وصـايا الله العشر: السابعة

مقـدمة

لا تسرق هي الوصية السابعة من الوصايا العشر.

وهذه الوصية لها إطارها التاريخي والجغرافي والاجتماعي ولن أخوض فيه وإنما أترك كل هذه الأمور للمختصين فيها.

إن الوصية السابعة التي تنهى عن السرقة ندّعي جميعاً بأننا قد تجاوزناها وكل منا بإمكانه أن يعتبر نفسه بريئاً من هذه التجربة. حتى أننا في حياتنا اليومية لا نسمع كثيراً عن حالات سرقة إلاّ القليل ( نسبة إلى عددنا وكثافة سكّان مدينتنا).

أثناء دراستي الفلسفية واللاهوتية وحتى أثناء أعوام الاختصاص في العلوم التربوية لا أذكر أنني درست شيئاً عن الوصية السابعة.

وإنما أذكر أني درست مادة كان عنوانها: دعوة إلى العدالة. الآباء اليسوعيون كانوا على حق لأن الوصية السابعة هي ظاهرة بسيطة لخطيئة وتجربة عميقة الجذور إلا وهي اللاعدالة.

فإذا فكّرنا بسلوكنا العادل من الصعب أن نجد أنفسنا بعيدين من هذه التجربة التي من ظواهرها السرقة.

إن حديثي لكم اقتبسته من مرجعين هما: "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" و"الكنيسة في أخلاقياتها".وهو محاولة بسيطة لإلقاء الأضواء على بعض المشاكل التي بدأنا نعاني منها ويبقى لكل واحد منكم أن يستنتج ما يخص الحالة التي يعالجها كمربّي في جمعية التعليم المسيحي.

 

تعـاريف

1-التملك:

عامة يعني العلاقة بين شيء وشخص. علاقة تسمح لصاحب الشيء أن يحتفظ به أو أن يغير من حالته أو أن يتلفه.

مصادر المُلكية:

1-الوراثة: عن الأجداد والآباء.

2-الهبة: من شخص إلى شخص.

3-الشراء: مقابل مبلغ معين.

4-التبادل التجاري بين الأفراد.

5-الإنتاج: منتجات المصنع أو الأرض.

 

ثلاث مسائل قانونية

1-قانونية الاستعمال

2-قانونية الثمار المنتجة.

3-الحق في تغيير وتشويه وتلف الشيء.

 

2-المُلكية في العالم الاقتصادي الحالي:

ثمة تغيرات طرأت على الحالة الاقتصادية في العصور الأخيرة.

آ-التغيرات الجغرافية… فلم تقتصر التجارة اليوم على التبادل بين منتجات الأرض ومنتجات المصنع في نفس البلد. بل نشأ سوق ونظام تجاري عالمي فيجب الانتباه إذاً إلى:

آ-التجارة الخارجية العالمية.

ب-النظام التجاري الواحد ( العولمة)

ج-التغير الاقتصادي في بلد ما يؤثر على الدول الأخرى.

ب-التغيرات التي طرأت على فكرة الملكية: فالملكية اليوم ليست أرضاً فقط أو سيارة بل هي شيء مجرد: حسابات في البنوك، أسهم في شركات عالمية…

من نتائج هذه التغيرات نشأت الرغبة في امتلاك الأسهم، والحصص والحسابات في الخارج. والهدف المرجو هو زيادة الرأسمال.

ج-تبادل الأدوار بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية: فبينما كانت السلطة السياسية تنظم القوى الاقتصادية أصبحت هذه الأخيرة تتحكّم بالأولى.

 

3- من أشكال الملكية:

 مقتنيات استهلاكية ( الأكل، الملابس…) مقتنيات للاستعمال( الأثاث) الملكية العقارية (المنزل…) ملكية المال ( إدخارات مالية، حسابات)، ملكية غير مباشرة للأموال العامة، الملكية الفكرية، حقوق النشر المتعلقة بالأعمال العلمية أو بالمؤلفات الموسيقية أو الأدبية

 

4-لا تسرق: الوصية السابعةتنهى من:

1-أخذ مال القريب أو حفظه دون حق.

2-إلحاق الضرر بالقريب في أمواله بأي وجه من الوجوه.

