إعادة المعمودية

جاء إلى الموقع هذا السؤال

نص السؤال:

 تمنع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية زواج طرف أرثوذكسي من طرف معمّد غير أرثوذكسي، وحتى يتم الزواج لا مفر من أن تعاد معمودية الطرف غير الارثوذكسي ليصبح أرثوذكسياً، وذلك برغم وجود اتفاقية "ليما" بين الكنائس الثلاث للقضاء علي ظاهرة إعادة المعمودية، والتي وقع عليها قداسة الأنبا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الارثوذكس. وبما أن المعمودية هي أحد أسرار الكنيسة السبعة، وبها يصبح الشخص مسيحياً فهل يعني عدم الاعتراف بها أن هذا الشخص "كافر"، وهل إعادة المعمودية هو عدم اعتراف "بمسيحية" الطائفة الأخرى؟؟؟

 

الإجابة:

قبل الدخول في هذه الدراسة أؤكد أن هذا الموضوع يأتي في إطار الإجابة على السؤال السابق. وهو دراسة فردية، غير رسمية، ولا تمثل رأي الكنيسة الكاثوليكية الرسمي، وتهدف فقط للمساعدة على فهم الأمر وأبعاده المختلفة. وأتمنى في المستقبل تعميق هذه الدراسة لتساعد في تقارب الكنائس وتحقيق صلاة المسيح: "ليكونوا واحدا"… وقد اعتمدت على كتاب الأسرار للمطران كيرلس سليم بسترس وعلى عدد كبير من المراجع والمواقع (أنظر المراجع أسفل)….

 

أولاً: مقدمة عن الأسرار التي لا تمحى:

هناك ثلاثة أسرار، المعمودية والميرون والكهنوت، لا تعطى للمؤمن إلاّ مرّة واحدة في حياته. وهذا تقليد جرت عليه الكنيسة منذ نشأتها.

لا شك أنّ هناك نقاشًا قد حصل في القرن الثالث حول إعادة تعميد المهتدين من البدع إلى الكنيسة الكاثوليكية. ولكنّ هذا النقاش لم يدم طويلاً، وأعلنت الكنيسة أنّ من اعتمد في إحدى البدع معمودية صحيحة، أي "باسم الآب والابن والروح القدس" في كنيسة تؤمن إيمَانًا صحيحاً بالثالوث الأقدس، لا تعاد معموديته متى عاد إلى حضن الكنيسة الجامعة.

هذا التقليد القديم عبّر عنه اللاهوت المسيحي بقوله إنّ هذه الأسرار الثلاثة تمنح من يقبلها وسمًا لا يمحى…. والوسم الذي تمنحه الأسرار الثلاثة هو علامة اختيار للمسيح بالنسبة الى الشخص الذي يقبل هذه الأسرار اختيارًا لا عودة عنه. فالله هو الذي يبادر البشر بالمحبة والنعمة ويقطع معهم عهدًا أبديًا. ولو ابتعدوا عنه فإنّه يبقى أمينًا للعهد الذي قطعه معهم.

هكذا بالمعمودية والميرون يتبنّى الله الإنسان ويشركه في موت المسيح وقيامته ويمنحه روحه القدّوس. وإن خطى الإنسان وجحد إيمَانه وغادر البيت الأبوي كما فعل الابن الشاطر، فالله يظلّ يعتبره ابنًا له، ولا حاجة لإعادة معموديته لدى عودته.

وكذلك في سرّ الكهنوت يختار الله شخصاً ويشركه في كهنوت المسيح. ويظلّ هذا الاختيار ثابتًا من تقلّب الكاهن في الخطيئة وأهمل واجبات خدمته الكهنوتية. وحتى إعادة الكاهن إلى الحالة العلمانية فإنّها، في تقليد الكنيسة، لا تزيل عن الكاهن الوسم الكهنوتي، بل توقفه عن ممارسة المهامّ المتعلّقة بسر الخدمة الكهنوتية. وإذا ما عاد إلى الحياة الكهنوتيّة، فلا تمنح له من جديد السيامة الكهنوتية.

سر المعمودية خاصة

الإنسان الذي ينال سرّ المعمودية يحصل شخصيًا على الخلاص، ويدخل أيضاً في كنيسة، ويصير عضوًا في جماعة قد حصلت هي أيضاً على الخلاص. وهو يتّحد بالمسيح رأس الكنيسة وبجميع المسيحيين أعضاء جسده معًا. وسرّ المعمودية الذي يعبّر عن الخلاص الجماعي يحقّق أيضاً هذا الخلاص، إذ يسهم في بناء جسد المسيح على مدى الزمن.

وغريغوريوس النزينزي يرى في المعمودية "ختم الروح". ويوضح "أنّ هذا الختم يحمي ويعني ملكية الله المطلقة". إنّه علامة تشير إلى أنّ المعتمد أصبح خاصة الله.

