التنشئة المسيحية… لمَن..؟ وإلى أين..؟

"هو ذا الزارع قد خرج ليزرع" (مرقس4:3)

     

مقدمة

[ان الله "يريد أن يصل الجميع الى الخلاص الأكيد، وأن يصلوا الى معرفة الحقيقة"(1طيم2/4)، أي يسوع المسيح. لذلك وجب أن يُبَشَّر بالمسيح لدى جميع الأمم، حسب وصيته هو: " أذهبوا وعلّموا كل الأمم" (متى28/19). هذا ما يحدث في التقليد الرسولي.] تعليم الكنيسة الكاثوليكية – الاعتراف بالايمان المسيحي أو النؤمن رقم (11)

….. إنّ خدمة التعليم المسيحيّ من خدمات الكنيسة الأساسيّة، بدونها لا يستطيع الولدُ أن ينمو بالإيمان، ولا الراشد أن يطلب المعموديّة، ولا المؤمن أن يعيش مسيحيّته عيشًا مستنيرًا. لذا أولتها الكنيسة اهتمامًا خاصًّا منذ نشأتها فأقامت جماعة الموعوظين للراغبين في الانضمام إليها حيث يتعلّمون حقائق الإيمان المسيحيّ، ويتمرّسون بعيشها. وبعد قبولهم أسرار التلمذة، يتفقّهون بمعاني رموزها وإدراك مفاعيلها.

وما زالت الكنيسة ساهرة على أداء هذه الخدمة عملاً بوصيّة الربّ: "إذهبُوا وتلمذوا جميع الأمَم وعمِّدوهُم (…) وعلِّموهم أن يعملُوا بكلِّ ما أَوصيتكم به" (متى 28/19). وإلى وَعيها المخاطر المحيطة بأبنائها المُعرّضين "للانحياز إلى مُعلِّمين يكلِّمونهم بما يُطرب آذانَهُم" (2 طيم 4/3) وللانقياد إلى مغريات العالم، فهي تَعلم أنَّ البشريَّةَ ما زالت تربة خصبة تقبَل زرع الكلمة وتُثمر ثمار خلاص، شرط أن يستوفي الزارع ما تستلزمه البشارة من نعمة إلهيَّة وجدارة تربويَّة وَتفرّغ ودعم المسؤولين الكنسيّين. ولذا فإنَّها تعهد في التعليم إلى "أُناسٍ أُمناء وأهل ليعلِّموا غيرهم" (2 طيم 2/2).

ولا تكتفي التلمذة بالتعليم بل تسعى إلى جعل التلميذ يتخلَّق بخلق المسيح فيفكِّر أفكاره، ويعمل أعماله، ويقف مواقفه؛ وهذا ما عناه الرسول بقوله: "بالبشارة ولدتُكم في المسيح يسوع" (1 قور 4/15)؛ و"يا أبنائي، إنّي أتمخَّض بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غل 4/19) (1).

 

تساؤلات تمهيدية

… ولكن مارأيكم لو تعاونّا معاً في تحديد المصطلحات التي نستخدمها خلافاً لأحكامنا المُسبقة المعتادة (وربما من أهم مشكلات التنشئة عموماً مواجهة الأحكام والقوالب الجاهزة ..) .

 

بدايةً نقول : إنَّ السؤال (لمَن .؟) يوحي مباشرة بأشخاص عاقلين (مَن …؟) للعاقل بحسب قواعد اللغة، والسؤال (إلى أين ..؟) يقود أفكارنا إلى مكان أو موقع أو مواقع جغرافية معينة تشكل غاية مسيرة أو محطة وصول وهذا صحيح .. ولكن في موضوع التنشئة المسيحية نرى أنَّ جواب (أين ..؟) لا يقود إلى مكان بل إلى شخص ، وكل مسيرة إيمانية أو لقاء ديني أو مسيرة روحية مسيحية أو أي شكل من أشكال نقل الإيمان أو تربيته لا تقود إلى (شخص) (يسوع المسيح ابن الله الحي) هي مسيرة خادعة وباطلة لأنّ المسيح محور تعليمنا وينبوعه وغايته ((إنَّ النقطة المركزيّة الحيّة للكرازة بالإنجيل هي المسيح الذي صلب وقام من بين الأموات لخلاص جميع البشر.

المسيح هو قلب التبشير بالإنجيل الذي « يتمحور منهاجه، بالنتيجة، حول المسيح نفسه الذي علينا أن نعرفه ونحبّه ونقتدي به كي نحيا فيه حياة الثالوث ونحوّل معه التاريخ حتى اكتماله في أورشليم السماويّة. إنه منهاج لا يبدّله تحوّل الأزمان والثقافات، حتى إذا أخذ هو بعين الاعتبار الزمن والثقافة في سبيل حوار حقيقي وتواصل ناجع. هذا المنهاج الدائم هو منهاجنا للألفيّة الثالثة » .