وهي تفرض:

العدالة والمحبة في إدارة الأموال الأرضية وثمار عمل الناس.

وتقتضي في سبيل الخير العام:

1-احترام كون الخيرات معدة للجميع.

2-احترام حق الملكية الخاصة.

3-الوصية السابعة في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (2401 – 2463)

يتكلم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في ست نقاط عن ما يخص ويرتبط بالوصية السابعة. فيتكلم عن:

1-الخيرات الأرضية والملكية الخاصة.

2-واجب الأشخاص في احترام بعضهم وأموال كل منهم.

3-عقيدة الكنيسة الاجتماعية.

4-النشاط الاقتصادي والعدالة لاجتماعية.

5-العدالة والتضامن بين الأمم.

6-محبة الفقراء.

أتوقف عند أهم النقاط:

2402: في البدء أوكل الله الأرض ومواردها إلى إدارة مشتركة تضطلع بها البشرية

1-لتعتني بها.

2-تسيطر عليها.

3-تنعم بثمارها.

تملك الخيرات مشروع في سبيل ضمان حرية الأشخاص وكرامتهم ولمساعدة كل واحد على تأمين احتياجاته الأساسية واحتياجات من يعولهم.

2403: إن الحق في الملكية الخاصة المقتناة، أو المقبولة من الآخرين بطريقة عادلة لا يبطل إعطاء الأرض في الأصل للبشرية جمعاء.

2404: إن ملكية خير ما تجعل ممن يحوزه مديراً من قبل العناية الإلهية لاستثماره وإيصال حسناته إلى الغير، وأولاً إلى الأقارب.

من هنا واجباتنا تجاه الآخرين وأموالهم.

2407: ففي الموضوع الاقتصادي يقتضي احترام الكرامة الإنسانية وممارسة فضيلة القناعة للاعتدال في التمسك بخيرات هذا العالم وفضيلة العدل لصيانة حقوق القريب وإعطائه ما هو واجب له والتضامن بحسب القاعدة الذهبية، وجود الرب الذي هو الغني قد افتقر من أجلنا لكي نستغني بفقره.

للسرقة أنواع:

2409: كل طريقة لأخذ مال الغير دون حق والاحتفاظ به، هي مخالفة لوصية السابعة وإن لم تكن متعارضة مع أحكام الشريعة المدنية.

-الاحتفاظ عمداً بما أقرض من مال.

-الاحتفاظ عمداً بما وجد من أشياء ضائعة.

-الغش في التجارة.

-دفع أجور غير عادلة.

-رفع الأسعار اعتماداً على جهل الغير وعوزه.

-المضاربة المستعملة لتغيير تخمين الخيرات بأسلوب مصطنع لنيل فائدة على حساب الغير.

-الرشوة التي بها يُبدّل رأي مَنْ عليهم أن يتخذوا القرارات وفاقاً للحق.

-استملاك أموال عامة لمؤسسة واستعمالها للمصلحة الخاصة.

-الأشغال التي لم يحسن صنعها.

-الغش الضريبي.

-تزوير الشيكات والفواتير.

-المصاريف المفرطة والهدر.

2403: ليست ألعاب ( اللعب بالورق) أو المراهنات في ذاتها مخالفة للعدالة. وتصبح غير مقبولة من الوجهة الأخلاقية عندما تحرم الشخص ما هو ضروري له لتلبية حاجاته وحاجات الآخرين.

2414: تحظر الوصية السابعة الأعمال والمشاريع التي تؤدي، لأي سبب من الأسباب الأنانيةُ، أو الإيديولوجيةُ أو التجاريةُ أو التوتالتياريةُ، إلى استعباد الكائنات البشرية، وتجاهل كرامتها الشخصية وشرائها وبيعها ومقايضتها كأنها بضاعة.

 

النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية

2426: إن تطور الأنظمة الاجتماعية ونمو الإنتاج معدان لتلبية احتياجات الكائنات البشرية ولا تهدف الحياة الاقتصادية فقط إلى تكثير الخيرات المُنتجَة وزيادة الربح أو القدرة. إنها معدة أولاً لخدمة الأشخاص، الإنسان بكامله والجماعة البشرية بكلتيها.