والختم هو أيضاً ختم صورة المسيح أو صورة الروح أو صورة الثالوث في نفس المعتمد. ففي صلاة تقديس المياه في إفخولوجيون سيرابيون الذي كُتب في مصر في القرن الرابع، نقرأ العبارة التالية: "هب لجميع الذين سيولدون من جديد أن يكونوا على صورة جمالك الإلهي الفائق الوصف، وأن يخلصوا ويصيروا أهلاً لملكوتك".

ويوحنا الدمشقي في تعليق له على أفسس 1: 13 يقول: "أنتم أيضاً، بحسب قول الرسول، من عِداد أولئك الذين سبق الله فاصطفاهم، أنتم الذين اتحدوا بالمسيح بالطاعة، بالإيمان برسالته، وبالختم الذي يختم الإيمان، والذي هو مشابهة المسيح بالاشتراك في الروح القدس".

فالختم هو تعبير رمزي للإشارة إلى الصورة الجديدة التي يلتزم المسيحي أن يحملها طول حياته في كيانه وفي أعماله، ويحرص على ألاّ يشوِّهها بالخطيئة.

وهذا الختم هو علامة قبول الله لنا قبولاً نهائياً لا عودة عنه. لذلك كل معمودية تتمّ بشكل صحيح، أي بالماء و"باسم الآب والابن والروح القدس"، لا يجوز أن تُعاد.

 

ثانياً: المعمودية والكنائس المتعدّدة

المعمودية تدخل المسيحيَ الكنيسةَ جسد المسيح. والكنيسة "واحدة، جامعة، مقدّسة، رسولية"، كما نعترف في قانون الإيمان، ولكنّها في الواقع منقسمة إلى كنائس متعدّدة، كاثوليكية وأرثوذكسية وبروتستنتية على أنواعها، تعتبر كل منها ذاتها "الكنيسة الحقيقية"، حافظة "الإيمان القويم". فالمعمودية في الواقع هي (أيضاُ) انضمام إلى إحدى تلك الكنائس. فإذا انتقل مسيحي إلى كنيسة أخرى غير التي اعتمد فيها، فهل تعاد معموديته؟

 

أ) إعادة المعمودية في القرون الأولى

طُرح هذا الموضوع في القرون الأولى للمسيحية، أوّلاً في رومة، ثمّ في شمالي أفريقيا بين كبريانوس أسقف قرطاجة واسطفانوس أسقف رومة.

فالاضطهادات التي كانت تصيب المسيحيين جعلت الكثيرين منهم يجحدون إيمانهم خوفًا من التعذيب والموت، ويقدّمون ذبائح لآلهة الوثنيين أو يشترون شهادات تفيد بأنّهم قدّموا ذبائح؛ ولدى انقطاع الاضطهادات كانوا يطلبون قبولهم من جديد في حضن الكنيسة.

كان أساقفة رومة يقفون من هؤلاء المسيحيين موقفًا متسامحًا، فيفرضون عليهم التوبة ووقت امتحان ثمّ يقبلونهم لسرّ الإفخارستيا. هكذا فعل البابا كالستوس (217- 222) ومن بعده البابا كرنيليوس (251- 253). وقد قاوم هذا الموقفَ بعض المتشدِّدين من أمثال الكاهن هيبوليتوس الذي حمل حملة عنيفة على البابا كالستوس، والكاهن نوفاسيانوس الذي قاوم الباباكرنيليوس في الموضوع عينه. ومن تعاليم نوفاسيانوس نشأت بدعة "الأطهار" الذين كانوا يرفضون أن يُقبَل من جديد في الكنيسة مسيحي جحد إيمانه أو اقترف خطيئة ثقيلة، وينكرون صحة الأسرار التي يمنحها كاهن غير "طاهر".

أمّا موقف الكنيسة الكاثوليكية فكان التسامح اقتداء بالسيّد المسيح الذي أن قبل توبة الخطأة وطلب ألاّ يُقلعَ الزؤان من حقل القمح (متى 13:24-30).

وفي شمالي أفريقيا وقف كبريانوس أسقف قرطاجة الموقف عينه الذي وقفه أساقفة رومة، فقاومه دوناتوس وأنشأ كنيسة مستقلّة عُرفت في ما بعد ببدعة "الدوناتيين". ومن ممارسات هؤلاء المبتدعين إعادة معمودية الكاثوليكيين الذين كانوا ينتقلون إليهم، لاعتقادهم أنّ المعمودية غير صحيحة في كنيسة تتساهل مع الخطأة وجاحدي الإيمان. وفي مقابل ذلك راح كبريانوس والكاثوليكيون يعيدون هم أيضاً معمودية الدوناتيين الذين كانوا يأتون إليهم.

