عظة البطريرك صفير31/08/08

تحدث فيها عن عن الواقع المسيحي اليهودي ونزاع يوم السبت

الديمان، لبنان الأحد 31 أغسطس 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير يوم الأحد في  كنيسة الصرح في الديمان بعنوان "الامتناع عن العمل يوم السبت طريقة للتشبه بالله

"يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين أن الله خلق العالم في سبعة أيام وفي اليوم السابع استراح(تك2:2) والانسان كان يستريح يوم السبت من أعماله، في العهد القديم، على مثال الله. لكن بعد أن جاء المسيح، أصبح يوم الأحد الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، يوم راحة. وهذا ما أراد البابا بنديكتوس السادس عشر أن يشرحه في كتابه "يسوع الناصرة". وكان ذلك موضوع جدل بين اليهود وإليكم مداره.

نزاع يوم السبت
لنتابع حوار ناسنر- اليهودي المؤمن – مع يسوع، ولنبدأ بالسبت. بالنسبة الى اسرائيل، المحافظة بدقة على يوم السبت هو التعبير الاساسي عن وجوده بوصفه حياة في العهد مع الله. وحتى القراءة السطحية للاناجيل تسمح بان نعرف ان النزاع لمعرفة ما يجب او لا يجب عمله، يوم السبت، هو في صميم النقاش الذي اثاره يسوع مع شعب اسرائيل زمانه. والشرح العادي يكمن في القول ان يسوع قاطع ممارسة قانونية محدودة لكي يجود على اسرائيل بمفهوم أسخى وأوسع، فاتحا هكذا البابا لممارسة معقولة، ومتوافقة مع كل موقف. والبرهان على ذلك الجملة التالية:" ان السبت جعل للانسان وليس الانسان للسبت".حيث نجد مفهوما للواقع يرد كل أمر الى الانسان، وهذا ما يستنتج منه بوضوح تفسير "متساهل" للوصايا. وبرزت من الجدل حول السبت ، صورة يسوع متساهل. ان انتقاده يهدوية زمانه هو الانتقاد الذي يقوم به انسان متساهل عاقل لعقلية قانونية متجمدة، لا يكون أساسها غير الخبث، وهو يجعل من الدين نظام وصايا تستعبد الانسان، وهي في النهاية غير معقولة تمنع الانسان من ان يوسع عمله وحريته. ومعلوم ان هذا التفسير ما كان بامكانه ان يعطي عن اليهودية صورة محببة، صحيح ان النقد العصري، ابتداء بنقد البروتستانت، كان يرى في "العنصر اليهودي" بمفهومه هذا موجودا في الكاثوليكية.

مهما يكن من أمر، ان ما يدور عليه الجدل هنا هو يسوع- من كان في الواقع، وماذا كان يريد حقا- ومسألة الواقع اليهودي والمسيحي: هل كان يسوع حقا حاخاما متساهلا، سابقا للتساهل المسيحي، هل يكون مسيح الايمان، وبالتالي كل ايمان الكنيسة، خطأ جسيما.

نوسنر يضع جانبا هذا التفسير بسرعة عجيبة، وبامكانه ان يفعل ذلك، لانه يشير الى موضوع الخلاف الحقيقي بطريقه مقنعة كل الاقناع. وفي ما خص الجدل المتعلق بالتلاميذ الذين يقتلعون السنابل، فهو يكتفي بالقول:" ان ما يقلقني ، بالتالي، ليس ان التلاميذ خرقوا وصية المحافظة على السبت . ان هذا سيكون سخيفا ويمر الى جانب ما هو جوهري". لا شك في اننا عندما نقرأ الجدل حول الشفاءات التي تمت يوم السبت والروايات عن حزن المسيح وغضبه من جراء قساوة قلب ممثلي تفسير السبت السائد، نرى ان الامر، في هذا الجدل القائم على قضايا اساسية، يتعلق بالانسان وبخير طريقة لتكريم الله، وفي هذا السياق، ان هذا الوجه من الصراع ليس على وجه التأكيد "بسيطا". ولا شك في ان نيسنر هو على حق، عندما يرى ان عقدة الخلاف في الجواب الذي أجابه يسوع في ما خص الجدل على السنابل المقتلعة يوم سبت.

