وصـايا الله العشر: الوصية العاشرة

في بداية حديثي سوف أنوه إلى الإطار التاريخي والجغرافي والاجتماعي للنص في العهد القديم ثم انتقل إلى تحديد بعض المفاهيم المتعلقة بالوصية : الشهوة الصالحة والشهوة الدنيئة ومن ثم الرغبة والتوق في معاينة الله ثم أنتقل إلى تحديد مقتنى الغير، ومن ثم أتكلم عن نقاء القلب أصل كل رغبة وشهوة. ثم أستعرض ثلاثة وجوه من عصرنا.

 خروج 20 : 2-17

لا تَشتَهِ بيت قريبك : لا تشتهِ إمرأةَََ قريبكَ ولا عبده (خادمَه)، ولا أمَته (خادمتَه)، ولا ثورَه، ولا حمارَه ولا شيئاً ممّا لقريبك (خر 20-17).

تثنية الإشتراع 5 : 21

لا تشتهِ إمرأةَََ قريبكَ ولا تشته بيته ولا حقله ولا خادمه ولا خادمته ولا ثورَه، ولا حمارَه ولا شيئاً ممّا لِقًريبك. تث 5- 21

الصيغة التعليمية (1)

9 – لا تشتهِ إمرأةَََ قريبكَ.

10 – لا تشتهِ مقتنى غيرك.

 

 

1 – الإطار التاريخي

أ – الإطار التاريخي لسفر الخروج :

عاش العبرانيون فترة طويلة من الزمن في حالة من العبودية والذل والهوان تحت سلطة فرعون مصر. بعد خروجهم من مصر أي في زمن الخروج حسب العهد القديم، عاشوا40 سنة في الصحراء حياة البدو الرحل ينتقلون من مكان إلى آخر بحثا عن الطعام والماء وهم يتجهون إلى الأرض الموعودة.

تثنية الاشتراع : تعني الشريعة الثانية، وضعت على لسان موسى، الذي أعطى تعليماته وتوجيهاته قبل أن يدخل العبرانيون إلى فلسطين.في سفر تثنية الاشتراع : يدخل الشعب في علاقة حب مع الله، تثنية الاشتراع في العهد القديم تشبه انجيل القديس يوحنا من العهد الجديد.

ب – الاطار التاريخي والجغرافي لسفر تثنية الاشتراع :

صفات هذه المرحلة : تغير الحياة

– يصل شعب الله إلى أرض الميعاد.

– يتحول شعب الله من حياة البداوة إلى حياة المدنية (الزراعة)

– يستقر الشعب في كنعان (فلسطين) (لا يمشي في الصحراء)

– يبدأ بالزراعة ويحتفظ الشعب بالمواشي

– كان يمشي في الصحراء بشكل شعب ، أما الآن فان الأشخاص تفرقوا في فلسطين .

– يلتقي الشعب مع السكان الأصليين .

تفهم الوصايا العشر أولا في إطار الخروج الذي هو حدث الله التحريري، إن عيش الوصايا يبيّن شروط حياة محررة من عبودية الخطيئة، إن عيش الوصايا العشر هو طريق حياة. تتخذ الوصايا كامل معانيها في صميم العهد: كشف سفر الخروج عن الوصايا العشر بعد عرض العهد (خر19) نقلت الوصايا العشر بعد التذكير بالعهد (تث 2:5)(2).

وبت هذا العهد (خر 24 ) بعد أن التزم الشعب بتنفيذ، أو بفعل كل ما تكلم به الرب وائتمروا به (خر7:24)(3) .

تفهم الوصية العاشرة في سفر الخروج بصورة فريضة سلبية ناهية، فإن تطبيق هذه الوصية يساعد على العيش بحياة محررة من عبودية الخطيئة.

فانه حسب الكتاب المقدس يتخذ تصرف الإنسان الأخلاقي كامل معناه (خر20/2) (تث (5/6) (4). إن هذه العبارة تتناول موضوع (تحرير الإنسان). عندئذ يصبح السلوك الأخلاقي هو جواب الإنسان عن مبادرة الرب المحبة.

2- إطار النص

يقول النص في الفصل 20 من سفر الخروج : لا تَشتَهِ بيت قريبك : لا تشتهِ إمرأةَََ قريبكَ، ولا عبده (خادمَه)، ولا أمَته (خادمتَه)، ولا ثورَه، ولا حمارَه ولا شيئاً ممّا لقريبك (خر 20-17).