وفي هذا الموضوع الأخير حصل جدال عنيف بين كبريانوس والبابا اسطفانوس أسقف رومة الذي أكّد بشدّة صحّة معمودية الدوناتيين، وطلب من كبريانوس العدول عن إعادة معموديتهم. إلاّ أنّ كنيسة شمالي أفريقيا بقيت على موقفها، ولم يحسم الخلاف بين الموقفين إلاّ سنة 314 في مجمع "أرل" وبعد وفاة أهم المتخاصمين.

 وقد قرّر المجمع ما يلي: "بالنسبة إلى الأفريقيين الذين يتبعون شريعتهم الخاصّة بإعادة المعمودية، رأى المجمع أنّه إن قدم أحد من الهرطقة إلى الكنيسة، يُسأَل عن قانون الإيمان الذي تعمّد فيه، فإن بدا واضحًا أنّه تعمّد في الآب والابن والروح القدس، يُكتفى بأن توضع عليه الأيدي لينال الروح القدس. أمّا إذا لم يستطع الإجابة عن الثالوث، فتُعاد معموديّتُه".

احتدم النقاش من جديد بين الدوناتيين والقديس أغوسطينوس، الذي أظهر أنّ صحّة العماد غير مرتبطة بقداسة الكاهن الذي يمنح السرّ، بل بالسلطة التي منحه المسيح لكنيسته. فالكاهن لا يعمّد باسمه الخاص، بل باسم الكنيسة، والكنيسة لا تعمد باسمها الخاص بل تعمّد باسم المسيح: "أبطرس عمّد أم بولس أم يهوذا، فالمسيح هو الذي يعمّد". والأمر الوحيد المطلوب من خادم السرّ هو احترام قوانين الكنيسة في منح السرّ.

وسنة 325 أقرّ المجمع المسكونيّ الأوّل في القانون 8 صحّة عماد النوفاتيين وكهنوتهم، وهم "الذين يسمّون أنفسهم أطهارًا، إذا عادوا إلى الكنيسة الجامعة الرسولية"؛ ولكنّه في القانون 19 طلب إعادة معمودية "أتباع بولس السميساطي اللاجئين الى الكنيسة الجامعة". إنّ القدّيس أثناسيوس الاسكندري الذي كان له دور هام في المجمع، وكان بعد شماسًا إنجيليًا، يفسّر هذا القرار بقوله إنّ أتباع بولس السميساطي كانوا يمنحون المعمودية حسب الصيغة الكنسية الصحيحة، إلاّ أنّ إيمانهم بالثالوث الأقدس كان خاطئًا: "فهم لا يعترفون بالآب الحقيقي، إذ ينكرون الذي وُلد منه وله جوهر مماثل؟ وينكرون أيضاً الابن الحقيقي؛ إذ يسمّون ابنًا آخر مؤكّدين أنّه مخلوق من العدم. فكيف إذن لا تكون المعمودية التي يمنحونها فارغة وباطلة؟ وكذلك القول عن أتباع آريوس. فإنّهم وإن حافظوا على قول الكتاب المقدّس ولفظوا أسماء (الآب والابن والروح القدس)، إلاّ أنّهم يخدعون من ينال منهم المعمودية… لأن من ينال المعمودية باسم من ليس بشيء لا ينال شيئًا، بل يتّحد بالخليقة ولا ينال منها أيّ عون".

وسنة 381 أقرّ المجمع المسكوني الثاني أن تعاد معمودية الآتين من بعض البدع كأتباع بولس السميساطي، و"أتباع افنوميوس الّذين يعمّدون بغطسة واحدة، والصابيليين الذين يعلّمون أنّ الآب هو نفسه الابن". أمّا سائر المبتدعين من "آريوسيين وتبّاع مكدونيوس… والذين يدعون أنفسهم أطهارًا والأَبوليناريين، فيُقبَلون بعد أن يعطوا صكًا برفضهم ضلالاتهم ولعنهم كلّ بدعة لا تتّفق مع تعليم كنيسة الله الجامعة المقدّسة الرسولية، ومن ثمّ يُختَمون ويُمسَحون بالزيت المقدّس".

وكذلك المجمع المنعقد في القسطنطينية سنة 691، أعاد هذا التمييز بين البدع التي تُعتبَر المعمودية فيها صحيحة وتلك التي تعتبر المعمودية فيها باطلة. وأضاف أنّ "النساطرة وأتباع افتيخيوس وأتباع ديوسقوروس وساويروس… يجب على كل منهم أن يقدّم صكًا مكتوبًا يرفض فيه بدعته، وبذلك يصيرون أهلاً لتناول سرّ الشركة المقدّس".

