المسيحي والعمل السياسي

\"\"
ماجد جورج جبارة

بات واضحا أن عالمنا  المسيحي مليء بالمبادىء الدينية الكريمة التي تحض الإنسان على السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار، وتحقيق المثل الإنسانية، بسلوكياته كفرد في بوتقة الوطن، وبالتالي يكون ملتزما بانتمائه الوطني، لان هذا الانتماء هو جزء أساسي من الأيمان المسيحي، ويدونه لا يكون المسيحي مسيحيا، إن اغفل هذا الجانب؛ وجزّء هويتيه الدينية والوطنية.

 

فالمسيحي اليوم مدعو إلى تقديس العالم من خلال مسيرته العطرة وأخلاقه الكريمة، وكما تعمل الخميرة في العجين، هكذا مطلوب منه أن يكون في سيرته، ليتجلى المسيح للآخرين عبر شهادة حياته التي تشع بالأيمان والرجاء والمحبة.

 

إن هذا الدور يتطلب أولا من كل مسيحي مؤمن تجدداً روحياً وأخلاقيا وتغييراً جذرياً في الذهنية وفي النظرة إلى الأمور، ويجب أن يعطي المسيحيون المثل في حياتهم على أهمية التماسك بين الأيمان والحياة والإنجيل والثقافة، لأنهم ملح الأرض ونور العالم.

 

لا يمكن أن تكون للمسيحيين حياتان متوازيتان: أحداهما روحية بقيمها ومقتضياتها، وأخرى علمانية والتي لها قيم مضادة للأولى. وأي نشاط يقومون به في أي خدمة منهما، هو سبيل لممارسة متواصلة للأيمان والرجاء والمحبة.

ويبقى المعيار الأساس، وهو أن يستند المسيحيون في عملهم السياسي على المبادئ والقيم والفضائل المسيحية.

 

المسيحيون مدعوون أن يعملوا بهدي القيم الإنجيلية، ليخدموا كرامة الإنسان، ليدافعوا عن حقوقه، ليرفعوا صوتهم للتنديد بمظاهر الفساد السياسي والاجتماعي والعنف، وعندها يصبحون ضمير الأمة.

 

إن القيم الإنسانية والإنجيلية التي يتوجب على المؤمنين أن يشهدوا لها، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنشاط السياسي، وهي الحرية، العدالة، التضامن والتفاني الصادق في سبيل الخير العام.

 

وإن مسؤولية المسيحيين ومهمتهم الأساسية، "هي تطبيق قيم الإنجيل على الأحداث الواقعية"، كما تؤكد ذلك تفاسير الكتاب المقدس، خاصة وان السياسة هي واحدة من المواقع التي تسمح للإنسان أن يعيش دعوته ورسالته من خلال تجسيد العدالة والحرية والسلام والاعتراف بالآخر، بأفعال يومية، حينها يجسد مخطط العمارة الذي رسمه الله للعالم.

 

كما أن مساهمة المسيحيين في الحياة السياسية تساعد على تراجع العنف، الكراهية، الطغيان، الظلم، التسلّط والتعصب، وتساهم في بناء مستقبل أكثر إنسانية للجميع.

 

فالمسيحيون يحملون الأمل بالتغيير والتطوير، بشرط ألاّ يتخلوا عن واجبهم بالمشاركة والمواجهة، ويعملوا على تعزيز ثقافتهم الديموقراطية، ويتعلموا كيفية ممارستها في حياتهم كل يوم. فيعطون الأولوية للنقاش بدل القتال، ويتحاورون معتبرين أن الحقيقة جزء من تفكير الآخر، يغلبون المنطق على الغرائز والانفعالات الآنية، ويبتعدون عن العنف وتلفيق الأمور في سلوكهم اليومي. عندها فقط ينتقلون في حياتهم الوطنية من مرحلة المواطن المستهلك القابل بكل شيء مفروض عليه، إلى المواطن الفاعل والمؤثر في مجتمعه والقادر على التغيير بدءاً بذاته.

 

إن السياسة ليست فقط في رفع المبادئ والشعارات الكبيرة (العدالة، السلام، الحرية)، أو حتى المطالبة بها، مع أنّ ذلك ضروري، فليست السياسة نوايا طيبة، لأن ذلك وحده لا يكفي ، بل هي تجسيد للمبادىء وتطبيقها في الحياة اليومية بطريقة تتلاءم مع الأوضاع على الأرض، وتتناسب مع موقع كل واحد منا وفقاً لدعوته ورسالته وإمكانياته الخاصة.

majed.jbara@jpf.com.jo

عن موقع ابونا الأردني