ما يلفت الانتباه في سفر الخروج أن الوصية العاشرة تتضمن الوصية التاسعة ففي سفر الخروج يُحظَر اشتهاء ممتلكات الرجل(5) ، وفي ممتلكات الرجل أو القريب يُحظَّر اشتهاء امرأة القريب.

ولكن مع مرور الزمن نلاحظ أن الأشكال الأساسية الثلاثة للحياة الاجتماعية(6) ، قد تغيرت مرات كثيرة على مدى التاريخ، وبذلك تغيرت أيضا الطريقة التي يتعين أن تفهم بها الوصية وتنفذ في كل مرة.

أما في سفر تثنية الإشتراع 5 : 21 " لا تشتهِ إمرأةَََ قريبكَ ولا تشته بيته ولا حقله ولا خادمه ولا خادمته ولا ثورَه، ولا حمارَه ولا شيئاً ممّا لِقًريبك "

ففي سفر تثنية الإشتراع يظهر تحريم اشتهاء امرأة القريب قبل تحريم اشتهاء مقتنى القريب، مشكلا وصية خاصة من الوصايا العشر ألا وهي التاسعة، فإفراد محل خاص في سفر تثنية الإشتراع لتحريم اشتهاء امرأة القريب يعبر دون شك، عن التغيير الذي حصل في تقدير المرأة.

أما في العهد الجديد : حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك (متى 6 – 21 )

فالصيغة التعليمية للوصية العاشرة تصبح : لا تشتهِ مقتنى غيرك.

3- معنى الوصية العاشرة في الزمن الحاضر

المعنى الأساسي للوصية هو احترام حرية الإنسان واحترام ممتلكاته ومقتنياته وتعزيز حقوقه التي هي أساس عيشه. من حيث مضمون الوصية، تحذر الوصية التاسعة شهوة امرأة القريب(7) والوصية العاشرة تحذر من شهوة مال الغير، هو أن هناك في الوصيتين تحريما للشهوة يتعلق بالموقف الداخلي وبتجربة امتلاك ما لا يحق للإنسان امتلاكه، سواء كان امرأة القريب أم ممتلكاته. فالتحريم لا يطال الزنى والسرقة بما هما فعل وحسب، بل يطال أيضا اشتهاءهما.

وباعتبار التغيرات الحاصلة في بُنى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تنبه الوصية العاشرة على ضرورة إقامة نظام عادل للعمل والاقتصاد وإلى المسؤولية في استخدام صحيح للملكية في كل أشكالها. في سبيل وضع معايير نظام اجتماعي واقتصادي عادل.

الكنيسة تهتم اليوم بأن يظل الإنسان إنسانا، عبر الأشكال والبنى المتغيرة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ويتمكن من النمو إنسانيا.

4 – تحديد المفاهيم

1 – الشهوة :

ما هي الشهوة ؟ تعني كلمة شهوة في معناها الأصلي كل نزعة شديدة من نوازع الرغبة البشرية(8) . وقد أعطاها اللاهوت المسيحي هذا المعنى الخاص، إنها حركة الرغبة الحسية التي تعارض عمل العقل البشري.

الشهوة تتميز عن الرغبة في أن الإنسان يريد أن يمتلك كل شيء ويسخر عندئذ كل شيء من أجل محبة الذات وخدمة حاجاتها حتى يصل الأمر بالإنسان إلى احتقار الله والآخرين.

تعسّف الشهوات

2535 : تحملنا الشهوة الحسية على أن نرغب في الطيبات التي ليست لدينا. هكذا هي الحال عندما نرغب في الطعام عندما نجوع، وفي الدفء عندما نبرد. وهذه الرغبات صالحة في حد ذاتها. إذا لم تقف الشهوة عند حدود العقل، تصبح الشهوة دنيئة (غير صالحة) وتدفعنا إلى أن نشتهي دون وجه حق، ما لا يعود إلينا، ويمتلكه غيرنا أو هو من حقه.

مثلما تكون الشهوة الجنسية ليست فقط التي تسكن في قلوبنا ولكن الشهوة التي تكون سبب عثرة للآخرين، كذلك شهوة ملك الآخرين هي تلك التي تقسي قلبنا أمام الفقراء الذين نرفض مشاركتهم ممتلاكاتنا ووقتنا . الأنانية تجعلنا مسؤولين عن الشهوة التي نؤججها عند الآخرين. المشاركة في الخيرات تحررنا من الأنانية ومن الشهوة.