من هذا نستخلص أنّ المعمودية باطلة في الجماعات التي لا تؤمن الإيمان الصحيح في الثالوث الأقدس، أو التي لا تعمد باسم الآب والابن والروح القدس، أو التي لا تعمد بالماء، ويجب إعادة معمودية الذين ينتقلون منها إلى الكنيسة الكاثوليكية. أمّا الكنائس التي تعترف بالثالوث الأقدس، فمهما اختلفت في سائر المواضيع، تبقى المعمودية فيها صحيحة، ولا تعاد معمودية من ينتقل من إحدى هذه الكنائس إلى كنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، بل وأن الكنيسة الكاثوليكية تقبل عماد الذين تعمدوا في إحدى الجماعات البروتستانتية ماداموا قد تعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس وبالماء الجاري.

 

ب- المعمودية والحركة المسكونية مع الكنائس والجماعات الأخرى

تعتبر القاعدة المذكورة أعلى هي القانون العام الذي تسير عليه معظم الكنائس المسيحية اليوم إذ تعترف بالمعمودية التي تُمنَح في الكنائس الأخرى التي تعمّد "باسم الآب والابن والروح القدس" وتؤمن الإيمان الصحيح بالثالوث الأقدس.

لقد أوضحت الكنيسة الكاثوليكية معتقدها في هذا الموضوع في المجمع الفاتيكاني الثاني في المرسوم "في الحركة المسكونية" (1964). يقول المرسوم في الرقم 3: "في كنيسة الله هذه الواحدة الوحيدة ظهر منذ البدء بعض انقسامات (1 كور 12: 18- 19؛ غلا 1: 6- 9؛ 1 يو 2: 18- 19) استنكرها الرسول بشدّة كأمر يستوجب الشجب (كو 1: 11 وما بعده؛ 11: 12)، وفي غضون القرون اللاحقة وقعت انشقاقات أشدّ خطورة، وانفصلت كنائس ذات بال عن شركة الكنيسة الكاثوليكية التامَّة بذنب أفراد أحيانًا من هذا الفريق أو ذاك. بيد أنّ الذين يولدون اليوم في حضن تلك الكنائس ويحيون من الإيمان بالمسيح لا يمكن أن يطالبوا بخطيئة انفصال، لذلك تشملهم الكنيسة الكاثوليكية بالاحترام الأخوي والمحبّة، إذ إنّ الذين يؤمنون بالمسيح وقبلوا المعمودية قبولاً صحيحًا هم على الشركة وإن غير كاملة، مع الكنيسة الكاثوليكية. ولا جرم أنّ ما بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية من اختلافات متنوعة في قضايا عقائدية، وأحيانًا نظاميّة، أو في شأن بنية الكنيسة، يكوّن عددًا من العقبات هي أحيانًا خطيرة جدًّا في طريق الشركة الكنسيّة الكاملة، بيد أنّ الحركة المسكونيّة ترمي الى تذليلها. ولكنّهم لما كانوا قد بُرّروا بالإيمان الذي نالوه في المعمودية، وصاروا به أعضاء لجسد المسيح، فإنهم بحقّ يحملون الاسم المسيحي، وبحقّ يرى فيم أبناء الكنيسة الكاثوليكية إخوة في الرب".

إنّ ما يجعل المسيحي مسيحيًّا إنّما هو رباطه بالمسيح وبالثالوث الأقدس، أي بالمسيح الذي هو الابن الذي أظهر لنا الآب ومنحنا الروح القدس، وذلك بواسطة اعتماده "باسم الآب والابن والروح القدس". فما يجمع المسيحيين إذن أهمّ بكثير ممّا يفرّقهم. إنّهم حقًّا، رغم انقساماتهم وخلافاتهم، أعضاء في جسد واحد وإخوة في كنيسة واحدة.

يقول هانس كونج في تعليقه على هذا النصّ: "إذا كانت هذه الكنائس تعمّد عمادًا صحيحًا باسم المسيح، إلى أيّ كنيسة ينضمّ هؤلاء المعتمدون إلاّ إلى كنيسته، الكنيسة الواحدة، والى أي جسد، إلاّ إلى جسده، جسد المسيح الواحد".

وكذلك نقرأ التعليق التالي للأب "بوتلر":"عندما نلتقي إنسانًا معمّدًا غير كاثوليكي لا نلتقي فقط أخانا، ولا نلتقي فقط ابنًا للكنيسة، بل نلتقي، على نحوٍ ما، الكنيسة الحاضرة والناشطة التي تتجاوز الحدود المرئية للشركة الكاملة".

ويرى المجمع الفاتيكاني في المعمودية بعدين متكاملين: الولادة الجديدة للاشتراك في حياة الله، والرباط السرّي للوحدة القائمة بين المسيحيين: "إنّ سر المعموديّة، إذا ما أُعطي بوجه صحيح وقُبل بالاستعدادات الباطنة اللازمة، يضمّ الإنسان حقًّا الى جسد المسيح المصلوب والممجّد، ويلده ميلادًا ثانيًا للاشتراك في الحياة الإلهيّة كما يقول الرسول: "لقد دُفنتم معه بالمعمودية وأُقمتم معه لأنّكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات" (كو 2: 12؛ رو 6: 4). فالمعمودية هي الرباط السرّي للوحدة القائمة بين الذين وُلدوا بها ثانية. غير أنَّ المعمودية ليست من ذاتها إلاّ البداية ونقطة الانطلاق، لأنّها تهدف بكليّتها الى بلوغ ملء الحياة في المسيح. فغايتها الاعتراف الكامل بالإيمان، والولوج الكامل في تدبير الخلاص كما أراده المسيح، والانتظام الكامل أخيرًا في الشركة الافخارستيّة" (في الحركة المسكونية، 22).