…من المسيح، قلبِ الإنجيل، تتفرّع جميعُ حقائق الإيمان الأخرى ويشعّ كذلك الرجاءُ لجميع البشر. لأن المسيح هو النور الذي ينير كلَّ إنسان؛ وكلَّ من يُولد من جديد فيه يحصل على بواكير الروح التي تجعله قادراً على إتمام شريعة المحبّة الجديدة.)) الإرشاد الرسولي رعـاة القطيع – قداسة البابا يوحنا بولس الثاني رقم (27)

وهنا مثال (الصاروخ الذي لم يصل إلى الفضاء – مثال : قصة مسيرة القربان المقدس أو قصة محل الفروج المنظم) ويقول دليل التعليم المسيحي العام (رقم 40) [يسوع المسيح ليس فقط الأكبر في الأنبياء, إنّه ابن الآب, الابن الأزلي الذي صار ﺇنساناً, وبالتالي إنّه الحدث الأخير الذي نحوه تتّجه كل أحداث تاريخ الخلاص (لو 24: 27). في الواقع, إنّه كلمة الآب الوحيدة والكاملة لا يُعلى عليها.](2)

* أمّا السؤال (لمَن ..؟) سرعان ما يرسم أمام عيوننا صور أشخاص مختلفين ربما بحسب أعمارهم (أطفال – شبيبة – بالغين – مسنِّين) وبالتالي نرى التعليم يتكيَّف مع هذه الشرائح ويتوجّه نحوها بحسب طبيعة كل مرحلة … أو نرى أشخاصاً مختلفي الحاجات (أيتام – مهمَّشين ومشرَّدين – معاقين وأصحاب احتياجات خاصة – أحداث جانحين وسجناء – مرضى ومنازعين ..إلخ) وأيضاً يتعامل التعليم مع الأوضاع والعقليات والأوساط الخاصة ..وإن رأيناهم أشخاصاً من منابت وبيئات اجتماعية متفاوتة (عمّال – فلاحين – كادحين – أبناء مدن – أبناء ريف – أبناء دول العالم الثالث ..إلخ) فالتعليم يراعيهم ويتوجّه إليهم…

– كلُّ ما ذكرناه صحيح، ولكن بما أنّ الانسان لا يعيش في الفراغ، ولا يُعامَل دون حساب (الزمكنة) أي ظروف الزمان والمكان والبيئة والظروف الخارجية والداخلية، وضرورة التكيّف ومراعاة طبيعتها تجعل من هؤلاء الأشخاص – رغم خصوصيَّتِهم الانسانية وفرادتهم الشخصانية – تجعل التعليم مرتبطاً بمعطيات عامة داخلية وخارجية وربّما تؤدّي إلى نوع التخصص في التوجّه …وبالتالي اختيار وسائل وطرق وصول لهؤلاء الأشخاص ضمن شرائحهم ومواقعهم فتبدو الأمور بهذا الشكل وكأنّك تتوجّه في تبشيرك وتعليمك إلى مكان ما ذي مواصفات معينة وسمات خاصة وملامح مشتركة للأشخاص الذين يضمّهم مع احترام ضمني بفرادة كل شخص لكنّه لا يتجلـّى في التوجّه العام بل في العلاقة الخاصة التي تنشأ لاحقة لهذه التنشئة العامة وتأخذ أشكال المرافقة والإرشاد الروحي ، ونظراً لطبيعة التنشئة والتعليم المسيحي الذي يأتي بعد الإعلان الأول للإنجيل (الإعلان الأول للإنجيل موجّه إلى غير المؤمنين وإلى الذين يعيشون في اللامبالاة الدينية وموضوعه التبشير بالإنجيل والدعوة إلى التوبة ونتيجته ارتداد أو ايمان شخص وعماد شخص أي نتيجة فردية) ونظراً لدور التنشئة المسيحية في تجديد الجماعة المسيحية كما تلعب التنشئة المسيحية حلقة الوصل بين النشاط الرسولي الذي يدعو أشخاص إلى الإيمان وبين النشاط الراعوي الذي يُرسي أساسات صرح الإيمان(3) ويطوِّر ويُنضِج الشخص بعد إدخاله في الجماعة وتربية إيمانه ضمن الجماعة وهذا مايجعل هذه التنشئة نشاطاً أساسياً وليس اختيارياً إذ ينمّي شخصية التلميذ والجماعة في آن(4) . وبدون هذا التعليم أو هذه التنشئة يصبح العمل الرسولي التبشيري عقيماً وعديم الجدوى ، وبدونه يغدو النشاط الراعوي سطحياً وغامضا ً وأقل ريح تجعل الصرح يسقط (مت 7 : 24- 27) وبالتالي طبيعة التنشئة المسيحية او التعليم المسيحي لمُعمَّدين أو لمُرتدّين إلى الإيمان في توجّهه يحمل طبيعة جماعيّة ، فتصبح المعادلة كالتالي : ذهاب وتبشير وإعلان ثمّ استقبال وضم وتربية تستمر بالتنشئة المسيحية المستمرة بأشكالها المتعددة لتؤدي إلى عيش وتجديد وشهادة (تشكل مناخاً ومحيطاً وتربة للتبشير والإعلان لغير المؤمنين وهكذا ….)