تولد الشهوة في قلب الإنسان قبل أن يقوم بالعمل والقلب الشرير يكشف عن الشر.

أحيانا تأتينا أفكار غير سليمة فهذه الأفكار التي تأتينا ليست خطايا و لكن عندما نحاول أن نتمتع بهذه الأفكار تصبح خطايا لأن هذه الأفكار تجعل القلب الذي يوافق على فعلها مظلما (1 يو6:1-7)(9) .

يرفض يسوع الشهوة الدنيئة، حتى وإن كانت في النية وان لم تصل إلى الفعل (متى 5 / 28)(10) .

يميز القديس يوحنا في رسالته الأولى ثلاثة أنواع من الشهوات أو الرغبات(11) ، الأولى شهوة الجسد والثانية شهوة العين والثالثة كِبرياءُ الغِنى (صلف الحياة أو تعظّم المعيشة) 1 يو2/ 16)(12) . و يجعل القديس بولس الشهوة متماهية " والثورة " التي يقودها الجسد على الروح(13) ، (أفسس 3:2)(14) ، والشهوة تتأتى من معصية الخطيئة الأولى تكوين ( 3 : 11)(15) .

2 – الرغبة :

الإنسان كائن رغبات : ماذا أجمل من أن يكون الإنسان كائن له رغبات ؟ إن عظمة الإنسان هو أنه كائن له رغبات فالرغبة تفتح قلب الإنسان إلى الآخرين والى حاجاتهم. وتجعل الانسان يتوق الى معاينة الله والاتحاد به.

في الحياة عدة رغبات صالحة بحد ذاتها : الرغبة في الحياة، الشفاء، النمو، أن يحب وأن يكون محبوبا.

نرغب جميعا في الخيرات التي لا نملكها، ونكون سعداء، نتنفس الصعداء عندما نحصل على عمل ممتع، أن نسكن في منزل رائع، ولكن أليس من الممكن أن يتملكنا ما نملك وما نريد أن نملك، حتى مرحلة احتقار حب الله و الاخوة؟!

إن الرغبة ( أو شهوة التملك) ممكن أن تصبح اضطهاداً للذات وللآخرين. ليس امتلاك المال بحد ذاته شرا ولكن هو الطمع الذي يؤدي إلى العبودية، استعباد الآخرين، يؤدي إلى تحويل قلب الإنسان من قلب بشر إلى قلب من حجر، قلب يرفض المشاركة، يسرق ، يغش، يتهرب من دفع الضرائب.

ويكون الله نفسه غاية ما نشتهي، هو الذي نعاينه بلا نهاية ، ونحبه بلا ارتواء، ونسبحه بلا ملل ، ويكون هذا العطاء وهذا الحب وهذا الاشتغال، بلا ريب كالحياة الأبدية، مشتركاً بين الجميع ".

"أريد أن أعاين الله"

2548 : إن الرغبة في السعادة الحقيقية تنقذ الإنسان من التعلق الزائد بخيرات هذا العالم، لتكتمل في رؤية الله وسعادته ."الوعد (بمعاينة الله) يفوق كل سعادة .(…) ورؤية الله في الكتاب هي الحصول عليه.(…) من رأى الله فقد حصل على كل الخيرات التي نستطيع أن نتصورها"

2549 : يبقى أن يحارب الشعب المقدس، بنعمة الله، للحصول على الله ومعاينته، أن يميتوا شهواتهم، وينتصروا بنعمة الله على إغراءات اللذة والسلطة. على طريق الكمال ينادي الروح والعروس من يسمعهما إلى الاتحاد التام بالله.

" رغبات الروح القدس

2541 : إن تدبير الشريعة والنعمة يصرف قلب الناس عن الجشع والحسد: يعلمه اشتهاء الخير الأسمى ؛ يلقنه رغبات الروح القدس الذي يشبع قلب الإنسان. و إله المواعيد قد حذر الإنسان دائما من إغراء ما يبدو منذ البدء (تك6:3) .(16)

2543 : "أما الآن فقد اعتلن بر الله بمعزل عن الناموس، مشهودا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى جميع الذين يؤمنون (رؤ21:3-22)(17) . فلذلك المؤمنون بالمسيح "صلبوا الجسد مع أهوائه وشهواته" (غل 5 : 24 )؛ فيقتادهم الروح ويتبعون رغبات الروح.