 

ثالثاً: مشكلة إعادة معمودية الكاثوليك:

يعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الشائكة والتي تحتاج لأن تدرس على ضوء الكتاب المقدس والإيمان المسيحي القويم وتعاليم المجامع المقدسة. وذلك لأن إعادة معمودية من تعمّد في كنيسة من الكنائس الرسولية المقدسة هو أمر حديث لم يكن مطروحا بهذه القوة إلا في العقود الأخيرة.

 

وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر من حيث أنه :

 

1-    يتعارض مع الكتاب المقدس:

     ففي الرسالة إلى العبرانيين: "لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى؛ وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب6: 4-6) لا يمكن تجديدهم للتوبة، بمعنى لا يمكن إعادة معموديتهم، فهناك وسائل أخرى للتوبة غير المعمودية..

 

     يقول الرسول بولس "إيمان واحد، رب واحد ، معمودية واحدة" (اف 4: 5).

 

      [غل3: 26ـ29] "لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" حيث أن المعمودية تعتبر ميلادا جديدا من الله، إذن فهي تعطي بنوة جديدة أي يصبح المعتمد ابنا لله.

 

     [تي3: 5ـ7] "خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح ومخلصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية"…

 

     [1بط1: 3و4] "ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لأجلكم"

     وخلاصة القول هو أن المعمودية تؤهل الإنسان للدخول إلى الحياة الأبدية، كما قال الرب يسوع المسيح "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5: 5) وتجعل من المعمد أبنا لله ووارثا للملكوت… والبنوة هي عطية إلهية لا رجعة فيها لأن الله لا يعود في عطاياه

 

2-     يتعارض مع التقليد المقدس والمجامع المسكونية:

 

     "ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا": في قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني (الذي يوحد جميع المسيحيين باختلاف طوائفهم) أعلن الآباء إيمان الكنيسة بمعمودية تُمنَح مرّة واحدة لمغفرة الخطايا. وقد ختم هذا الإعلان الرسمي تقليداً في الكنيسة يعود إلى الزمن الرسولي. فالرسل كانوا يعمّدون، بأمر من السيّد المسيح نفسه، في أثناء حياته ومن بعد قيامته.

     يذكر إنجيل متى أنّ السيّد المسيح، من بعد قيامته، تراءى لرسله وأوصاهم أن يتابعوا رسالته بتعليم جميع الأمم وتعميدهم: "لقد دُفع إليّ كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض. فاذهبوا، وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وهاأنذا معكم كلّ الأيّام، إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 18– 20). وهذا ما فعله الرسل منذ حلول الروح القدس عليهم يوم العنصرة، كما جاء في سفر أعمال الرسل. فبعد أن خطب بطرس والأحد عشر في الشعب مبشرين بقيامة المسيح وشاهدين لها، "انصدعت قلوب الشعب، وقالوا لبطرس وسائر الرسل: ماذا علينا أن نصنع أيّها الرجال الإخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة خطاياكم، فتنالوا موهبة الروح القدس. فاعتمد الذين قبلوا كلامه، وانضمّ الى الكنيسة في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس" (أع 2: 37- 41). ولهذا تستند المعمودية المسيحية إلى وصية السيّد المسيح والى ممارسة الرسل في بشارتهم بالمسيح.

     مجمع نيقية ، المجمع المسكوني الأول: بما أن مجمع قرطاجنة قد تسبب في تصدع في العلاقة بين الغرب الذي يرى وجود عدم إعادة معمودية الهراطقة (أستفانوس أسقف روما 253 – 257) والشرق الذي يرى وجوب اعادة المعمودية (كبريانوس – مجمع قرطاجنة سنة 257 م وحضره 118 أسقفاً أفريقيا) مما دفع بابا روما، حفاظا على الايمان القويم، بتلويح بعقوبة الحرم الكنسي للبابا كبريانوس ومن معه من الأساقفة أن لم يمتنعوا عن إعادة تعميد الهراطقة عند عودتهم للمسيحية .