وهكذا تبدو التنشئة المسيحية كأنّها تتوجه إلى جغرافية.. إلى أرض داخل الجماعة وإلى مكان داخل الفرد الذي يحيا في قلب الجماعة ومهمتها تجديد تربة وهواء ونثر البذار (مر4 : 1-20) ومحراثها (لو3: 17) بيد الكنيسة المؤتمنة على الجماعة وأدواتها في خدمة الفرد والجماعة معاً وتنظر دائما ً إلى الأمام وليس إلى الخلف (لو9: 62) (لاحظ الأمام موقع أو مكان) والأمام الذي ننظر إليه دائماً هو شخص يسوع المسيح (ناظرين إلى رئيس إيماننا ومكمله يسوع) ( 🙂 (وهنا الأمام شخص يسوع المسيح) مما يجعل هذه التنشئة أو هذا التعليم عنصراً أولوياً في تجديد الجماعة وفي التبشير أصلاً بل " إنّ ازدهار الكنيسة الداخلي وتجاوبها ومقاصد الله يتوقف عليها (أي التنشئة) (5) بل وهناك الخوف على المهتدين إن لم تحتضنهم جماعة تكون مكاناً وحضناً لنموّهم ونضجهم " ويخشى أن يصاب التعليم المسيحي بالعقم إن لم تحتضن الجماعة المسيحية الموعوظ الذي يكون قد قطع مرحلة في تلقّن التعليم المسيحي " (6) .

 

التنشئة المسيحية .. ماهي ..؟ وكيف تكون مسيحية …؟ أو ماالذي يطبعها بخاصيّة أو بهويّة مسيحية ..؟

تتداخل المعاني بشكل كبير بين تعليم مسيحي مستمر وهو يأتي بعد التعليم المسيحي الأساسي (التبشيري وتعليم مرحلة الموعوظية) وبين تربية الإيمان المستمرة والتنشئة المسيحية التي تحتضن معنى التعليم المسيحي للكبار (أكبر من الشبيبة بقليل (مافوق المرحلة الثانوية أي جامعية وما بعد الجامعة) أو التعليم المسيحي للبالغين.. كل هذه التداخلات لا تؤذي .. لأنّها بالمحصلة من حيث المضمون توصِل المسيح من جيل إلى جيل ، وتشجّع على إقرارٍ بالإيمان حيٍّ وظاهرٍ وذي فعالية فـ (التعليم المسيحي الحق هو دائماً ذاك الذي يمكن المرء معه أن يطّلع اطلاعاً أكيداً منتظماً أسلوبياً على الوحي الذي أعلن الله فيه عن ذاته ليسوع المسيح والذي تختزنه الكنيسة في أعماق الذاكرة وفي الكتب المقدسة وتنشره باستمرار ، عن طريق " التقليد " الحي الفعال من جيل إلى جيل)(8) وهذه التنشئة من حيث التوجّه تقود وتتوجه إلى كل الأشخاص الذين تحتضنهم هذه المعاني ، وكل شخص له الحق بلقاء يسوع والإقامة معه تحت أي اسم وفي أي إطار .. فالغاية هي العلاقة مع يسوع ، لأنّ كل تربية أو تنشئة تحمل علاقة وعلى الأقل بين المعلم والمتعلم والمعلم هو يسوع وهو مضمون التعليم وهو غايته وهذه العلاقة المتجددة تحرر الفرد وتجعله ابناً " يتحررون من سلطان الظلمات ويموتون ويدفنون ويقومون مع المسيح ، ويقبلون روح تبني الآباء ويحتفلون مع كل شعب الله بتذكار موت الرب وقيامته " (7)

 

هنا نسأل هل هناك تنشئة أو تربية مسيحية ..؟ وكيف تكون مسيحية حقاً ..؟

يقول البروفيسور جي أفانزيني، أستاذ التربية في الجامعة الكاثوليكية – ليون – فرنسا [ فمن الصعب أن نتكلم عن " تربية مسيحية " بمعنى " علم مسيحي للتربية " . لا توجد " تربية مسيحية "، كما لا يوجد " طب مسيحي " ولا " هندسة مسيحية ". ولكن يمكن القول بأنّه توجد بالفعل " رؤية مسيحية للتربية "، أي رؤية مسيحية لكلِّ ما يخصُّ التعليم والتربية: كالمدرسة، طرق التدريس، تربية الضمائر والسلوك الخ… لأنَّه توجد رؤية مسيحية للإنسان، هي التي تنبثق من الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة.

إذا، بالرغم من وجود هذه العناصر المتغيرة عبر التاريخ: نلاحظ أيضاً بعض العناصر الثابتة التي يتّسم بها الأسلوب المسيحي في التربية والتي ينبغي ذكرها عندما نريد أن نقيّم رسالة المدارس والمؤسسات الكاثوليكية وممارساتها وأنشطتها التربوية والدور الذي تلعبها في المجتمع.

وعندما يقول إنجيل لوقا عن يسوع " وكان ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس " هل يعني أنّ النمو بكافة أشكاله حكراً على المسيح ..؟ أو على المسيحي فيما بعد..؟ ألا ينمو غير المسيحي بالقامة والحكمة والنعمة ..وغير ذلك ..؟ بلى جميع البشر ينمون ولكن الفرق أنّ الانسان ينمو على مثال المسيح وأمام الله (أبيه) كما المسيح فيصبح هذا النمو مسيحياً ، والقامة تصبح أيقونة للمسيح وهيكل للروح القد س ومسكن للمسيح ، والحكمة لا تنحصر بحكمة العالم ومعارفه وعلومه بل تصبح حكمة الله التي كشفها للصغار والبسطاء التي الحكمة التي رأسها مخافة الله كما يقول سفر الأمثال هذه الحكمة التي ترى في الصليب افتخاراً ومجداً وليس جهالة أو عثاراً ، أمّا النعمة على مثال المسيح فهي نعمة البنوّة للآب والعلاقة الدائمة مع المسيح الابن والسير بهدي البارقليط المؤيد المعزي وعلى نوره في ظلمات هذاالعالم .. بهذا يكون النمو مسيحياً .. والتربية لتكون مسيحية عليها أن تنطلق من رؤية مسيحية لكل شيء (لله وللكون وللعالم و..و..) وترتكز إلى ثوابت مسيحية