3 – مقتنى غيرك :

ما هو مقتنى الغير ؟ هو كل ما يمتلكه الآخر من ممتلكات مادية وغير مادية : بيت، سيارة، فكر، سمعة، صيت، شهرة، عمل، حرية.

يسوع يحررنا من الأشياء الوثنية:

الشهوة والطمع يؤذيان بشكل مباشر المحبة، الطمع يجعل من المال صنماً، ومن الإنسان عبدًا لهذا الصنم .

2536 : تنهى الوصية العاشرة عن الطمع والرغبة في تملك لا محدود للخيرات الأرضية؛ وتحظر الجشع المنفلت الذي هو نتيجة التعلق المفرط بالمال وقدرته. وهي تمنع أيضا من الرغبة في ارتكاب ظلم يساء به إلى القريب في أمواله الزمنية .(18)

2537 : ليس هناك مخالفة لهذه الوصية إذا رغب الإنسان في الحصول على أشياء تخص القريب ما دامت الوسائل مستقيمة. والتعليم الديني التقليدي يشير بواقعية إلى"أولئك الذين عليهم أكثر من غيرهم أن يحاربوا شهواتهم الإجرامية "والذين يجب بالتالي"أن يحرضوا أكثر من غيرهم على التقيد بهذه الوصية" (19)

الطمع هو سبب كل الظلم الذي يمكن أن يحصل، القديس بولس يجمع بين الطمع والدعارة وعبادة الأصنام لكي يميز مرحلة ما قبل التحول والايمان والدخول إلى المسيحية (روما18:1-32)(20) 

الطمع هو نوع من أنواع الأصنام :

الطمع يؤدي بسهولة إلى نكران الإله الحقيقي، وخدمة المال ترمز إلى الوثنية.

المسيحي الذي يعود إلى حالته الأولى قبل اهتدائه إلى الدين المسيحي، هو وثني كونه دون محبة، والذي يستخدم الآخرين من أجل تحقيق مصالحه دون الانتباه إلى حقوقهم، فالمؤمن يضع نفسه في خدمة الآخرين، إذا خضع المؤمن للطمع فانه يعود إلى حالة الوثنية التي حرره منها يسوع.

تؤدي الشهوة أيضا إلى الدعارة – فالقديس بولس يوضح في رسالته الىأهل أفسس (3، 5) دلالة على حياة المسيحيين قبل اهتدائهم إلى الدين المسيحي .

الدعارة تعني استخدام الآخر كشيء. الذي يخدم إله المال ألا يؤدي إلى استخدام الآخر لمصلحته؟

2538 : وتقتضي الوصية العاشرة إقصاء الحسد من القلب البشري : الحسد(21) رذيلة رئيسية. وهو يشير إلى معاناة الحزن حيال مال الغير والرغبة القوية في امتلاكه، وإن عن غير وجه حق.

2540 : الحسد وجه من وجوه الحزن وبالتالي رفض للمحبة ؛ وعلى المؤمن أن يحاربه بالمحاسنة. وكثيرا ما يتأتى الحسد من الكبرياء؛ فالحسد يمكن أن يقود الإنسان إلى أفظع المآثم. " و بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم". فعلى المؤمن أن يتمرن على العيش في التواضع.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم في عظته عن الرسالة الثانية إلى الكورنثيين(22) أما القديس غريغوريوس الكبير فقد كتب في كتابه أخلاقيات في أيوب يقول(23) يهتم العهد الجديد بالموقف الشخصي الداخلي لكل إنسان تجاه المقتنيات. الإرشاد الإنجيلي وتوجيهات الرسائل الأخلاقية، لا تستهدف نظام الملكية الخاصة، بل الأخلاق الدينية والأخلاقية المرتبطة في معظم الأحيان بالمقتنيات والأملاك، أي الجشع والطمع والاشتهاء والأنانية. والمواقف التالية في استعمال الثروات المادية هي مواقف خاطئة ، وغالبا ما تترافق مع اقتناء الأملاك وتهدد حرية الإنسان : قلب تسلسل القيم، والتعدّي على العدالة والمحبة، وبنتيجة ذلك زعزعة أساس النظام الاجتماعي .

