركيا حيث كانوا يسكنون منذ مئات السنين.
وقد هربوا بعد مذبحة الأرمن عام 1915 وما بعدها الى الدول المجاورة ومنها العراق وسوريا ثم لبنان وعاشوا فيها منذ ذلك الحين في سلام.وهم أيضا ينقسمون الى طوائف معظمهم من الأرثوذكس وفيهم الكاثوليك وغير ذلك. وهم عادة لهم نشاطهم وثقافتهم الأرمنية الخاصة ومن أشهر الشخصيات الأرمنية في العراق كولبنكيان الذي حصل من الباب العالي موافقة على التنقيب على النفط وأعطاه الى شركة النفط البريطانية التي سميت شركة نفط العراق فمنحته الشركة نسبة 5% من إرباحها وتم ذلك منذ عام 1927 حتى تأميم النفط العراقي في عام 1973، وكان يقدم مساعدات لدعم المؤسسات الثقافية في العراق. واشتهرت سارة خاتون في العهد العثماني الأخير في مساعدتها للأرمن، وكان من أملاكها منطقة كمب سارة قرب بغداد الجديدة ومن المتميزين عازفة البيانو ذات الشهرة العالمية بياتريس اوهانيسيان والأديب يعقوب سركيس وغيرهما.
البروتستانت والطوائف الغربية الآخرى: ونسبتهم لا تتعدى 1% من عدد المسيحيين في العراق وهم بصورة عامة ترشحوا من المذاهب والطوائف الأصلية في العراق.