وقد أقر مجمع نيقية المسكوني المقدس "عدم إعادة المعمودية"…

 

3-    يتعارض مع الإيمان المسيحي بسر المعمودية:

 

المعمودية هي باب الأسرار المقدسة السبعة، وهي مدخل الإيمان المسيحي، فالإنسان لكي يكون مسيحيا يجب أن يقبل سر العماد. وإيماننا القويم يؤكد لنا أن الذي اعتمد مرة لا يمكن أن يعاد معموديته حتى وإن أنكر المسيح، فعندما يتوب لا تعاد معموديته، بل يكتفي بالاعتراف والتناول. وذلك للأسباب الأتية: 

[1] لأن المعمودية ولادة روحية، فلا يجب أن يولد الإنسان روحيا مرتين، كما هو الحال في الولادة الجسدية.

[2] كان الختان رمز المعمودية، وهو لم يكن يحدث إلا مرة واحدة.

[3] لأنها موت ودفن وقيامة مع المسيح وهذه كلها لم تحدث سوى مرة واحدة للمسيح.

من هذا يتضح لنا أن المعمودية لا يمكن إعادتها ثانية لأن المعمودية دفن: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة " (رو6: 3ـ5).

وفي كل تقليد الكنيسة العريق لم تعاد معمودية من قبل المعمودية، لأن المعمودية هي دفن مع المسيح وقيامة معه، والمسيح دفن مرة واحدة وقام مرة واحدة: "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه" (كو2: 12).

 

4- يتعارض مع تعليم آباء الكنيسة الجامعة (شرقا وغربا):

يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفم أن من أساسيات الحياة المسيحية أن يتقبل الإنسان الدفن مع السيد المسيح في المعمودية لينعم بالقيامة معه، أي ينال الحياة الجديدة في المسيح يسوع (رو ٦: ٤)، وينعم بحلول الروح القدس عليه خلال وضع الأيدي لتقديس النفس والجسد معًا ليصير الإنسان هيكلاً مقدسًا.

"لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا (نالوا سرّ الاستنارة أي العماد) مَرَّةً،

وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،

وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي،

الحياة الجديدة السماوية وَسَقَطُوا،

لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا (أي أعادة المعمودية كسر التجديد) لِلتَّوْبَةِ،

إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ" [٤-٦].

هذا التفسير قدمه لنا القديس يوحنا الذهبي الفم مؤكدًا أنه يستحيل إعادة معمودية الراجعين إلى الإيمان بعد ارتدادهم، كما يقول: [لقد منعهم (من إعادة المعمودية) بقوله "لا يمكن" فإنه لا يمكن ممارسة ما هو مستحيل! يقول إن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية أي نالوا المغفرة وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة متحدثًا هنا عن التعليم، وقوات الدهر الآتي – ما هي القوات التي يتحدث عنها؟ إنها صنع المعجزات أو غيرة الروح (٢ كو ١: ٢٢) – وسقطوا يستحيل تجديدهم أيضًا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه… لا يعني هذا استبعاد التوبة، حاشا! إنما استبعاد (إعادة) التجديد بواسطة الجرن، إذ لم يقل "لا يمكن (يستحيل)" بخصوص التجديد بالتوبة، وإنما أكمل قائلاً: "يستحيل… إذ هم يصلبون ابن الله ثانية". فكلمة "التجديد" هنا، أي "يجعله جديدًا" أي "يجعل الإنسان جديدًا" إنما هو من عمل الجرن وحده، إذ قيل "يجدد مثل النسر شبابك" (مز ١٠٣: ٥)، أما التوبة فتعمل في الذين تجددوا لكن بالخطايا صاروا قدامى، فتحررهم من هذا القِدَم ليصيروا أقوياء.]

يؤكد القديس ذاته أن الرسول يتحدث عن إعادة المعمودية مدللاً بقول الرسول "إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه"، لأن المعمودية هي صلب مع السيد المسيح، وإعادتها إنما تعني تكرار صلبه فنكون كمن يشهر به.

والبابا القديس ديونيسيوس الرابع عشر، الذي لقبه القديس أثناسيوس حامي الإيمان، بلقب: "معلم الكنيسة الجامعة" كما دُعي "ديونيسيوس الكبير" بسبب ما عاناه من ضيقات محتملاً ذلك في شجاعة وثبات، ولغيرته على الكنيسة. وقد كان البابا ديونيسيوس في نهاية كل اضطهاد يواجه مشكلة المرتدّين. فكان يضمهم، ويمنع إعادة معمودية حتى الهراطقة أو المنشقين الراجعين.