4 – نقاء القلب :

 ما معنى أن يكون القلب نقيا ؟ أن يكون "قلب حقيقي" نقول : خمر نقي – ماء نقي – ذهب نقي. يمكن تعريف القلب النقي بأنه القلب الشفاف، عندما تكون الكاسة نقية فإنها تترك النور يمر عبرها. كل شيء يأتي من القلب – الحقيقة والكذب – يأتيان من القلب. القلب الذي يستطيع تحقيق كل الوصايا (متى 15 / 16 – 20 )(24)

القلب النقي هو القلب الذي يحب الآخر مثل ذاته – انه يحبه على مثال حب الله للآخر.يعتبر خطيئة كل فعل يؤدي إلى إثارة الشهوة الدنيئة في قلب الآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر (متى6:18-7) .وذلك في مجال التربية، المسرح، الإعلان، فساد الأخلاق….

– إن الإنسان الفقير القلب : هو الإنسان الذي يستخدم ماله كنبع للمشاركة ويكون فيه حرا (متى 6 : 19 – 21) (25)

– (متى24:6)(26)

إن نقاء القلب لا يتوقف على قوة الإنسان بل تقويه حياة الصلاة ، فالإنسان مدعو لأن يكون إنسانا جديدا يسكن فيه الروح القدس مدعوماً بالحب للآخرين، فكل مسيحي، حسب إمكانياته ووسائله مدعو لأن يأخذ دوره الخالق و الفعال في تطوير أشكال الثقافة، التي تساعد على الخير . أنظرُ إلى قريبي دون أن أشتهي أملاكه، انظرُ ما يمكنني أن أقاسمه، إن اشتهاء أملاك (مقتنى الغير) تجعل الإنسان في عبودية داخلية جاء يسوع ليحررنا منها.

موقف يسوع : فقر القلب

أَوْلَى يسوع في تعليمه اهتماماً كبيرا لقلب الإنسان، فمن القلب يخرج الخير و الشر (متى 15/15-20)(27) . في موعظة يسوع على الجبل، يقول يسوع : طوبى لأنقياء القلوب فانهم يعاينون الله (متى 5 : 8) . (إذا كانت عينك نقية) إن أنقياء القلوب سعداء، انهم سيرون الله، لأنهم يحبون دون أي خطيئة تمنع تجلي حب الله فيهم. إن الذي يحب الرب لا يمتلئ من ذاته.

هنا في الموعظة يُرجع يسوع السلوكَ الأخلاقي إلى داخل قلب الإنسان بشكل جذري ومطلق، فمن قال لأخيه "أحمق" فكأنه قتله (متى 5/21-22) . وهذا الرجوع إلى قلب الإنسان يمثل في الوقت نفسه تحررا من وصايا الشريعة المتنوعة وتطلبا أكبر وأعمق وأبعد من الامتثال لأية شريعة خارجية. وبالتالي يحمّل يسوع الضمير مسؤولية اتخاذ القرار الأخلاقي .

فحيث تتوقف الشريعة عند حد "لا تقتل" يصل الضمير إلى أفق أبعد وأدق : "لا تقل أحمق لأخيك" . وعندما يسأل الفريسيون يسوع عن التطهير الخارجي يحدثهم عن القلب الذي يجب أن يتطهر كي لا يتحول إلى القلب المبيض خارجيا والمملوء عفنا داخليا (متى23/25-29) .(28)

ففي تعليم يسوع ينبع السلوك الإنساني من داخل الإنسان من ضميره قبل أن يكون نابعا من قاعدة اجتماعية أو سياسية أو من تقليد ما، أيا كانت أهمية هذه القاعدة أو هذا التقليد. وهنا نفهم أيضا أن تعليم يسوع يحمل بعدا عاما وشاملا لأنه موجه إلى ضمير كل إنسان، ولأنه غير محدد في مضمونه ومتطلب في شكله ("أحبب قريبك حبك لنفسك")، فهو دعوة موجهة إلى حرية كل إنسان كي يتحمل مسؤوليته، و يقرر في صميم حياته و خصوصية ظروفها ونسبيتها كيف يحقق هذه المحبة المطلقة.