 

(حسب أفانزيني) في هويتها نشير إلى بعضها :

1 – القناعة الراسخة بضرورة التربية

إذا كانت غاية حياة الإنسان الاهتداء الحرّ بكلام المسيح فيجب تمكين كل إنسان من سماعها وقبولها وتعميقها. فالوحي المسيحي هو تسليم واستلام، إعلان ومعرفة، عرض وقبول وهذا يُعتبر جوهر الرؤية المسيحية للتربية. إنَّ التربية، وبصفة خاصّة التعليم: تساعد الإنسان على قبول البشرى عن طريق قراءة وفهم الكتاب المقدس.

ففي تاريخ الخلاص الذي بادره الله باختيار شعبه، نرى في الكتاب المقدس: كيف أن الله ربّى شعبه وقاده عبر القرون لأجل مجيء المسيح. هكذا كرّس يسوع المسيح حياته العلانية لتعليم وتربية تلاميذه كما أنشأ الكنيسة لتكملة هذه المهمّة. هكذا نرى أنَّ عمل الله الخلاصي هو عمل تربوي بحت.

 

2 – القناعة بقدرة الإنسان على اهتدائه الحياة الجديدة

إنّ يسوع المسيح، عندما اكتسب بحياته وموته وقيامته صفة أبناء الله لجميع البشر جعل الجميع قادرين على السير في طريق الخلاص والقداسة. ونرى في نداء يوحنا المعمدان للتوبة أول نداء إلى التربية المستمرة وإظهار الربط الوثيق بين الاهتداء بالحياة الجديدة والتربية التي تقود إليها (" فيرى كلّ بشر خلاص الله ")لو 3، 6.

إذا كان كل عمل تربوي يُعتبر تحديا كبيرا لأنّ نجاحه ليس مضموناً، فبالأحرى التربية المسيحية التي تدعو كل إنسان للإجابة على نداء الله الخاصّ به: ضمانًا أكيداً أمام كل معضلات العالم .

 

3 –  القناعة بأنَّ التقدُّم الشخصي والجماعي يتعلق بالإنماء الروحي

اهتداء القلب أهمّ من ضبط الأنظمة والمناهج،. لذا اهتمّت الكنيسة بتكوين العقول جيلاً بعد جيل وبالنضوج التدريجي على ضوء القيم الإنجيلية. وكما اعتبر المسيحيون التبشير يالمسيح عنصراً أساسياً لتنمية المجتمع الحقيقية، اعتبروا أيضا بالمثل أنَّ التربية والتعليم تمهّدان الطريق للتبشير بالمسيح (البابا يوحنا بولس: "رسالة الفادي").

 

4 – القناعة بأهمّية عنصر الزمن

تستهدف التربية التأثير على المدى الطويل. فهي تنطلق من لا شيء وتنتظر ظهور نتيجة مجهوداتها بصبر مثل ما عمل الله في تربية الشعب المختار عبر التاريخ. مثل يسوع المسيح أيضاً الذي أهَّل نفسه لحياته العلانية القصيرة بثلاثين سنة من حياته في الخفاء والصمت. كذلك يحتاج تكوين الإنسان عموماً والمسيحي خصوصاً إلى مراحل متتالية طويلة .

 

5 –  إعطاء الأولوية للقيم الإنجيلية (إنسانية وروحية)

….التنشئة المسيحية تهدف إلى إبراز أهداف ومعاني الحياة ودوافعها. وتعرض من خلال التعليم الجيد مفهوم الثقافة المبنية على القيم اﻹنجيلية كما تدرّب النَّشء على تحمّل مسئوليات الإنسان المسيحي. وتركّز على القيم التي توجّه وتنوّر التعليم والثقافة، تلك القيم الإنجيلية التي تجب إنماءها في النشىء.

هذه الثوابت تجعل تنشئتنا أو تربيتنا أو تعليمنا يأخذ الصفة أو الهوية المسيحية على مثال المسيح أو للمسيح أو بحسب مشيئة المسيح ، أو كما يرى الأب البرفيسور الألماني هاتْس كـُونْغ أنّ الهوية المسيحية تأتي من صلة خاصّة برجل خاصّ يُسمّى " المسيح "(إنّ ما هوخاص وطريف على الإطلاق في الدين المسيحي هو أنّه في النهاية يعدّ المسيح هذا شخصية أساسيّة وتحديديّة ومقياسيّة في مختلف أبعاد الوجود البشري) وهذه الصلة الخاصة يجب أن تكون حاضرة في كلِّ شيء في الأقوال والأفعال فيؤكد) فإنْ أراد المسيحي أن يكون له معنى في نظر أعضاء الديانات الأخرى والحضارات العصرية ، فلا يكفيه أن يكون عصريّاً، بل عليه أن يترجم في الأقوال والقِيَم والأعمال ما هو خاص به ، مُعترفاً بأنّ يسوع هو السلطة المطلقة. أجل لا بدَّ للمسيحي من أن يكون منفتحاً على كل ما هو غير مسيحي ، بل لا بدّ له ، في الوقت نفسه، أن يتجنّب كلّ غموض يناقض الدين المسيحي . فعلى مسيحيّة المسيحيّين أن تبقى مسيحية ، ولا تبقى مسيحيّة إلاّ بتمسِّكها بالمسيح الواحد) (10)

 

لكن ما معنى تنشئة ..؟

ما رأيكم أن نستخرج بعض المعاني من المنجد في اللغة العربية (11) :

*  مسيرة نمو نحو الفهم والإدراك (نشأ ونشوءًا ونشأة ونَشاء ونشاءة الطفل : شبّ وقرب من الإدراك) .

