د. البزرى : النساء يرتدين النقاب هروباً من المساءلة الأخلاقية !!

24/08/2008

 

تجربة جريئة جدا في قضية تستحق المغامرة. الدكتورة «دلال البزرى» – أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية – لم تكتف بالتنظير والتنقيب في الكتب والإدلاء بالحوارات، بل ارتدت النقاب، ونزلت الشارع، وسجلت ملاحظاتها على الشارع المصري من خلال شق ضيق في نقاب داكن، لتكمل بذلك تجربة علمية تعرف هي قواعدها جيدا، ويزيد من قيمتها أن من قامت بالرصد هي امرأة في نهاية المطاف، واعية بمشكلات بنات جنسها، ومهمومة بالبحث عن حلولها، ويغضبها التناقض الرهيب بين ما يعبر عنه الرجال بألسنتهم وما يخفونه في صدورهم.

لماذا أصبح جسد المرأة محور اهتمام المجتمع؟

– بشكل عام يرجع ذلك لأن العالم الخارجي كان قديما هو عالم الرجال.. وكانت المرأة من بيت أهلها إلى بيت زوجها.. ومن بيت زوجها إلى القبر! وبشكل تدريجي مع بداية القرن الماضي وحتى الآن، دخلت النساء مجال العمل العام، وظهرن في أعمال التسوق والتعليم، فضلا عن المجال السياسي، فاحتللن مكانة كبيرة في المشهد العام، بالإضافة إلى عالم الشاشة، الذي يعد عالما مؤنثا بامتياز! وأعتقد أن الجمهور يفضل أن يرى على الشاشة مذيعة وليس مذيعا، ومقدمة برامج وليس مقدم برامج، لأن لديهن جاذبية معينة، فصار المشهد التليفزيوني مليئا بالسيدات، وأصبح مجمل الوضع أن جسد المرأة بالخارج، وقد نلخص أسباب ذلك بأنه كانت هناك دفعة من الحداثة، فالحداثة كانت لديها موجات قوية لإخراج النساء إلى التعليم والعمل بالسياسة، ولكن هذا التكاثف في ظهور النساء في السنوات الأخيرة واجهته موجة أخرى أتت في نفس التوقيت تقريبا وهى موجة التيارات الإسلامية، وكأنهما أتيا متضادين. موجة نساء يكتسحن المجال العام تواجهها موجة الفصل بين الجنسين والعودة للوراء والتحجب بصفته فصلا رمزيا بين جسد المرأة وجسد الرجل، وكل التعليمات المعروفة عن الأدبيات الإسلامية الأصولية من أول الإخوان المسلمين إلى أصغر خلية جهادية، هذا ملخصه الأسباب التي فتحت النقاش بهذا الشكل، وإذا قارنا مجموعة الأدبيات والأوراق التي طبعت ونشرت حول الحجاب من عشر سنوات حتى الآن، فلن نجد في التاريخ الإسلامي كله هذا القدر من الكلام والكتابة عن الحجاب، كما نجده في العقد الأخير. فانكباب الاهتمام على الجسد النسائي هو تعبير عن موجة حديثة رفضتها الموجة الإسلامية.