و يعني الرجوع إلى الضمير مساواة البشر في ما بينهم، في علاقة تبادلية محورها تحمل الإنسان مسؤولية الآخر كمسؤوليته عن نفسه، دلالة على حبه الكلي لله وحبه للآخرين كما يحب نفسه وفي هذا يكمل الكتاب المقدس كله : "كل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، فافعلوه أنتم لهم : هذه هي الشريعة و الأنبياء "(متى7/12، متى 22/37-40) . (29)

2544 – يطلب يسوع من تلاميذه أن يفضلوه على كل شيء وكل إنسان ، ويعرض عليهم "إن يزهدوا في جميع أموالهم " لأجله ولأجل البشرى الحسنة. وأعطاهم قبيل آلامه كمثال أرملة القدس الفقيرة، التي من عوزها أعطت كل ما كان لمعيشتها فريضة التجرد من الغنى واجبة لدخول ملكوت السماوات.

2534 – علاقة الوصية مع باقي الوصايا : الوصية العاشرة تقصد نية القلب وهي تكمل الوصية التاسعة(30) التي تتناول شهوة الجسد والوصية العاشرة(31) تختصر مع التاسعة جميع فرائض الشريعة0 وهي تنهي عن اشتهاء مال القريب، أصل السرقة والنهب والغش التي تحرمها الوصية السابعة. تنهي عن شهوة العيون أي تلك الرغبة في تملك كل ما تراه، وتقود إلى العنف والظلم ومن ثم تؤدي إلى القتل اللذين تحظرهما الوصية الخامسة(32) . وأصل الجشع هو في عبادة الأصنام التي تنهي عنها الوصايا الثلاث الأولى من الشريعة .(33)

5 – مفهوم الخطيئة :

الخطيئة ليست فقط في أن أفعل شراًّ إنما هي ألاّ أفعل خيراً أستطيع أن أفعله. هي أن لا أفعل خيرا عندما أستطيع أن أفعله.

اليوم : إلى أي مدى أعيش الوصية العاشرة ؟

هل أحيا الأمل أو الرجاء أو الحب ؟

هل أخرج من ذاتي وأحترم حرية الآخر ليصبح الآخر حقاً آخر؟

ملخص :

– حيث يكون كنزكم يكون قلبكم.

– تنهي الوصية العاشرة عن الجشع المنفلت الناتج من التعلق الزائد بالغنى وسلطته.

– الحسد هو معاينة الحزن أمام مال الغير والرغبة الجامحة لامتلاكه.

– التجرد ضروري لدخول ملكوت الله طوبى للمساكين بالروح.

– الإنسان الذي يتوق إلى الله يقول : أريد معاينة الله والظمأ إلى الله يرويه ماء الحياة الأبدية.

ثلاثة وجوه من عصرنا : معنى سلوك الأب ماكسيميليان كولب والأم تريزا وجان فانييه

إذا تمعنا في معنى سلوك الأب كولب والأم تريزا وفانييه ندرك أن احترام و تقدير إنسانية الآخر مسؤولية منوطة بكل شخص، وعلى كل شخص، عندما يصير الآخر آخر، تحت وطأة الألم والتشويه، أن يتساءل عن مسؤوليته تجاهه، وأن يدافع بكل عزمه عن الإنسانية المشتركة بينهما ويدفعه التساؤل إلى ابتكار سلوك يعلن من خلاله أنه والآخرين والعالم مدينون بوجودهم لمصدر حياة لا ينفذ ولنبع عطاء لا ينضب وهكذا يكتشف الإنسان – في وسط الألم والمهانة – قيمة حياته و كرامتها بفضل انتباه شخص آخر إليه و تضامنه معه، و هي تمهد لتسمية مصدر الحياة، الله، و هو من يضفي عليها معناها الحقيقي و قيمتها اللامتناهية .

يمكن أن نفهم أن كرامة الإنسان تظهر في الحرية التي تقول "لا" لمن ينكر الحرية و في إرادة التضامن مع الآخر، و رفض ما يفرق بين البشر. و تظهر الكرامة الإنسانية حين ينتبه شخص إلى حاجات أخيه الإنسان و لا يدير إليه ظهره أو يغمض عينيه عن بؤسه، فيحترم حاجاته الأولية – من طعام ومشرب وملبس وسقف يحميه – كتعبير عن احترام كرامته وتقديره لإنسانيته، ومكتشفا بالتالي أفق العلاقة الإنسانية المحيية وعمقها اللامحدود .

