كيف تعامل السيد المسيح مع الحاكم بسم الله (14)

كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه؟

دراسة في انجيل متى

 

}  عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد{ (1تي  3 :  16)، }  و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا. { (يو  1 :  14)، وشابهنا في كل شيء}  لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس { (في  2 :  7). وتعامل وتواصل مع شخصيات عديدة، منها من كان ذا وجهة نظر مغايرة، او كان ذا قلب غير مستقيم، أو طبع شرير أو متهور او حسود أو مجرِّب …الخ. في الواقع، كل منا، خلال احداث حياته اليومية، عاش ويعيش هذه اللقاءات مع المختلفين عنه! لنترك للمسيح نفسه فرصة تدريبنا على حسن التعامل مع الآخر ولا سيما المختلف   } قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا  { (لو  11 :  1)

 

 

( 14 )

كيف تعامل السيد المسيح مع الحاكم بسم الله

 

«في ذلك الوَقْتِ مَرَّ يسوعُ في السَّبْتِ مِن بَينِ الزُّروع، فجاعَ تَلاميذُه، فأَخذوا يَقلَعونَ السُّنبُلَ ويَأكُلون. فرآهُمُ الفِرِّيسيُّونَ فقالوا لَه: ((ها إِنَّ تَلاميذَك يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ فِعلُه في السَّبْت (( فقالَ لَهم: ((أَما قَرأتُم ما فَعَل داودُ حينَ جاعَ هوَ والَّذينَ معَه؟ كيف دَخَلَ بَيتَ الله، وكيفَ أَكلوا الخُبز المُقدَّس، وأَكْلُه لا يَحِلُّ له ولا لِلَّذينَ معه، بل لِلكَهَنةِ وَحدَهم؟ أَوَما قَرأتُم في الشَّريعَةِ أَنَّ الكَهَنَةَ في السَّبتِ يَستَبيحونَ حُرمَةَ السَّبْتِ في الهَيكَلِ ولا ذَنْبَ علَيهم؟ فأَقولُ لكم إِنَّ هَهُنا أَعظَمَ مِنَ الهَيكَل. وَلو فَهِمتُم مَعنى هذهِ الآية: إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة، لَما حَكَمتُم على مَن لا ذَنْبَ علَيهِم. فَابنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبْت » (مت 12 / 1 – 8 )

 

من هو « الحاكم بسم الله »؟

الحاكم بسم الله  هو مَنْ يعتقد أنه يعرف  ما هو حلال وما هو حرام ، ما يحل فعله وما لا يحل! فيحكم بسم الله على أفعال الاخرين: «يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ فِعلُه في السَّبْت».

قال الفريسيون ليسوع : «ها إِنَّ تَلاميذَك يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ فِعلُه في السَّبْت» ما عاشه الفريسيون في هذا الموقف عاشه آدم وحواء «فقالتِ الحيَةُ لِلمَرأَة: " مَوتًا لا تَموتان، فاللهُ عالِمٌ أَنَّكُما في يَومِ تأكُلانِ مِنه تَنفَتِحُ أَعيُنُكُما وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ". ورَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ طَيِّبَةٌ لِلأَكْلِ ومُتعَةٌ لِلعُيون وأَنَّ الشَّجَرَةَ مُنْيَةٌ لِلتَّعَقُّل. فأَخَذَت مِن ثَمَرِها وأَكَلَت وأَعْطَت أَيضاً زَوجَها الَّذي مَعَها فأَكَل. فآنفَتَحَت أَعيُنُهما فعَرَفا أَنَّهما عُريانان. » تك3: 3-7

ظلت هذه التجربة (تجربة إمتلاك المعرفة رغبة في التأله) قابعة على مر الأجيال تأتي في أشكال متباينة وترتدي أقنعة مزيفة وأعتقد انها ستظل لصيقة بالانسان مادام الانسان حيا !! إمتلاك مايكفي المعرفة لحيازة حق التحريم والتكفير واللوم (وهو أضعف مستويات الادانة وان كان اكثرها انتشارا)

تكمن خطورة هذه التجربة في أنها توهم الإنسان« تَنفَتِحُ أَعيُنُكُما وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ» أنه يستطيع ان يجلس مكان الله الديان العادل، كلي المعرفة والحكمة، العارف خفايا القلوب لا ظواهر الوجوه ورنين الكلمات. « لأَنَّنا نَعرِفُ أَنَّ الشَّريعةَ لم تُسَنَّ لِلبارّ، بل لِلأَثَمَةِ العُصاة، لِلْكافِرينَ الخاطِئِين، لِمُستَبيحي المُحَرَّماتِ ومُدَنِّسيها، لِقاتِلي آبائِهِم وأُمَّهاتِهِم، لِسَفَّاكي الدِّماءِ» (2 بط 1: 9 )

 

الحكمة هي أعظم عطية يطلبها الانسان من الله «إِكْليلُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبِّ يُزهِرُ بِها السَّلامُ والعافِيَة» سي-1-18 في كُل ما يَقومُ به «وكانَ داوُدُ يَتَصَرَّفُ بِحِكمَةٍ في كُل ما يَقومُ به، وكانَ الرَّبّ معَه».  (1 صمو: 18: 14)   ولنا في هذا السياق سليمان الحكيم المثل الأجدر«وأَعْطى اللهُ سُلَيمان حِكمةً وفَهمًا واسِعًا جِدًّا ». (1 مل 5: 9)  والمؤمن يبني حكمته منذ حداثته على مخافة الله «رَأسُ الحَكمَةِ مَخافةُ الرَّبِّ تُخلَقُ في الرَّحِمِ لِلمُؤمِنين» سي-1-14؛ إذن الحكمة ليست هي القدرة على إصدار الاحكام وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ بل هي حياة التقوى أي مخافة الله.