*  ارتفاع وسمو (النشىء للغيمة = ارتفعت ، والنشأة ما ارتفع أو ظهر من النبات ولم يغلظ بعد).

*  تربية ورعاية (نشّأ تنشئة ، نشَّأه = ربّاه) .

*  خلق وإبداع وإيجاد شيء جديد (نشأ الشيء = استحدثه ، نشأ الله الشيء = خلقه) .

*  بناء وإعمار (أنشأ فلان داراً = بدأ بناءها) .

*  بداية لعمل طويل ولكن لابد من الشروع به حتى ولم نضمن الوصول إلى نهايته (نشأ يكتب – وهو من أفعال الشروع) .

*  متابعة وبحث (استنشأ الأخبار : تتبّعها واستقصاها) .

*  انتماء (أنشأ من المكان : خرج منه ، ويقال (من أين أنشأت أي من أين خرجت).

*  سعي ومسيرة وهمّة (تنشَّأ تنشُّؤاً إلى حاجته: نهض إليها ومشى) .

*  أقوال وأحاديث وابتداع كلمات وتعابير (أنشأ الحديث أو الكلام : وضعه وابتدأه، ومنه "علم الإنشاء ") .

*  مواليد وصغار (النَّشء (مص) ج نَشَأ : النَسْل . يقال " هو نَشءُ سوءٍ أو من نَشءِ سوءٍ ، جمع الناشىء، صغار الإبل) .

*    قيامة أو قيام بعد سكون أو رقاد (القومة بعد النومة) .

*    نور بعد ظلمة ونهار بعد ليل (الناشىء : أول النهار) .

– ولو تأملنا هذه المعاني ألا ندرك أنّ التنشئة هي رعاية وتربية لمن ولدهم الايمان أو لصغار مهما اختلفت أعمارهم في مسيرة نمو نحو إدراك معنى ارتباطهم بالمسيح وانتمائهم له، وهي مسيرة تحتاج إلى متابعة مستمرة ولكن لابد من البدء بها بسعي وهمة، وهدف يجب القيام إليه لبناء هؤلاء الأشخاص من خلال الأقوال والكلام والوعظ والتعليم والابداع ، ليكونوا خليقة جديدة تسمو وترتفع إلى ملء قامة المسيح الذي عندما ارتفع جذب إليه جميع الناس، ليدركوا نور الإيمان أو اللقاء بالله بعد ظلمة الضلال أو الابتعاد عن الله ، ويبلغوا فرح القيامة بعد نومة الضعف البشري …ألا تتلاقى هذه المعاني مع ما قاله المجمع الفاتيكاني الثاني في قرار " في نشاط الكنيسة الإرسالي " (15-عندما يدعو الروح القدس جميع البشر إلى المسيح بِبَذرِ الكلمة والكرازة بالإنجيل، ويبعثُ في القلوب طواعيّةَ الإيمان، يلدُ في جرنِ مياهِ المعمودية، لحياةٍ جديدة، أولئك الذين آمنوا بالمسيح، ويَجمعهم في شعبِ اللهِ الواحد وهو "جيلٌ مختارٌ، كهنوتٌ ملوكيٌ، أمّةٌ مقدسة، وشعبٌ مقتنى" (1بط2: 9) أو مع الصورة التي رسمها المجمع عن التنشئة أو التربية المسيحية في بيانه في "التربيةالمسيحية" (للمسيحيين حق تربية مسيحية وقد غدوا خلائق جديدة بعد أن ولدوا من الماء والروح القدس ، فدعوا بالتالي أبناء الله، وأنهم لكذلك في الحقيقة. ولا ترمي هذه التربية أن تؤمن للشخص الإنساني النضوج الذي وصفنا فيما سبق وحسب، بل ترمي خاصة كي يغدو المعمدون في بادىء الأمر وفي كل يوم، وقد دخلوا خطوةً خطوةً الى معرفة سر الخلاص، أشد وعياً لهبة الإيمان التي اقتبلوها. وليتعلموا أن يعبدوا الله الآب بالروح والحق، في العمل الطقسي أولاً فيتحولون بنوع أنهم يقودون حياتهم الشخصية وفقاً للإنسان الجديد في البرِّ والقداسة الحقيقية، وينتهوا هكذا الى حالة الإنسان البالغ، الى ملء إكتمال المسيح مساهمين في نمو الجسد السري. علاوة على ذلك، فليتعود المسيحيون، وقد أصبحوا واعين لدعوتهم، أن يشهدوا للرجاء الذي فيهم، ويساعدوا على تحويل مسيحي للعالم، به تسهم القيم الطبيعية في خير المجتمع بكامله، وقد أخذت وأدمجت في نظرة شاملة للإنسان الذي افتداه المسيح. لهذا يذكر المجمع المقدس رعاة النفوس بواجبهم الخطير وهو ألا يألوا جهداً في العمل، كي يفيد كل المؤمنين من هذه التربية المسيحية، وخاصة الشبان الذين هم أمل الكنيسة)(12)