اختبر الكثيرون كيف اكتشفوا الثمن اللامتناهي لكل حياة بشرية وقيمة الوجود الإنساني العظيمة أمام حياة مهددة أو موقف خطر يتعرض له شخص آخر. وعرفوا كيف دفعهم هذا الشعور إلى السخاء أي إلى القدرة على إظهار الاهتمام اللامحدود بالآخر حتى بذل الذات . و على هذا الأساس، ندرك أيضا أن كرامة كل إنسان لا يمكن حصرها في لائحة من الحقوق ، ولا يمكنها حتى أن تتحقق في احترام هذه الحقوق فقط،بالرغم من أهمية وجود هذه المواثيق ووجوب اتباعها، لأن احترام الكرامة الإنسانية يفوق كل ميثاق مكتوب ويعني تطلبا مستمرا ومتجددا لجعلها حقيقة واقعة.

الى من يريد أن يذهب إلى أبعد يمكنه العودة الى المراجع التالية :

دليل الى قراءة الكتاب المقدس، اسطفان شربنتييه، ص 56 – 57 ، ترجمة الأب صبحي حموي اليسوعي، منشورات دار المشرق، لبنان، 1982

– التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ترجمة ونشر المكتبة البولسية، لبنان، 1999

– مدعوون الى الحرية، دراسة في أسس الأخلاق المسيحية، الأب نادر ميشيل اليسوعي، منشورات دار المشرق، 1998

– المسيحية في أخلاقياتها، نشرة مجلس أساقفة كنيسة ألمانية، ترجمة ونشر المكتبة البولسية، لبنان، 1999

كتاب الايمان، نشرة مجلس أساقفة كنيسة بلجيكا، بروكسل،

 عن موقع القديسة تريزا: جمعية التعليم المسيحي بحلب

 

 

الحواشي :

 1 – التعليم الكاثوليكي، نشر الكاردينال جاس باري ( مطبعة الفاتيكان، 1933 )، ص 23- 24

2 – إن الرب قد بت معنا عهدا في حوريب

3 – وقال الله لموسى:" اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل واسجدوا من بعيد "

4 – "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية.

5 – ويعود السبب في هذا المحل المختلف لتحريم اشتهاء امرأة القريب، إلى أنه في الأزمنة الأولى من تاريخ العبرانيين، كانت المرأة تعد جزء من ممتلكات الرجل.

6 – العائلة والجماعة السياسية والجماعة الدينية (جماعة الكنيسة).

7 – تدل " شهوة الجسد" على الأهواء المنحرفة في الطبيعة البشرية.

8 – تعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص 702 .

9 – فإذا قلنا لنا مشاركة معه ونحن نسير في الظلام كنا كاذبين ولم نعمل للحق وأما إذا سرنا في النور كما انه هو في النور فلنا مشاركة بعضنا مع بعض ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطيئة

10 – من نظر إلى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه.

11 – تدل"كبرياء الغنى" على اطمئنان الإنسان العائش في ترف بصرفه عن الاتكال على الله.

12 – لأن كل ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغنى ليس من الآب بل من العالم

13 – فلا تقضوا شهوة الجسد (غل5/16) …… لأن الجسد يشتهي ما يخالف الروح والروح يشتهي ما يخالف الجسد(غل5/17) …. وما فيه من أهواء وشهوات (غل5/24)

غل5 : 24،17،16 وأقول: اسلكوا سبيل الروح فلا تقضوا شهوة الجسد، لأن الجسد يشتهي ما يخالف الروح، والروح يشتهي ما يخالف الجسد: كلاهما يقاوم الآخر حتى انكم تعملون ما لا تريدون،ان الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الجسد وما فيه من أهواء وشهوات. 

14 – وكنا نحن أيضا جميعا في جملة هؤلاء نحيا بالأمس في شهوات جسدنا ملبين رغبات الجسد ونزعاته. وكنا بطبيعتنا أبناء الغضب كسائر الناس

15 – فمن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أمرتك ألاّ تأكل منها؟ > وهي تشوش نظام الملكات الأخلاقية البشرية، تجعل الإنسان يميل إلى ارتكاب الخطايا وإن لم تكن هي ذنبا في حد ذاتها.

16 – ورأت المرأة أن الشجرة طيبة للأكل ومتعة للعيون وأن الشجرة منية للعقل . فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت أيضا زوجها الذي معها فأكل.