والبابا يراقلاس أو ياروكلاس الثالث عشر: من أعمال هذا البابا الجليل أيضًا ليس اجتذاب الكثير من الوثنيين فحسب، بل اجتذب الجاحدين وعلمهم طريق الخلاص بالتوبة وقبلهم دون إعادة المعمودية مرة أخرى، بالاعتراف والتوبة الصادقة الحارة المعلنة جهارًا يطلبون فيها العفو، متوسلين توسلاً عظيمًا لرجوعهم إلى حضن أمهم الكنيسة المجيدة. فكان البابا ياروكلاس بهذا الأمر أبًا عطوفًا رحيمًا بأولاده الذين ضعفوا وسقطوا

ملحوظة: قد اعتمدنا في هذا الجزء على موسوعة الآباء الأرثوذكس (أنظر المراجع)

 

5- يتعارض مع قاعدة المحبة، الأساس التشريعي للإيمان المسيحي

يقول السيد المسيح: "إن ذهبت إلى الهيكل لتقدم ذبيحتك وهناك، عند المذبح، تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، اترك هناك ذبيحتك واذهب أولا وصالح أخيك ثم عد وقدم ذبيحتك"……. ويقول أيضا: "رحمة أريد لا ذبيحة"…. وكل هذا يؤكد أن الله يريد منا أولا المحبة والمصالحة ثم الذبيحة، فكل ذبيحة لا تنبع من مصالحة ومن محبة هي شعارات خارجية غير مقبولة من الله. وإعادة المعمودية هي جرح جديد لجسد المسيح السري، وكأننا نعود بالزمان إلى القول: "أنا لبولس وأنا لأبولس… فهل صلب بولس من أجلكم… "؟؟؟

 

وهنا استشهد بكلمات نيافة الأنبا بيشوي (مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري، ورئيس دير القديسة دميانة، وسكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر) الذي يقول: "المعمودية هي المدخل لباقي أسرار الكنيسة، فهي الباب الذي يبدأ به الإنسان الدخول إلى الكنيسة… فلا يمكن أن يمارس أي سر من هذه الأسرار الكنسية إلا عن طريق الدخول بالمعمودية التي تعطينا الحق أن ننال سر المسحة بالميرون.. وأن نمارس سر الاعتراف.. وأن نتناول من جسد الرب ودمه.. وننال سر مسحة المرضى.. وسر الزواج.. وسر الكهنوت..

ويحكي نيافة الأنبا بيشوي إحدى القصص المشهورة في التقليد القبطي ليؤكد استحالة إعادة المعمودية فيقول سوف نورد الآن قصة من تاريخ الكنيسة تؤكد أن المعمودية هى معمودية واحدة لا تتكرر (وهنا نستشهد حرفيا بكلمات نيافته):

يُذكر أنه فى عهد البابا بطرس خاتم الشهداء، أن أرادت زوجة أحد الوزراء فى أنطاكية أن تعمد ابنيها فى مصر. فأتت إلى مصر وبينما هي في الطريق هاج البحر جداً، وكادت السفينة أن تغرق، فخافت الأم على ولديها أن يموتا غرقاً بدون عماد, فقامت بنفسها بعمادهما وهى في السفينة على اسم الآب والابن والـروح – كانت من الممكن أن تعمدهم بأي ماء، أو حتى من لعاب فمها، أو بأي دم إذ أنها جرحت نفسها ورشمتهما بدمها– وعند وصولهم إلى الإسكندرية؛ وكان ذلك في يوم أحد التناصير، وكان قداسة البابا بطرس خاتم الشهداء (البطريرك السابع عشر) هو الذي يـقوم بالعماد في الكنيسة، وعندما قام قداسته بعمادهما؛ لاحظ أنه في كل مرة ينزل فيها أحد الطفلين إلى جرن المعمودية؛ يتجمد الماء. فتعجب قداسة البابا البطريرك؛ وسأل الأم عن قصـتها! فحكت له الأم ما حدث في الطريق، وكيف قامت بعماد طـفليها خوفاً عليهما من الغرق. فقال لها إن المعمودية لا تتكرر، ولم يعمدهما مرة أخرى. بل اكتفى برشمهما بسر المسحة المقدسة زيت الميرون المقدس. وهذه القصة توضح لنا أهمية وعظمة هذا السر، وأنها معمودية واحدة لا تتكرر..

http://fatherbassit.com/books/christ/tabsit_aliman/4.htm

 

رابعاً: التفسير القبطي الأرثوذكسي لإعادة المعمودية:

تعتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية : "إن الأسرار الكنسية الكاثوليكية صحيحة داخل الكنيسة الكاثوليكية وبما في ذالك سر العماد، والأسرار القبطية الأرثوذكسية صحيحة داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولكن لكي يدخل شخصا للكنيسة يجب أن يدخل من الباب، ولأن باب الأسرار هو المعمودية، فعليه أن يقبل من جديد سر المعمودية بحسب الإيمان الأرثوذكسي إن أراد الدخول إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية".

 

وبناءا على كل ما ذكر نطرح بعض الأسئلة:

1- هل المعمودية دخول إلى الإيمان المسيحي أم مجرد دخول إلى كنيسة معيّنة؟ وهل نحن نقبل المعمودية باسم كنيسة أم باسم الثالوث القدوس؟

2- لماذا لا تقوم بقية الكنائس الأرثوذكسية بنفس الشيء؟ علما بأن الكنائس الأرثوذكسية في العالم تصل لحوالي ال 26 كنيسة لكل منها رأستها الكنسية المستقلة، وهي كنائس تقبل عماد الكنائس الأخرى….