وهل هذا ما أحدث الازدواجية في نظرة الناس للجسد ما بين التحجب والظهور؟

– لا، ردود الأفعال هي التي صنعت هذا التناقض، ففي المجتمع المصري النموذجان اللذان يمثلان الـ Extreme هما المرأة المنقبة والدلوعة الخليعة شقراء الشعر التي غالبا لا يراها الناس إلا في التليفزيون، لكن إذا أردنا الدقة في تحديد الازدواجية نقول: إن الأيديولوجية السائدة الآن بين النساء والرجال تحكمها بذكورية مهزومة وغير معترفة بهزيمتها، فالذكورية العربية غير قادرة على صنع شيء في الحياة، وطوال الوقت تصيح «انتصرنا»، ومع كل خبطة تأخذها «تعود لتقول انتصرنا»، وهاتان الصفتان اللتان تتصف بهما حالتنا الإسلامية «الذكورية والأصولية» تحول المرأة إلى الحلقة الأضعف والاستهداف الأكبر الذي يتم التركيز عليه أكثر من أي استهداف آخر فيما يتعلق بالشأن العام، ويكون الاستهداف الثاني مباشرة بالثأر من الذكورية المهزومة هو الأقليات الدينية، فما أسهل أن تثبت رجولتك أمام المرأة، وما أيسر أن تبين تجبرك أمام أقلية دينية، وهذا موجود بمصر وخارج مصر، فهم لا يريدون نساء ولا أقباطا، وذلك لأن الحداثة أعطت لهذا القبطي الحق في أن يكون متساويا بالمسلم.. أعطت له الحق في أن يكون مواطنا، وأن يكون له دور في دولته.. نفس الحقوق منحتها الحداثة للمرأة، لكن المجتمع العربي للأسف فشل في تفعيل فكرة الدولة المؤسسية، وأستطيع أن أقول إن هناك في كثير من الدول العربية حالة فشل في صنع دولة حديثة، فلا هناك تطبيق لقانون ولا توجد مؤسسات تعمل، فكلها جامدة ليست لديها سياسة أو استراتيجية واضحة، وليس هناك تداول سلطة ولا تجارب حقيقية يقدمها أحد، لكن هذا المناخ الذي هو ضد الحداثة بكل أشكاله جعل القبطي يضطر أن يصبح هو الآخر أصوليا، وبالتالي ضاعت فرصة أن يستمر الأقباط في خط المواطنة التي أعطتها الحداثة لهم لأن سياسة المنع والتطرف جعلتهم هم الآخرون أصوليين، وبالمثل ضيعت الفرصة على المرأة التي أخذت أقساطا من الحرية في أن تكمل مشوارها على طريق الحداثة والحضارة.

ما تحليلك الاجتماعى لظاهرة النقاب؟

– لكي أحلل ظاهرة النقاب اتبعت أسلوب علم الاجتماع بالمشاركة، حيث أضع نفسي محل المنتقبة وعندما ارتديت النقاب ونزلت للطريق وتحدثت مع منتقبات لم تتحدث إحداهن باسم الدين، ولكن تبين لي أن النقاب يتم وضعه تلمسا لمزيد من الحرية في التنقل والفعل والقيام بالأفعال الممنوعة وكأن هناك حالة تواطؤ بين المنتقبة والمجتمع أي أن لها الحق في أن تستتر إذا هي ابتليت بالمعاصي ولأن الدين أصبح شكليا فالأخلاق الأساسية التي تنادى بها كل الديانات من «لا تكذب، لا تغش، لا تسرق، لا تقتل» أصبحت غير موجودة وهذا يشير إلى أن المجتمع استسلم للأصولية الدينية وفى الوقت نفسه للانحطاط الأخلاقي، وخطورة النقاب هو أنه يعطيك إحساسا رهيبا بالقوة، وهذا ما شعرت به عندما نزلت للشارع بالنقاب، حيث تستطيع المرأة به أن تصنع أشياء منعها المجتمع من صنعها مثل أن ألتقى بأي رجل أريده اطمئنانا إلى أن النقاب يعمل كقناع يحمى شخصيتي من الناس، بل إنني توصلت لنتيجة عكسية لما توصلت إليه أ.نهاد أبو قمصان الناشطة في حقوق المرأة من أن المنتقبات والمحجبات أكثر عرضة للتحرش، فبالعكس لم أتعرض إلا لكل تبجيل واحترام، ولم أقابل إلا بكلمتين من التبخير الديني «ما شاء الله» والرجال كانوا يفتحون لي الطريق وأنا أرتدي النقاب وفى المترو يقف لي الرجال فقد قررت أن آخذ بثأري من المترو، وشارع طلعت حرب بقدر المضايقات التي تعرضت لها وأنا غير محجبة، ووقفت في وسط الشارع ووقفت لي العربات بمنتهى الاحترام الذي يجعلك تشعرين بالهيبة وقد حكت لي منتقبات أنهن يتمتعن بكامل الحرية بخلاف منتقبات أخريات ممنوعات من الخروج للشارع وخاصة زوجات الشيوخ، وخطورة النقاب أنك قد تهربين من العقاب وتزيفين حقائق الأخلاق.