17 – والغالب سأهب له أن يجلس معي على عرشي، كما غلبت أنا أيضا فجلست مع أبي على عرشه، من كان له أذنان فليسمع ما يقول الروح للكنائس.

18 – عندما تقول لنا الشريعة:"لا تشته" فهي تقول لنا بكلام آخر أن نقصي رغباتنا عن كل ما ليس لنا. لأن الظمأ إلى مال القريب شديد،لا محدود، ليس له أبدا ارتواء، كما كتب "عين الجشع لا تشبع من نصيبه"(سي9:14).

19 – "انهم التجار الذين يرغبون في النقص في التموين أو الغلاء في البضاعة،والذين يحزنهم أنهم ليسوا الوحيدين للشراء والبيع،فيتمكنوا من البيع بأغلى ثمن والشراء بأرخصه؛ وأولئك الذين يتمنون أن يكون الناس في عوز حتى يصيبوا ربحا أكبر،إما ببيعهم أو بالشراء منهم.والأطباء الراغبون بوجود مرضى، ورجال القانون المطالبون بقضايا و دعاوى هامة وعديدة"… ص 708

20 – ملئوا من أنواع الخبث والطمع والشر وملئوا من الحسد والتقتيل والخصام والمكر والفساد.

21 – عندما أراد الملك ناتان حث الملك داؤود على الندامة، روى له قصة الفقير الذي لا يملك غير نعجة وحيدة، كانت عنده كابنته ،والغني الذي على ما كان له من قطعان كثيرة، حسد الأول وانتهى به الأمر إلى أن يسرق منه نعجته.

22 – "يحارب بعضنا بعضا والحسد هو الذي يسلحنا لنقاتل بعضنا بعضاً، فإذا استشاط الجميع هكذا على جسد المسيح ليزعزعوه فإلى أين سنصل؟ إننا نوهن جسد المسيح. نعلن أننا أعضاء كيان واحد وننهش بعضنا بعضا كما تفعل الضواري ".

23 – "من الحسد يولد البغض والنميمة والافتراء، والفرح الناتج من مصيبة القريب، والحزن الناجم عن وجوده في السراء".

"انك تريد أن ترى الله ممجدا بك ؟ إذن افرح بتقدم أخيك، وبذلك بك يتمجد الله . ويقول الجميع:" تبارك الله" الذي له أمثال هؤلاء العبيد الأحرار من كل حسد، الذين يفرح بعضهم لفرح بعضهم الآخر".

24 – وأما الذي يكون حجر عثرة لأحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فأولى به أن تعلق الرحى في عنقه ويلقى في عرض البحر . الويل للعالم من أسباب العثرات! ولا بد من وجودها، ولكن الويل للذي يكون حجر عثرة !.

25 – اكنزوا لكم كنوزا في السماء

26 – ما من أحد يستطيع أن يعمل لسيدين لأنه إما أن يبغض أحدهما ويحب الآخر : لا تستطيعوا أن تعملوا لله وللمال

27 – فقال له بطرس:" فسّر لنا المثل " فأجابه أو أنتم حتى الآن لا فهم لكم؟ ألا تدركون أن ما يدخل الفم ينزل إلى الجوف ثم يخرج في الخلاء ؟ وأما الذي يخرج من الفم ينبعث من القلب، وهو الذي ينجس الإنسان .فمن القلب تنبعث المقاصد السيئة والقتل والزنى والفحش والسرقة وشهادة الزور والشتائم . تلك هي الأشياء التي تنجس الإنسان ، أما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الانسان.

28- الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون فإنكم أشبه بالقبور المكلسة يبدو ظاهرها جميلا وأما داخلها فممتلىء من عظام الموتى وكل نجاسة، وكذلك أنتم تبدون كظاهركم للناس أبرارا ، واما باطنكم فممتلىء رياء وإثما .

29 – فقال له:"أحبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك. تلك هي الوصية الكبرى والأولى . والثانية مثلها: أحبب قريبك حبك لنفسك .بهاتين الوصيتين ترتبط الشريعة كلها والأنبياء".

30 – الوصية التاسعة تتعلق بالشهوة التي تؤدي للزنى

31- الوصية العاشرة تتعلق بالشهوة التي تؤدي للسرقة.

32 – ر مي 2 : 2

33 – حك 14 : 12