 

مرتكزات التتنشئة المسيحية

امتازالمؤمنون -عبر الأجيال والتقلّبات التاريخيّة – بالتشبّث بثوابت مكّنتهم من الصمود والرسوخ في الإيمان المستقيم، وللتعليم المسيحيّ في الكنيسة مرتكزاته الثابتة مهما تطوّرت أساليب أدائه وتبدّلت اللغة (13) ونذكر منها:

أ – الحرص على سلامة الإيمان وعيشه في الشركة التّامة مع القيّمين على رعاية الكنيسة وخدمتها والمتشبّثين بالجذور التي منها نشأوا واغتذوا. "فكنيسة الله الحّي هي ركن الإيمان ودعامته" (1 طيم 3/15).

ب – استلهام تعليم الآباء الذين حفظوا لنا هذا الإيمان بالتعمّق فيه، والدفاع عنه، وتعليمه بجدّ وغيرة، وكثيرون منهم مَهَروه بدمائهم. والكنيسة إذ تقرأ كتاباتهم في احتفالها بالخدمة الإلهيّة، ترتوي ممّا فيها من تعليم، وإرشاد، وتشجيع.

ج – الكتاب المقدّس والتقليد الكنسيّ كانا ولا يزالا منهل الحقيقة، والحياة المسيحيّة الأصيلة. منهما اقتُبست الصلوات والقراءات الليتورجيّة التي طالما سمعها المؤمنون وحفظوها. أمّا اليوم وقد غدا الكتاب المقدّس بمتناول الجميع، فيجدر بالمسيحي أن يألفه بالمطالعة والتأمّل فيصير "مصباحًا لخطاه ونورًا لسبيله".

د – من قبل أن تطبع الكتب، وبعد انتشارها دأب الأساقفة، والكهنة، والرهبان على تعليم المؤمنين وإنهاجهم طريق الفضائل الإنجيليّة بإعلان الكلمة وشهادة السيرة. وما زالت هذه الخدمة أولى الخدمات في الكنيسة ولها يتفرّغون.

هـ- دأب المسيحيون بمختلف انتماءاتهم الطائفية على المسالمة والمحبّة مع المسيحيّين الآخرين، والتعاون وإيّاهم ولاسيّما في أزمنة المحن. الآن وقد تطوّرت العلاقة بينهم تطوّرًا إيجابيًّا فهي تقتضي منهم انفتاحًا متبادلاً وسعيًا متواصلاً إلى الوحدة التامّة في المسيح.

و – يعتبر المسيحيون تعايشهم (والأصح عيشهم) مع المسلمين، تدبير عناية إلهيّة. إذ يشهدون بينهم للمسيح ومحبّته، ويتعاونون وإيّاهم على بناء المجتمع والوطن، ساعين إلى التساوي في الحقوق والواجبات، مقدّرين ما في الديانتين من قيم مشتركة، "مستعدّين لإجابة كلِّ من يطلب منهم دليلاً على الرجاء الذي فيهم" (1 بط 3/16).

ز – القدّيسون والقدّيسات في الكنيسة تعليم حيّ بليغ، وإنجيل خامس كُتب في كلِّ عصر بلغته، وعُزف بلحنه. وهم يقولون للمعلّمين والمتعلّمين معًا: "اقتدوا بنا مثلما نقتدي بالمسيح" (1 قور 11/1) على ألاّ يتوقّف التعليم المسيحيّ عند المعجزات التي صنعوا، بل يُبرز شهادة سيرتهم الإنجيليّة التي يستطيع المؤمن أن يعيشها ويتقدّس.

ح – وسط التغيُّرات الطارئة، لا بدّ من أن يواكب المسؤولون عن التعليم المسيحيّ مسيرة كلِّ أفراد شعب الله بحسب أعمارهم وظروفهم وأوضاعهم. فإذا كانت المدارس تؤمِّن التعليم المسيحيّ للأولاد، فهذا لا يعفي الرعيَّة من دورها. أمّا الذين نُسمّيهم "راشدين" فوضعهم يختلف.

ط – في الأمس كان الراشدون مُتشابهين إلى حدٍّ كبير. ولم تكن للفرادة والشخصانيّة المكانة التي لها اليوم. يتميّز عالم الراشدين اليوم بتنوّع لافت إذ هو عالم الاختصاص. وهذا الواقع يفرض على المسؤولين عن تنشئة الراشدين المسيحيّة تنوّعًا في الأساليب والمضامين والمناهج والأهداف لتحقيق الغاية القُصوى الواحدة وهي إعلان الإنجيل.

لقد أُتيح لعالم الراشدين اليوم الانفتاح على ثقافات متنوّعة وتقنيّات جديدة. فقد أصبح كلّ إنسان مُتعدِّد الانتماءات الثقافيّة يسعى إلى تأسيس نظرته الخاصّة إلى كلّ ما يدور حوله، ولكن بصعوبة بسبب وفرة المُعطيات والتحوّلات. ولا شكّ أنَّ في هذا كلِّه ما يؤثِّر، إيجابًا أو سلبًا، على نقل البشارة الإنجيليّة في عالم اليوم.