ان يسوع يدافع عن الطريقة التي سد التلامذة بها جوعهم، باستلهامهم اولا داود الذي أكل خبز التقدمة في بيت الله مع رفاقه ، " وهذا لم يكن مسموحا به لا له ولا لرفاقه، بل للكهنة وحدهم". وبعد ذلك تابع يقول:" او لم تقرأوا في الشريعة ان الكهنة في السبت يسبيحون حرمة السبت في الهيكل ولا حرج عليهم؟ فأقول لكم : ههنا اعظم من الهيكل، لو فهمتم معنى هذه الآية: انما أريد الرحمة لا الذبيحة ، لما حكمتم على من لا حرج عليه، فابن الانسان سيت السبت، ويعلق نيسنر بقوله:" بامكان يسوع ولاميذه ان يصنعوا ما يصنعونه يوم السبت لانهم اخذوا مكان الكهنة في الهيكل: المقدس انتقل. فهو من الآن وصاعدا يتالف من حلقة يسوع وتلاميذه.

لقد حان الوقت لنتوقف قليلا لنرى ما كان يعني السبت لاسرائيل، ولنفهم رهان هذا الجدل. ان الله استراح في اليوم السابع، تقول لنا رواية الخلق". في هذا اليوم نعيد الخليقة". يستنتج نيسنر بحق. ويتابع القول:"الامتناع عن العمل يوم السبت هو اكثر من القيام بطقس عن طاعة دقيقة. انها طريقة للاقتداء بالله، فهذا جزء لا يتجزأ من السبت، لس فقط على الطريقة السلبية بالامتناع عن اي نشاط خارجي، بل على طريقة وضعية هذه المرة،"الراحة" التي يجب ان تجد تعبيرا واسعا: للمحافظة على السبت، يجب ان يبقى الانسان في بيته. فالامتناع عن العمل لا يكفي. يجب ايضا ان يرتاح، وهذا يعني على الصعيد الاجتماعي، ان يجتمع شمل العائلة يوما في الاسبوع. وفي هذا الاطار يشعر كل انه في بيته وفي محله؟" فالسبت ليس فقط مسألة دينية شخصية، انه نواة نظام اجتماعي: هذا اليوم يجعل من اسرائيل الابدي ما هو، الشعب الذي يستريح في اليوم السابع من خلقه، كما استراح الله بعد خلقه العالم".

في هذا السياق، يجدر بنا دونما شك، ان نبدأ بالتفكير بمجتمعنا المعاصر، وان نرى كم هو خلاصي ان تستطيع العائلات ان تقضي يوما معا، وان تجعل من منزلها المكان الذي تتم فيه المشاركة في جو من راحة الله، ولكن لنتمتنع عنا عن هذا النوع من الاعتبارات، ولنبق في حوار بين يسوع واسرائيل، وهو ايضا حوار بين يسوع وبيننا، كما هو اليوم حوارنا مع الشعب اليهودي.

ان موضوع "الراحة" ، كعنصر يؤلف يوم السبت، يفسح في المجال لنيسنر لكي يرجع الى صرخة الفرح التي اطلقها يسوع والتي سبقت، بحسب انجيل متى، حادثة السنابل التي اقتلعها التلاميذ. وهذا ما يدعى صرخة الفرح المسيحاني التي تبدأ هكذا:" احمدك، يا أبت، رب السماوات والارض، قد حجبت هذا عن الحكماء والاذكياء وكشفته للاطفال". في تفسيرنا المعتاد، ان هذين النصين الانجيليين يبدوان مختلفين كل الاختلاف احدهما عن الآخر: احدهما يتكلم عن ألوهة المسيح، والثاني عن جدل السبت. ويبدو، لدى نيسنر بوضوح، ان النصين مرتبطان كل الارتباط، لان الامر يتعلق في كلتا الحالتين بسر يسوع،:ابن الانسان"، الابن بامتياز .