ولكن كيف بدا لك المجتمع خلف النقاب؟

– شبهت تلك الحالة وردود أفعال الناس اللامنطقية برسومات سلفادور دالى السريالى والرسم السريالى يعتمد على أن تضعي في قلب اللوحة أشياء ليس بينها أي رابط منطقي، كأنك ترسمين طاولة مطبخ عليها فيل فالمجتمع أصبح كذلك سرياليا، ليس هناك أي رابط منطقي في الحكم على الأمور أو التعامل مع الإنسان والأشياء، مثل تقليعة جديدة أن يصدر باب التاكسي صوت آية قرآنية عند فتحه، أو أن تذهبي لمحل كوافير فتجدي من يصفف شعرك يقرأ في المصحف وهو يقوم بعمل – بمقاييس السلفيين – حرام.. اختلط الحابل بالنابل وليس لكل مقام مقال بهذا المجتمع المجنون، وحتى المنتقبات والمحجبات لم يسلمن من ازدواج المعايير، فكثيرا ما تجد منتقبة تضع الكحل بعينيها ومحجبة تلبس «البادي الضيق» فهؤلاء يعبرن عن أنوثتهن ولكن تحت مظلة إسلامية، وكأن لسان حالهن يقول للمجتمع إذا كنتم لا تريدوننا أن نبرز الفتنة فتنتنا فسنضع الحجاب ولكننا سنعرف كيف نثأر لأنوثتنا.

ولكن هناك من ينادى بأن الحجاب حرية شخصية؟

– هذا تجاهل صارخ للضغط الهائل الممارس من أجل الحجاب والنقاب من قبل المجتمع والأب والأخ على السيدة والفتاة من أجل رمى كل السافرات في النار مسبقا، الحرية الشخصية تتطلب أن يكون الاختيار بلا تأثير من المحيطين، ولكن هذا غير حقيقي، وإلا لماذا لم ترتد الفتيات الحجاب والنقاب من عشرين سنة إذا كان الأمر حرية شخصية من البداية، ولكن حتى النساء اللاتي يقلن إنهن ارتدين الحجاب والنقاب بكامل إرادتهن يشعرن بالأمان في هذا القول لأنه ينفى عنهن صفة القطيع والتبعية.

هل ترين في النقاب نوعا من الهوس بالذات؟

– بالتأكيد، وعموما تلك سمة من سمات العصر لأن هناك شيئا تغير على البشرية وهو أن المرايات أصبحت كثيرة والنجمات اللاتي بدأن في العشرينيات من عمرهن أصابهن العجز الآن وصرن في الستينيات وعندما تراهن كأنك ترى نفسك بعد مرور الزمن فيصير هناك نوع من الهوس فلست أنت أجمل واحدة ولا أصبى واحدة وعندك إحساس أنك لن تكوني بالمشهد العام ومعطيات الواقع تمنعك من أن تكوني به فتتحولي إلى هذا الشبح المخيف وذي الجلالة والهيبة والذي يحمل نوعا من الغموض والإيحاء وكأنها تقول إنها واعدة ويتم التركيز فقط على العيون وهذا يمثل إغراء كبيرا جدا لكثير من الرجال وهذا ضمن لعبة الجنسين.

إذن نستطيع أن نقول بهذه الصورة أن المرأة يتم اختزالها في الجسد؟

– إذا جاز التعبير في أن المرأة تحدث لها عملية تشيئ تكون الخطورة أن تلك الحالة تنعكس على الأبناء، فمن النادر أن يأخذ الولد أو البنت مسافة بعيدة عن هذا الانعكاس، والمتضرر الأساسي هي المرأة خاصة عندما يتقدم بها السن لأن جزءا من الجمال في الصبا، وعندما علمها المجتمع أن رصيدها في الحياة هو جسدها صارت كلما كبرت في السن بلا رصيد، وتكبر عندها عقدة الإحساس بالذنب، لأنها تشعر أنها استسلمت من البداية لهذا الوضع، وتكون تلك الحالة بسبب انعدام الثقة، فتحمل نفسها مسئولية، وتزرع عند أولادها ثقافة الإحساس بالذنب وثقافة جلد الذات، وهى ثقافة هدامة، وهذا إخطار ما قد يحدث للأولاد، كما أن الجهد الذي من المفروض أن تقوم به الأم لكي تفصل تجربتها الشخصية عن ابنها أو بنتها لا يبذل، لأنهن مقهورات ومظلومات كثيرا.