وفي عصر الاستهلاك والماديَّةِ والتهافت على الإنتاج أكثر من الاستنتاج، أصبح من الصعب إعلان الإنجيل الذي يدعو إلى التحرُّر، وتحرير الإنسان والعالم. نحن في عالم يكثر فيه الكلام على الحوار وخاصّة حوار الحضارات والأديان، وازداد فيه الاختلاف وبالتالي الخلاف. والإنجيل هو دعوة للِّقاء والشراكة.

 

مهمّات التعليم المسيحي التي تشكل مضمون وأساليب مسيرة التنشئة (14) :

– يبلغ التعليم المسيحي غايته عبر مهمّات مختلفة تتداخل الواحدة في الأخرى. ولاستخدامها, يستوحي التعليم المسيحي الأسلوب الذي اتّبعه يسوع لتدريب رسله:

× كان يُطلعهم على أبعاد ملكوت السماوات المختلفة: ("أمّا أنتم فقد أنعم عليكم بالإطلاع على أسرار ملكوت السماوات" (متى 13: 11).

× وكان يعلّمهم أن يصلّوا ("عندما تصلون, قولوا: أبانا… " (لوقا 11: 2).

× وكان يعرض عليهم الحالات اﻹنجيلية ("تتلمذوا لي, أنا الوديع المتواضع القلب"(متى 11: 19).

× وكان يلقّنهم الرسالة ("أرسلهم اثنين اثنين…" لوقا 10: 1).

إنَّ مهمّات التعليم المسيحي تناسب تربية أبعاد اﻹيمان المختلفة, لأنَّ التعليم المسيحي هو تربية مسيحية أساسية "مفتوحة على كل العناصر التي تؤلف الحياة المسيحية." (البابا بولس السادس "واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا") فاﻹيمان يقتضي, بقوّة ديناميته الداخلية, أن يكون معروفاً ومُشتهراً و"معاشا"ً ومُعبَّراً عنه بالصلاة, وعلى التعليم المسيحي أن يُنشِّط كلاًّ من أبعاده. إنَّما اﻹيمان يُعاش في الجماعة المسيحية ، ويُبشَّر به في الرسالة:إنَّّه ﺇيمان مشترك ومُبشَّر به. هذه الأبعاد أيضاً يُنشّطها التعليم المسيحي.

 

لقد عبّر المجمع الفاتيكاني الثاني عن هذه المهمّات كالتالي (15) :

× "تُنير التنشئة اﻹيمان وتقوّيه.

× وتغذّي الحياة حسب روح المسيح.

× وتَعُودُ ﺇلى الاشتراك الفعّال والواعي في الأسرار الطقسية.

× وتحثُّ على العمل الرسولي".

بعض الاعتبارات حول مجموع هذه المهمّات:

– ﺇن مهمّات التعليم المسيحي الأساسية (بحسب الدليل العام للتعليم المسيحي) هي:

* التشجيع على معرفة اﻹيمان

*  التربية الليتورجية (الاحتفال)

*  التربية الأخلاقية

*   تعليم الصلاة

 

– ﺇن مهمّات التعليم المسيحي الأخرى هي:

*  التربية على الحياة الجماعية

*  التنشئة على الرسالة

– المهمّات كلها ضرورية. فكما أنَّ الجسم البشري هو بحاجة كي يحيا ﺇلى أن تعمل كلُّ أعضائه, هكذا تحتاج الحياة المسيحية, لتبلغ نضجها, ﺇلى تنمية كلِّ أبعادِها: معرفة اﻹيمان, الحياة الطقسية, التربية الأخلاقية, الصلاة, الانتماء الجماعي, الروح الرسولي. فإذا ما أهمَل التعليم المسيحي أحد هذه الأبعاد, لا يبلغ اﻹيمان المسيحي ملء نموّه.

– تتداخل المهمّات بعضها الآخر وتتطوّر معاً. إنَّ كلَّ موضوع كبير, كالتعليم المسيحي حول الله الآب, على سبيل المثال, له بُعد معرفة وتضمينات أخلاقية, تبطنه الصلاة وتضطلع به الشهادة. إنَّ مهمّة تدعو الأخرى. فمعرفة اﻹيمان تُعِدّ للرسالة, والحياة الأسرارية تعطي القوّة لتبدُّل أخلاقي.

 

– كي يحقّق التعليم المسيحي مهمّاته هذه يلجأ ﺇلى وسيلتين كبيرتين:

* إلى نقل الرسالة اﻹنجيلية

* وﺇلى ممارسة الحياة المسيحية.