تتسم معرفة الإنسان بالنقص وذلك لحدود فرضت عليه : عيشه في زمان محدد وأيام معدودة ولفترة محدودة وبعدها الموت! «أصْلُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبَ وفُروعُها طولُ الأيَّام» سي-1-20  ومكان محدد :« بل في المَكانِ الَّذي يَخْتارُه الرَّب إِلهُكَ لِيُحِلَّ فيه اسمَه تَذبَحُ الفِصْحَ في المساء، عِندَ مَغيبِ الشَّْمْس، في مِثْلِ الوَقتِ الَّذي خَرَجتَ فيه مِن مِصْر» تث-16-6

فالانسان دوما على الطريق يبحث عن المعرفة يقطع جيل مسافة من هذه الطريق ويأتي الجيل التالي ليقطع مسافة أخرى .

تتم السقطة متى أقنع إنسان نفسه بأنه وصل إلي نهاية الطريق وعرف المطلق « ورَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ طَيِّبَةٌ لِلأَكْلِ ومُتعَةٌ لِلعُيون وأَنَّ الشَّجَرَةَ مُنْيَةٌ لِلتَّعَقُّل » عندها دون أن ينتبه أوعن وعي سيرضى بأن يجلس مكان الله على العرش الإلهي ليدين العالم من منطلق معرفته «فأَخَذَت مِن ثَمَرِها وأَكَلَت وأَعْطَت أَيضاً زَوجَها الَّذي مَعَها فأَكَل».!! فيسهل عليه أن يصنف الناس بين خاطئ وبار ويحدد الأفعال بين محروم ومحلول «فقالَ لهم: تَعلَمونَ أَنَّه حَرامٌ على اليَهودِيِّ أَن يُعاشِرَ أَجنَبِيًّا أَو يَدخُلَ مَنزِلَه. أمَّا أَنا فقَد بَيَّنَ اللهُ لي أَنَّه لا يَنبغي أَن أَدعُوَ أَحَدًا مِن النَّاسِ نَجِسًا أَو دَنِسًا. » (كول 10: 28)  ولكن النتيجة الواقعية «فآنفَتَحَت أَعيُنُهما فعَرَفا أَنَّهما عُريانان»

هل معنى ذلك اننا لسنا بحاجة إلى الشريعة والنظم والقوانين ؟؟ بكل تاكيد نحن نحتاج كل ذلك ولذا اعطانا الله الشريعة ولكن القصد هنا لا تناول الشريعة بحد ذاتها بل مستخدميها الذين يجعلون منها سلّما لتألههم بدلا من كونها اداة تقديس الناس والمجتمع. لنتذكر كيف وصف الكتاب سليمان الحكيم«وأَعْطى اللهُ سُلَيمان حِكمةً وفَهمًا واسِعًا جِدًّا ورحابَةَ صَدرٍ كالرَّملِ الَّذي على شاطِئ البَحْر». (1 مل 5: 9) وكيف اوصى عزرا أن يقيم قضاة وحكاما ممن يعرفون شريعة الله ومن لا يعرف عليه ان يتعلم«وأَنتَ يا عَزْرا، بِحَسَبِ حِكمَةِ إلهِكَ الَّتي معَكَ، أَقِمْ قُضاةً وحُكَّاماً يَقْضونَ بَينَ كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في عِبرِ النَّهْرِ، مِن كُلِّ مَن يَعرِفُ شَريعَةَ إِلهِكَ، ومَن لا يَعرِفُها فعَلِّموه إِيَّاها».  عز 7: 25

 

كيف تعامل المسيح مع الحاكم بسم الله ؟

 

1- يفتح أعينهم ليكتشفوا عريهم

«أَما قَرأتُم ما فَعَل داودُ حينَ جاعَ هوَ والَّذينَ معَه؟»

2- يدعوهم الى استكمال معرفتهم الناقصة  

« أَوَما قَرأتُم في الشَّريعَةِ أَنَّ الكَهَنَةَ في السَّبتِ يَستَبيحونَ حُرمَةَ السَّبْتِ في الهَيكَلِ ولا ذَنْبَ علَيهم؟»

3- يحثهم إلى الفهم :

«وَلو فَهِمتُم مَعنى هذهِ الآية: إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة»

4- يعلن سيادة ابن الانسان على الشريعة :

«فَابنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبْت »

« حَيثُما دَخَلَ الاْعتِدادُ بِالنَّفْسِ دَخَلَ العار ومعَ المُتواضِعينَ الحِكمَة». ام-11-2

«كَمالُ الحِكمَةِ مَخافَةُ الرَّبِّ، وبِثمارِها تُسكِرُهم» سي-1-16