 

العدالة و التضامن بين الأمم

2437: إن التفاوت في الموارد والوسائل الاقتصادية، على الصعيد الدولي، كبير بحيث يحدث بين الأمم " هوّة " حقيقية. فهناك من جهة من يملكون ويطوّرون وسائل النمو، ومن جهة أخرى من يركّمون الديون.

 

2439: على الأمم الغنية مسؤولية أخلاقية خطيرة تجاه تلك التي تعجز بنفسها عن تأمين وسائل تطورها، أو التي منعتها من ذلك أحداث تاريخية مأسوية.

 

محبّة الفقراء

2443: يبارك الله من يساعدون الفقراء ويرذل من يعرضون عنهم.

أعمال الرحمة: هي أعمال المحبة التي تساعد بها القريب في ضروراته الجسدية والروحية:

-التعليم والنصح –التعزية -تقوية العزم –المغفرة -الاحتمال بصبر -إطعام الجياع -إيواء من ليس لهم نزل -إكساء ذوي الثياب الرثة -زيارة السجناء -دفن الموتى.

 

واجبات المؤمن بما يخص الوصية السابعة

2410: لا بد من وفاء الوعود والتقيد الصارم بالعقود.

2411: تخضع العقود للعدالة التبادلية التي تنظم المبادلات بين الأشخاص وبين المؤسسات في احترام صحيح لحقوقهم.

2412: إن التعويض عن الظلم المرتكب يقتضي، استناداً إلى العدالة إعادة المال المسلوب إلى صاحبه. ( مثال زكّا العشار).

 

4ـ مشكلة العمل كواجب أخلاقي

كما لاحظنا أن الوصية السابعة هي وصية تخص السوء الذي بإمكاننا أن نلحقه بأملاك الآخرين أو حتى بمعطيات الطبيعة. وهي وصية خاصة تخص حق الإنسان في تحقيق حاجاته ومسؤوليته تجاه حقوق الآخرين. إن حاجات البشر تتحقق بعرق الجبين. لهذا فمسألة العمل مرتبطة ارتباطاً قوياً بمسألة العدالة الاجتماعية…

فمن لا يعمل لا يأكل…

2427: العمل الإنساني يأتي مباشرة من الأشخاص المخلوقين على صورة الله والمدعوين إلى أن يمددوا بعضهم مع بعض، وبعضهم لأجل بعض، عمل الخلق بالتسلط على الأرض. فالعمل إذن واجب. العمل يكرم مواهب الله والوزنات المعطاة.

2428: يمارس الإنسان ويتمم بالعمل جزءاً من الإمكانات الموجودة في طبيعته وقيمة العمل الأساسية مرتبطة بالإنسان نفسه الذي هو صاحب العمل وغايته لأن العمل هو لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل العمل.

 

أشكال العمل اليوم:

1-العمل المأجور أو العمل المهني: يكسب به الإنسان مالاً يسمح له بتأمين حاجات حياته.

2-المواظبة على التثقيف لاغنى عنها كي يصل الإنسان إلى عمل مأجور.

3-العمل مكرس للنشاط في وسط الأسرة.

4-العمل الخاص ( الهوايات، الاهتمامات…)

5-العمل الاجتماعي التطوعي

 

معنى العمل:

1-تدبير معيشة الإنسان.

2-يشق للإنسان طريقاً إلى نضوجه الشخصي.

 

البعد اللاهوتي للعمل:

إن روح الإنجيل والثقة بأن الله سوف ينجز ما نبدأه يهبان شجاعة التزام في العالم يحكمه الإيمان والرجاء والمحبة. أما السبب الموجب فينبغي البحث عنه:

1-في الإيمان بأن الإنسان يمكن أن يثق بمعنى الحرية التي وهبه إياها الله ألا وهي أن يكيف الأرض بعمله.

2-في الرجاء المؤمن بأن الله سيحقق تصميمه، الذي هو الخلاص بمؤازرة جميع الناس ذوي الإرادة الصالحة.

3-في الخبرة بأن الإنسان، عبر نشاطات تحكمها المحبة والعدالة يسهم في تعزيز التقدم الأرضي، وهكذا ينمي "خيرات الكرامة الإنسانية والشركة الأخوية والحرية".