… وكما أشار ﺇلى ذلك الدليل العام للتعليم المسيحي (1971): "إنّه لمن الأهمّية بمكان أن يحافظ التعليم المسيحي على هذه الثروة ذات الأوجه المختلفة, بمعنى ألا يعزل أيّ وجه على حساب الأوجه الأخرى"

 

خاتمة

إنّ يسوع المسيح هو محور رسالتنا وتعليمنا وتنشئتنا .. وكلامه ينبوع الرسالة ومعيار عرضها ونقلها ، وإذا كانت التنشئة هي علم تربية الإيمان فعلياً ، فهذا يعني وعيها لطبيعتها وأنّه لا يمكنها في تتميم مهماتها أن تُسلِم قيادَها لاعتبارات إيديولوجية أو لمصالح محض بشرية . ولا تخلط بين عمل الله الخلاصي الذي هو نعمة خالصة، مع العمل التربوي البشري ولا تسمح بأن يعارض أحدهما الآخر ولا تفصل بينهما .. ففي علاقة الله بالبشر وأمانته للإنسان ظهرت مدرسة الله للإنسان، وفيها ظهر علم تربيته مُكيّفاً باهتمام وتودد لغته مع وضعِنا البشري، وهذا يقتضي البحث عن اللغة الجديرة بنقل الإيمان لكلِّ السامعين بمختلف أوضاعهم وبأشكال مستمرة ومتعددة كدرس الكتاب المقدس والتعمّق فيه، وفي القراءة المسيحية للأحداث وفي التعليم الظرفي الذي يساعد على عيش رؤية إيمانية لمختلف ظروف الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية، ولا تتأخر هذه التنشئة في فتح آفاق جديدة للروحانية وللصلاة وللسير في إثر يسوع ، كما تحثُّ على التعمّق المنهجي في فهم الإيمان وزيادة الرجاء في العالم المعاصر، ومن الضروري أن تكون هذه التنشئة متسلسلة ومترابطة بتناغم بين كافة المراحل لتبدو كمشروع تعليمي مستمر للجماعة وفي الجماعة " ومن الأهمية بمكان ألاّ يكون التعليم المسيحي للأولاد والشبّان، والتعليم المسيحي المستمر، والتعليم المسيحي للبالغين ، قطاعات منفصلة لا اتصال بينها .. لا بل يجب أن تتكامل في ما بينها " (16)، ونختم باستشهاد من خلاصة الدليل العام للتعليم المسيحي (إنَّ فعالية التعليم المسيحي هي عطية من الله ، وستبقى من خلال عمل روح الآب والابن . لأنَّ تعلُّق التعليم المسيحي الكلّي بتدخُّل الله ، يلقّنه الرسول بولس إلى القورنثيين عندما يذكّرهم : " أنا غرستُ وأبلُّس سقى ، ولكن الله هو الذي ينمّي . فليس الغارس بشيء ولا الساقي ، بل ذاك الذي ينمي وهو الله (1كو 3 : 6-7) .

لا يكوننَّ أبداً تعليم مسيحي ولا تبشير بالإنجيل دون عمل الله الذي يعمل بروحه. في ممارسة التعليم المسيحي، لا التقنيات التعليمية المتطورة جداً، ولا معلم التعليم المسيحي الذي يتمتّع بشخصية إنسانية أخّاذة بقوة، يحلُّ محلّ عمل الروح القدس الصامت والمتكتّم . إنّه هو

" المحرِّك الحق للبشارة الكنسية " للذين ينمون نحو الرب . فعلاً ، إنّه هو " الملهم الأساسي لكل عمل التعليم المسيحي ولكل الذين يـُتمّونه ") (17)

 عن موقع جمعية التعليم المسيحي في حلب

 

 

المراجع

* الكتاب المقدس – العهد الجديد – الترجمة اليسوعية.

*  دليل التعليم المسيحي العام .

* التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية .

* كتاب(هوية المسيحي) تأليف : الأب هانس كونغ الألماني . اقتباس وتعريب: الأب صبحي حموي اليسوعي – دار المشرق – بيروت 2006

*  المنجد في اللغة والأعلام – الطبعة الثالثة والثلاثون – دار المشرق –بيروت 1992.

*  وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني – قرار في نشاط الكنيسة الإرسالي .

*  وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني – بيان في التربية المسيحية.

*  وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني – قرار في رسالة العلمانيين

* الإرشاد الرسولي (رعاة القطيع) قداسة البابا يوحنا بولس الثاني .

* الإرشاد الرسولي (رجاء جديد للبنان) قداسة البابا يوحنا بولس الثاني .

  * الإرشاد الرسولي (واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا) قداسة البابا يوحنا بولس الثاني .

* المجمع البطريركي الماروني .

 

الحواشي

1قرار في نشاط الكنيسة الإرسالي – رقم (2).

2دليل التعليم المسيحي العام (40) .

3القديس كيرللس الأورشليمي :  واجب الاستنارة بالتعليم المسيحي 1\\11(الآباء اليونان 33 ، 351) .

4دليل التعليم المسيحي العام (61-63-64) .

5التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1122 .

6واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا 24.

7راجع  التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1212، 1229

8واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا 22؛ راجع 518،21 ب

10من كتاب (هوية المسيحي) ص 11-12 تأليف: الأب هانس كونغ الألماني. اقتباس وتعريب: الأب صبحي حموي اليسوعي –دار المشرق –بيروت 2006 .

11المنجد في اللغة والأعلام – الطبعة الثالثة والثلاثون – دار المشرق –بيروت 1992.

12قرار في نشاط الكنيسة الإرسالي – رقم (2).

13المجمع اللبنانيّ"، القسم الأوّل (في الإيمان الكاثوليكيّ)، الباب الثاني (في التعليم المسيحيّ والتبشير بكلام الله).

14دليل التعليم المسيحي العام (84، 85، 87).

15ت م 4 راجع رتبة تنشئة البالغين 19، الحق القانوني 788، 2 .

16واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا 45 ج

17دليل التعليم المسيحي العام (288).