3- وهل تعاد معمودية الأرثوذكس الخلقودنيين، أي الذين قبلوا مجمع خلقدونيا …..؟ فهم أيضا لا يشتركون في نفس العقائد القبطية الأرثوذكسية غير الخلقودونية؟؟؟؟

4- ولماذا لم تُعيد الكنيسة الأرثوذكسية معمودية الكاثوليك سوى في العصر الحديث؟ فهل الموضوع تصحيح لخطأ أم تخطيء لصحيح؟؟؟

5- هل إعادة المعمودية تقرب المسيحيين أم تزيد جرح الاختلاف وتغذي روح التعصب؟

6- إن كان تاريخ الكنيسة، وتعليم الآباء والمجامع وقبل كل شيء الكتاب المقدس يؤكد عدم إعادة المعمودية، فكيف لنا اليوم أن نقول عكس هذا؟

 

الخلاصة

وبالتالي، وإجابة على السؤال الذي جاء للموقع، فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية عندما تعيد المعمودية لا تعتبر، بحسب ما تقول، أن غير الأرثوذكسي "كافر أو ليس مسيحي" بل أن أي شخص يريد أن يعتنق الإيمان القبطي الأرثوذكسي عليه قبول العماد القبطي الأرثوذكسي كمدخل طبيعي للكنيسة ولقبول بقية الأسرار الأخرى…

ومن ثمّ يتضح أنه من ناحية تؤكد صحة المعمودية في الكنائس الأخرى بالنسبة للكنائس الأخرى، لاسيما وإن كان الأمر يتعلق بالكاثوليك الذين يتبعون الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية، والذين يصل عددهم إلى أكثر من مليار ومائتين مليون مؤمناً، وبالطبع لا يستطيع اعتبارهم غير معمدين لأن الأمر سيكون هزليا لا يقبله عاقل. ومن ناحية أخر تعيد معمودية من  يريد الزواج أو حتى ممارسة الأسرار لديها مفسرة ذلك بأن باب الدخول للكنيسة هو المعمودية…

وهنا نؤكد أن البعض يقول أن الأمر ليس عقائديا بل تنظيميا، فخوف الكنيسة على أبنائها ورغبتها في حمايتهم يدفعها لبعض الإجراءات التي قد تبدو صعبة الفهم بهدف حمايتهم.

أما البعض الأخر فيرجع الأمر لأسباب تاريخية عقائدية معللا إياه بأن الكنيسة القبطية تنطلق من أنها لا تقبل بعض العقائد الكاثوليكية التي جاءت بعد الانشقاق عن الكنيسة الجامعة الغربية، وعدم قبولها لبعض هذه العقائد يجعلها لا تشترك اشتراكا كاملا في نفس الإيمان، وبالتالي تعترف بصحة الأسرار المقدسة (بما في ذلك المعمودية) داخل الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تفرض على من يدخلها أن يقبل إيمانها هي، وبالتالي أن يدخل من الباب، أي من المعمودية.

وبما أن الأمر يعود فقط لحكمة وقداسة الكنيسة والقائمين عليها في قراءة التاريخ وتأكيد العقيدة الصحيحة نطلب من الجميع الصلاة الحارة من أجل أن يقرب الرب القلوب والعقول "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًا لبعض" (يوحنا 13: 34-35)

 

المـــــراجع

موسوعة آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: http://popekirillos.net/ar/fathersdictionary/read.php?id=1871

http://www.sakhra.org/vb/showthread.php?t=10071

http://www.arabchurch.com/newtestament_tafser/ebranin6.htm

قاموس اباء الكنيسة: http://popekirillos.net/ar/fathersdictionary/read.php?id=967

http://www.masi7i.com/index.pl/coptic_history?wid=590&func=viewSubmission&sid=385

–  موسوعة عصر المجامع – بقلم القمص كيرلس الأنطونى – تعليق وتنسيق دياكون د/ ميخائيل مكس إسكندر – وإشراف نيافة الأنبا متؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر – مكتبة المحبة 2002 م ص 27 -29

– رسالة 72 كبرياتنوس أسقف قرطاجنة

 تــــاريخ الكنيسة – يوسابيوس القيصرى (264 – 340 م ) – تعريب القمص مرقس داود – رقم الإيداع بدار الكتب 5207 / 1979 – مطبعة القاهرة الحديثة للطباعة أحمد بهى الدين الخربوطلى الكتاب السابع الفصل الثانى

كتاب الأسرار للمطران كيرلس سليم بسترس : http://www.coptcatholic.org/section.php?id=3375

http://www.alanbamarcos.com/AnbaMarcos_ar/colledgebooks/booksmenu.asp?book=0301