واليكم العبارات التي تسبق حالا حادثة السبت:" تعالوا الي جميعا، ايها المرهقون والمثقلون، فانا أريحكم. احملوا نيري وتتلمذوا لي، انا الوديع والمتواضع القلب، تجدوا الراحة في نفوسكم، لان نيري لطيف، وحملي خفيف".عادة هناك من يعطون عن هذا التعبير تفسيرا فيه امثولات أدبية، انطلاقا من خلفية ان يسوع هو متسامح: ومفهوم الشريعة المتسامح الذي هو مفهوم يسوع، يسهل الحياة، اذا قيس بالتشدد اليهودي المتقيد بالحرف". عمليا ان هذا التفسير ليس مقنعا، لان اتباع المسيح ليس سهلا، وبعد ان يسوع لم يؤكد ذلك.اذن؟

يبرهن لنا نيسنر ان ليس في الامر صيغة ما تدل على عقيدة أدبية، بل هناك نص لاهوتي رفيع المستوى، ومن باب الدقة، انه نص مسيحاني. ان موضوع الراحة، وموضوع التعب والثقل المرتبط به يربطان النص بمسألة السبت. والراحة المشار اليها لها علاقة بيسوع من الآن وصاعدا. وتعليم يسوع، في ما خص السبت، يبدو في الانسجام القائم بين صرخة الفرح والعبارات التي تجعل من ابن الانسان سيد السبت. اليكم المختصر الذي يعطيه نيسنر عنه:" ان نيري خفيف، واني أريحكم. ان ابن الانسان هو حقا رب السبت. والحال ان ابن الانسان هو من الآن وصاعدا سبت اسرائيل، وهكذا اننا نعمل مثل الله".

في الوقت الحاضر ، باستطاعة نيسنر ان يؤكد بوضوح اكثر من ذي قبل:" ما من عجب ان يصبح ابن الانسان رب السبت ليس لانه يشرح شرحا واسعا تقييدات السبت، لم يكن يسوع مصلحا ربانيا يرغب في "تسهيل" الحياة على الناس، لا ليس الامر في ان يخفف الحمل، ذلك ان سلطة يسوع هي على المحك". الآن المسيح هو على الجبل، الآن يأخذ محل التوراه". محادثة اليهودي المؤمن مع يسوع، تلمس هذه النقطة الحاسمة، وسأل، وهو خائف خوفا يشرفه، ليس يسوع عينه، بل تلميذ يسوع:" هل معلمكم، ابن الانسان هو حقا رب السبت واسأل مرة ثانية: هل معلمكم هو الله؟.

هذه اذن هي عقدة النزاع، وقد ظهرت الى العلن. ان يسوع يرى نفسه انه هو التوراة، ككلام الله بالذات. ومقدمة انجيل يوحنا على ما فيها من جلال" في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله"- لا يقول الا ما أكده يسوع في الخطبة على الجبل، وفي الأناجيل الأزائية. ان يسوع الانجيل الرابع، ويسوع الاناجيل الثلاثة الازائية هما شخص واحد، هو عينه يسوع التاريخي الصحيح.

ان لب الفرق الخاص بالسبت يتعلق بقضية ابن الانسان، قضية يسوع المسيح عينه، وانا نرى مرة جديدة الى اي حد كان هارناك(وهو لاهوتي بروتستانتي) ومعه الشرح الحر، مخطئين، عندما كان يفكر بان الابن، وبان يسوع لم يكن له محلة في الانجيل: وهو في الحقيقة دائما في وسطه .

ولكن علينا الآن ان نرى وجهة اخرى من المشكلة، وهي مشكلة تظهر بوضوح في ما يتعلق بالوصية الرابعة: وهذا ما صدم الحاخام نيسنر في رسالة يسوع بالنسبة الى السبت، وليس فقط ميزة يسوع عينه المركزية. وهو ما يبرزه بوضوح، ولكنه لا يضعه موضع الشك. وان ما يضع موضع الشك، انما هو النتيجة التي تتحصل بالنسبة الى حياة اسرائيل العملية : السبت يفقد من أهمية وظيفته الاجتماعية . إن السبت هو جزء من العناصر الأساسية التي تضمن تماسك إسرائيل بما أنه إسرائيل وما إن وضع يسوع في الوسط حتى تهدم هذا البناء المقدس وتهدد عنصر جوهري من تماسك الشعب.

ايها الاخوة والابناء الاعزاء،

شريعة المسيح هي شريعة الرحمة بخلاف الشريعة اليهودية القاسية المحافظة على يوم السبت شيء حسن، ولكن السبت جعل للانسان وليس العكس صحيحا. ويمكن الانسان ان يعفي نفسه من المحافظة على السبت، اذا كان في الامر ضرورة، وهذا ما فعله داود عندما جاع هو ومن معه، فأكلوا خبز التقدمة. وهناك مبدأ لاهوتي يقول: الضرورات تحل من المحظورات".