 

تنظيم الملكية:

– يؤكد المبدأ الأول للعقيدة الاجتماعية الكاثوليكية في الملكية أن خيرات الأرض مخصصة للجميع.

– حق الملكية يخص كل إنسان كحق شخصي مكون للحرية.

– ليس لأحد الحق باستخدام الممتلكات، وحتى بإتلافها، دون أن يبالي بحاجات الناس الآخرين. فالملكية تحافظ على العلاقة مع المجتمع وتنطوي على التزامات اجتماعية وهي تحت وطأة ارتهان اجتماعي لا تمكن إزالته.

 

5 –  خاتمة

يبقى موضوع الوصية السابعة مفتوحاً أمام أعيننا وأفكارنا لصعوبة مضمونه وارتباطه بعدة عناصر اجتماعية، اقتصادية، سياسية.

إن مجتمعنا بنظري هو " ضحية" لسرقات ارتكبتها مجتمعات صناعية كبرى. وما يتكلم عنه التعليم المسيحي الكاثوليكي والكتب الأخرى المؤلَّفة في عدة بلدان أوربية تخص تلك البلدان وتذكر أنواع وخفايا الوصية السابعة في تلك المجتمعات.

 

فما هي خفايا الوصية السابعة في مجتمعاتنا النامية…؟

نحن بحاجة إلى دراسة عميقة من عدة زوايا اقتصادية واجتماعية وكنسية لاهوتية وأخلاقية تربوية فيما يتعلق بهذه الوصية.

 

ملحق1 ـ الحقيقة الاقتصادية وبشارة الإنجيل

ينبغي لكل عملية اقتصادية أن تهدف إلى:

1-التفكير بالإنسان وخير الفقير.

2-الخير الاجتماعي.

3-واجب دفع الضرائب بأمانة.

4-العدالة التوزيعية.

 

ملحق2ـ حالات اقتحام ملكية الآخر دون السرقة

1- في حالات الخطر كل شيء هو ملك للجميع. مثلا: أثناء الحرب اللجوء إلى بيوت متروكة، في حالة إسعاف: اقتحام الصيدلية.

2-الاستملاك من أجل الخير العام: هذا يتم عن طريق الدولة فقط. مثلاً في حالة وجوب بناء محطة قطار أو قلعة أو مركز عسكري( طبعاً نتكلم عن استملاك الأرض أو ما بني عليها لا عن محتوى البيوت.)

 

ملحق3ـ حالات شراء شيء مجهول المصدر

1-المالك على حسن نية: من يقتني شيئاً دون الشك بمصدره.

2-المالك مع الشك: من يشتري شيئاً يشك بمصدره وسعره المغري إنما يشتري مع المخاطرة بوجوب إعادة الشيء لصاحبه الأصلي.

3-من يشتري شيئاً بسعر مغرٍ مع العلم بمصدره المشكوك بأمره هو شريك السارق.

4 – من يجد شيئاً مع معرفة صاحبه ولا يرده هو سارق.

 

ملحق 4 ـ حالات وظواهر أو ظاهرات يجب التفكير في استقامتها وعدلها

1-تقصير المعلمين في تدريس المواد داخل القاعات الدراسية مما يجبر الطلاب على متابعة دروس تقوية خاصة.

2-حصة الأنثى من الإرث الأبوي.

3-أجور العمال عند أرباب العمل وعدم تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية.

4-الاتفاقيات الضمنية بين الأطباء ومراكز التحليل ومراكز التصوير الإشعاعي، والمطالبة بفحوصات لا تستدعيها الحالة الصحية…

5-التصرف بأملاك الدولة خارج أوقات الدوام والساعات المخصصة لاستخدام هذه الأملاك

( كالسيارات …).

 

خاتمة

لقد حاولت في حديثي هذا أن أُجْمِل تعليم الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق بهذه الوصية الهامة ولست أدّعي بأنني قد أحطت بالموضوع من كل جوانبه في هذه العُجالة. وجُلّ ما أرجوه أن يكون هذا الموضوع دافعاً لكم أنتم المربين للمزيد من البحث والمطالعة.

 

عن موقع القديسة تريزا: جمعية التعليم المسيحي بحلب