وفى المقابل يتكلم الكثيرون عن وجود حالة هوس بالتعرية في الفيديو كليب وفى الشاشة الافتراضية؟

– عندما تكون العين الحقيقية لا ترى إلا المرأة المغطاة فالعين الافتراضية تريد أن تشبع بنساء عاريات، وهذا يفسر أن هناك شبابا إسلاميين يتابعون الفيديو كليب بهوس، وأهم النجمات الآن في مصر هن اللاتي يتعرين، لأن الناس محرومة، فالمطربات الأكثر جدلا وحديثا عنهن هن هيفاء ومروة، وتلك الحالة يتم تلخيصها بأنها من منتجات الذكورة المهزومة.. لهذه الأسباب أصبح الآن في الفضاء العربي 17 قناة إباحية لأن العين غير مرتوية في حين أنه بلبنان ليس لتلك النجمات نفس الشعبية الموجودة بمصر لأن تلك الفتاة تلبس مثل أخته وأمه وجارته، والفتاة تمشى في الشارع بنفس الملابس وبلا ابتذال، ولا ينظر لها أحد على أنها أتت شيئا خارجا عن المألوف، لأن العين مرتوية، وللأسف فمعظم ما يقدم على الشاشة ليس إغراء، ولكن عرى وابتذال، فالإغراء يخاطب المخيلة والعرى يخاطب الغريزة والتطرف لا يجلب إلا تطرفا وليس هناك خيال في أي مناحي الحياة لدينا كما أن هناك مشكلة أنه في مصر هناك أسطورة النجوم، والتي تعكس قمة التناقض، فتجد في رمضان شهر الروحانيات تَمْر نانسى عجرم وبلح هيفاء وتكون النكتة السائدة لدى المجتمع المتدين الذي يحرم الفن أن الرجال يريدون لنسائهم أن «تتعجرم» أي تتشبه بنانسى عجرم.

إذن لماذا صاحب هذا التحجب انحطاط أخلاقى ؟

– لأن هذا النوع من التدين فيه عنف وكراهية وشكليات على الرغم من أن حجاب «ستى» لم يكن يحمل كراهية وكانت تضفر شعرها فكان حجابا «مرحرح». – أما حجاب الآن فهو حجاب قابض وخانق وفيه غلو، وكأن النساء يعاقبن أنفسهن على ما عاقبهن المجتمع به، بالإضافة لانتشار حالة القهر العامة، فالأب مظلوم في الحياة ولا ينال حقوقه يعمل ولا يأخذ الكثير ويقهره رئيسه في العمل، فيعود للمنزل ليصبح «الله بالمنزل» ويمارس دوره في قهر زوجته وأولاده، وللعلم أكثر أنواع الظلم حدة هو ظلم المظلوم. – كما أن هناك مشكلة كبيرة، وهى أن النخبة بالمجتمع لا تتعاطى بشجاعة مع الخطر القادم ولا تريد أن تجعل الناس تشعر به، فهناك أوركسترا من الكذب والتجاهل العام عن خطر حجمه أكبر مما يمكن التغاضي عنه، وهناك حالة عامة وجد فيها رجال الدين دورا أكبر بكثير من حجمهم ولكنهم استغلوا الموقف.

قلت إن هناك علاقة بين كمنا النسائي وبين الحرب ضد أمريكا وإسرائيل ؟

– نعم، وتلك العلاقة تدل على الفراغ وتظهر العجز الصارخ، فالغرب يستخدم السلاح والاتفاقات للسيطرة على البترول، ونحن نرد بتحجيب المرأة عمليا أي نرد بسلاح غير متوازن بالمرة لتأكيد هويتنا و،أبدا لا يكون تأكيد الهوية بالحجاب فنحن في معركة نغوص من خلالها في رمال متحركة أوقعنا فيها التدين السطحي المتطرف، وجعلنا نشعر طوال الوقت أننا نرد الصاع صاعين للغرب الكافر بينما نحن نغوص في الرمال حتى الأعناق.

 

المصدر : روز اليوسف